وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

الحفاظ على الحضارات البدويّة: إعادة اكتشاف طرقات عمرها قرون

الحفاظ على الحضارات البدويّة أمر أساسي للحرص على استمرار الاعتزاز بالقيم القديمة في الشّرق الأوسط على الرّغم من تغيّرحياة البدو على مرّ العصور.

الحفاظ على الحضارات البدويّة
بدوي أردني يركب جملاً عند غروب الشمس في صحراء وادي رم جنوب الأردن. توماس كويكس / وكالة الصحافة الفرنسية

دانا حوراني

يقع وادي رم الأحمر العظيم بين وديان الأردن الواسعة، وهضابها المتكوّنة من الحجر الرّمليّ، وجبالها الشّاهقة. وهو موطن حضارات وتقاليد قديمة حافظ عليها البدو الرّحّل المحلّيّون على مرّ السّنين. أمّا اليوم فقد أصبحت هذه المساحة الصّحراويّة معلمًا سياحيًّا مشهورًا يستقطب النّاس من حول العالم ليستمتعوا بحسن ضيافته وبعثاته، من جولات السّفاري في سيّارات الجيب، ورحلات ركوب الجمال، إلى التّخييم تحت النّجوم، الّتي يقودها مرشدون سياحيّون من البدو المحلّيّين.

في شباط من هذا العام، افتُتح رسميًّا “مسار وادي رم” موفّرًا تحدٍّ لهواة المشي الباحثين عن تجربة فريدة. يمتدّ هذا المسار على 75 ميلًا، ويربط بين شبكة من الطّرقات القديمة طولها 120 كلم، ولم يكن هذا المسار ليتحقّق لولا مساعدة قبائل البدو الّذين يدعون هذه المنطقة المحميّة موطنهم. وتتضمّن هذه الطّرقات ممرّات الرّعاة، ومسارات الصّيد، وطرقات التّجارة القديمة، وأجزاء من مسار الحجّ إلى مكّة المكرّمة، وبعض أقدم خطوط التّسلّق.

أخبر بن هوفلر، المشارك في تأسيس المسار وأحد النّاشطين المتحمّسين المعنيّين بشقّ مسار سيناء في مصر، فناك بأنّ أجزاء من المسار توازي أجزاء من أحد مسارات الحجّ القديمة بين دمشق ومكّة. كانت هذه المسارات، بحسب قوله، تُستخدَم لسفر القوافل من صحارى الأردن العليا إلى أعمقها في المملكة العربيّة السّعوديّة، كما كان يستعين بها البدو المهاجرون والرّعاة الّذين يجمعون قطعانهم.

على الرّغم من أنّها من أقدم سكّان الشّرق الأوسط، تأثّرت قبائل البدو بقوّة بالأحكام المنمّطة السّلبيّة، وفرص العمل المحدودة، وغياب دعم الدّولة. وفي سعي إلى حماية هذه الحضارة المهدّدة بالانقراض، طُوِّرت مبادرات كمسار وادي رم، إلّا أنّ مع توسّع العصرنة والعولمة يخاف الخبراء من الامّحاء القاطع لعادات البدو وتقاليدهم مع مرور الزّمن.

سكّان منطقة الشّرق الأوسط وشمال إفريقيا القدماء

البدو، المشار إليهم غالبًا بـ”شعب الصّحراء“، سافروا عبر التّاريخ من الأردن، والعراق، والمملكة العربيّة السّعوديّة، واليمن، وعمان، ومصر. وإنّ التّسمية الإنجليزيّة لهم Bedouin أُخذت من العربيّة “البدو”، وكانت غالبًا ما تُستخدَم كتنميط للتّعريف بالأشخاص الّذين يعيشون حياة التّرحال التّقليديّة ويعتمدون على تربية المواشي.

جال البدو في الصّحراء آلاف السّنين عبر التّاريخ، ويقال إنّ بالإمكان تعقّب أسلافهم وصولًا إلى سلالتين: العرب الشّماليّون من نسل عدنان، والجنوبيّون من أبناء قحطان. وينبع الدّليل على هاتين السّلالتين من سلفهم الملحميّ، وهو المصدر الأساسيّ لثقافتهم الموروثة.

وككلّ اللّهجات العربيّة في منطقة الشّرق الأوسط وشمال إفريقيا، تختلف لهجة البدو العربيّة بحسب المنطقة. تُستخدَم مثلًا، العربيّة البدويّة بشكل أساسيّ في شرق مصر، وطوّر بدو بني حسّان العربيّة الحسّانيّة، فيما يتحدّث البدو في ليبيا والمناطق المحيطة بها بالعربيّة اللّيبيّة أو السّليمانيّة، كما من المتعارف على العربيّة النّجديّة في وسط المملكة العربيّة السّعوديّة، وتُسمَع العربيّة الصّحراويّة في الجزائر.

قورنَت العربيّة البدويّة بالإنجليزيّة الشّيكسبيريّة عند تحليلها تحليلًا أسلوبيًّا.

اشتهرت قبائل البدو بتربية المواشي والهجرة المتكرّرة إلى الصّحراء في الشّتاء والعودة إلى الأراضي الزّراعيّة في الصّيف. وعادة ما يقسّمون إلى مجموعات بحسب نوع الماشية الّتي يربّونها، فمثلًا من يربّون الجمال يعيشون في مساحات شاسعة من الأراضي في الصّحراء الكبرى.

يتّصف النّسيج الاجتماعيّ للبدو بالبطريركيّة والعشائريّة، فالعائلة النّموذجيّة ذات سلطة أبويّة، ويتزاوج أفرادها في ما بينهم، وتتميّز بتعدّد الزّوجات. يُعرَف رأس كلّ عائلة بالشّيخ الّذي يساعده مجلس شيوخ غير رسميّ.

تغيّرت حياة الكثير من البدو بشكل ملحوظ بعد الحرب العالميّة الأولى عندما وسّعت دول الشّرق الأوسط المعاصرة سطوتها على المناطق غير المحكومة سابقًا. بذلك، أُجبرت أو اختارت غالبيّة البدو التّخلّي عن عاداتها والامتثال للسّلطات الرّسميّة. وبفضل قدرتهم على التّكيّف والثّبات، وجد البدو أحيانًا عملًا في الجيش أو في قطاع إنفاذ القوانين، فيما وجد آخرون عملًا في قطاعَي البناء والبترول.

تحدّي العوائق

شهد صبّاح عيد، شيخ بدويّ وأحد مؤسّسي مسار وادي رم تغييرات هائلة في معالم حياته كرحّالة صحراويّ من الأردن. ففي شبابه، عاش في بيت من القشّ، ونادرًا ما كان يقلق بشأن المال عندما يتعدّى ذلك حاجته إليه لتأمين معيشة بسيطة. أمّا اليوم، فأصبح التّعليم من أولويّات مجتمعه، وأصبحت أساليب الحياة العصريّة من الطّموحات الأساسيّة.

وقال لفناك: “التّرويج للثّقافة البدويّة من خلال المشاريع التّنمويّة ضروريّ جدًّا، ليس فقط للحفاظ عليها، بل لتأمين الوظائف للأجيال الشّابّة. إذ يسمح لهم ذلك بالبقاء على اتّصال بجذورهم فيما يكسبون لقمة العيش.” يعطي الحرّ الشّديد في صحارى الأردن الشّباب فرصة أخذ قسط من الرّاحة خارج موسم السّياحة، ما يسمح لهم بالبقاء مع عائلاتهم بدلًا من البحث عن عمل بدوام كامل خلال العام. يساعد ذلك على الحفاظ على الرّوابط العائليّة والاجتماعيّة الطّويلة الأمد.

يشير عيد إلى أنّ: “السّكن في الصّحراء يطوّر نوعًا من الصّلابة الذّهنيّة والبدنيّة، إذ الحياة أصعب وبالتّالي تفسح المجال لاكتساب المزيد من القوّة.” ويكمل بأنّ الصّحراء تبدّل نظرة الشّخص إلى الوجود، فيصبح المجتمع أهمّ من حياة الفرد الشّخصيّة.

أمّا في ما يتعلّق بالحفاظ على التّراث والتّقاليد، فيؤمن عيد بأنّ هذه المهمّة من مسؤوليّات البدو في المقام الأوّل، وذلك للحرص على صون الجماعة.

إلّا أنّ هوفلر يرى أنّ بعض التّقاليد عرضة للزّوال أكثر من غيرها، حتّى أنّ بعضها بدأ بالاضمحلال نتيجة التّفاوت بين الأجيال.

ويقول في هذا الصّدد: “من الواضح أصلًا وجود الفروقات بين معرفة الشّيوخ ومعرفة الشّباب.”

مضيفًا أنّ: “بعض المهارات والمعلومات القيّمة حول العالم الطّبيعيّ وأساطيره متناقلة شفهيًّا بدلًا من وجود سجلّات مكتوبة، وذلك يعني أنّها أكثر عرضة للزّوال مع تغيّر الأجيال”.

أسلوب عيش تقليديّ

حافظ العديد من البدو على تقاليدهم على الرّغم من اجتياح العصرنة والثّورة الصّناعيّة، لكنّ حضارتهم وإرثهم اللّذان تقولبا بأسلوب حياتهم الفريد وشهرة حسن ضيافتهم، صمدا في وجه التّغيّرات السّياسيّة والاجتماعيّة على مرّ أجيال متعدّدة.

يسرد الكاتب تييري موجر في كتابه “بدو العرب” تجربته مع قبيلة نجران في المملكة العربيّة السّعوديّة. لاحظ عند تفقّده منازل أفراد القبيلة، أنّها وافرة المفروشات. وكونهم من أتباع الإسلام السّنّة، راقب البدو عادات الإسلام التّقليديّة فانعكس ذلك على منازلهم، مثل وجود مساحة منفصلة لاستقبال الضّيوف وأخرى للنّساء.

يعرض الكتاب صورًا لحضارة تملأها الأنماط والألوان، ولنساء تلبس تصاميم معقّدة، وثياب مزيّنة بالمجوهرات، يرافقها الحجاب (غطاء الرّأس). كذلك، يصوَّر الرّجال يلبسون عباءات طويلة أحاديّة اللّون، تزيّنها الجنبيّة الشّهيرة (خنجر معكوف) في غمدها الفضّيّ الّذي يشير إلى الرّجولة والشّجاعة.

لكنّ العديد من البدو اليوم لا يوافقون على هذه التّصويرات، إذ يمكن رؤية الكثير منهم يلبس زيًّا حديثًا ويقطن في منازل حديثة البناء. فضلًا عن ذلك، تحدّت بعض النّساء المصريّات البدويّات المعايير الاجتماعيّة الصّارمة، واشتغلن في محطّات الوقود حيث يتعاملن مع الزّبائن، ويدرن الشّؤون الماليّة، ويواجهن التّحيّز الجنسانيّ والمضايقات.

أمّا بالنّسبة إلى أفراد آخرين، فالقدرة على الارتباط بالطّبيعة والاستفادة من مواردها في بيئتهم، تقليد توارثوه عبر الأجيال ويجب الحفاظ عليه. تستخدم قبائل بدويّة كثيرة مراقبة الحيوانات والأجرام السّماويّة للاستعلام عن موقعها، وعن الوقت، وعن أيّ تغيّر وشيك في الطّقس. وتبقى هذه الممارسات القديمة جوانب جوهريّة من حياة البدو اليوميّة حتّى في ظلّ توفّر الهواتف والتّلفزيونات.

وعلى مدى السّنوات الأخيرة، أثبت البدو وجودهم في القطاع السّياحيّ في شبه جزيرة سيناء، والأردن، والمملكة العربيّة السّعوديّة. وبذلك، توفّرت لهم فرص عمل كثيرة في فنادق ومنتجعات مختلفة عبر المنطقة.

فهم يديرون المخيّمات، وينظّمون “ليالٍ بدويّة” تتميّز بأسلوبهم الفريد من التّرفيه، حتّى أنّهم يعملون كمدرّبي غوص ومستكشفي صحارى.

مشاريع تنمويّة

يشير هوفلر إلى أنّه على الرّغم من الشّهرة الكبيرة للباقات السّياحيّة البدويّة، يمكنها أن تعطي السّيّاح فكرة مشوّهة عن هويّة البدو الحقيقيّة. فبدلًا من توفير تجربة غامرة وأصيلة، عادة ما تسطّح الحضارة لجذب الزّائرين.

ويكمل قائلًا: “تحدّثت مع أشخاص أخبروني بأنّهم عجزوا عن التّعرّف إلى حقيقة الإرث التّقليديّ. وعلى الرّغم من احتمال إنشاء هذه الباقات استجابة لطلبات السّيّاح أو نتيجة تدخّل الوسطاء، قد لا تمنح هذه التّجارب صورة دقيقة عن ماهيّة العيش كبدويّين.”

قد يفوت المسافرين الأوجه الرّئيسة للحضارة البدويّة، سواء أكان ذلك استخدامهم التّقليديّ للنّباتات المحلّيّة، أو فهمهم لسماء اللّيل، أو تعمّقهم في معرفة الحيوانات.

ونتيجة لذلك، سيوفّر مسار وادي رم للمغامرين فرصة مشاهدة عادات البدو العريقة عن كثب، بخاصّة تسلّق الجبال. فعلى مدى أجيال، تسلّق قاطنو الصّحراء الجبال بحثًا عن ميدان صيد، ومصادر ماء، ومواقع للاختباء، وأراضٍ لرعي مواشيهم، كلّ ذلك من دون أيّ أداة غير أقدامهم العارية، وغالبًا بمفردهم.

لفت هوفلر النّظر إلى أنّ: “الكثير من الأشخاص لا يعون مدى مهارة البدويّين في التّسلّق”.

بدأ العمل على المسار عام 2020، بتنظيم القبائل الأردنيّة الّتي وضعته في صيغته النّهائيّة. وبحسب هوفلر، يُرجى أن تسمح هذه الأعمال للبدو المحلّيّين أن يحافظوا على ارتباطهم بثقافتهم من دون الحاجة إلى الانضمام إلى الأيادي العاملة في المدن، إذ قد يجبرهم ذلك على الابتعاد عن إرثهم وأسلوب حياتهم.

نشهد على أمثلة أخرى لهذه المساعي في دهب في مصر حيث أسّس صديقان، وهما سفيان نور وموندي سليمان، الطّريق البدويّ.

بجمع معرفتهما المعمّقة بسيناء والتّاريخ البدويّ، يوفّر الصّديقان للزّوّار المصريّين والدّوليّين تجربة حصريّة من عشاء صحراويّ (يركّز على وصفات مطبوخة على نار هادئة)، بالإضافة إلى رحلات السّفاري وغيرها ضمن نطاق جنوب سيناء. فهدفهما الأوّل إحياء الثّقافة البدويّة.

مشقّات طويلة الأمد

قالت هيلاري جيلبرت، مؤسِّسة ورئيسة مجلس الإدارة للمؤسَّسة الأهليّة لجنوب سيناء، لفناك إنّ التّنميطات السّلبيّة ما زالت تحيط بمجتمعات البدو كالوباء. فغالبًا ما يُنظَر إليهم كجاهلين وغير متعلّمين، فيما هم يتمتّعون بمعرفة معمّقة عن العالم الطّبيعيّ وموارده من بين مهارات أخرى.

وتزعم أنّ هذه الأحكام تتّضح عندما يتعلّق الأمر بأصحاب العمل المصريّين وممارساتهم التّوظيفيّة، إذ ما من قانون يجبرهم على توظيف البدو. وتعطي شرم الشّيخ الّتي تحوّلت إلى مركز سياحيّ منذ سنوات متعدّدة كمثال، إذ وفّر ذلك أكثر من 10,000 فرصة عمل، وعلى الرّغم من ذلك وُظِّف أغلب العمّال في الفنادق من البرّ الرّئيسيّ لمصر، واستُبعدَت قبائل البدو إلى حدّ كبير.

قالت جيلبرت، مسلّطة الضّوء على غياب اهتمام الدّولة بهذه المساعي: “بما أنّ ما زال هذا النّوع من التّمييز شائعًا، يعمل فريقنا بجهد لمساعدة البدو على تخطّيه بالاطّلاع على عناصر المنظومة والتّعامل معها، وفهْم حقوقهم القانونيّة”.

عام 2019، بدأ بناء حاجز إسمنتيّ طوله 37 كيلومترًا في جنوب سيناء، يحيط بحدود شرم الشّيخ الشّرقيّة والغربيّة، وعزلت هذه الخطوة البدو السّاكنين والعاملين في المدينة عن المواقع السّياحيّة الشّائعة. لكن بحسب محافظ جنوب سيناء، الدّكتور خالد فودة، بُني الجدار لـ”تجميل وتحصين شرم الشّيخ” وردع العمليّات الإرهابيّة.

وصرّحت جيلبرت بأنّ “في المناطق النّائية من جنوب سيناء، على الرّغم من توفّر المدارس للأطفال، غالبًا ما يذهب المعلّمون إليها لتسجيل حضورهم بالإمضاء والمغادرة”، مضيفة أنّ هذا النّوع من سوء المعاملة يؤثّر بشدّة على الأطفال ويعيق نموّهم.

كما أنّها تشير إلى شيوع هذه الظّاهرة في مناطق متعدّدة، قائلة: “يواجه الكثير من البدو التّمييز على الرّغم من كونهم جزءًا أساسيًّا من المجتمع.”

وتسلّط الضّوء أيضًا على كيفيّة تغيّر مسؤوليّات النّساء البدويّات جذريًّا مع مرور الزّمن.

“لطالما أسهمت النّساء في الشّؤون المنزليّة، وعلى الرّغم من أنّهنّ لا يزلن يواجهن القيود، ناضلت المؤسّسات والنّساء المحلّيّات في سبيل المساواة على صعيد الحصول على التّعليم وفرص العمل. منح الازدهار السّياحيّ أيضًا النّساء فرص عمل خارج المنزل.”

من ناحية أخرى، ينال بدو الأردن تقديرًا عاليًا بحسب عيد. فلدعم أسلوبهم المعيشيّ، تقدّم لهم الحكومة عددًا من الامتيازات، بما في ذلك فرص العمل والتّعليم.

أمّا في ما يتعلّق بالبدو الشّرقيّين، الّذين هاجروا إلى منطقة النّقب في جنوب فلسطين، ومناطق أخرى قريبة مثل الضّفّة الغربيّة، وغزّة، ولبنان، فدمّرت قوى الدّولة بعض مستوطناتهم من دون إنذار وتركتهم من دون مأوى ولا شيء إلّا الدّمار. ما زالت الحيوانات جزءًا مهمًّا من حياتهم، إذ ما زال العديد منهم يكسب رزقه ببيع الخراف والماعز. إلّا أنّ نظرًا لحاجتهم إلى رعاية صحّيّة أفضل، وأجور أعلى، ونوعيّة حياة أحسن، أظهر بعض البدو المشرقيّين استعدادًا للعمل في وظائف تؤمّن لهم أجورًا منتظمة.

يسكن البدو السّوريّون ونسلهم مناطق سوريا الصّحراويّة القاحلة، وهم الشّعوب الأبرز من حمص إلى حماة، ومن القلمون إلى تَدمُر، ومن الرّقّة نزولًا إلى الحسكة ودير الزّور. إضافة إلى ذلك، نمت المجتمعات القبليّة شمال القرى الحلبيّة، وحول الحزام الزّراعي للغوطة في دمشق، وفي جنوب منطقة حوران. غير أنّ الكثير من البدو السّوريّين قد نزحوا إلى المدن خلال العقود الماضية بحثًا عن فرص العمل والتّعليم.

ولقد أدّت هذه النّقلة إلى توقّف العديد عن التّعريف بأنفسهم كبدو مع حفاظهم على هيكليّتهم الاجتماعيّة التّاريخيّة. أمّا من اختار التّمسّك بهويّته من الممكن أن يكون قد تمدّن لكنّه ما زال يملك ماشية يتذكّر من خلالها أسلوب عيشه الزّراعيّ التّقليديّ.

لكن، بحسب عيد، تبدّلت حياة البدو على مرّ العصور لمواكبة كلّ منها، وعلى الرّغم من هذه التّغيّرات ما زال معظم إرثهم موجودًا. يدرك هوفلر وعيد أهمّيّة الجهود المشتركة الّتي تضمّ القبائل الصّحراويّة عبر منطقة الشّرق الأوسط وشمال إفريقيا، وهي بقيادتها للحرص على استمرار الاعتزاز بالقيم القديمة في الشّرق الأوسط اليوم، تمامًا كما كانت الحال قبل سيطرة المدنيّة الحاليّة على المنطقة.

Advertisement
Fanack Water Palestine