وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

قطر: التحالفات

أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني يحيي الرئيس الأمريكي باراك أوباما(Photo by LUCAS JACKSON / POOL / AFP)

كما تحد من حرية سلوك أمير قطر قوى أجنبية. فقطر بلد صغير بعدد سكان قليل جداً. ولم تتمكن في تاريخها من الصمود وحدها إزاء الاعتداءات الخارجية. ما دفع شيوخ قطر المتعاقبون إلى الاعتماد على حسن نوايا القوى العظمى وحمايتها. وكانت إحدى طرق تهدئتهم هي الرشوة، ببساطة. وهكذا كان محمد بن ثاني يجمع الجزية من القبيلة المحلية لشيوخ البحرين. وكان عبد الله بن جاسم يدفع إتاوة سنوية لابن سعود في السر. وأرسل علي بن عبد الله المحظيات البلوشيات إلى العاهل السعودي. وعدا عن ذلك، كان بالإمكان عقد التحالفات عن طريق التزاوج – على سبيل المثال العلاقة الحميمة التقليدية لآل ثاني مع آل مكتوم في دبي – أو عن طريق تبني إيديولوجية أو عقيدة دينية – مثل قبول جاسم بن محمد للوهابية، أو اعتناق الأمير الحالي لإيديولوجية السوق الحرة الأمريكية.

تقليدياً، سمح الشيوخ للقوى الأجنبية بشيء من النفوذ الداخلي مقابل الحماية العسكرية والمكانة الشخصية. وهكذا رحّب جاسم بن محمد بالحامية العثمانية في الدوحة عام 1872، وأصبح بعدها الممثل الرسمي لهم. كما كوفئ البريطانيون بمعاهدة عام 1916، والتي أدخلت قطر بقوة ضمن دائرة النفوذ البريطاني، وذلك بعد تدخلهم في أزمة الخلافة عام 1913. وبعد رحيل البريطانيين نهائياً في عام 1971، لم يكن أمام القائم بأعمال الحكم خليفة بن حمد سوى العودة إلى السعودية لضمان أمن بلاده الناشئة. وعندما أطاح حمد بن خليفة بأبيه عام 1995، حاول تحرير قطر من النفوذ الوهابي السعودي، وذلك بالتحول إلى الولايات المتحدة الأمريكية هذه المرة. وقد أسهمت جميع هذه التحالفات والمعاهدات مع الدول العظمى في تحديد معالم سياسات حاكم قطر إلى حد ما.

اتسمت السياسات الداخلية لحمد بن خليفة بوعود الديمقراطية. وعام 2003، أُقرّ الدستور الجديد باستفتاء وطني. ووفقاً للوثيقة الجديدة، يحل مجلس النواب محل مجلس الشورى. وينتخب الشعب ثلثي عدد أعضائه بشكل مباشر. أما الأمير، الذي يستمر في تعيين وزرائه الخاصين، يختار المرشحين الباقين. ويضمن الدستور الجديد حرية إنشاء الجمعيات والتعبير عن الرأي والانتماء الديني، رغم استمرار حظر الأحزاب السياسية. ومع ذلك، ما زال تطبيق أغلب المواد الواعدة في الدستور متعثراً للغاية. تم الإعلان عن الانتخابات النيابية عام 2004، ولكن لم تجرى الإنتخابات حتى الآن – ربما بسبب استمرار المعارضة ضمن الأسرة الحاكمة.

بغض النظر عن الأسباب الداخلية للركود الحالي في برنامج الإصلاح السياسي في قطر، فمن الواضح أن الولايات المتحدة الأمريكية لم تعد تمارس الضغط على أنظمة الحكم الخليجية لرفع مستوى المشاركة العامة في الشأن السياسي. وبعد الغزو على العراق الذي قادته أمريكا، ازداد اعتماد الإدارة الأمريكية على علاقات الصداقة مع دول الخليج. ويشكّل التهديد الجيوسياسي الإيراني – والمنافسة الإيرانية – سبباً إضافياً للحفاظ على العلاقات مع دول مجلس التعاون الخليجي بمعزل عن القضايا الإيديولوجية والإنسانية.