قبل عام 1967، كان الخط الأخضر – الذي أُنشئ في اتفاقات الهدنة عام 1949 – في الحقيقة الحدود الشرقية لإسرائيل. في ذلك الوقت شملت أراضي إسرائيل 78% من الأراضي التي طبّق عليها الانتداب البريطاني لفلسطين قبل عام 1948. ومع ذلك، لم تعترف لا إسرائيل ولا الدول العربية المجاورة أبداً بهذه الأراضي كحدود دولة رسمية، رغم أن معظم المجتمع الدولي اعتبرها كذلك بالفعل.
بعد 1967
في 5 حزيران/يونيو عام 1967، اندلعت حرب بين إسرائيل والدول العربية المجاورة، مصر وسوريا والأردن، والتي كانت مدعومة من قبل دول عربية أخرى. خلال الحرب، احتلت إسرائيل الضفة الغربية و قطاع غزة وشبه جزيرة سيناء ومرتفعات الجولان – والنتيجة أنها كسبت أرضاً أكبر بثلاث أضعاف من أرضها قبل الحرب. ومن هذه الأراضي، ضمت إسرائيل مرتفعات الجولان والأراضي داخل القدس الشرقية (التي كانت تحت سيطرة الأردن سابقاً) وحولها، وطبقت قوانينها على هذه الأراضي. في 14 تموز/يوليو عام 1967، بعد حوالي شهر من انتهاء الحرب، أنشأت حركة الكيبوتز الموحد أول مستوطنة إسرائيلية في الأراضي المحتلة، وهي كيبوتز ميروم جولان الواقعة على مرتفعات الجولان السورية. وبتاريخ 27 أيلول/سبتمبر عام 1967، تم إنشاء أول مستوطنة في الضفة الغربية – كفار عتصيون – نتيجة الضغط على السلطات الإسرائيلية من قبل مجموعة من المواطنين الإسرائيليين، بما في ذلك العائلات التي عاشت في المنطقة قبل حرب عام 1948، والتي تم طرد جاليتهم منها.
عموماً، في أعقاب حرب عام 1967 لم يكن لدى الحكومة الإسرائيلية موقفاً واضحاً بشأن توطين المواطنين الإسرائيليين في فلسطين (باستثناء القدس الشرقية، انظر أدناه). وقد عارض معظم الوزراء الإسرائيليين مثل هذا الاستيطان لأنهم رغبوا في استخدام الأراضي المحتلة كورقة مساومة لمفاوضات مستقبلية. إلا أن هذا الموقف تغير بسرعة.
خطة آلون
بتاريخ 13 حزيران/يونيو عام 1967، تقدّم الوزير الإسرائيلي إيغال آلون، الذي ترأس لجنة المستوطنات الوزارية، باقتراح إلى الحكومة من أجل “مستقبل الأراضي و طرق التعامل مع اللاجئين”. كانت خطة إستراتيجية تهدف إلى توسيع الأراضي الإسرائيلية، بحجة أنه لا غنى عن مثل هذا المسعى للحفاظ على أمن إسرائيل. اقترحت خطة آلون الأصلية إقامة مستوطنات إسرائيلية في وادي الأردن والمناطق الصحراوية جنوب الضفة الغربية لضمان وجود الإسرائيليين في مناطق ليست ذات كثافة سكانية فلسطينية عالية، وكخطوة تمهيدية لضمها رسمياً.
لم تتم الموافقة رسمياً على خطة آلون – التي توسعت عام 1970 لتشمل ما يقارب من نصف الضفة الغربية – من قبل الحكومة. إلا أنه خلال العقد الأول من الاحتلال خدمت هذه الخطة كأساس لأعمال الحكومات الإسرائيلية برئاسة الحكومات التي يهيمن عليها حزب العمل، إلى أن جاء حزب الليكود إلى السلطة عام 1977. بدأت الحكومة الإسرائيلية خلال العقد الأول في بناء ما يقارب من ثلاثين مستوطنة لنحو 4500 مستوطن، معظمها في المناطق المدرجة في الخطة.
عموماً، في أعقاب حرب عام 1967 لم يكن لدى الحكومة الإسرائيلية موقفاً واضحاً بشأن توطين المواطنين الإسرائيليين في فلسطين (باستثناء القدس الشرقية، انظر أدناه). وقد عارض معظم الوزراء الإسرائيليين مثل هذا الاستيطان لأنهم رغبوا في استخدام الأراضي المحتلة كورقة مساومة لمفاوضات مستقبلية. إلا أن هذا الموقف تغير بسرعة.
بعد حرب 1967
على الصعيد الدولي، وقع حدثان هامان في أعقاب حرب عام 1967: ففي 1 أيلول/سبتمبر عام 1967، دعا ثمانية من قادة الدول العربية في مؤتمر القمة في الخرطوم، السودان، إلى مواصلة النضال ضد إسرائيل “لضمان انسحاب القوات الإسرائيلية العدوانية من الأراضي العربية التي تم احتلالها منذ عدوان 5 حزيران/يونيو”. وعلى الرغم من اللهجة القاسية لقرار الخرطوم، رأى البعض بأن هذه هي المرة الأولى التي يلجأ فيها القادة العرب إلى الدبلوماسية لاستعادة الأراضي المحتلة من قبل إسرائيل، بل المرة الأولى التي اعترفوا فيها في الواقع بإسرائيل بحدودها السابقة. وفي 22 تشرين الثاني/نوفمبر عام 1967، اعتمدت الأمم المتحدة قرار مجلس الأمن رقم 242 الذي دعا فيه إسرائيل بشكل رئيسي إلى الانسحاب من الأراضي التي احتلتها خلال الحرب (لمزيد من المعلومات انظر إلى الفقرات التي تناقش القانون الدولي). وضع القرار، الذي تم اتخاذه بالإجماع، الشروط من أجل التوصل إلى السلام بين إسرائيل وجيرانها، والذي اعترف في الواقع بالخط الأخضر بوصفه الحدود المتفق عليها، خلافاً لخطة تقسيم فلسطين التي وضعتها الأمم المتحدة، والتي اعتمدتها الجمعية العامة في 29 تشرين الثاني/نوفمبر عام 1947 (القرار181).
حزب الليكود
بعد أن قام حزب الليكود بتشكيل حكومة عام 1977، أعدّ متتياهو دروبلز، رئيس قسم المستوطنات في المنظمة الصهيونية العالمية، خطة شاملة بإطار زمني للاستيطان في جميع أنحاء الضفة الغربية. المنظمة الصهيونية العالمية هي منظمة غير حكومية أنشئت عام 1897، تتلقى الدعم المالي من الحكومة الإسرائيلية وتعمل في الواقع كذراع للحكومة الإسرائيلية لإقامة المستوطنات. نصت خطة دروبلز على أن “الحضور المدني للجاليات اليهودية أمر حيوي لأمن الدولة… ويجب أن لا يوجد أدنى شك بشأن نيتنا بالتمسك بمناطق اليهودية والسامرة (الضفة الغربية) إلى الأبد… إن الطريقة الأفضل والأكثر فعالية لإزالة أدنى ذرة شك بشأن نيتنا بالتمسك باليهودية والسامرة إلى الأبد هي حملة استيطان سريعة في هذه المناطق”. كما عرّف أرئيل شارون، وزير الزراعة آنذاك ورئيس لجنة المستوطنات الوزارية، معظم الضفة الغربية كمنطقة لا غنى عنها لأمن إسرائيل، واعتبر إقامة المستوطنات إجراء أولياً لضمها. ودعت الخطة، التي قدّمها إلى الحكومة الإسرائيلية في 29 أيلول/سبتمبر عام 1977، إلى إنشاء منطقة عازلة بين المجتمعات الفلسطينية على جانبي الخط الأخضر كوسيلة هامة لإحداث تغيير في مسار الحدود. سهلت الحوافز الاقتصادية ومجاورة الخط الأخضر على الحكومة جذب المواطنين الإسرائيليين، الذين يسعون إلى تحسين مستوى معيشتهم، إلى المستوطنات. من ناحية أخرى، كان القصد من تنفيذ خطة دروبلز أن تدفع إلى الأمام بشكل أساسي من قبل أفراد غوش إيمونيم (انظر أدناه)، بدوافع أيديولوجية قويّة، والذين لم يترددوا في استيطان “الشريط الجبلي” من الضفة الغربية، والذي كان ذي كثافة سكانية فلسطينية عالية.
محادثات السلام المصرية الإسرائيلية
خلال محادثات السلام المصرية الإسرائيلية في أواخر السبعينات، قرر رؤساء كلا الدولتين فتح المفاوضات بشأن وضع خطة للحكم الذاتي للفلسطينيين، البناء السياسي الذي رفضته منظمة التحرير الفلسطينية. فرفض البرنامج الذي قدّمه رئيس وزراء الليكود الإسرائيلي، مناحيم بيغن، في أواخر عام 1978، إقامة دولة فلسطينية في حين دعا إلى استيطان اليهود الإسرائيليين في الضفة الغربية. وتنص المصادقة على قانون القدس من قبل الكنيست الإسرائيلي في 30 تموز/يوليو عام 1980 على أن “القدس، الكاملة والموحدة هي عاصمة إسرائيل”، وأدى اغتيال الرئيس المصري أنور السادات ( 6 تشرين الأول/أكتوبر 1981) إلى نهاية مناقشات هذه الخطة.
خطة دروبلز
عام 1983، في أعقاب انتهاء خطة دروبلز ومع إسكان حوالي 22,800 مستوطن في الضفة الغربية فعلياً، نشرت المنظمة الصهيونية العالمية وحكومة الليكود ما يسمى بخطة المئة ألف، وهي خطة رئيسية جديدة للمستوطنات، والتي وضعت هذا الرقم كهدف لإجمالي عدد المستوطنين الذين كانوا سيقيمون في الضفة الغربية بحلول نهاية السنوات الثلاث المقبلة. وبينما أنشأت الحكومة 23 مستوطنة جديدة في نهاية تلك الفترة، كما هو مخطط، أخفقت في الوصول إلى عدد المستوطنين المقرر، والذي بلغ حوالي 51,000 في نهاية عام 1986.
الانتفاضة الأولى
كان اندلاع الانتفاضة الأولى في 6 أيلول/سبتمبر عام 1987 علامة واضحة على رفض الفلسطينيين قبول الاحتلال أكثر. وأوصلت الانتفاضة الفلسطينية، وعزم الحكومة الإسرائيلية على رفع العدد الإجمالي للمستوطنين، هذه القضية إلى وسط الساحة الدولية.
قرار الملك حسين
في 31 تموز/يوليو عام 1988، أعلن العاهل الأردني الملك حسين قراره بالتخلي عن جميع المطالبات الأردنية بالضفة الغربية. وقد أيّد إعلانه المطلب الفلسطيني بالاعتراف بحقهم في تقرير المصير. وبعد ثلاثة أشهر ونصف، وفي 15 تشرين الثاني/نوفمبر 1988، اعتمد المجلس الفلسطيني الوطني (برلمان منظمة التحرير الفلسطينية) ما يسمى بقرار الجزائر، والذي تم فيه تبني قرار الأمم المتحدة رقم 242 والاعتراف ضمناً بدولة إسرائيل. عام 1991، وبعد فشل الجهود الدبلوماسية الطويلة، أعلن الرئيس الأمريكي جورج بوش أنه سيعطي إسرائيل ضمانات قروض شرط الموافقة على تجميد بناء المستوطنات. كانت هذه الأزمة في العلاقات بين الدولتين أحد الأسباب الرئيسية لفوز حزب العمل بانتخابات 23 حزيران/يونيو عام 1992 واضطرار حكومة الليكود إلى الاستقالة. وكانت هذه المرة الوحيدة التي يعاقب فيها الأمريكيون إسرائيل على بناء المستوطنات.
حزب العمل
في 13 حزيران/يونيو من ذلك العام، تم تشكيل حكومة حزب العمل برئاسة اسحق رابين. وكان رابين قد وعد قبل الانتخابات “بتغيير الأولويات الوطنية” وخفض كبير للاستثمارات في المستوطنات. خلق تأسيس هذه الحكومة الانطباع بأن المشروع الاستيطاني الإسرائيلي في الضفة الغربية سيتوقف أو سيتم إبطاؤه. وعزز التوقيع على إعلان المبادئ (أوسلو الأول) من قبل كل من إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية في 13 أيلول/سبتمبر عام 1993 من هذا الانطباع. ومع ذلك، لم ينص الإعلان الذي تم توقيعه في حديقة البيت الأبيض على المستوطنات بشكل واضح. وفي الواقع، كانت الإشارة الوحيدة لهذه القضية الرئيسية اتفاقية لمناقشة المسألة خلال ما يسمى بمفاوضات الوضع النهائي. وإلى أن يتم التوصل إلى اتفاق دائم، تنص الاتفاقية على أن “إسرائيل ستستمر بمسؤوليتها عن الأمن الداخلي والأمن الخارجي والنظام العام للمستوطنات والإسرائيليين”.
أوسلو الثانية
الاتفاق المؤقت بشأن الضفة الغربية وقطاع غزة (أوسلو الثانية)، الذي تم توقيعه في 28 أيلول/سبتمبر عام 1995، تقرر بأنه “لا يبدأ أي من الطرفين أو يتخذ أية خطوة من شأنها أن تغير الوضع القائم في الضفة الغربية وقطاع غزة بانتظار نتائج مفاوضات الوضع الدائم”. بالإضافة إلى ذلك البند، وعدت حكومة إسرائيل الإدارة الأمريكية بأنها لن تقيم مستوطنات جديدة وأنها ستوقف التوسعات الجارية. ومع ذلك، كان الوعد محدداً: قالت إسرائيل بأنها بالتأكيد ستستجيب لما يسمى احتياجات “النمو الطبيعي” لسكان المستوطنات القائمة. ولهذا، لن ينطبق ذلك على بعض المناطق الكبيرة، وستسمح بإكمال بناء ما يقارب من 10,000 شقة كان قد بوشر ببنائها فعلياً خلال فترة الحكومة السابقة.
في الواقع، ازداد مجموع عدد الوحدات السكنية في المستوطنات في الضفة الغربية وقطاع غزة بنسبة 54% خلال السنوات بين الموافقة على اتفاق أوسلو الأول وأيلول/سبتمبر عام 2000.
وارتفع عدد المستوطنين خلال هذه السنوات السبع من 100,500 إلى 191,600، بزيادة قدرها 90% تقريباً. وكانت ذروة هذا النمو في عام 2000، في ظل رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود باراك وحكومة ائتلاف العمل وشاس.
معايير كلينتون
بتاريخ 12 كانون الأول/ديسمبر عام 2000، وخلال المفاوضات بين إسرائيل والفلسطينيين في واشنطن، تمت قراءة اقتراح لحل النزاع بين الطرفين. وشمل هذا الاقتراح، الذي أصبح يعرف بمعايير كلينتون، فكرة “تبادل الأراضي” أو “مقايضة الأرض”. استندت هذه الصيغة على مبدأين: استخدام الخط الأخضر كأساس لتحديد حدود الوضع النهائي؛ والاعتراف بـ “أرض الواقع”، أي المستوطنات كعامل يؤخذ بعين الاعتبار عند تحديد هذه الحدود.
اقترحت معايير كلينتون أن يكون إقامة الدولة الفلسطينية من 94% إلى %97 من الضفة الغربية. ووفقاً للمعايير، يتم ضم التجمعات الاستيطانية – التي يقيم فيها حوالي 80% من المستوطنين – إلى إسرائيل. وكتعويض، يتم إضافة الأراضي الإسرائيلية ما قبل عام 1967 إلى قطاع غزة. وعلى الرغم من فشل المفاوضات التي توسط فيها الرئيس الأمريكي بل كلينتون، لم يختف مبدأ “مقايضة الأرض”. وقد تمت الإشارة إلى هذه الحقيقة في كانون الثاني/يناير عام 2011، عندما نشرت شبكة الجزيرة وثائق لأجزاء من مفاوضات عقدت خلال عام 2008 من قبل الحكومة الإسرائيلية برئاسة إيهود أولمرت ومسئولين رفيعي المستوى من منظمة التحرير الفلسطينية/السلطة الوطنية الفلسطينية. وكشفت الوثائق عن أن المحادثات بين الجانبين بشأن الحدود النهائية استندت على مبدأ “مقايضة الأرض”.
الانتفاضة الثانية
في 27 أيلول/سبتمبر عام 2000، وبعد انتهاء جولة أخرى من المحادثات الإسرائيلية الفلسطينية في كامب ديفيد (والتي تسمى بكامب ديفيد الثانية منذ ذلك الوقت) بالفشل، اندلعت الانتفاضة الثانية في قطاع غزة والضفة الغربية. كان فشل المحادثات، بالإضافة إلى حقيقة أن الأنشطة الاستيطانية مستمرة بوتيرة كاملة، الأسباب الرئيسية لهذه الجولة الثانية من إراقة الدماء والتي كانت عنيفة بشكل خاص هذه المرة. وفي 7 آذار/مارس عام 2001، حلّ أرئيل شارون من حزب الليكود مكان باراك كرئيس للوزراء. كان شارون لسنوات عديدة يعتبر “مهندس المستوطنات” والقوة الرئيسية الدافعة وراء إنشائها. وكان وصوله إلى السلطة إشارة إلى أنه يتوجب استبدال هذه الحقبة من المفاوضات بسياسة إسرائيل أحادية الجانب.
الجدار
مع ذلك لم تقرر الحكومة الإسرائيلية إقامة حاجز لفصل إسرائيل عن الضفة الغربية (فيما بعد “الجدار”) إلا في نهاية ولاية رئيس الوزراء إيهود باراك. أدت الهجمات الانتحارية المتكررة ضد الإسرائيليين والشعور بأنهم في مأزق إلى جعل معظم الإسرائيليين يؤيدون بناء الجدار. في نهاية المطاف، تبنى الفكرة رئيس الوزراء المنتخب حديثا أرئيل شارون، والذي كان معارضاً لهذا المشروع في بادئ الأمر، معتقداً بأنه يشكل خطراً على مستقبل المشروع الاستيطاني والسيطرة الإسرائيلية على الضفة الغربية. لكن كان المسار المحدد للجدار يتصادف مع الخط الأخضر فقط في مساحة محدودة جداً.
من بين الأسباب الرئيسية التي جعلت الحكومة الإسرائيلية تحدد مسار الجدار كما فعلت هو الرغبة في ترك أكبر عدد ممكن من المستوطنات على جانبه الغربي. كان المقصود من هذا القرار إقامة الجدار داخل الضفة الغربية وضم الأراضي على الجانب الغربي من دولة إسرائيل في واقع الأمر. كما كان المقصود أن يكون المسار أطول بكثير من الحدود السابقة. بينما كان طول الحدود بين الضفة الغربية وإسرائيل 313 كم قبل عام 1967، امتد الطريق المقرر للجدار حوالي 812 كم (كانون الثاني/يناير 2011). يقع 8,6% من الضفة الغربية على الجانب الغربي من الجدار، وتتضمن 49 مستوطنة يقطنها 190,000 مستوطن. وفي كانون الثاني/يناير 2011، أكملت إسرائيل بناء 515 كم من الجدار، بينما بقي 45 كم من الجدار قيد الإنشاء.
عام 2004، كان الجدار مركز القلق والنقد في الساحة الدولية، عندما درست محكمة العدل الدولية في لاهاي مسألة شرعيته. وفي 6 أيار/مايو 2004، أعطت محكمة العدل الدولية رأيها الاستشاري في هذا الشأن، وحكمت بأن جميع المستوطنات غير قانونية. بالإضافة إلى ذلك، رأت المحكمة بأن بناء الجدار في عمق الضفة الغربية كان يشكل انتهاكاً للقانون الدولي. ودعت محكمة العدل الدولية إسرائيل إلى الامتناع عن بناء الجدار داخل الضفة الغربية بالإضافة إلى إزالة الأجزاء التي تم بناؤها هناك وتعويض الفلسطينيين عن الخسائر المادية. وبدعم من الولايات المتحدة، رفضت إسرائيل قرار المحكمة
خارطة الطريق
بتاريخ نيسان/أبريل 2003، أدخلت ما يسمى باللجنة الرباعية، المؤلفة من دول وكيانات دولية وعبر وطنية، في المفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية (الأمم المتحدة والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وروسيا)، “خارطة الطريق على أساس الأداء إلى الحل الدائم للدولتين إلى النزاع الإسرائيلي الفلسطيني”. وكخطوة أولى نحو التقدم في المفاوضات، طرحت اللجنة الرباعية مطالبها لكلا الجانبين، وتضمنت عناصرها الرئيسية وقف الهجمات الفلسطينية المسلحة ووقف البناء الإسرائيلي في المستوطنات، وتضمن الطلب الأخير بشكل صريح البناء لما يسمى “بالنمو الطبيعي” والتفكيك الفوري للبؤر الاستيطانية التي أقيمت بعد آذار/مارس 2001 عندما أدت حكومة شارون اليمين الدستورية. (لسنوات استخدمت إسرائيل “النمو الطبيعي” على نطاق واسع ليشمل في هذه الفترة هجرة المستوطنين الجدد إلى المنطقة). وعلى الرغم من تكرار التصريحات بشأن التزام الحكومة الإسرائيلية بخارطة الطريق، إلا أنها واصلت بناء المستوطنات وامتنعت عن تفكيك البؤر الاستيطانية الجديدة.
نص جدول خارطة الطريق الجديد على أن الصراع يجب أن يتوقف قبل نهاية عام 2005. في عام 2011، وبعد أكثر من خمس سنوات، يمكن الافتراض بأن الأثر الرئيسي لخارطة الطريق كان يدفع رئيس الوزراء شارون للمضي قدماً بمبادرته، والتي عرفت لاحقاً باسم “خطة الانفصال”.
خطة الانفصال
بتاريخ 19 كانون الأول عام 2003، أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي شارون عن خطته للانسحاب من قطاع غزة. وهذا يعني إخلاء وهدم المستوطنات وقواعد الجيش في هذه المنطقة وانسحاب القوات الإسرائيلية إلى حدود 4 حزيران/يونيو 1967. أتى بيان شارون كمفاجأة، كونه كان القوة الدافعة الرئيسية للمشروع الاستيطاني في العقود السابقة.
أبلغ دوف ويسكلاس، الذي شغل منصب مدير مكتب شارون، صحيفة هآرتس (6 تشرين الأول/أكتوبر 2004) حول الأسباب التي أدت إلى هذا التغيير: “إن خطة فك الارتباط هي الشكل المحافظ لصيغة الرئيس بوش… فهي تمنحنا الكمية المناسبة فقط من الفورمالين وبالتالي دون أية عملية سياسية مع الفلسطينيين”. وأضاف ويسكلاس: “أما بالنسبة للمجمعات الكبيرة (من المستوطنات) جلب فك الارتباط معه حالة نحصل فيها على أول تصريح أمريكي من نوعه بأنها ستكون جزءً من إسرائيل”. وأشار ويسكلاس بأنه “يمكن لأرئيل شارون القول بأن هناك تحرك جاد هنا من شأنه أن يساعد 190,000 من أصل 240,000 مستوطن على عدم الانتقال من مكانهم”.
كان لهذا التصور أساس جيد. فبتاريخ 14 نيسان/أبريل من تلك السنة، كتب الرئيس الأمريكي جورج بوش في رسالة إلى رئيس الوزراء شارون: “في ضوء الحقائق الجديدة على أرض الواقع، بما في ذلك المراكز السكانية الإسرائيلية الرئيسية الحالية، من غير الواقعي أن نتوقع أن تكون نتائج مفاوضات الوضع النهائي عودة تامة وكاملة إلى خطوط الهدنة لعام 1949… ومن الواقعي أن نتوقع بأن أي اتفاق حول الوضع النهائي سيتحقق فقط على أساس التغيرات المتفق عليها بشكل متبادل والتي تعكس هذه الحقائق”.
في منتصف آب/أغسطس 2005، انسحبت إسرائيل من قطاع غزة. وشملت هذه الخطوة إجلاء 22 مستوطنة حيث يقيم 8600 من المدنيين فضلاً عن أربع مستوطنات في الجزء الشمالي من الضفة الغربية. أدى الجدل السياسي في إسرائيل حول خطة فك الارتباط إلى احتجاجات واسعة النطاق لم يسبق لها مثيل. ومع ذلك، مضى الإجلاء الفعلي للمستوطنات بسلاسة واستغرق ما لا يزيد عن ثمانية أيام.
على الرغم من انسحاب إسرائيل من قطاع غزة عام 2005، فهي لا تزال تحتفظ بسيطرة كاملة على الحدود فضلاً عن المساحات الجوية والبحرية لقطاع غزة، والتي لا تزال مسؤولة عن الوضع هناك وفق القانون الدولي.
باراك أوباما
عندما تم انتخاب الرئيس الأمريكي باراك أوباما عام 2008، وعد علناً بتعزيز المفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية وبذل الجهود لإقامة دولة فلسطينية قابلة للتطبيق. وكجزء من هذه الجهود، رحب الرئيس بالطلب الفلسطيني بالالتزام الإسرائيلي بوقف بناء المستوطنات في الضفة الغربية خلال المفاوضات.
بتاريخ تشرين الثاني/نوفمبر 2009، وافق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو من حزب الليكود على هذا الطلب وأعلن عن تجميد البناء لعدة أشهر. ومع ذلك، أدت العديد من التحفظات والاستثناءات التي تمت إضافتها إلى هذا الإعلان، وهي الانتهاء من أعمال البناء التي بدأت قبيل هذا الإعلان، إلى ما يسمى بـ “التجميد”، مع القليل من التأثير أو عدمه. وبعد انتهاء فترة “التجميد”، رفض نتنياهو دعوة أوباما للتمديد.
مواصلة البناء في المستوطنات
حسب جمعية السلام الآن الإسرائيلية اليسارية فإن سياسة إسرائيل تجاه المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية والقدس الشرقية تدل على استغلال إسرائيل للمستوطنات لتقويض أو تحول أي اتفاق مستقبل مع الفلسطينيين إلى أمر مستحيل. لقد تقلصت المساحة المفترض أن تنشأ عليها الدول الفلسطينية المستقبلية وتقطعت أوصالها بفعل تواصل بناء المستوطنات، التي تعتبر غير شرعية بموجب القانون الدولي، هذا ناهيك عن تدمير منازل الفلسطينيين وترحيل السكان البدو.
تظهر إحصاءات البناء الرسمية في الضفة الغربية ازدهارا في بناء المستوطنات خلال السنوات الثلاث الماضية. فقد بدأ البناء ب 738 وحدة سنة 2010 وبحلول 2012 كان قد بدأ البناء على 1190 ليصل العدد إلى 2580 سنة 2013. ففي 2013 كانت 2895 وحدة قيد الإنشاء ووصلت وتيرة البناء عشرة أضعاف معدلها السنوي (مسجلة 5000 وحدة أنشئت في عهد حكومة باراك سنة 2000). تبد 64% من هذه المباني على شكل مشاريع إسكان عامة وهو بأرقام أعلى بكثير من تلك المنشآت داخل إسرائيل. وهذا يدلل على جهود الحكومة الحثيثة للبناء في الضفة الغربية مقارنة مع البناء في إسرائيل حيث يشتكي الإسرائيليون من نقص المساكن العامة. ولا تشمل هذه البيانات الإنشاءات بدون تصاريح في بؤر “غير شرعية” أو البناء في القدس الشرقية.
مواصلة التوسع الاستيطاني أثناء المفاوضات في 2013-2014
لقد قوض تواصل البناء في المستوطنات من فرص التوصل إلى حل دبلوماسي للصراع العربي – الإسرائيلي. فقد شاب الجولة الأخيرة من المفاوضات بين إسرائيل وفلسطين برعاية وزير الخارجية الأمريكي جون كيري تواصل النشاط الاستيطاني الإسرائيلي في الضفة الغربية المحتلة والذي كان السبب الرئيسي وراء فشل المفاوضات في 2010. في هذه المرة ورغم التزام إسرائيل بتجميد البناء في المستوطنات أثناء المفاوضات الجديدة إلا أنها أعلنت عدة مرات عن مصادقاتها الجديدة على تشييد المستوطنات في الضفة الغربية بما.فيها القدس الشرقية
خلال شهور المفاوضات التسعة، طرحت حكومة إسرائيل الخطط وأعلنت عن مناقصات لبناء ما لا يقل عن 13,851 وحدة سكنية بمعدل 1,540 وحدة شهريا (أو 50 وحدة يوميا)، و73 بالمائة منها شملت على البناء فيما تسميه مؤسسة السلام الآن “المستوطنات المعزولة” والتي ينبغي إخلاؤها في حال التوصل إلى اتفاق سلام مستقبلي. كون إسرائيل تواصل البناء في هذه المناطق ينم بوضوح عن أن الحكومة الإسرائيلية لا تنوي أن تبقي على الأرض لدولة فلسطينية مستقبلية ولكنها تسعى لتشديد السيطرة الإسرائيلية على المنطقة.
إن المصادقة على الوحدات السكنية الجديدة وطرح مناقصات البناء مع تخطيط الإنشاءات الجديدة (والتي تشمل على عدد من مراحل في العملية البيروقراطية) قد حصدت شجب المجتمع الدولي. ففي تشرين ثان 2013 شجبت الأمم المتحدة مصادقات إسرائيل وحذرت من أن تلك التدابير من شأنها أن تمس بالمفاوضات الدائرة. كما اعتبر الاتحاد الأوروبي أن سياسات الاستيطان الإسرائيلية تشكل “التهديد الأكبر والوحيد أمام حل الدولتين.” وقد أدت الإعلانات الإسرائيلية المتكررة لأعمال بناء جديدة في المفاوضات بالوفد الفلسطيني للتهديد بالانسحاب من المباحثات بالكامل. ويخشى الفلسطينيون، ومعهم المجتمع الدولي، من أن توسع المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية والقدس الشرقية سوف يشكل خطرا على إمكانية الحياة للدولة الفلسطينية المستقبلية كجزء من الاتفاق بين الطرفين. الناقدون للحكومة الإسرائيلية، بما فيهم منظمة السلام الآن، أكدوا مرارا وتكرارا أن إسرائيل ليست جدية بشأن مباحثات السلام مع الفلسطينيين. وهما يحاججون بأن إسرائيل استغلت المفاوضات كغطاء لإضفاء شرعية على توسعها الاستيطاني وأنها غير مستعدة لتجميد النشاط الاستيطاني الدائر
الرد الإسرائيلي على المصالحة السياسية الفلسطينية: المزيد من البناء
في حزيران/يونيو 2014، وبعد شهرين من انقطاع المفاوضات ردت إسرائيل على حكومة الوحدة الفلسطينية الجديدة بعد اتفاق المصالحة بين حماس ومنظمة التحرير الفلسطينية بأن أعلنت المزيد من البناء في المستوطنات في كافة أرجاء الضفة الغربية. وحسبما سماه وزير الإسكان اليميني أوري أرييل “رد صهيوني مناسب على إنشاء حكومة إرهاب فلسطينية,” أعلنت الحكومة عن مناقصات لبناء 1500 وحدة سكنية جديدة في الضفة الغربية. كما فعل رئيس الوزراء نتنياهو الخطط القاضية بإنشاء 1800 وحدة والتي كانت قد جمدت في الفترة التي تواصلت فيها المفاوضات. وردا على ذلك تعهد المسئولون الفلسطينيون بالتوجه نحو مجلس الأمن والجمعية العمومية في منظمة الأمم المتحدة للتدخل ضد إنشاء المستوطنات. وبانضمام فلسطين ل 15 معاهدة واتفاقية دولية (بما فيها اتفاقية جنيف)، توفرت خيارات أخرى لتجنيد المجتمع الدولي لمناهضة الاستيطان الإسرائيلي. هذا وقد وجهت انتقادات لقرار الحكومة الإسرائيلية في أوساط المجتمع الدولي وبعد ضغوط من الدبلوماسيين من أوروبا الغربية قررت إسرائيل تأجيل خططها لبناء معظم ال 1800 وحدة رغم أن المخططات المصادق عليها خلال شهور المفاوضات التسعة ما زالت تلوح في الأفق.
تحت الضغط
نتانياهو، وبصفته رئيس أكثر حكومة يمينية إسرائيلية من سنوات خلت، والتي تضم عددا كبيرا من الوزراء المؤيدين للمستوطنات يتعرض للضغط للإبقاء على آلية المستوطنات قائمة. حيث ينتمي 29 من أصل 37 وزيرا في الحكومة إما لحزب الليكود/ اسرائيل بيتنا أو هابايت هايهوديم/ البيت اليهودي، وهي الأحزاب الداعمة للتحرك الاستيطاني الإسرائيلي. ووزارتا الدفاع والإسكان بشكل خاص اللتان تصادقان على البناء في الضفة الغربية يرأسهما وزيران يدعمان البناء في المستوطنات. فوزير الإسكان أوري أرييل هو نفسه مستوطن إسرائيلي وعضو في البيت اليهودي وهو أحد أكبر المعادين في الحكومة الإسرائيلية للحل الدبلوماسي الذي قد يفضي إلى إفراغ مستوطنات وإنشاء دولة فلسطينية. كما تتعرض الحكومة للضغط من اللوبي الاستيطاني (ناخبو البيت اليهودي) لترعى مصارح المستوطنين. خلال الجولة الأخيرة للمفاوضات في كل مرة كانت إسرائيل تعلن فيها الإفراج عن السجناء الفلسطينيين كجزء من المفاوضات، كانت في كل مرة تقريبا تعلين في الوقت ذاته عن المصادقات على أعمال بناء جديدة في القدس الشرقية والضفة الغربية.
النمو
أضفت إسرائيل شرعية على توسيع مستوطناتها متذرعة ب “النمو الطبيعي” – أن ضرورة تلبية احتياجات سكان المستوطنات الذين تتزايد أعدادهم بشدة. النمو السكاني في المستوطنات في الضفة الغربية (والتي تطلق عليها إسرائيل اسم يهودا والسامرة) هو في واقع الأمر أعلى بكثير من معدلاته في إسرائيل نفسها. بلغ النمو السكاني في الضفة الغربية 5 بالمائة سنة 2012 ينما كان النمو داخل إسرائيل 1.7 بالمائة وذلك حسب بيانات الجهاز المركزي للإحصاء الإسرائيلي. وتعتبر المعونات المالية المقدمة للمستوطنين والتي تستخدمها الحكومة الإسرائيلية لتشجيع الإسرائيليين على الانتقال إلى المستوطنات سببا مركزيا وراء النمو السكان.
كما أن إسرائيل تتذرع بأنها تقوم بالبناء فقط في تلك المناطق التي تتوقع أن تحتفظ بها في أي صفة مستقبلية وهو ما تعرف باسم التجمعات الاستيطانية (بحسب مبادرة جنيف)، ولكن إسرائيل صادقت أيضا على البناء في مستوطنات معزولة بعيدة عن الخط الأخضر (الحدود التي تمخضت عن اتفاقية وقف إطلاق النار سنة 1949)، والتي سيتم إخلاؤها في حال التوصل إلى حل الدولتين. ولهذا فإن بناء المستوطنات في تلك المناطق من الضفة الغربية البعيدة عن الخط الأخضر له حساسية خاصة، مع العلم أن البناء في التجمعات الاستيطانية وفي عمق الضفة الغربية يتعارض في الحالتين مع القانون الدولي. فهو ينتهك اتفاقية لاهاي لسنة 1907 واتفاقية جنيف الرابعة لسنة 1949، وهي الاتفاقية التي تنص على الأحكام السارية في وقت الحرب والاحتلال.
حاليا يعيش نحو 547,000 مستوطن إسرائيلي في مستوطنات الضفة الغربية والقدس الشرقية (وذلك بحسب الجهاز المركزي للإحصاء الإسرائيلي وحركة السلام الآن، وبناء على البيانات الأخيرة المتوفرة). تتراوح هذه المستوطنات بين مجموعة صغيرة من البؤر على قمم التلال (وهي ما يسمى ب “المنشآت غير الشرعية”) إلى البلدات متوسطة الحجم مثل معاليه أدوميم (تعداد السكان بلغ 36,862 نسمة سنة 2012) والتي تحصل على مرافق وتسهيلات عديدة.
البؤر كغطاء للتوسع الاستيطاني
في حين أن احتمال تراجع إسرائيل عن هذه التجمعات الاستيطانية كجزء من اتفاقية الحل النهائي قد أصبحت جزءا من الرواية الدبلوماسية إلا أن إسرائيل قامت بالإضافة للمصادقة على البناء في المستوطنات بتسهيل النمو ودعمها بما يسمى بالبؤر غير الشرعية والتي بدأن إنشاؤها في الضفة الغربية منذ عام 1996.
وعلى الرغم من اتفاقية أوسلو والمناخ الدولي غير المؤيد لبناء المستوطنات إلا أن إسرائيل قامت منذ عام 1996 بتمكين ودعم بناء هذه البؤر في الضفة الغربية متنصلة بذلك من التزاماتها بوقف نمو المستوطنات.
ولا تحصل هذه المنشآت على تصاريح من الحكومة كما أنها لا تدخل ضمن التخطيط وغالبا ما يتم إنشاؤها على أراض فلسطينية خاصة. وقد ظهرت البؤر الأولى في صيف 1996، في وسط الضفة الغربية في منطقة كان من المحتمل أن تصبح دولة فلسطينية. وعبر تسميتها بالبؤر غير الشرعية فإن الحكومة الإسرائيلية تنأى بنفسها عن أي عملية بناء غير شرعية أخرى. ورغم أن هذه البقع بقيت غير شرعية بموجب القانون الإسرائيلي إلا أن السلطات قد قامت بدور مركزي في بناء نقاط جديدة وسهلت لها الحصول على البنية التحتية اللازمة. كما أن هذه النقاط غير الشرعية تخدم الهدف نفسه الذي تؤديه المستوطنات “المرخصة”: مواصلة التوسع في التواجد الاستيطاني في الضفة الغربية ما يخلق حقائق على الأرض تصعب من الانسحاب الإسرائيلي منها في حال أي اتفاق مستقبلي على الحل الدائم.
وكانت إسرائيل قد التزمت سنة 2003 بتجميد بناء المستوطنات وتدمير كافة النقاط التي أنشئت بعد 2001. وحسب خارجة الطريق برعاية الرباعية (الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية وروسيا) والتي صادق عليها مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة والكنيست الإسرائيلي فإن على إسرائيل أن تجمد نشاطها الاستيطاني كافة بما في ذلك مستوطنات النمو الطبيعي وأن تفكك كافة البؤر المنشأة بعد آذار 2001. وأثناء مؤتمر أنابوليس في تشرين الثاني 2007 وقع رئيسا الوزراء عباس وأولمرت على تصريح مشترك يؤكد على تعهد الطرفين بتنفيذ التزاماتهما بموجب خارطة الطريق.
ولكن ما حدث أن سكان المستوطنين في الضفة الغربية زاد عددهم منذ ذلك الحين. وارتفع عدد المستوطنين في المستوطنات والبؤر في الضفة الغربية من 488,600 سنة 2009 إلى أكثر من 547,000 سنة 2012 (احصائيات من حركة السلام الآن وبيتسيلم، والمركز الإسرائيلي للمعلومات بخصوص حقوق الإنسان في الأراض المحتلة). وبحسب مؤسسة من أجل السلام في الشرق الأوسط فإن إسرائيل لم تلتزم بتعهداتها بتفريغ هذه البؤر. قد هدمت الإدارة المدنية الإسرائيلية 19 منشأة فقط سنة 2011 و2012، وهي الفترة الأخيرة التي تتوفر إحصائيات حولها.
إضفاء الشرعية على البؤر
في أيار 2011، أعلنت حكومة نتنياهو سياستها الجديدة بخصوص البؤر ردا على التماس تقدمت به لمحكمة العدل الدولي كل من حركة السلام الآن والمنظمة الإسرائيلية لحقوق الإنسان ييش دين ومنظمات فلسطينية. المنشآت غير الشرعية (وهي محور الالتماس) التي اعتبرت على أنها منشأة على أراض دولة ستتم المصادقة عليها بينما سيتم تفكيك البؤر المنشأة على أراض فلسطينية خاصة.
وهكذا منذ عام 2011 اكتسب عشر نقاط شرعية كان خمسة منها قد أنشئت بعد 2001 وهكذا لم يتم تفكيكها بموجب التزامات إسرائيل في خارطة الطريق. وبحسب حركة السلام الآن فقد كانت تلك هي المرة الأولى التي قررت فيها إسرائيل بناء مستوطنات جديدة منذ عام 1990، عندما أضفت شرعية على مستوطنات سانسانا وريخليم وبروخين في نيسان 2012. فضلا عن سماح إسرائيل ببناء مستوطنات جديدة بدون اشتراط قرار رسمي ببناء مستوطنة جديدة. وبهذه الطريقة تكون إسرائيل قد تغلبت على ضرورة الوفاء بالتزاماتها بعدم بناء مستوطنات إضافية وتمكنت من تفادي الشجب الدولي لنشاطها. كما أكسبت بعض البؤر الاستيطانية شرعية بحيث اعتبرت “أحياء” تابعة لمستوطنات قائمة، بحجة الاستجابة للنمو الطبيعي في تلك المستوطنات. وبهذا فإنه لا يكون على الحكومة الإسرائيلية أن تطلب من الكنيست منح الصفة الشرعية لتلك البؤر وهذا ما كان سيلفت انتباه المجتمع الدولي بشكل سلبي. في الواقع حتى وإن وضعت تلك البؤر تحت الولاية القانونية للمستوطنات المجاورة إلا أن كثيرا منها بعيدة جدا عن تلك المستوطنات بحيث لا يمكن اعتبارها جزءا من المستوطنات القائمة.
ومن الأمثلة على تلك “الأحياء” هناك نوفي نحيميا. حيث أصبحت قانونية على أساس أنها حي من مستوطنة ريجليم بعد أن أصدرت السلطات الإسرائيلية أمرا عسكريا يحدد الحدود الرسمية لريحليم (والي منحت الصفة الشرعية أيضا)؛ وتحول نوفي نحيميا ليصبح جزءا من حدود ريحيليم ولكن في الواقع فإن نوفي نحيميا يقع على بعد كيلومترين من ريجيليم ولا يشكل جزءا جغرافيا من المستوطنة. وليشيم بؤرة جديدة استوطن فيها راديو الجيش الإسرائيلي في آب 2013 بصفتها “المستوطنة الرسمية الأولى خلال عشرين سنة” تعتبر رسميا حيا من المستوطنة المتاخمة لها الي زاهاف ولكن يتم التسويق لها على أنها مستوطنة جديدة لا امتداد لألي زاهاف
هذه التشريعات التي تفرض بأثر رجعي (مثل إضفاء الصبغة الشرعية على البؤر الاستيطانية بعد بنائها) هي الخطوة الأخيرة لحصد الدعم الرسمي لبناء البؤر. وقبل شرعنة البؤر دعمت السلطات الإسرائيلية بناء وتوسيع البنى التحتية والمنازل.
وبحسب دراسة لمركز المعلومات البديلة ومقعد اليونسكو لحقوق الإنسان الديمقراطية فقد تم تخصيص 43 بالمائة من الضفة الغربية للمنظمات الاستيطانية وهي مناطق يمنع على الفلسطينيين الوصول إليهاز ورغم ادعاء الحكومة الإسرائيلية أنها لا تقوم بإنشاء مستوطنات جديدة إلا أنها تمادت في تجميد هدم البؤر الاستيطانية وواصلت بناءها وتنميتها. وتخضع تلك البؤر لمخططات المجالس الإسرائيلية الإقليمية وبدعم من المنظمة الصهيونية العالمية وعدد من الوزارات بما فيها وزارة البناء والإسكان ووزارة الزراعة. وقد تم الكشف عن هذه المساعدات المستترة لبناء البؤر الاستيطانية في تقرير ساسون الصادر سنة 2005 والذي كشفت فيه المحامية الإسرائيلية تاليا ساسون عن كيفية قيام الوزارات بالتغطية على تورطها في بناء البؤر.
وفي الآونة الأخيرة وبعد مقتل المستوطنين الثلاث الإسرائيليين المُختطفين في يونيو 2014، أقام المستوطنون ثلاثة بؤراستيطانية جديدة، إحداها رامات هشلوشا (تلة الثلاث)، التي سُميت تيمناً بالمراهقين الثلاث. وعلى عكس الحالات السابقة، حيث كان المستوطنون يعمدون إلى نصب خيمة بعد الهجوم واعتبارها نقطة استيطانية، زودتهم البلدية، هذه المرة، بمنازل مقطورة وكهرباء وبُنية تحتية لشبكة المياه. وكدليل آخر على الدعم الرسمي لإقامة بؤراستيطانية جديدة، دعوة الموقع الرسمي لبلدية غوش اتزيون المستوطنين لحراسة المكان. ووفقاً لحركة السلام الآن، شارك أيضاً رئيس البلدية في كريات أربع بإقامة البؤرة الإستيطانية. واتهمت المنظمة المستوطنين باستغلال الوضع في أعقاب عملية القتل لدفع خطط البناء.