الحكام السنة في اليمن الجنوبي
لم يتم غزو اليمن مرة أخرى حتى القرن الثاني عشر. وتحت قيادة توران شاه، شقيق صلاح الدين الأيوبي، وبدعم من جيش قوي من الأتراك والأكراد، أحل الأيوبيون من سوريا السلام في اليمن. حكم الأيوبيون اليمن الجنوبي ووحدوه حتى شمال ذمار، إلا أنهم لم يصلوا إلى صنعاء أبداً.
خلفتهم سلالة حكام الدولة الرسولية المحلية، والذين حكموا اليمن الجنوبي لقرنين من الزمن، حتى أنهم سيطروا على صنعاء. وكانت زبيد عاصمة الحكم في اليمن في عهد الدولة الرسولية، وبقيت مركزاً دينياً وأكاديمياً هاماً منذ ذلك الحين.
خلف الطاهريون الرسوليين، وأصلهم من رداع شرق الجبال. لم يكن الطاهريون طموحين وناجحين مثل الرسوليين، مع أنهم تركوا لليمن المدرسة العامرية في رداع، والشهيرة بفن عمارتها؛ وقد تم تجديدها مؤخراً.
عام 1517، أنهى الأتراك العثمانيون حكم الطاهريين، وحكموا ما يقرب من قرن من الزمان، وحولوا العاصمة من زبيد إلى صنعاء، ثم أعادوها إلى زبيد بعد أن هزموا من قبل القبائل الزيدية في الشمال.
وبقي الأتراك العثمانيون في المناطق الساحلية حيث حاولوا في وقت لاحق السيطرة على القوى البحرية العظمى: البرتغال وهولندا وبريطانيا العظمى. وعاد العثمانيون إلى اليمن لفترة وجيزة في القرن التاسع عشر.
معقل الزيدية ومستعمرة عدن للتاج البريطاني
حكم الأئمة الزيديون اليمن الشمالي من عام 873 وحتى عام 1962. دعت القبائل المحلية الإمام الزيدي الأول ليأتي ويسوّي النزاعات القبلية، وبقي الإمام. يرأس الإمام الزيدي الطائفة الشيعية، ويشار إليها بـ “الخامسيين”، وهم أتباع الإمام زيد. أقاموا لفترة وجيزة ولايات في شمال إيران، ولكن معقلهم كان في اليمن. وابتداء من القرن التاسع، كان الأئمة الزيديون عاملاً ثابتاً في الحياة السياسية اليمنية، وقاموا بتوسيع نطاق حكمهم إلى تعز في تلك الأيام.
لم يسيطر الأئمة الزيديون، الذين كانوا ثيوقراطين أكثر منهم قادة عسكريين، بشكل كامل على القبائل اليمنية الشمالية. وخلال حكمهم الذي دام أحد عشر قرناً – حيث نقلوا العاصمة ذهاباً وإياباً من صعدة إلى صنعاء ثم إلى تعز – كثيراً ما اندلعت الثورات القبلية التي حكموها في أنحاء البلاد. تنازعت السلالات الصغيرة والقبائل والشيوخ على السيادة الزيدية في الجنوب وفي حضرموت النائية.
عاد العثمانيون إلى السلطة لفترة وجيزة في القرن التاسع عشر، ولكن هم أيضاً فشلوا في حكم كامل البلاد. ففي الشمال، صمدت القبائل الزيدية في وجه العثمانيين بسهولة. بينما كان الجزء الجنوبي من اليمن (مستعمرة عدن التابعة للتاج الملكي ومحمياتها) في يد بريطانيا العظمى منذ عام 1839. سيطر البريطانيون على عدن والمناطق المحيطة بها للحصول على جزيرة بريم ذات الموقع الاستراتيجي في باب المندب – مدخل البحر الأحمر – ومعها الطريق البحري الهام إلى آسيا. كما لعدن ميناء طبيعي، حيث يمكن لسفن المسافات الطويلة التزود بالوقود.
لم يمتد الحكم البريطاني كثيراً إلى ما وراء عدن، حيث دخلوا في تحالف مع الشيوخ المحليين، فيما يسمى بـ “سلام إنغرام”.
انهارت الإمبراطورية العثمانية بعد هزيمتها في الحرب العالمية الأولى. وكان اليمن حينها محكوماً من قبل الإمام الزيدي يحيى، باستثناء مستعمرة عدن التي كانت تحت حكم البريطانيين. فحكم البلاد هو وخلفاؤه تحت اسم المملكة المتوكلية اليمنية المعترف بها دولياً. عام 1934، فقد اليمن إقليم عسير الشمالي لصالح المملكة العربية السعودية. عزل الإمام يحيى، وابنه وخلفه الإمام أحمد، اليمن عن أي نفوذ خارجي لما يقارب من 50 عاماً. وعن طريق خطف أبناء القبائل لفترة وجيزة لفرض الطاعة، نفّر الإمام يحيى القبائل التي كان حكمه العسكري معتمداً عليها.
فثارت عدة ثورات، ولكن الأئمة كانوا يسيطرون عليها دائماً. ومع ذلك، عام 1962 طردت ثورة جمهورية – بمساعدة الجيش المصري والقبائل المتضررة – الإمام الرابع، بدر، إلى المملكة العربية السعودية. توفي الإمام بدر عام 1996 في بريطانيا العظمى التي هاجر إليها عند الاعتراف الرسمي للمملكة العربية السعودية بالجمهورية العربية اليمنية (كان يشار إليها باليمن الشمالي قبل الوحدة) عام 1972. ويعيش ابنه الأكبر عجيل بن محمد البدر، الذي يحمل لقب “ملك اليمن”، في منفاه في لندن.