وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

الحركة الوطنية واستقلال السودان في 1956

استقلال السودان
يحتفل السودانيون بالحزب الوحدوي الديمقراطي الموالي لمصر وفوز حزب الأمة في الانتخابات التشريعية عام 1953. ويخضع السودان للحكم البريطاني المصري منذ عام 1899 وينقسم إلى قسمين: في الشمال عربي/مسلم، وفي الجنوب بريطاني/مسيحي. نال السودان استقلاله عام 1956.(Photo by STAFF / AFP)

تعود جذور الحركة الوطنية السودانية إلى نمو الطبقة الاجتماعية الجديدة التي كانت مرتبطة بالتنمية الاقتصادية التي رسختها السُلطات الاستعمارية في قطاع الخدمات، والصناعة، والزراعة، وكذلك إلى النظام التعليمي الذي أُنشئ حديثاً من قِبل الإدارة الاستعمارية البريطانية.

وفي هذا الصدد، تختلف هذه الحركة الوطنية بشكل ملحوظ عن المهدية أو التمرد القبلي الذي اعتمد فقط على إحياء أو تكرار المهدية. تطورت الحركة الوطنية في المدن وخاطبت السكان هناك، مع تردد صداها في بعض المناطق الريفية، خاصةً عندما شارك الزعماء الدينيون أنفسهم في السياسة.

تحالفت القطاعات التقليدية للمجتمع- تلك التي تعاونت مع الإدارة الاستعمارية في الإدارة المحلية- مع السُلطات ضدّ الحركة الوطنية الناشئة التي كانت تطمح للتحرير، وتنظر إلى مصر كمثالٍ وحليف. طالبت الحركة بوحدة وادي النيل تحت التاج المصري.

أولى التنظيمات التي تمّ تأسيسها هي جمعية الوحدة السودانية بقيادة علي عبد اللطيف، وهو ضابط في الجيش السوداني سُجن عام 1921 بتهمة التحريض. في عام 1924، تم تشكيل تنظيم جديد باسم جمعية اللواء الأبيض، الذي كان يهدف إلى طرد البريطانيين من البلاد. عمت المظاهرات مدينة الخرطوم في شهريّ يونيو وأغسطس من ذلك العام، ولكن تمّ قمعها. عند اغتيال السير لي ستاك، الحاكم العام، في القاهرة في 19 نوفمبر 1924، أجبر البريطانيون الجيش المصري على الانسحاب من السودان، وتغلّب الإنجليز على كتيبة سودانية تمردت دعماً للمصريين. انتهت الثورة السودانية، وبقي الحكم البريطاني دون منافس إلى ما بعد الحرب العالمية الثانية.

انتهى السلام الطويل الذي ساد منذ عام 1924 في عام 1936، عندما تمّ توقيع المعاهدة البريطانية- المصرية، والتي سمحت للمسؤولين المصريين بالعودة. احتجّ السودانيون من المثقفين لعدم التفاوض على مستقبل السودان وعدم استشارتهم. في هذه الأجواء، تمّ تأسيس مؤتمر الخريجين، الذي بقي الكيان السوداني السياسي الرئيسي حتى ظهور الأحزاب السياسية السودانية عام 1946. استلهم قادة مؤتمر الخريجين تجربة المؤتمر الهندي. في البداية، اقتصر المؤتمر على الأنشطة الاجتماعية والإصلاحية، إلّا أنّه انتقل تدريجياً إلى عالم السياسة. رفضت الإدارة، في البداية، الاعتراف بالمؤتمر كهيئة تمثيلية للسودانيين، على الرغم من أنّها فعلت ذلك، آخذين بعين الاعتبار التأييد الواسع الذي يتمتّع به المؤتمر على أرض الواقع.

كان هناك اتجاهين داخل المؤتمر- المعتدلون الذين شكلّوا الأغلبية، والمتطرفون. مال المعتدلون إلى التعاون مع السُلطات، في حين اتجه المتطرفون بقيادة إسماعيل الأزهري، الذي أصبح فيما بعد أول رئيس وزراء سوداني، إلى مصر، وسرعان ما اكتسبوا الدعم داخل وخارج المؤتمر. تمكّن الأزهري من السيطرة على المؤتمر بدعمٍ من حزب الأشقاء، أول الأحزاب السياسية السودانية، تحت رعاية السيد علي الميرغني، وهو زعيم الطائفة الدينية الختمية. كما أسّس المعتدلون حزباً خاصاً بهم، حزب الأمة، بدعمٍ من السيد رحمان المهدي، نجل المهدي وزعيم طائفة الأنصار، بنية التعاون مع البريطانيين إلى جانب السعي للاستقلال، تحت شعار “السودان للسودانيين.”

وإلى جانب الحركة السياسية، تأثّرت الحركة النقابية السودانية بقيادة عمّال السكة الحديدية السودانية، بالحزب الشيوعي السوداني، وتمكّنوا من تشكيل اتحاد نقابي كسب الاعتراف الرسمي. كما عُرف المزارعون بنشاطاتهم وشكّلوا نقابة خاصة بهم، تحت راية يسارية، وساهموا كثيراً في النضال ضدّ الاستعمار.

استقلال السودان
استقلال السودان، رفع العلم في الأول من يناير 1956 من قبل رئيس الوزراء إسماعيل الأزهري وزعيم المعارضة محمد أحمد محجوب.

حاولت الإدارة الاستعمارية تقديم نوعٍ من التحول الدستوري الذي من شأنه أن يسمح بمشاركة السودانيين في حكم البلاد، ولكن بعد فوات الأوان. اقترحوا إنشاء مجلس استشاري لشمال السودان، يتألف من الحاكم العام و28 سوداني، إلّا أنّ المجلس واجه مقاطعة من قِبل الحركة النقابية القوية والطائفة الختمية، في حين انضم حزب الأمة وطائفة الأنصار وأيّدوا مجلس الشورى. المصير ذاته واجه الهيئة التي أطلق عليها الجمعية التشريعية، التي شملت جنوب السودان، وهو تغييرٌ من السياسة البريطانية التي سعت في البداية إلى عزل الجنوب.

وأعلنت السيادة المصرية على السودان بعد انقلابٍ عسكري بقيادة جمال عبد الناصر الذي أطاح بالملكية وتولى زمام السُلطة. كان القادة الجدد على أتم الاستعداد لرفض فكرة السيادة على السودان، ووافقوا على استقلال البلاد.

وفي ضوء ذلك، تم توقيع المعاهدة البريطانية المصرية عام 1953، التي منحت الحكم الذاتي وحق تقرير المصير للسودانيين في غضون ثلاث سنوات. عُقدت فيما بعد انتخاباتٌ لاختيار برلمان تمثيلي لحكم السودان في نوفمبر وديسمبر 1953، الذي نتج عنها فوز الأزهري، الذي وافق، على الرغم من أنّ حزبه الاتحادي من أشد المؤيديين للوحدة، على دعم التصويت لصالح الاستقلال في البرلمان أواخر عام 1955. استقلت السودان في يناير 1956.