وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

أهمية جامعة الدول العربية قيد الجدل مرةً أخرى في أعقاب القمة الأخيرة

Specials- Arab league summit 2019
(من اليسار إلى اليمين) رئيس جيبوتي إسماعيل عمر جيلة، وأمير قطر تميم بن حمد آل ثاني، ورئيس موريتانيا محمد ولد عبد العزيز، وأمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح، والعاهل السعودي سلمان بن عبد العزيز، والرئيس التونسي باجي قائد السبسي، والعاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، والرئيس الفلسطيني محمود عباس، والرئيس العراقي برهم صالح، والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، والرئيس اليمني عبدربه منصور هادي، والرئيس اللبناني ميشال عون، يلتقطون صورة جماعية مع الزعماء العرب الآخرين. Photo AFP

أكدت القمة العربية الأخيرة التي عقدت في العاصمة التونسية في 31 مارس 2019، أن مرتفعات الجولان المتنازع عليها والقدس تنتميان إلى دولٍ عربية وليس لإسرائيل. ومع ذلك، أثار افتقار الاتحاد للوحدة وعدم القدرة الجلية على اتخاذ إجراءاتٍ ملموسة مرةً أخرى مسألة أهميتها.

وفي ما أصبح روتيناً، سردت العديد من المواقع الإلكترونية “فشل” القمة، حيث تعاملت مع الحدث بأكمله على أنه مزحة. فقد ظهرت مقالاتٌ بعناوين مثل “الزعماء يضغطون على زر * الغفوة * خلال قمة جامعة الدول العربية… مرة أخرى” على موقع ستيب فيد، أو”نصف القادة العرب يغيبون عن قمة تونس،” على ميدل إيست مونيتور.

في الواقع، حضر القمة التي استغرقت يوماً واحداً فقط 13 من أصل 22 من القادة العرب: العاهل السعودي سلمان، والأمير القطري تميم بن حمد، والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، والتونسي باجي السبسي، والشيخ صباح الأحمد، أمير الكويت، وملك الأردن عبد الله الثاني، بالإضافة إلى قادة العراق ولبنان وفلسطين واليمن وموريتانيا وجيبوتي وممثلٍ عن ليبيا. ومن بين الدول الغائبة السودان والجزائر وعُمان والمغرب.

فقد تم تجميد عضوية سوريا منذ بداية حربها الأهلية في عام 2011. وعلى الرغم من الشائعات التي تداولتها وسائل الإعلام في الأسابيع السابقة للقمة والتي تفيد بأن هذا التجميد سينتهي، لم يتم التوصل إلى توافقٍ في الآراء بشأن هذه المسألة.

دعمت الدول العربية المتحالفة مع الولايات المتحدة، بما في ذلك قطر والسعودية والإمارات العربية المتحدة، معارضة الرئيس السوري بشار الأسد لسنوات، لكن دمشق كانت لا تزال قادرةً على سحق مقاتلي المتمردين بثباتٍ وبدعمٍ عسكري من روسيا وإيران.

ففي ديسمبر 2018، أعادت الإمارات فتح سفارتها في دمشق، قائلة إنها تهدف إلى تطبيع العلاقات مع البلاد والحد من مخاطر التدخل الإقليمي في “الشؤون العربية والسورية،” في إشارةٍ واضحة إلى إيران وتركيا، غير العربيتين.

كان هذا هو الاجتماع الثلاثين لجامعة الدول العربية، وهي منظمة تطوعية للبلدان التي تتحدث شعوبها أساساً اللغة العربية أو حيث تكون اللغة العربية لغةً رسمية. تأسست في مارس 1945 بدعمٍ بريطاني خلال الحرب العالمية الثانية كوسيلةٍ لحشد الدول العربية ضد قوى المحور، وكانت تهدف في الأصل إلى تعزيز العلاقات بين الدول الأعضاء وتنسيق سياساتها وتوجيهها نحو الصالح العام. هناك 22 عضواً، بما في ذلك فلسطين، والتي تعتبرها الجامعة دولةً مستقلة. أعلى هيئة في الجامعة هو المجلس، الذي يتألف من ممثلين عن الدول الأعضاء، وعادةً وزراء الخارجية أو ممثليهم أو المندوبين الدائمين. لكل دولة عضو صوتٌ واحد، بغض النظر عن حجمها. يجتمع المجلس مرتين في السنة في مارس وسبتمبر، وقد يعقد جلسة خاصة بناءً على طلب عضوين.

كان من المتوقع أن تتناول أجندة القمة الأخيرة التصعيد الإسرائيلي ضد قطاع غزة الذي تديره حماس، والأزمات المستمرة في ليبيا واليمن والسودان، والتدخل الإيراني المزعوم في الشؤون العربية ومكافحة الإرهاب. تم التوصل إلى توافقٍ في الآراء حول عدة نقاط: رفض أن تكون القدس عاصمةً لإسرائيل ورفض السيطرة الإسرائيلية على مرتفعات الجولان، ودعم “الحكومة [اليمنية] الشرعية وجهود مبعوث الأمم المتحدة على الرغم من عدم التنسيق مع جامعة الدول العربية.”

ومن الجدير بالذكر أن اسرائيل استولت على مرتفعات الجولان في حرب الأيام الستة عام 1967 بعد أن استخدمت سوريا لسنوات الهضبة الاستراتيجية لقصف شمال إسرائيل. اعترف الرئيس الأمريكي دونالد ترمب بالسيادة الإسرائيلية على المنطقة في 21 مارس، قائلاً: ” بعد مرور 52 عاماً، حان الوقت لكي تعترف الولايات المتحدة بسيادة إسرائيل الكاملة على مرتفعات الجولان، التي تتسم بأهمية استراتيجية وأمنية بالنسبة إلى إسرائيل والاستقرار الإقليمي.”

بعد أكثر من عامٍ بقليل على إعلان ترمب أن واشنطن ستعترف بالقدس عاصمةً لإسرائيل، تم دمج القنصلية الأمريكية العامة في القدس مع السفارة، مما أثار غضب الفلسطينيين والدول العربية الأخرى.

وفي أعقاب القمة، تعهدت جامعة الدول العربية ببذل المزيد من الجهد، بما في ذلك دفع 100 مليون دولار شهرياً إلى السلطة الفلسطينية لسد الفجوة المتبقية بعد أن منعت إسرائيل تحويلات الضرائب إلى الأراضي الفلسطينية في وقتٍ سابق من العام.

هذا التركيز على فلسطين بعيدٌ كل البعد عن التصرفات البطولية، وفقاً للخبير في الشرق الأوسط معين رباني، الذي أخبر فَنَك، “إن التركيز على فلسطين من قبل الجامعة يخدم غرضين: الأول، أنه يسمح للدول الأعضاء بالإستعراض على المسرح الدولي دون الحاجة إلى متابعة أي إجراءاتٍ ذات مغزى لتنفيذ قراراتهم، وبالتالي الحفاظ على علاقاتهم المتميزة مع الولايات المتحدة وما له علاقة بإسرائيل. ثانياً، تهدف أيضاً إلى تحذير الولايات المتحدة من تبني سياساتٍ متطرفة بشكلٍ خاص بشأن فلسطين، مما قد يؤدي إلى إضعاف الشرعية الداخلية للحكام والحكومات العربية. فهو أولاً وقبل كل شيء تمرينٌ للحفاظ على الاستقرار، بدلاً من تحقيق أي شيء ملموس.”

في الواقع، إن مسألة أهمية جامعة الدول العربية ملحوظة بشكلٍ خاص في الوقت الذي يبدو فيه أن الدول الأعضاء بعيدةٌ كل البعد عن التوافق أو القدرة على التصرف بكفاءة في مواجهة الحروب المتعددة في بلدانهم.

وبحسب ما كتب مروان بشارة، كبير المحللين السياسيين في الجزيرة، في الأول من أبريل: “تبنى الزعماء دزينة ونصف من القرارات التي من المقرر أن يتم نسيانها غداً. لم يتخذوا أي قراراتٍ ذات عواقب بشأن أي تحدٍ عاجل يواجه العالم العربي اليوم؛ لا الحرب في سوريا، ولا الكارثة الإنسانية في اليمن، ولا الدولة الفاشلة في ليبيا وبالتأكيد ليس فيما يتعلق بالصراع مع إسرائيل. كان سقف التوقعات منخفضاً لدرجة أنه تمت تهنئة العراق خلال القمة لمجرد قيامه بتشكيل حكومة، وطُلب من الجزائر المشلولة مساعدة ليبيا المقيدة بالحرب للوقوف على قدميها. تجاهلت الجامعة تماماً الأزمة الخليجية بناءً على طلب من المملكة العربية السعودية… باختصار، يسعد القادة العرب بلعب لعبة اللوم، إلا أنهم فشلوا في الاتحاد حول استراتيجيةٍ دقيقة للتعامل بفعالية مع مختلف القوى الإقليمية والدولية التي تتدخل في العالم العربي.”

في حين أن بعض الناس يرون أن وجود الجامعة بمثابة مزحة، تجدر الإشارة إلى أنه تم إنشاء الجامعة كما كانت عليه بمساعدة دولةٍ غربية، ولم تعثر على هويتها قط. كما تجعل الانقسامات في قلب الشرق الأوسط وشمال إفريقيا من المستحيل تقريباً إيجاد تلك الهوية.

وقال رباني “لا أعتقد أن جامعة الدول العربية تمتلك القدرة لتكون ذات أهمية.” وأضاف “لقد فشلت في لعب دورٍ ذي معنى في أي من الأزمات الكبرى التي عصفت بالعالم العربي في العقود الأخيرة، وكان إسهامها الوحيد هو إضفاء الشرعية على التدخل الأجنبي، الأمر الذي أدى بلا شك إلى تفاقم الأزمات القائمة بشكلٍ كارثي.”

بالنسبة له، تكمن المشكلة الأساسية في حوكمة الجامعة: “تهيمن عليها فرادى الدول، ممن يملكون القدرة على فرض إرادتهم على المنظمة ككل. وعلى عكس [الاتحاد الأوروبي] على سبيل المثال، لا تستطيع الدول الأقل قوة أن تمنع القرارات التي تتخذها الدول الأقوى. يعكس هذا التغييرات التي تم تبنيها خلال ثمانينيات القرن الماضي للتغيير من الإجماع إلى التصويت بالأغلبية.”

على الرغم من أوجه القصور هذه، إلا أن إلغاء جامعة الدول العربية من شأنه أن يقلل من المظهر الوحيد الذي يربط الدول الأعضاء معاً، ومعه أي أملٍ في أن يتطور الوضع الحالي للأفضل.