بعد أن خلف سلمان بن عبد العزيز آل سعود أخيه غير الشقيق، ملك المملكة العربية السعودية وخادم الحرمين الشريفين في 23 يناير 2015، عمد إلى استبدال العديد من أعضاء مجلس الوزراء. وشمل هذا الزلزال، والذي يعدّ الأكبر في تاريخ السعودية السياسي، استبدال الأمير سعود الفيصل، الأطول خدمةً على مستوى وزراء الخارجية في العالم، بعادل الجبير، سفير المملكة في واشنطن آنذاك. ويعتبر الجبير ثاني شخص من خارج العائلة المالكة يتقلد منصب وزير خارجية المملكة.
سنواته الأولى
ولد الجبير في عام 1962، وتلقى تعليمه الابتدائي في ألمانيا حيث كان والده، أحمد محمد الجبير، يعمل في المحلقية الثقافية في السفارة السعودية في بون. أكمل الجبير تعليمه العالي في الولايات المتحدة، وفي عام 1982، حصل على درجة البكالوريوس في العلوم السياسية والاقتصاد من جامعة شمال تكساس. وفي عام 1984، حصل على درجة الماجستير في العلاقات الدولية من جامعة جورج تاون، وفي عام 2006، حصل على الدكتوراه الفخرية في الرسائل الإنسانية من جامعة شمال تكساس.
انضم الجبير إلى السلك الدبلوماسي السعودي في عام 1987، وتم نقله إلى السفارة السعودية في واشنطن، حيث عمل كمساعدٍ خاص للأمير بندر بن سلطان، ثم سفيراً.
كان أول ظهورٍ له كمتحدثٍ باسم الحكومة السعودية في عام 1991 خلال حرب الخليج الأولى. وكان جزءاً من الفريق السعودي الذي أنشأ مكتب معلومات مشترك في الظهران، وهي مدينة في المنطقة الشرقية للمملكة العربية السعودية، أثناء عملية درع الصحراء/ عاصفة الصحراء.
كما كان عضواً في وفد مجلس التعاون الخليجي في مؤتمر مدريد للسلام في أكتوبر 1991، وعضواً ضمن الوفد السعودي في المحادثات المتعددة الأطراف للحد من الأسلحة في واشنطن في عام 1992. وفي ديسمبر 1992، أوفد مع القوات المسلحة للمملكة السعودية إلى الصومال كجزءٍ من عملية إعادة الأمل. كما كان عضواً في الوفد السعودي لدى الجمعية العامة للأمم المتحدة في الفترة 1994-1995.
وعلاوة على ذلك، تمكن خلال أيام عمله في السفارة في واشنطن من بناء شبكة قوية في حي كابيتول هيل ومع وسائل الإعلام الأمريكية ومجموعة من مراكز الدراسات الفكرية في المدينة.
وقال دبلوماسيون عرب أنه كان يُنظر إلى الجبير بدايةً، كونه من خارج العائلة المالكة، باعتباره رجل الأمير بندر في واشنطن. وبعدها، أمره الملك عبد الله، الذي كان يشغل آنذاك منصب ولي العهد، بالعودة إلى الرياض عام 2000 وبدأ بتهيأته ليصبح رجله في واشنطن.
وفي أوائل العقد الأول من القرن العشرين، أصبح رسمياً، وإن كان لفترةٍ وجيزة، مستشاراً للملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز. وقد أعيد إلى واشنطن بعد هجمات 11 من سبتمبر الإرهابية، التي ألحقت ضرراً كبيراً بالصورة العالمية للمملكة العربية السعودية، بعد أن أصبح واضحاً أن 15 من الخاطفين الـ19 كانوا سعوديين.
وعندما عاد الجبير إلى واشنطن بعد سنواته في الرياض، كان رجلاً مختلفاً جداً. فبعد أن تزوج من فرح الفايز، وأصبح أباً لثلاثة أطفال وزوج أم لطفليها التوأم، تخلى عن بدلاته ذات النمط الغربي، ليصبح شخصية رصينة في أثوابه التقليدية.
لعب دوراً حيوياً في تخفيف حدة التوتر بين المملكة والغرب. فقد ساعده تحدثه اللغة الألمانية بطلاقة فضلاً عن لغته الإنجليزية المتقنة بلكنةٍ أمريكية على معالجة العديد من الأسئلة والانتقادات الموجهة إلى المملكة في ذلك الوقت. أصبح وجهاً للسعودية من خلال الظهور في المئات من البرامج التلفزيونية والمقابلات الإعلامية الأخرى. كما قام بجولةٍ في الولايات المتحدة، حيث أجرى محادثاتٍ مع المجالس المختلفة (مثل مجالس الشؤون العالمية في أمريكا، المكرسة لتعليم وإلهام وإشراك الأمريكيين في الشؤون الدولية) ومع الجامعات والمنظمات المدنية ومؤسسات الأعمال والمجموعات المهتمة الأخرى، في محاولةٍ لإعادة بناء الثقة الغربية بوطنه.
إن ثقة الجبير ودبلوماسيته المكوكية بعد هجمات 11 سبتمبر أكسبته ثقة العائلة المالكة من جهة والمؤسسة الأمريكية من جهةٍ أخرى. وبالإضافة إلى ذلك، منحته خدمته إلى جانب الملك عبد الله مكانةً لم يحظى بها سوى عدد قليل من الدبلوماسيين.
فقد نسق الحوار الاستراتيجي الأمريكي السعودي، الذي أطلقه الملك عبد الله والرئيس جورج بوش، كوسيلةٍ لإضفاء الطابع المؤسسي على العلاقات بين البلدين وتعميق التنسيق بشأن القضايا الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية ومكافحة الإرهاب.
وقال مروان المعشر، السفير الأردني السابق في الولايات المتحدة، “في كابيتول هيل، كان عادل الوجه الليبرالي السعودي للعالم الغربي، إذ حقق نجاحاً كبيراً بواسطته.” وأضاف “كان رجلاً سلساً.”
وقال ستيف كليمونز، وهو مدون ومحلل في السياسة الخارجية على معرفةٍ شخصية بالجبير، “اعتبر البعض أن”عادل” من الشخصيات المستهترة، إلا أنه لم يكن رجلاً اجتماعياً مألوفاً فحسب، بل فارساً عرف كيفية استغلال واشنطن.”
العمل الدبلوماسي
في 29 يناير 2007، تم تعيين الجبير سفيراً في الولايات المتحدة برتبة وزير. ومن بين الأحداث المهمة في حياته المهنية زيارته مع الملك عبد الله إلى الفاتيكان في نوفمبر 2007، حيث التقى الملك البابا بنديكت السادس عشر، وهو أول اجتماعٍ بين العاهل السعودي والحبر الأعظم.
وخلال فترة ولاية الجبير، وقعت المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة سلسلةً من الاتفاقيات الثنائية في مجالاتٍ رئيسية منها التعاون النووي المدني، وتعزيز الترتيبات الأمنية، وسياسات التأشيرات المتبادلة، والخدمات الصحية والطبية، والتعاون في مجال العلم والتكنولوجيا. كما أنشأ البلدان فرقتيّ عمل مشتركتين، واحدة لمكافحة الإرهاب، وأخرى لمكافحة تمويل الإرهاب.
وفي 11 أكتوبر 2011، زعم مسؤولون أمريكيون أن هناك مؤامرة مرتبطة بالحكومة الإيرانية لاغتيال الجبير في الولايات المتحدة. وقد أطلق مكتب التحقيقات الفدرالي عليها اسم عملية التحالف الأحمر. تم توجيه الاتهام إلى منصور اربابسيار وغلام شكوري في محكمة اتحادية في نيويورك بالتخطيط لعملية الاغتيال. وقال مسؤولون أميركيون أن الرجلين كانا يخططان لقتل الجبير في مطعم بقنبلة ثم قصف السفارة السعودية والسفارة الاسرائيلية في واشنطن.
المهام الرئيسية
يُشكل منصب الجبير كدبلوماسي سعودي كبير يتعامل مع الشؤون الخارجية للبلاد تحدياً حتى الآن. فخلال إدارة أوباما، حاول مناهضة التقارب الأمريكي الإيراني ومحادثات الاتفاق النووي الإيراني. وكان من أشد المنتقدين لخطة العمل الشاملة المشتركة، التي يشار إليها عادةً باسم صفقة إيران، وحاول التخفيف من تأثيرها على المملكة بالقول إن البنود الواردة في الصفقة تكفي للحد من قدرة إيران على الحصول على سلاحٍ نووي. كما انتقد رفع العقوبات المفروضة على ايران نتيجة الاتفاق النووي واعرب باستمرار عن قلقه ازاء استخدام ايران الاموال الاضافية لتمويل “الانشطة الشنيعة” في المنطقة وزيادة نفوذها.
كما تولى الملف السوري من سلفه، وهو البلد الذي كان موقف السعودية واضحاً فيما يتعلق بضرورة أن يغادر الرئيس بشار الأسد من أجل التوصل إلى حلٍ بين الفصائل المتحاربة.
ففي أوائل عام 2016، وفقاً للجبير، كانت المملكة العربية السعودية مستعدة للمساهمة بقواتٍ برية في الحرب في سوريا، بشرط أن يكون التدخل العسكري ضد الأسد جزءاً من التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة وفقط بعد استنفاذ جميع الحلول السياسية. واضاف “اذا ثبت ذلك، يتضح انه ليس هناك خيار سوى ازالة بشار الاسد بالقوة.” ومع ذلك، لم يكن لدى إدارة أوباما أي نية للقيام بذلك، كما كانت جهود السعودية في هذا الاتجاه غير مثمرة.
كما أن إحدى أهم المهام التي قام بها الجبير حتى الآن كانت تبرير التكاليف البشرية للتدخل الذي تقوده السعودية في الحرب في اليمن، المستمرة منذ أكثر من عامين. وتشمل الأرقام المروعة التي خرجت من الصراع معاناة ما يقدر بـ2 مليون طفل يمني من الجوع؛ وأسوأ تفشي لوباء الكوليرا في العالم، مع وجود 200 ألف حالة معروفة و5 آلاف حالة جديدة كل يوم؛ وحاجة حوالي 82% من السكان للمساعدة الإنسانية. غير أن الجبير شوهد يقوم بجولاتٍ من واشنطن إلى لندن من أجل الحفاظ على الدعم الدولي للعملية السعودية ضد الحوثيين الشيعة الذين استولوا على العاصمة اليمنية صنعاء. وكانت تصريحاته، سواء كانت صحيحة أم لا، متسقة دائماً فيما يتعلق بخوض السعوديين لـ”حربٍ مشروعة” ضد ما تعتبره السعودية متمردين مدعومين من إيران ودحض الادعاءات “غير الدقيقة” بشأن إصابات المدنيين. ومع ذلك، لا يبدو أن التدخل السعودي يحقق أهدافه.
وأخيراً، لعب الجبير دوراً رئيسياً في نزاع بلاده مع جارتها قطر. ومع إنشغال العاهل السعودي بإعادة تشكيل خط الخلافة والمناصب الحكومية، كان الجبير يتنقل بين العواصم الغربية لحشد الدعم للحصار الذي تقوده السعودية على قطر، الذي بدأ كطلبٍ من قطر وقف دعمها المزعوم لـ”التطرف والإرهاب،” إلا أنه توسع منذ ذلك الحين إلى خارج المنطقة.