وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

إيران ودول الخليج: سياسة الواقع والصراع من أجل التفوق

President-Hassan-rouhani-welcomes-Kuwaits-Foreign-Minister-Sheikh-Sabah-al-Khaled-al-Hamad-al-Sabah
الرئيس حسن روحاني، اليمين، يستقبل وزير خارجية الكويت الشيخ صباح الخالد الحمد الصباح في طهران، إيران، 25 يناير 2017. Photo AP

تدهورت العلاقة بين دول مجلس التعاون الخليجي وجمهورية إيران الإسلامية تدريجياً منذ الثورة الإسلامية في عام 1979. فتيلٌ آخر أشعل الخلافات أخيراً في أعقاب إعدام المملكة العربية السعودية للمعارض الشيعي نمر النمر في يناير 2016، وكما ذُكر، بتهمة التحريض على الفتنة، من بين تهمٍ أخرى. واحتجاجاً على ذلك، تهجمت الجماهير الإيرانية وحطمت السفارة السعودية في طهران وقنصليتها في مدينة مشهد، بناءً على أوامر من عناصر متشددة في النظام الإيراني. وبالتالي، قطعت الرياض والبحرين جميع علاقتهما الدبلوماسية مع طهران. أما دول مجلس التعاون الخليجي الأخرى، فإما خفضّت مستوى علاقاتها مع إيران أو أدانت الأحداث بشكلٍ صريح.

تزعم الدول الست الأعضاء فى مجلس التعاون الخليجى (السعودية والكويت والبحرين وقطر والامارات وعُمان) أن إيران تتدخل فى شؤونها الداخلية منذ عام 1979، بيد أن هذا الامر لم يلقى آذاناً صاغية على الصعيد الدولي. وطالما يستمر تدفق النفط والغاز من الخليج العربي بسعرٍ معقول ودون انقطاع، فإن الغرب قد لا يكون مهتماً، على وجه الخصوص، بمحاولة معالجة الصراعات بين الدول في المنطقة.

وعلاوة على ذلك، يشكل الخطاب الثوري للجمهورية الإسلامية الشيعية مصدر إزعاجٍ مستمر لجيرانها العرب السُنة. فقد تحدث روح الله الخميني، مؤسس النظام الإسلامي في إيران، عن أسرة آل سعود بنفورٍ كبير وذكرها بأشد العبارات المهينة في وصيته. ومن جهته دعا الملك السعودي الراحل، عبد الله، الولايات المتحدة إلى “قطع رأس الثعبان،” أي تدمير المنشآت النووية الايرانية، وفقا لبرقياتٍ دبلوماسية أميركية مسربة.

كما تتهم دول الخليج ايران بدعم عناصر متطرفة داخل المعارضة الشيعية للحكومة في البحرين، وتسليح المتمردين الحوثيين في اليمن. وتعارض دول الخليج المساعدة العسكرية الإيرانية لنظام الأسد في سوريا، فضلاً عن العلاقة بين طهران وحزب الله في لبنان والميليشيات الشيعية في العراق. وفي مارس 2015، شن ائتلاف سني يقوده السعوديون حملة عسكرية ضد الحوثيين في اليمن، والتي لا تزال مستمرة بعد عامين.

وعليه، يكمن الانقسام الشيعي السني في جذور الصراع بين إيران وجيرانها العرب، باعتبار أن رعاة الطائفتين المسلمتين، طهران والرياض على التوالي، مستعدون لتعزيز ودعم معتقداتهم الطائفية. ويمكن النظر إلى النزاعات في اليمن وسوريا والبحرين في هذا السياق، إلا أنه أيضاً نتيجة لصراع عادي بين قوتين إقليميتين.

وبما أنّ هذا هو حال السياسة، يُطلب من اللاعبين ممارسة سياسة الواقع. وعليه، يسعى كلا المعسكرين إلى إرساء التحالفات وكلاهما يبرران مناوراتهما السياسية المتعارضة بصلتها بالمذاهب الدينية. ومن الواضح أنه لا يمكن أن يكون هناك فائزٌ واضحٌ وصريح في هذه الحرب، كما لا يمكن أن يكون هناك خاسرٌ تدريجي. فعامل التوازن الذي يحمي مصالح القوى الكبرى لا يسمح بظهور هيمنةٍ إقليمية، إلا أنه يمكنها التعايش مع حرب استنزافٍ تستنزف موارد الفصائل المتحاربة، وتثري خزائن مصنعي الأسلحة، وتضمن اعتماد الأطراف المتحاربة على مورديها من الأسلحة ومشتري النفط.

وكان نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية الكويتي، الشيخ صباح خالد الصباح، قد زار ايران فى يناير الماضي 2017 برسالة مكتوبة من مجلس التعاون الخليجى. ونقل عنه قوله تأكيد “ضرورة تسوية الخلافات وإزالة سوء الفهم بين دول المنطقة في أجواء هادئة ومن خلال حوار صريح.” وقد قيل أن رد فعل إيران الأولي على هذه البادرة التوفيقية مشجع، فقد زار الرئيس الايراني حسن روحاني كلاً من الكويت وعُمان. ومع ذلك، لم تكن هناك مؤشراتٌ أخرى على ذوبان الجليد في أي من ساحات الصراع بين الجانبين.

عاملٌ واحدٌ مهم قد غيّر اللعبة اليوم. فقد أدى انتخاب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وإنحرافه الجذري عن نهج سلفه في استيعاب طهران، إلى إثارة سخط الجمهورية الإسلامية. واليوم، تشعر الدول الساحلية على الخليج العربي بأن هناك فرصة سانحة للحصول على دعم واشنطن في مواجهة الأنشطة الإيرانية. وعلى الرغم من أنه لا يبدو أن البيت الأبيض قد صاغ حتى الآن أي سياسة حازمة بشأن إيران، تُشير جميع الدلائل إلى نهجٍ أكثر صرامة من قبل الولايات المتحدة، والذي يمكن أن يشمل اشتباكاً عسكرياً.

ومن الواضح أن المنطقة تشهد حالةً من التقلب، كما تشير درجة عدم اليقين وعدم الاستقرار إلى تغيرات في توزيع السلطة وتحولاتٍ في التحالفات. وفي الوقت الراهن، يمكن أن تعتمد إيران على علاقاتها الوثيقة مع موسكو، كما ظهر من زيارة الرئيس روحاني للكرملين في أواخر مارس 2017. وطالما تريد موسكو إبقاء نظام الأسد في السلطة في دمشق، فإنها تحتاج إلى الدعم العسكري الإيراني. ومع ذلك، فإن موقف الولايات المتحدة الأكثر عدوانية تجاه طهران، يمكن أن يجعل إيران أكثر عرضة للهجوم في العديد من ساحاتها القتالية الإقليمية.