تحوّلت الكثير من المواقف الإقليمية المرتبطة بحرب غزّة إلى مزايدات شّعبويّة، التي غالبًا لا تخدم الوضع الإنساني أو مستقبل غزّة بعد انتهاء الحرب.
علي نور الدين
بالنسبة للشّعب الفلسطيني، لا يمكن فصل الحرب على غزّة الراهنة عن السّياق التاريخي للصّراع مع إسرائيل.
ففي ظل الحصار المزمن على قطاع غزّة، واستمرار مصادرة الأراضي لتوسيع المشاريع الاستيطانيّة في الضفّة الغربيّة، وإصرار اليمين المتطرّف الإسرائيلي على تهميش العرب المقيمين داخل إسرائيل، كان هناك ما يكفي من تراكمات تحتّم انفجار الوضع على هذا النحو.
أمّا ردّة الفعل الإسرائيليّة، فأظهرت وحشيّة عسكريّة غير مسبوقة، وذلك تعويضًا عن افتقار صنّاع القرار الإسرائيليين للحلول السياسيّة، القادرة على تأمين مخارج واقعيّة لهذا النزاع.
تباين المواقف الإقليميّة
ولكن تمامًا كأيّ نزاع مسلّح، وإلى جانب الاعتبارات المبدئيّة الواضحة التي يعبّر عنها الأفراد الفلسطينيون، تحدّدت مواقف الأطراف الإقليميّة المختلفة من النزاع بحسب عوامل عدّة، التي تجمع ما بين البحث عن المشروعيّة السياسيّة والمصالح الاقتصاديّة والدور الإقليمي والثقل الدبلوماسي.
لذلك، وعلى الرغم من أنّ الغالبيّة الساحقة من دول الشرق الأوسط أبدت في الشكل مواقف متعاطفة مع أهل قطاع غزّة، وقد تفاوتت الأدوار السياسيّة التي لعبتها كل دولة خلال النزاع المسلّح، كما تفاوتت –وبشكل جذري- طروحاتها لإنهاء الحرب.
وقد تكون هذه التباينات الشاسعة في أدوار ومواقف الأطراف الإقليميّة جزءًا من مشكلة الشّعب الفلسطيني اليوم.
فمن الواضح أنّ حركة حماس، التي تخوض المعركة حاليًا، لا تحمل حلًا سياسيًا فلسطينيًا متكاملًا وجديًا لتفاوض على أساسه، في ظل خلافها الحاد مع حركة فتح المسيطرة أمنيًا في الضفّة الغربيّة (بمعزل عن مدى شعبيّة حركة حماس هناك)، وعزلتها الدوليّة، ناهيك عن عدم قدرتها على تمثيل العرب المقيمين داخل إسرائيل.
وأمام هذا الواقع، وبفعل انقسام الأطراف الإقليميّة العربيّة والإسلاميّة، يفتقد الشّعب الفلسطيني للحاضنة السياسيّة الدوليّة، التي كان من شأنها الضغط على المجتمع الدولي لدعم حلّ عادل ونهائي للمسألة الفلسطينيّة.
وبهذا المعنى، بات الفلسطينيّون أمام واقع داخليّ لا يسمح لهم بفرض مسار يفضي إلى قيام دولتهم المستقلّة بعد الحرب، وخصوصًا في ظل الاحتلال الإسرائيلي للضفّة الغربيّة وتجريد السلطة الفلسطينيّة من صلاحيّاتها هناك، فيما يحول تضارب مواقف القوى الإقليميّة دون نشوء مبادرات دوليّة داعمة أو مسهّلة لهذا الحل.
وهذا ما يصب حتمًا في خدمة إسرائيل، الرافضة لأي تسوية تنهي مشاريع الاستيطان وتعطي الفلسطينيين سيادتهم الكاملة على الضفّة الغربيّة وقطاع غزّة. وقد يكون هذا المشهد المؤلم أحد العوامل التي تعطي حكومة بنيامين نتنياهو المزيد من الدفع، لاستكمال الحرب في غزّة دون قيود.
المشكلة الأهم، هي أنّ الكثير من المواقف الإقليميّة المرتبطة بالحرب على غزّة، تحوّلت إلى مجموعة من الشعارات والمزايدات الشّعبويّة، التي غالبًا ما استهدفت تحقيق مصالح أخرى لا ترتبط فعلًا بالوضع الإنساني في غزّة، أو بمستقبل القطاع عينيه بعد انتهاء الحرب على غزة. وهذا ما يتضح بمجرّد الغوص في طبيعة أهداف تحرّك بعض الدول الإقليميّة.
أردوغان وخلفيّة شعارات صراع الحضارات
منذ بداية الحرب، أطلق الرئيس التركي رجب طيّب أردوغان مجموعة من الشّعارات التي تتضامن مع سكّان قطاع غزّة في الشكل، وذلك عن طريق تحويل المعركة إلى صراع ديني وحضاري، وهو ما ميّز خطاب أردوغان عن سائر زعماء الدول الإقليميّة المعنيّة بالنزاع.
ففي منتصف شهر تشرين الثاني/نوفمبر 2023، أعلن أردوغان أمام كتلة حزبه البرلمانيّة أنّ “المسألة باتت واضحة، إنها مسألة الهلال والصليب، وحقيقة هؤلاء ظهرت تمامًا الآن”. وهذا التصريح الحسّاس، كان قد سبقه تحدٍّ صريح للعالم الغربي من جانب أردوغان في أواخر تشرين الأوّل/أكتوبر، عندما لمّح إلى مرحلة الحروب الصليبيّة، مذكّرًا أن “هذه الأمّة لم تمت”.
باختصار، وفي جميع خطاباته، حاول أردوغان التقليل من شأن إسرائيل، التي “لا تمثّل سوى بيدق في المنطقة”، بخدمة “الغرب الذي يحب استخدام البعض كأداة ووسيلة في يده”. وبهذا المعنى، فإن الغرب، أو الصليبيين، هم “أصحاب اللّعبة في المنطقة”، وليس إسرائيل، التي “لا تستطيع أن تقوم بخطوة واحدة رغمًا عنهم”.
وبالتأكيد، ثمّة إشكاليّات عدّة في خطاب أردوغان، إذا ما قمنا بتقيميه من زاوية الجدوى والفعاليّة في دعم غزّة. فمن الناحية العمليّة، تقلّل هذه التصريحات الشّعبويّة إلى حدّ كبيرٍ من مسؤوليّة إسرائيل، إلى حد تصويرها كلاعب ثانوي يتحكّم به الآخرون، في مقابل تحميل المسؤوليّة للغرب مجتمعًا، بوصفه حلفًا دينيًا صليبيًا تكتّل لمناهضة المسلمين.
وهذا التصوّر الساذج مجافٍ طبعًا للحقيقة، إذا ما أخذنا بعين الاعتبار مواقف الكثير من المنظمات الحقوقيّة والجمعيّات والأحزاب والقادة الغربيين، الذين طالبوا بوقف العمليّة البريّة في غزّة فورًا، في مقابل دعم الولايات المتحدة العلنيّ والمستمر لإسرائيل، وتأثير بعض المجموعات الصّهيونيّة المسيحيّة الأميركيّة.
وفي الوقت عينيه، وحتّى بالنسبة للدول الغربيّة المؤيّدة لإسرائيل، لا يوجد ما يشير إلى انطلاق هذا الدعم من حلف بأبعاد دينيّة أو ماورائيّة مقدّسة، كما يزعم أردوغان، ولا يوجد ما يوحي بعودة مرحلة الحملات الصليبيّة التي يشير إليها.
وفي جميع الحالات، إذا كان المطلوب حشد الدعم الدولي لأجل القضيّة الفلسطينيّة، لا يخدم هذه القضيّة تصويرها كصراع بين الحضارات أو الأديان، وهذا ما يطرح السؤال عن خلفيّات مواقف أردوغان وأهدافها الفعليّة.
في واقع الأمر، ومن خلال تصوير المسألة كصراع بين الحضارات والأديان، يحاول أردوغان أولًا كسب مشروعيّة سياسيّة قياديّة في العالم الإسلامي، عبر رفع سقف خطابه ضد العالم الغربي، أو “الصليب” كما يسمّيه.
أمّا التقليل من شأن إسرائيل ومسؤوليّتها كدولة، وتصويرها كأداة بيد الغير، فيبرّر موقف تركيا التي تحتفظ حتّى اللّحظة بعلاقات دبلوماسيّة وتجاريّة متقدّمة مع إسرائيل. بل ويبرّر وضعيّة تركيا الساعية إلى مشاريع إستراتيجيّة كبيرة مع إسرائيل في مجال الطاقة، وذلك من خلال تشييد أنابيب لنقل الغاز الإسرائيلي إلى تركيا، كمحطّة قبل تصديره إلى أوروبا.
بعيدًا عن الخطابات الشّعبويّة، وعند تحديد أهداف تركيا من هذه الحرب، كان أردوغان يعلن عن طموحات لا تتعارض كثيرًا مع الرؤية الإسرائيليّة لقطاع غزّة في مرحلة “ما بعد حماس”.
فما يريده أردوغان عمليًا، بحسب تصريحاته، هو أنّ تتولّى تركيا “المسؤوليّة مع دول أخرى في الهيكل الأمني الجديد الذي سيتم إنشاؤه في قطاع غزّة”، بعد انتهاء الحرب. وهذا الموقف التركي، يتعارض مع مواقف الفصائل الفلسطينيّة الرافضة لأي نقاش من هذا النوع، إذ إنّ المُقترح يوفّر مخرجًا للحكومة الإسرائيليّة، الباحثة عن سيناريوهات لإنشاء إدارة جديدة للقطاع، بعد تفكيك منظومة حركة حماس الأمنيّة والعسكريّة.
في النتيجة، يبدو أن أردوغان يبحث عن دور ما لبلاده في إدارة الملف الفلسطيني، وهو ما سيعطيه في المستقبل قوّة تفاوضيّة أكبر في علاقته مع إسرائيل. وبهذا الشكل، سيتمكّن أردوغان من فرض رؤيته في العديد من الملفّات على الإسرائيليين، ومنها ملف خطوط إمداد الغاز في شرق المتوسّط، حيث تطمح تركيا إلى لعب دور المركز الإقليمي لإعادة تصدير الغاز في المنطقة.
مصر والأردن وشعارات رفض تهجير الفلسطينيين
منذ بداية الأزمة، تمسّكت مصر والأردن بشعارات رفض تهجير الفلسطينيين، بوصفها الخط الأحمر الأساس للبلدين.
وحالة مصر بالذات، جرت ترجمة الشعار بإقفال معبر رفح بشكل كامل في وجه الفلسطينيين الراغبين بمغادرة قطاع غزّة، ولو طوعًا، باستثناء حملة الجوازات الأجنبيّة وبعض الجرحى. وهذه المواقف، جرى تسويقها بوصفها خشية على مستقبل القضيّة الفلسطينيّة، بما أن تهجير الفلسطينيين من قطاع غزّة أو الضفّة الغربيّة سيعني تصفية القضيّة الفلسطينيّة بشكلٍ نهائيّ.
مع تقدّم العمليّات العسكريّة، بدا أن هذا الموقف المصري يتصل أولًا بحسابات أمنيّة ووطنيّة مرتبطة بشبه جزيرة سيناء، قبل أن يتصل بأولويّات الحفاظ على القضيّة الفلسطينيّة. وهذا ما أوضحه في وقتٍ لاحق الرئيس المصري عبد الفتّاح السيسي، حين أشار إلى أنّ تهجير الفلسطينيين إلى سيناء سيفتح الباب أمام استئنافهم العمل المسلّح من داخل الأراضي المصريّة، وهو ما قد يهدد مستقبل اتفاقيّة السلام ما بين مصر إسرائيل.
وعلى هذا الأساس، أعلن السيسي نفسه أنّه لا يمانع تهجير أهل غزّة إلى صحراء النقب مثلًا، بدل تهجيرهم إلى صحراء سيناء.
بعيدًا عن المواقف المعلنة حول تهجير الفلسطينيين، لعبت مصر في مراحل مختلفة من النزاع دورًا في التفاوض مع حركة حماس، للتوصّل إلى هدن إنسانيّة وعمليّات تبادل للأسرى (إلى جانب قطر). وللقيام بهذا الدور، استفادت مصر من قدرتها على الضغط على حركة حماس، بحكم تحكّمها بالحدود البريّة الوحيدة التي تصل غزّة بدولة عربيّة.
أمّا بالنسبة لأفق الحرب على غزّة، وتمامًا كما فعلت تركيا، لم تبتعد مصر عن فكرة البحث عن حلول لمرحلة “ما بعد حماس” في قطاع غزّة، من خلال دعوة السيسي لتأسيس دولة فلسطينيّة مستقبليّة منزوعة السلاح، وتحت رقابة قوّات عربيّة أو دوليّة.
وهذا الطرح، الذي لا يتعارض مع سيطرة إسرائيل الأمنيّة على القدس والضفّة الغربيّة، يأتي كبديل عن إقامة دولة فلسطينيّة كاملة السيادة وعاصمتها القدس الشرقيّة، على حدود العام 1967، بعدما “تم استنفاد هذه الفكرة” التي باتت “بعيدة المنال”، على حد قول السيسي.
وفي الوقت الراهن، يتوقّع كثيرون أن تتمكّن مصر من توظيف كل هذه الأوراق، لتحقيق مكاسب في علاقتها مع الدول الغربيّة، وخصوصًا في الملفّات الاقتصاديّة ومفاوضاتها مع صندوق النقد الدولي.
تعاظم الدور القطري خلال الحرب
على مستوى الخليج، برز خلال هذه الحرب بوضوح الدور المركزي الذي لعبته قطر. فقطر التي تستضيف الجزء الأكبر من القيادة السياسيّة لحركة حماس في مدينة الدوحة، والتي قدّمت الدعم المالي لقطاع غزّة في مراحل سابقة، واكبت الحرب بوسائل إعلامها بكثافة، منذ انطلاق عمليّة “طوفان الأقصى”.
ثم تحوّلت قطر منذ ذلك الوقت إلى صلة الوصل الأساسيّة، التي سمحت للموساد الإسرائيلي ووكالة الاستخبارات الأميركيّة بالتفاوض مع حركة حماس، للاتفاق على الهدن الإنسانيّة وتبادل الأسرى.
هكذا، تمكنت قطر –إلى جانب مصر- من القيام بمهمّة الوسيط المفاوض بين طرفي المعركة، وهو دور لطالما سعت قطر إلى لعبه تقليديًا، في العديد من النزاعات المسلّحة في المنطقة، تمامًا كما فعلت عند التوسّط سابقًا بين حركة طالبان والولايات المتحدة.
وفي العادة، تراهن قطر على مثل هذه الأدوار المعقّدة لتعزيز مكانتها وأهميّتها لدى الولايات المتحدة وسائر الدول الغربيّة. وذلك بالتوازي مع تكريس مشروعيّتها السياسيّة أمام الشّعوب الإسلاميّة، عبر علاقاتها الجيّدة مع بعض حركات الإسلام السياسي المناهضة للإمبرياليّة الغربيّة، مثل حركة حماس. من هذه الزاوية، يمكن فهم الإطراء الأميركي والإسرائيلي المتكرّر للدور القطري الحالي، على الرغم من الدعم الضّمني الذي قدّمته الدوحة لحركة حماس.
بموازاة ذلك، كانت قطر تعزّز حضورها الإقليمي خلال الحرب بشكل آخر. فقبل اندلاع حرب غزّة، كانت الولايات المتحدة ترعى مشروع تطبيع العلاقات بين السعوديّة وإسرائيل، الذي كان يفترض أن يتم تتويجه بمشاريع اقتصاديّة وسياسيّة إقليميّة كبرى، بعيدًا عن أيّ دور اقتصادي أو سياسي لقطر. وقبل الحرب أيضًا، كانت الولايات المتحدة تنسّق مع السعوديّة، لإنضاج تسويات مرحليّة للمسألة الفلسطينيّة، بهدف تسهيل مسار التطبيع، دون أيّ دور قطري.
وهكذا، جاءت الحرب على غزّة لتفرمل جميع هذه المشاريع السياسيّة والاقتصاديّة التي تتخطّى دور الدوحة، قبل أن تعود قطر إلى قلب المداولات المرتبطة بالملف الفلسطيني، بالشراكة مع مصر والولايات المتحدة. وهذا ما سجّل لقطر نقاطًا في رصيدها السياسي، في ظل تنافسها التقليدي مع السعوديّة على الدور والنفوذ الإقليمي.
ومن الطبيعيّ أن تستفيد الدوحة من هذا الواقع في المستقبل، لفرض مشاريع اقتصاديّة إقليميّة بديلة عن تلك التي طرحتها السعوديّة مؤخرًا في تفاهماتها مع الولايات المتحدة، وخصوصًا على مستوى خطوط إمداد مصادر الطاقة.
سائر دول الخليج ومحور الممانعة
في المقابل، ابتعدت سائر دول الخليج عن لعب الأدوار السياسيّة الحيويّة البارزة خلال الحرب الراهنة. فمن ناحيتها، إلتزمت السعوديّة بإدانة الحرب الإسرائيليّة على غزّة، واستضافة القمّة العربيّة الإسلاميّة التي طالبت بوقف تصدير الأسلحة إلى إسرائيل.
أمّا الإمارات العربيّة المتحدة، فحرصت على مراعاة علاقتها مع إسرائيل، عبر إدانة حركة حماس ومهاجمتها أمام مجلس الأمن الدولي. وكذلك فعل ولي عهد البحرين سلمان بن حمد، الذي أدان في الوقت عينيه هجمات حركة حماس وردّة الفعل الإسرائيليّة، داعيًا إلى وقف “عجلة العنف”.
هكذا، ظهرت آثار “اتفاقيّات آبراهام” سريعًا على مواقف البحرين والإمارات بشكل خاص، حيث يبدو أنّ الدولتين تحرصان على مجموعة كبيرة من المصالح الاقتصاديّة التي تم تطويرها مؤخّرًا مع إسرائيل في ضوء هذه الاتفاقيّات، وخصوصًا على مستوى الاستثمارات والتبادلات التجاريّة.
أمّا مسار تطبيع العلاقات الإيرانيّة السعوديّة، الذي بدأ مؤخرًا برعاية صينيّة، فلا يبدو أنّه قد تأثّر بكل هذه التطوّرات، بدلالة استمرار المحادثات بين البلدين خلال الحرب.
من جهة أخرى، بالغت إيران بالتهديد المتكرّر بإمكانيّة اتساع نطاق الحرب، في إشارة إلى إمكانيّة انخراط محور الممانعة في مواجهة إقليميّة مفتوحة. لكن ردّات فعل هذا المحور لم تتجاوز نطاق الهجمات الرمزيّة في العراق واليمن، ضد الأهداف الأميركيّة والإسرائيليّة.
وحتّى في لبنان، ظلّت الاشتباكات بين حزب الله والجيش الإسرائيلي تدور ضمن نطاق ما يُعرف بقواعد الاشتباك، أي المعارك المضبوطة والمحدودة جدًا، في حيّز جغرافي ضيّق عند الحدود.
باختصار، لا يبدو أن إيران وحلفاءها كانوا مستعدين للتضحية بالكثير من الأوراق لخدمة حركة حماس، التي تملك حساباتها وتحالفتها الإقليميّة الخاصّة، على الرغم من تلقيها الدعم بالعتاد العسكري والتدريب من إيران.
لكل هذه الأسباب، تباينت مقاربات القوى الإقليميّة للنزاع المسلّح في غزّة، واختلفت أهدافها، وهو ما أفقد الدول العربيّة والإسلاميّة القدرة على التحرّك بشكل جماعي لتقديم الحلول السياسيّة أو الضغط باتجاهها.
وعلى أيّ حال، من المرتقب أن تظهر مواقف جميع هذه الدول بشكلٍ أوضح في المرحلة المقبلة، عند التداول الجدّي في مستقبل قطاع غزّة بعد الحرب على غزّة، وفي هويّة الجهة التي ستديره، خصوصًا أن إسرائيل مازالت تصر حتّى اللّحظة على إنهاء حكم حركة حماس في القطاع.