وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

مخيمات غزة: اكتظاظ سكاني خطير أثناء الحروب الإسرائيلية

تعاني مخيمات اللاجئين الفلسطينيين الموجودة في قطاع غزّة من ويلات الحروب الإسرائيلية أكثر من غيرها من المناطق الموجودة في القطاع لأسبابٍ عدّة. وتشمل قائمة الأسباب الكامنة وراء هذه المعاناة كلاً من الطبيعة العمرانية لهذه المخيمات، فضلاً عن اكتظاظها بالسكان وعدم وجود الحلول الكفيلة بضمان تعافيها من الهجمات التي تشنها إسرائيل عليها.

مخيمات غزة
صورة تم التقاطها يوم 4 سبتمبر 2022، في شمال قطاع غزة، لامرأة تغسل ملابسها في حوض في حمامها في منزلها في مخيم جباليا للاجئين الفلسطينيين. محمد عابد/وكالة الصحافة الفرنسية

أمجد ياغي

تعاني مخيمات اللاجئين الفلسطينيين الموجودة في قطاع غزّة من ويلات الحروب الإسرائيلية أكثر من غيرها من المناطق الموجودة في القطاع لأسبابٍ عدّة. وتشمل قائمة الأسباب الكامنة وراء هذه المعاناة كلاً من الطبيعة العمرانية لهذه المخيمات، فضلاً عن اكتظاظها بالسكان وعدم وجود الحلول الكفيلة بضمان تعافيها من الهجمات التي تشنها إسرائيل عليها.

وتظهر الورطة التي تعيشها مخيمات القطاع للعيان كلّما قامت إسرائيل باستهداف قيادات الفصائل الفلسطينية المقيمة داخل هذه المخيمات. وعلى سبيل المثال، فقد أسفر التصعيد الإسرائيلي الأخير في أغسطس 2022 عن مقتل 49 شخصاً وإصابة المئات المصابين، علماً بأن نصف هؤلاء كانوا من أبناء المخيمات. وقام الجيش الإسرائيلي ما بين 5 و7 أغسطس 2022 بشنّ هجمات على أهدافٍ متعددة وسط مخيمات البريج وجباليا ورفح بغية اغتيال قياديين بارزين في حركة الجهاد الإسلامي الفلسطينية.

وأسفرت إحدى الهجمات الإسرائيلية عن مقتل سبعة مدنيين فلسطينيين كانوا يقيمون في منطقة الشعوث ذات المباني المتلاصقة والمكتظة بالسكان وسط مخيم رفح. كما أسفر الهجوم الإسرائيلي على هذه المنطقة إلى إصابة 35 مدنياً، من بينهم 18 طفلاً و12 سيّدة. وكانت إسرائيل قد شنت هذا الهجوم على منطقة الشعوث لتصفية خالد منصور، وهو قياديٌّ بارز في الجهاد الإسلامي.

مشكلة المخيمات

ثمانية مخيمات للاجئين الفلسطينيين في قطاع غزة أنشئت عقب نكبة فلسطين عام 1948. وتشمل قائمة مخيّمات القطاع كلاً من مخيّم جباليا، ومخيّم الشاطئ، ومخيّم النصيرات، ومخيّم البريج، ومخيّم المغازي، ومخيّم دير البلح، ومخيّم خانيونس ومخيّم رفح.

وفي الوقت الذي وصل فيه عدد سكان قطاع غزّة إلى أكثر من 2.3 مليون شخص بحسب ما أكدته إحصائيات وزارة الداخلية التابعة لحكومة حماس في نهاية عام 2021، فإن ثلثي هؤلاء من اللاجئين. وزاد عدد اللاجئين الفلسطينيين المسجلين لدى وكالة الغوث للاجئين الفلسطينيين “الأونروا” عن مليون و476 ألف لاجئ في مايو 2021. وهنا، لا بد من الإشارة إلى إقامة معظم هؤلاء اللاجئين في مخيّمات القطاع.

المخيمات التي تعتبر أكثر التجمعات السكانية في قطاع غزة فقرًا، تعاني من ترهّل البنية التحتية ومن الظروف الاقتصادية الخانقة للمقيمين فيها. وفي الوقت الذي بدأ فيه إنشاء هذه المخيمات كمدن خيام مؤقتة يسكن فيها اللاجئون الفلسطينيون، فإن هذه المخيّمات تحوّلت بمرور الزمن إلى تجمعات حيوية مكتظة بالبنايات والطوابق. وتعتبر مخيّمات القطاع من بين الأشد كثافة في العالم، حيث تصل كثافتها السكانية إلى 55 ألف نسمة في الكيلومتر المربع. وبكلماتٍ أخرى، فإنّ أيّ هجوم إسرائيلي يتم شنّه على المخيّمات يعني وقوع عدد كبير من الخسائر في الأرواح، ناهيك عن تدمير البنية التحتية المترهلة أصلاً.

وتصل كثافة مخيم جباليا، وهو أكبر مخيمات اللاجئين الثمانية الموجودة في قطاع غزة، إلى 81.4 ألف نسمة في الكيلومتر المربع. وبحسب أرقام الأونروا، يعيش في المخيم حوالي 113,990 لاجئ مسجل على مساحة لا تزيد عن 1.4 كيلومتراً مربعاً.

ويشعر سكان قطاع غزة بالكامل بعدم الأمان خلال أوقات الحروب كما يوضح براء الشاعر من سكان منطقة الشعوت بمخيم رفح. وينوّه براء، الذي فقد صديقه إسماعيل دويك خلال الهجمة الإسرائيلية الأخيرة على القطاع، إلى تلاصق أبنية المخيّم واكتظاظه بالسّكان، ما جعل من عملية البحث عن المصابين والمفقودين تستمر لساعاتٍ طويلة.

وضع مخيّمات القطاع يزداد صعوبة عندما تبرز الحاجة إلى تدمير بعض البيوت السليمة بهدف إنقاذ من هم تحت الركام. وعلى سبيل المثال، فقد اضطر موظفو الدفاع المدني بغزّة إلى تدمير منزل أشرف القيسي في منطقة الشعوث لأنقاذ من هم تحت الركام بعد الحصول على موافقته للقيام بذلك.

وتحفّ الأعمال الإنسانية الرامية إلى إنقاذ المصابين تحت الركام مخاطر كبيرة نتيجة ضعف البنية التحتية لهذه المخيّمات. ووقع أحمد عفّانة ضحية انهيار أحد الجدران عليه في مخيم جباليا أثناء توجهه لإنقاذ أحد جيرانه الموجودين تحت ركام أحد المنازل المجاورة لمنزله نتيجة القصف الإسرائيلي لهذه المنطقة يوم 7 أغسطس 2022.

ويقول شقيق عفانة لـ “فنك”: “استشهد أخي بسبب ترهّل البنية التحتية للمخيم. إنّ أي قصفٍ إسرائيلي للمخيّم يعني تدمير البنية التحتية ووقوع عدد أكبر من الضحايا، سيّما وأنّ تلاصق الأبنية السكنية الموجودة في المخيّم يعرّض البيوت القريبة من موقع القصف إلى خطر الانهيار”.

غزة بحاجة لمساكن

مخيمات غزة
صورة تم التقاطها يوم ٢٩ مارس للفلسطيني سالم أبو عمرة أمام منزله في مخيم رفح للاجئين الفلسطينيين جنوب قطاع غزّة وذلك قبل يومٍ واحد من يوم الأرض. المصدر: SAID KHATIB / AFP.

ذكر مركز الميزان لحقوق الإنسان في ورقة حقائق نشرها في يوليو 2019 أن قطاع غزة يعاني من أزمة إسكان متفاقمة. وجاء ذلك نتيجة عوامل متعددة أبرزها ازدياد الكثافة السكانية، وانخفاض عدد المساكن، والحصار الإسرائيلي واستهداف إسرائيل للمباني السكنية. وتبلغ الحاجة السنوية من المساكن لمقابلة الزيادة السكانية الطبيعية حوالي 14,000 وحدة سكنية.

وعلى مدار سنوات، تمدّد بعض سكان قطاع غزة خارج المخيمات في مناطق متفرقة. واستغل الكثيرون منهم مناطق المستوطنات التي انسحبت منها إسرائيل عام 2005 ضمن خطة فك الارتباط الأحادية التي وضعتها الحكومة الإسرائيلية حينذاك للخروج من قطاع غزّة. ومع ذلك، فإنّ تلك المناطق لم تكن كافية لتلبية ما يحتاجه الفلسطينيون المقيمون في غزّة من مبانٍ إضافية لخفض الكثافة السكانية الموجودة في المخيّمات.

تاريخ قطاع غزة لا يتمتع بمدن مركزية سوى مدينة غزة. وتوفر هذه المدينة الخدمات الرئيسية والبنية التحتية المطلوبة لأبناء قطاع غزّة كالمرافق الصحية والمؤسسات الحكومية والجامعات وأماكن العمل. بيد أنّ التمدّد العمراني والسكاني أدى، بحسب ما ذكره الخبير الاقتصادي جمال أبو عيطة لـ “فنك”، إلى توليد حركة تنقل “خانقة” بين محافظات قطاع غزة، ناهيك عن التلوث البيئي.

ويقول أبو عيطة: “تمت هندسة بناء المخيمات لتكون بمثابة مناطق مؤقتة لسكن اللاجئين. وفي الفترة الممتدة بين عامي 1948 و1975، كانت أبنية المخيّمات ذات طابع بسيط ورديء. وبعد ذلك، فقد قام أبناء المخيمات بتطوير الأبنية السكنية والبنية التحتية بطريقة ذاتية نتيجة تزايد عدد السكان. وزادت الحروب والعمليات العسكرية الإسرائيلية المتكررة على قطاع غزّة من الطابع العمراني غير المنظم للمخيمات، سيّما وأن أجزاءً كبيرة ومفصلية من هذه المخيمات تدمّرت نتيجة القصف الإسرائيلي”.

وتزيد العادات الاجتماعية الموجودة في قطاع غزّة من أزمة الكثافة السكانية الخانقة التي تواجهها المخيّمات فيه. وجرت العادة بين أبناء المخيّمات على أن يقوم الابن ببناء منزل فوق منزل والده. وفي هذا السياق، يؤكد براء الشاعر لـ “فنك” على صعوبة الخروج من المخيّم، سيّما وأن مجتمع غزّة قائم على القرب من العائلات الممتدة. كما أن ضيق مساحة القطاع البالغة 360 كيلومتراً مربعاً يساهم في تعزيز هذه الإشكالية.

ويحذّر أبو عيطة من ثقافة التوريث والإقامة في مخيمات غزّة لأنها تُفاقم الأزمات اللوجستية التي يعيشها أبناء هذه المخيّمات، فضلاً عن إلحاق أي هجوم إسرائيلي لضررٍ مضاعف نتيجة تلاصق المنازل. ووفقاً لأبو عيطة، فإن هذه الثقافة تؤدي إلى استنزاف الخزانات الجوفية التي يعتاش عليها منذ سنوات الغزيون المقيمون في تلك المخيمات، لا سيما تلك الموجودة القريبة من شاطئ البحر.

إعمار بطيء ودعم مترنح للأونروا

لا يتطلع اللاجئون في غزة إلى أيّ خطوات مستقبلية جادّة تساهم في حلّ ما يواجهونه من مشاكل في المخيمات. كما أن المتضرّرين من الحروب الإسرائيلية يعانون من المماطلة في إعادة إعمار منازلهم، لا سيّما أولئك الذين تضرّروا خلال الحرب الإسرائيلية التي استمرت 11 يومًا في مايو 2021. وعبّر هؤلاء المتضرّرين عن احتجاجهم على المماطلة في حل المشاكل المرتبطة بإعادة إعمار منازلهم أمام مقرات الأونروا الموجودة في القطاع.

يأتي ذلك في الوقت الذي أكد فيه ناجي سرحان، وكيل وزارة الأشغال العامة والإسكان في غزة، على سير عملية إعادة الإعمار ببطءٍ شديد منذ ذلك الهجوم الإسرائيلي. ولم يزد عدد الوحدات السكنية التي تم إعادة إعمارها عن 200، علماً بأن عدد الوحدات التي تضرّرت نتيجة ذلك الهجوم الإسرائيلي وصل إلى 1700 وحدة.

يأتي ذلك في الوقت الذي تواجه فيه وكالة الأونروا نقصاً حاداً في ميزانيتها العامة. ووصل النقص بحسب مسؤولين في الأونروا إلى 100 مليون دولار أمريكي، ما يعود السبب الرئيسي وراءه في تراجع الدعم الدولي المقدّم في موازنتها العامة نتيجة تراجع الدعم الدولي للمنظمة. وتخصّص الأونروا 38٪ من ميزانيتها على قطاع غزّة.

وحذّر المفوض العام لوكالة “الأونروا” فيليب لازاريني من انخفاض دعم الدول العربية إلى مستوى تاريخي غير مسبوق. وبحسب ما ذكره لازاريني في خطابٍ ألقاه في اجتماع وزراء الخارجية العرب الذي تم عقده في القاهرة مطلع سبتمبر 2022، فإن الدعم العربي لم يزد عن 3% من ميزانية الأونروا لعام 2021.

وكانت الولايات المتحدة قد استأنفت تزويد الأونروا بالمساعدات المالية لتنفيذ أعمالها المتعلقة بتشغيل اللاجئين الفلسطينيين وإعادة إعمار البيوت المدمّرة بعد ثلاث سنوات ونص قرار الرئيس الأمريكي السابق بوقفها. إلا أن استئناف تقديم واشنطن للمساعدات لم يحل المشكلة بسبب خفض الكثير من الدول الداعمة لما تقدمه من مساعدات للمنظمة الدولية على امتداد السنوات الماضية، وهو ما يعني استمرار معاناة المتضرّرين من أبناء مخيمات غزّة لأمد غير معلوم.

Advertisement
Fanack Water Palestine