وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

ثقافة قطر

ثقافة قطر
الناس يتسوقون في سوق واقف الشهير، في العاصمة القطرية، الدوحة، في 7 يونيو 2017.(Photo by STR / AFP)

المقدمة

تنعم قطر بتراث غني، تتمتع به منطقة الخليج العربي بأسرها، وخاصة ما ساهمت به تلك المنطقة عبر آلاف السنين من حِرفٍ وفنونٍ. وقد ارتبط الإنتاج الثقافي القطري، وفق باحثين ، في مرحلة ما قبل النفط، بعلاقة الإنسان القطري بالمهن التي كان يمارسها من صيد وغوص وقنص ورعي وزراعة. فأنتجت هذه العلاقة الغناء والرقص والحرف اليدوية، والسلوك الاجتماعي المترابط والمتجانس بعضه ببعضٍ.

أما الثقافة التي سادت شبه الجزيرة العربية عموماً ومنها قطر في فترة ما بعد ظهور النفط، فكانت في مجملها ثقافة وافدة حملتها إلى منطقة الخليج التطورات الاقتصادية والاجتماعية والتي تمثلت في دخول تقنيات جديدة، بصحبة الخبراء العاملين فيها، والتكنولوجيا المستوردة التي حملت معها خصائص الثقافة التي أنتجتها.

ولهذا فإن الحياة في دولة قطر هي مزيجٌ من الحداثة والتقاليد المستمدّة من ثقافها القديمة. فبينما تكتسي مدنها بطابع حديث متطور يتجلّى في المرافق والبنية التحتية والعمارة الفاخرة، غير أن تراثها وتقاليدها وثقافتها لا زالت متجسدة في جميع التفاصيل المحيطة بأشكال الحياة الحداثية.

عرفت قطر المسرح منذ الخمسينيات من خلال الأندية الثقافية الأهلية، وفي الستينيات شهدت الولادة الحقيقية للمسرح حيث تأسست أول فرقة مسرحية هي فرقة المسرح القطري عام 1972م واستمرت فرقة وحيدة حتى عام 1994م، ثم ظهرت ثلاث فرق أخرى وهي فرقة «مسرح السد» و «مسرح الأضواء» وفرقة «المسرح الشعبي».

وعلى الرغم من حداثة عمرها، قياساً بغيرها من الحركات التشكيلية العربية والعالمية، إلا أن مسيرة حركة الفن التشكيلي القطري شهدت إبداعاً متميزاً منذ العقدين الأخرين من الألفية الثانية، وسيظل هذا التميز مديناً للفنان التشكيلي الراحل جاسم زيني مؤسس الحركة التشكيلية القطرية في ستينيات القرن العشرين.

تعتمد الموسيقى في قطر كما باقي دول الخليج على أغاني البحر التي تعتمد على الفلكلور الشعبي، وبعد إنشاء المعهد الموسيقي، وتخصص بعض الشباب بالدراسات الموسيقية، وإدخال الآلات الحديثة إلى الفرق الموسيقية تطورت الأغنية القطرية شأنها في ذلك شأن الأغاني في مختلف دول الخليج.

تضم قطر سلسلة من المتاحف المختلفة، أبرزها متحف قطر الوطني في العاصمة الدوحة وقد حاز على جائزة الآغا خان الدولية في جودة التجديد بدورتها الأولى (1978-1980)م ويعدّ تحفة معمارية وفنية. ويضم مجموعة متنوعة من القطع الأثرية التقليدية والتاريخية التي تعود لقطر والمنطقة، فضلاً عن كونه مصدر إشعاع ثقافي مهم.

للمزيد حول ثقافة قطر بمختلف جوانبها، يرجى الاطلاع على ما تناولته فنك حول هذا الملف.

ثقافة قطر الوطنية

ثقافة قطر
تُظهر هذه الصورة التي التقطت في 27 مارس 2019 معرض لمتحف قطر الوطني، صممه المهندس المعماري الفرنسي جان نوفيل، في الدوحة، قبل الافتتاح الرسمي. (Photo by KARIM JAAFAR / AFP)

يعرض متحف قطر الوطني في الدوحة، والذي جرى ترميمه مؤخراً، مجموعة من القطع الفنية المثيرة للاهتمام والآثار المحلية. وتُعرض في الأغلب على أنها أمثلة نموذجية للتراث القطري. لكن هل يوجد بالفعل شيء اسمه تراث “قطري”؟ من الجدير بالملاحظة أنّ المتحف الوطني أنشأته الحكومة – بعد الاستقلال بقليل – بهدف خلق “قصة وطنية”. فكان على هذه المؤسسة ومجموعتها تكوين تاريخ وثقافة مشتركة لمواطني الدولة الجديدة من أجل تعزيز عملية بناء الوطن السياسية وإيجاد هوية مشتركة.

في منطقة لا تزال فيها الحدود المشتركة تخضع أحياناً للجدال، يكون تعريف الثقافة الوطنية مهمة شاقة. وفي العديد من المجالات، لا فائدة من الحديث عن ثقافة أو تقاليد “قطرية” محددة. حتى ولو تم تفسير الثقافة القطرية بالمعنى الحصري، كالإشارة إلى “الوطنيين” فقط، فسرعان ما تظهر المشكلات. الصعوبة الكبيرة في تحديد ماهية اللهجة “القطرية” يمكن أن توضح هذه النقطة.

يمكن الاستنتاج أن تكون اللهجة القطرية هي أسلوب التخاطب السائد محلياً في أوساط العائلات السنية البارزة في الدوحة. لكن البحارنة – أو العرب الشيعة – في الدوحة يتكلمون لهجة مختلفة كل الاختلاف لها صلاتها بلغة البحارنة المستخدمة في كل من البحرين والسعودية.

وبالتالي فإن تحديد لهجة “وطنية” تستثني المواطنين الشيعة في قطر من ثقافتهم “الخاصة بهم”. كما أنها تتجاهل حقيقة أن العرب السنة في قطر والإمارات العربية المتحدة والبحرين والكويت يستخدمون لهجة متشابهة جداً، والمعروفة بشكل عام على أنها “العربية الخليجية”.

استيراد الثقافة العربية

ربما تعطى اللغة والفن والمصنوعات اليدوية بطاقة وطنية، ولكن ذلك لا يجعل منها “عرفاً محلياً” محدداً بشكل تلقائي. ولذلك، لا ينبغي للمسافرين في الخليج أن يستغربوا إذا ما تم تعريف نفس الخاصية المعمارية على أنها “قطرية تقليدياً” في الدوحة و “بحرينية تقليدياً” في المنامة. حتى أن المراقبين الغربيين يشيرون إلى نزعة معارضة نحو العولمة في منطقة الخليج: حلول “الثقافة العربية القومية” المصطنعة أحياناً محل تلك “الثقافة الخليجية” تدريجياُ.

وبهذا المصطلح يشيرون إلى التأثيرات الثقافية المتزايدة من الشرق الأدنى ومصر، وحتى من الفنانين “المستشرقين” في الغرب. وبشكل خاص أصبحت لندن مركزاً لتصدير “الثقافة العربية” إلى الخليج. وينتج الناشرون والكتّاب البريطانيون الكتب المعلوماتية التي تعطي صورة مصححة ورومانسية لثقافة الخليج وتاريخه. وهذه المنتجات المتملقة محلياً، والتبسيطية والنمطية، يتم تمويلها في الغالب من قبل شيوخ الخليج وشركات البترول الغربية، والذين يوزعونها كهدايا “تراثية” للمغتربين والسكان المحليين على حد سواء.

الفن العربي

وفق الكاتبة الانثروبولوجية الأمريكية كريستا سلاماندرا التي نشرت منذ مدة قصيرة مقالة مهمة بعنوان ” التركيب الثقافي، الخليج ولندن العربية”، فإنّ فن المستشرقين الغربيين شعبي جداً بين المواطنين الخليجيين. ويتم جزئياً إشباع الحنين الشائع حالياً “للأيام الخوالي” بين المواطنين الخليجيين عن طريق استيراد اللوحات الغربية المبتذلة جداً للصحراء أو بائعي السجاد أو الأسواق الشعبية “العربية”. يقول أحد باعة القطع الفنية في لندن إن الخليجيين العرب يفضلون شراء الفن “العربي” في لندن. والشيء نفسه ينطبق على الفن “الإسلامي”.

ولسنوات سعيدة خالية من الهم، جامع التحف القطري الشاب الشيخ سعود آل ثاني – رئيس المجلس الوطني للثقافة والفنون والتراث في قطر قبل فصله من منصبه عام 2005، وبانتظار البت في قضية إساءة استخدامه للأموال العامة – أغرق سوق الفن في العاصمة بملايين الدولارات على فورة جمع القطع الفنية. وقام الشيخ بجمع مجموعة واسعة من الفنون “الإسلامية” خارج قطر – كان الهدف من معظمها أن تعرض في المتحف الجديد للفنون الإسلامية في الدوحة، في آخر الكورنيش قرب ميناء الدوحة، والذي صممه المعماري الصيني المشهور I.M. Pei

. ومن جهة الشرق، يقع متحف قطر الوطني في قصر فريق السلطة التاريخي الذي بني عام 1901. أما متحف قطر للتصوير الفوتوغرافي، الذي يقع في أسفل الكورنيش في البدع، يدهش بالتأكيد زواره بتصميمه على شكل “سمكة اللخمة الطائرة”.

الأزياء المحلية

Culture of Qatar
شبان قطريون يرتدون الزي العربي التقليدي في الدوحة، 5 ديسمبر 2006.
AFP PHOTO / RABIH MOGHRABI

الأزياء وسيلة للتعبير عن الشخصية والهوية. القسم الرئيسي من لباس القطريين هو الثوب (الجمع ثياب)، وهو عبارة عن قميص طويل حتى الكعب يشبه إلى حد كبير الثوب في البحرين والكويت. في الصيف، يرتدي الرجال الثوب الخفيف الأبيض، وفي الشتاء يكون قماش الثوب أسمك ولونه أغمق، مع درجات مختلفة من اللون الرمادي أو البني أو المغرة. غالباً ما يكون هدب الثوب في الأسفل مطوياً والأكمام معقودة بأزرار عادية أو معدنية. ويحمي الثوب، الذي يرتدي القطريون تحته قميص أو سروال، الجسم من فقدان الرطوبة في البيئة الحارة.

في المناسبات الرسمية، يرتدي الرجل عباءة أو بشت سوداء أو بنية فوق الثوب، والذي عادة ما يتدلى على الكتف الأيسر. وبشكل عام، تكون ياقة وتلابيب البشت مزركشة بتطريزات من خيوط الذهب الكثيفة، محاكة يدوياً ومطروقة بمطرقة خشبية. ويرتدي البدو أحياناً بشتاً من شعر الجمال.

الغطرة

يرتدي أغلب البالغين القطريين قلنسوة رأس مستديرة: كفية مخرمة. ويوضع فوقها منديل: الغطرة أو الشماغ. وعادة ما تكون الغطرة بيضاء اللون صيفاً وملونة شتاءً، حمراء وبيضاء، أو بيضاء وسوداء، وفي بعض الأحيان تكون بتركيبة ألوان استثنائية، كالأخضر والأبيض أو الأبيض والأزرق أو الأبيض والبرتقالي. يطوى غطاء الرأس المربع الشكل بشكل قطري، ويثبت بحبل ثنائي أسود يسمى العقال. للعقال ذيلين متدليين، وفق الزي. يمكن لف الغطرة حول الوجه في الطقس البارد أو عند هبوب رياح الشمال، مما يوفر حماية إضافية. وطريقة ارتداء الغطرة مرتبط بالذوق الشخصي والعمر والطقس والفوارق الاجتماعية. ويتم نزعها عن الرأس أثناء الصلاة.

يكتمل الزي الوطني للذكور بقطع إضافية نموذجية، والتي – مثل نوع وجودة الثوب والبشت والغطرة – تشير بشكل كبير إلى مكانة وثروة الشخص. فالمجوهرات والساعات والأقلام والأحذية تعتبر زينة هامة. كما يحمل الكثير من الرجال مسابح صلاة في جيوبهم.

المرأة

عادة ما ترتدي المرأة العباءة السوداء، وهي ثوب طويل فضفاض بأكمام طويلة؛ وبعض الأثواب الأضيق تسمى الفراشة أو السمكة. ترتدي بعض الشابات الأزياء الغربية تحت عباءة مصنوعة من قماش شفاف. كما تضيف الزينة، مثل المجوهرات والحقائب والأكمام الحمراء أو الفضية، إلى ألوان العباءة.

وفق تعاليم القرآن الكريم أو الحديث الشريف، ينبغي على المرأة تغطية جسمها بالكامل خارج البيت، باستثناء الوجه واليدين والقدمين. إلا أن النساء القطريات يسفرن عن وجوههن بشكل متزايد خارج البيت، وأحياناً يكشفن جزءً من شعورهن ورقابهن. والحجاب هو غطاء الرأس الأكثر شعبية، وهو عبارة عن منديل مطوي يغطي الشعر والرقبة. وعادة ما ترتدي النساء كبيرات السن البتولة، المعروفة في هذا الجزء من الخليج العربي، والذي يرمز إلى مركز العائلة والاحترام. وتتراوح أشكال البتولة العديدة من قطعة خشنة من القماش الأسود مع ثنية للأنف وثقوب صغيرة للرؤية من خلالها، والذي ترتديه على الأغلب البدويات الفقيرات؛ أو القناع الأكثر إتقاناً والذهبي اللون والذي يشبه المنقار، وترتديه النساء الحضريات الأكثر غنى. كما يغطي النقاب الوجه، باستثناء العينين.

الرياضة

نظراً لعدم بقاء حياة برية تقريباً في بلادهم، على القطريين السفر إلى الخارج لممارسة الرياضة الأشهر والأروع بين الرياضات العربية التقليدية: الصيد بالصقور. سباق الجمال والخيول شعبي أيضاً، مع أنها تقتصر على المشاهدة تقريباً. ودرجت التقاليد على أن يركب جمال السباق الفرسان الأجانب الذين تحت سن البلوغ، لكن ضغط الحساسية العالية لصورة قطر في العالم أدت إلى استبدالهم مؤخراً برجال آليين. ويتحمس الشباب القطري لقيادة سياراتهم في الليل بسرعة عالية، والتنافس مع أصدقائهم في عرض أكثر أساليبهم جرأة في القيادة. كما أن القيادة على الطرق الوعرة في الصحراء نشاط محلي شعبي.

يمارس الفتيان والشبان غير المتزوجين الرياضات الشعبية مثل كمال الأجسام وكرة القدم وكرة السلة. وفي وقع الأمر فإن عدداً كبيراً من القطريين هم مجرد متفرجين سلبيين، لا يقبلون على ممارسة

Culture of Qatar
سيف سعيد شاهين من قطر يحتفل بفوزه بسباق 3000 متر حواجز في لقاء الدوري الذهبي للاتحاد الدولي لألعاب القوى في زيورخ، 18 أغسطس 2006 (Photo by PETER KLAUNZER / AFP)

أنشطة رياضية تتطلب جهداً بدنياً أكبر، وربما لهذا السبب تتبع الحكومة سياسة استيراد وتوطين الرياضيين من الدرجة الأولى من دول شرق إفريقيا بشكل أساسي، بهدف الفوز بالميداليات الدولية “القطرية” في الأحداث الرياضية الدولية. وفي أكتوبر/تشرين أول 2020، حل المنتخب الوطني القطري في المرتبة 57 بحسب تصنيف الفيفا.

قطر سباقة في النزعة الحالية في العالم للحصول على اللاعبين المأجورين الموهوبين. وقد اشترت بشكل حرفي فريقها الأولمبي للمشاركة في أولمبياد بكين عام 2008. ومن أبرز هؤلاء اللاعبين ستيفان شيرونو – حالياً سيف سعيد شاهين – ويُذكر أن الحكومة القطرية عرضت عليه شيكاً شهرياً بمبلغ ألف دولار أمريكي طوال حياته. وبالمثل، فإن النجوم الكبار ومدرب فريق قطر الوطني لكرة القدم هم من مواليد البرازيل أو أوروغواي.

كما تحرص قطر على استضافة الأحداث الرياضية الكبرى. ففي عام 2006 نجحت في استضافة الألعاب الآسيوية. ورغم أن طلبها لاستضافة الألعاب الأولمبية عام 2016 قوبل بالرفض بشكل مثير للجدل من قبل اللجنة الأولمبية الدولية في ربيع 2008، إلا أن ولي العهد تميم تعهد بمحاولة دعوتها مرة أخرى عام 2020. كما فازت قطر بقرعة استضافة كأس العالم لكرة القدم لعام 2022. وحالياً، تستضيف البلاد سباق القوارب الشراعية الدولي السنوي، وسباق قطر للدرجات الهوائية، وبطولة إكزون موبيل المفتوحة للتنس للرجال، وبطولة بنك قطر التجاري للغولف، وبطولة MotoGP في حلبة اللوسيل لسباق السيارات – والمخطط تحويلها إلى حلبة فورميولا 1 في أقرب وقت ممكن.

أحدث المقالات

فيما يلي أحدث المقالات التي كتبها صحفيون وأكاديميون مرموقون بشأن موضوع “الثقافة” و “قطر”. تم نشر هذه المقالات في ملف البلد هذا أو في أي مكان آخر على موقعنا على الإنترنت: