وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

المغرب: الموحّدون (1121 – 1269)

المغرب: الموحّدون
جامع الكتبية وساحته، مراكش، المغرب. اكتمل بناء الجامع في عهد الخليفة الموحد يعقوب المنصور، 1184-1199. ويبلغ ارتفاع مئذنته 77 مترًا، وبُنيت من الحجر الرملي، وتعلوها كرات نحاسية. وهو أكبر جامع في مراكش. Manuel Cohen via AFP

المقدمة

كان أبو عبد الله محمد بن تومرت، الذي لقّب نفسه بالمهدي، وقائد جيشه عبد المؤمن بن علي الكومي، من البربر. لكنهما كانا من بربر الجبال لا الصحراء. فقد ولد ابن تومرت في الجانب الشمالي من الأطلس الصغير حيث يستقر المزارعون الأمازيغ. أما عبد المؤمن فكان صوفيًا من منطقة قريبة من تلمسان، والتقى الاثنان في بجاية التي نزل بها ابن تومرت نحو عام 1117 في طريق عودته من رحلة حج لم تكتمل. وقد درس ابن تومرت في بغداد أو دمشق. وكان مولعًا بالتجديد في الدين وتجديد قيم المنطقة المغاربية، فدعا إلى مجابهة الأخلاق الفاسدة والموسيقى والترف، وبشّر بمقدم المهدي الذي سيصلح ما فسد. وفي عام 1121، وصل الرجلان إلى مراكش حيث ضاق المرابطون ذرعًا بنقدهم الاجتماعي، ورفض القضاة معتقداتهم. ففرّا إلى تينمل، وهي منطقة منعزلة في الأطلس الكبير، وهناك كثر أتباعهم.

صعود الموحدين

كانت تعاليم ابن تومرت روحانية أكثر من تعاليم المرابطين. فالله عند ابن تومرت روح خالصة مطلقة واحدة. وسمّى أتباعه أنفسهم الموحدين لأنهم المؤمنون بوحدانية الله. وقد اعتبر ابن تومرت المرابطين مشركين لأنهم يجسّمون الله. لكنّه شابههم فقد فرض تعاليم متزمتة ومتشددة، ففصل فصلًا تامًا بين الجنسين، وحرّم الموسيقى والترف.

وعلى غرار اعتقاد الشيعة بالإمام الغائب، أعلن ابن تومرت أنه المهدي المنتظر الذي يأتي قبل نهاية الزمان. ووسّع سلطانه انطلاقًا من تينمل محاطًا بشيوخ القبائل وكتيبة من الدعاة، لكنه لم يستولِ على مراكش حتى وفاته عام 1130. وبعدها تولى عبد المؤمن مهمة غزو المغرب وشرق الجزائر، لكنه لم يستحوذ على مراكش إلا عام 1147 بعد حصار طويل أنزل بعده مجزرة بالمرابطين، فهدم قصورهم، وغيّر مساجدهم بعد أن زعم أن اتجاه قبلتها منحرف.

توسّع الإمبراطورية

واجه الموحدون التقدم المسيحي في الأندلس حتى قبل سيطرتهم على مراكش. فقد أرسل عبد المؤمن جيشًا استرد قرطبة عام 1146، وسيطر رويدًا على معظم إيبيريا المسلمة، بالتهديد تارة وبالتحالف تارة أخرى. وانطلق الموحدون من عاصمتهم مراكش إلى الجزائر وتونس. وقد تُوفي عبد المؤمن عام 1163 وهو يجهز جيشًا جديدًا يرسله إلى إيبيريا. وقضى ابنه أبو يعقوب يوسف معظم عهده (1163-1184) في قتال المتمردين في شمال إفريقيا من جهة، وفي قتال لا ينتهي في إيبيريا من جهة أخرى. وكان أبو يعقوب واسع الاطلاع لكنه لم يكن قائدًا عسكريًا مكينًا. لكن ابنه، أبو يوسف يعقوب، هو الذي أحرز انتصارًا كبيرًا في هجومه المضاد ضد القشتاليين في معركة الأرك عام 1195، التي أوقفت ما تُسمى بحروب الاسترداد مؤقتًا.

ثقافة الموحدين

المغرب: الموحدون
دينار ذهبي لدولة الموحدين. المصدر: المتحف البريطاني

بلغ حكم الموحدين ذروته خلال عهد “أبو يوسف يعقوب”. كانت فيه السلالة ثرية، وإدارتها ناشطة في جمع الضرائب. وانتعشت التجارة عبر الصحراء الكبرى وكذلك التصنيع في المدن. واستُعملت عملة الموحدين الذهبية على ضفتي البحر الأبيض المتوسط. وكان الفائض من المال يُنفق على الزراعة، والمنشآت الدفاعية مثل قصبة الوداية في الرباط، والمساجد العظيمة التي أصبحت مآذنها المربعة الكبيرة نموذجًا يُحتذى في شمال إفريقيا كلها.

ومن هذه المساجد جامع الكتبية في مراكش ومئذنة الخيرالدة في إشبيلية. وصمم أبو يوسف صومعة حسان في الرباط احتفاءً بانتصاره في معركة الأرك، لكنه مات قبل الانتهاء من بناء ثاني أكبر مسجد في العالم. وقد جذبت مراكش العلماء من شتى البقاع، ومنهم ابن رشد. كما أصبحت مركزًا للتصوف، حيث كوّن مريدو الشيوخ الأوائل الطرق التي تمتعت بنفوذ ديني وسياسي كبيرين. لكن لم يكن ثمة متسع للتسامح الديني، ففي النهاية حرق النظام كتب ابن رشد، واضطهد اليهود.

سقوط الموحدين

رغم كل ما سبق، كان الاقتصاد أكثر هشاشة مما يبدو. ففي أوائل القرن الثالث عشر، حارب محمد الناصر (1199-1213) على جبهتين: ضد بقايا المرابطين، وفي إيبيريا التي هزم فيها ملوك المسيحيين جيشه في معركة العُقاب عام 1212. وسقطت قرطبة عام 1236 وتبعتها بقية المدن. وبحلول عام 1266، كانت شبه جزيرة إيبيريا كلها تحت سيطرة المسيحيين ما عدا غرناطة. وبدأت السلالة تتهاوى مثل قطع الدومينو، فتفكك جيشها، ولم تعد الضرائب تُجمع. وبدأ الشقاق داخل الأسرة ذاتها، واستاء الجناح الديني من الحركة ومن استبدادها. كما فقدت التحالفات القبلية، مثل بني مرين، سلطتها. لكنها ظلّت تقاوم في مراكش حتى عام 1269.

قراءة متعمقة

Advertisement
Fanack Water Palestine