الأوضاع الصعبة دفعت عدداً كبيراً من الصحفيين اليمنيين للهروب إما لمحافظات يمنية مستقرة نسبياً وقادرة على توفير الحماية والاستقرار.
أبوبكر باذيب
تعرضت الصحافة في اليمن إلى أقسى درجات التضييق والملاحقة والاغتيال النفسي والجسدي منذ عام ٢٠١٥م. وأثرت الحرب التي تشهدها اليمن على كل مناحي الحياة السياسية والاقتصادية الاجتماعية. بيد أن حالة الصراع التي يعيشها الصحفي في اليمن مثلت تحدياً صعباً، كونه أصبح العدو الأول لكافة القوى السياسية والعسكرية والاجتماعية.
وحلّ اليمن في المرتبة 169 من أصل 180 دولة على مؤشر حرية الصحافة العالمي للعام 2022 وفقاً لتصنيف منظمة “مراسلون بلا حدود”. وسبق للمنظمة أن صنفت في تقارير سابقة جماعة الحوثي كأخطر جماعة تستهدف الصحفيين وتستخدمهم كرهائن بعد تنظيم “الدولة الإسلامية”.
هذه المعاناة جعلت الصحفيين الحلقة الأضعف في اليمن. وأسهمت الأوضاع الاقتصادية العامة في تدهور الأوضاع المعيشية للصحفيين وانقطاع رواتبهم الشهرية. ويعد توقف عددٌ كبير من الصحف عامل ضغط كبير على الصحفيين وسبباً رئيسياً لتردي أوضاعهم الإنسانية.
الأوضاع الصعبة دفعت عدداً كبيراً من الصحفيين اليمنيين للهروب إما لمحافظات يمنية مستقرة نسبياً وقادرة على توفير الحماية والاستقرار لهم ولأسرهم، أو السفر للخارج لممارسة عملهم بحرية أكبر.
ووصل الأمر ببعض الصحفيين إلى البحث عن أعمال بديلة لكسب قوت يومهم وتجنبيهم مخاطر العمل كصحفيين. يأتي ذلك في الوقت الذي لجأ فيه عشرات الصحفيين اليمنيين والناشطين إلى الاستقرار والهجرة طلباً للحماية الإنسانية والسياسية في دول أوروبية مثل فرنسا وهولندا وبلجيكا وسويسرا.
اليمن جغرافيا الموت!
يسرد الكاتب اليمني محمد القاضي في كتابه “سيلفي الموت” ما يواجهه الصحفيون من صعوبات. ويقول القاضي: “من الصعب أن تتحول الجغرافيا التي يُفترض أن تمشي عليها وأنت رافع الرأس إلى وحش مفترس يطاردك لمجرد أنك صحفي تنقل الحقيقة لا غير. ما أقسى أن تضيق بك بلدك ويضايق أهلك، وتتقطع أحشاؤك خوفًا على أسرتك، فقط لأنك تمتهن مهنة الصحافة”.
وأثرت الحرب في اليمن على كلّ مشاهد الحياة الإنسانية والاجتماعية والسياسية. وتأثر ما يزيد عن 80% من اليمنيين بتداعيات الحرب المدمرة على كل مناحي الحياة. وبحسب تقارير الأمم المتحدة، فإن اليمن يشهد “أكبر أزمة إنسانية في العالم”. ويحتاج حوالي 23,7 مليون يمنياً للمساعدات الإنسانية، أكثر من نصفهم من الأطفال.
ووصل ذلك التأثير المباشر على الصحافة، الوسيلة الرئيسية لنقل واقع هذه المعاناة والحقيقة الى العالم. وبات الخطر الذي يلاحق الصحفيين والمؤسسات الإعلامية محدقاً ومباشراً.
وأصبح الصحفي مستهدفاً من جميع الأطراف، إما لموضوعية نقله للحقيقة، أو كونه محسوباً على ذلك الطرف السياسي أو تلك الجماعة الدينية أو المنطقة الجغرافية.
8 سنوات و45 قتيل
يكشف تقرير نقابة الصحفيين اليمنيين الصادر في يونيو 2022، أن حالات تصفية وقتل الصحفيين في اليمن بلغت 45 حالة منذ العام 2014 حتى الربع الأول من العام 2022. وبحسب التقرير، فقد قتلت جماعة الحوثي 17 صحفياً من هؤلاء.
في المقابل، أدت الغارات الجوية التي قام بها التحالف العربي بقيادة السعودية إلى مقتل 14 صحفياً. وفي الوقت الذي تم فيه تسجيل 12 حالة قتل للصحفيين ضد مجهول، فقد قتلت جماعات إرهابية صحفيين اثنين.
وفي نفس الفترة، تجاوزت حالات استهداف الصحفيين والاخفاء القسري لهم والاعتقال والاحتجاز التعسفي والتعذيب 1465 حالة.
كما تم إغلاق قرابة 150 وسيلة إعلامية ومكاتب إعلامية خارجية، معظمها في مناطق سيطرة جماعة الحوثي لتركز العمل الصحفي والإعلامي فيها قبل سيطرة الجماعة عليها.
اعتقالات وأحكام بالإعدام
في حديث خاص بموقع فنك، يقول أحمد الجبر، عضو مجلس نقابة الصحفيين اليمنيين: “إن انقلاب سبتمبر 2014 الذي قامت به جماعة الحوثي أصاب مهنة الصحافة في مقتل”.
ووصف الجبر ما تعرضت له وسائل الإعلام الرسمية وغير الرسمية نتيجة الانقلاب بـ “المذبحة الحقيقة”. وكان النشاط الصحفي المستقل والحياة المدنية في مناطق سيطرة الحوثي توقّف بفعل القيود والقمع ومصادرة الحريات.
وبالرغم من أن الإعلام المتواجد في مناطق سيطرة الحوثيين هو موالي لهم وتابع لأفكارهم، فإن ذلك لم يشفع للصحفيين هناك وجعلهم عرضة للانتهاكات. ووقعت 16 حالة انتهاك واعتداء في مناطق سيطرة الحركة خلال النصف الأول من العام 2022.
وتفيد تقارير حقوق الإنسان المحلية والدولية أن جماعة الحوثي ما زالت تعتقل 10 صحفيين، يواجه أربعة منهم أحكاماً بالإعدام. وفشلت الجهود المحلية ومساعي المنظمات الدولية في الإفراج عن الصحفيين المعتقلين أو منحهم حقوقهم المدنية بالسماح لعائلاتهم بالاتصال بهم أو تلقيهم الرعاية الطبية.
الصحفيون ورقة للمساومة
في يوليو 2022، دعت منظمة سام للحقوق والحريات اليمنية الأمم المتحدة والصليب الأحمر الدولي للضغط على الحوثيين لنقل الصحفي توفيق المنصوري إلى المستشفى بصورة عاجلة، وإطلاقه وجميع زملائه الصحفيين دون قيد أو شرط. وندّدت المنظمة بما وصفته استجابة المجتمع الدولي لمحاولات جماعة الحوثي بتحويل ملف الصحفيين الإنساني إلى ورقة للمساومة السياسية.
وبحسب المنظمة، فإن هذا الأمر فاقم من معاناة الصحفيين، وأفقد الثقة بدور المجتمع الدولي في لعب دور إنساني يخفف من معاناة اليمنيين.
وفي مايو 2022، قالت منظمة العفو الدولية إن جماعة الحوثي تواصل حرمان المنصوري من الرعاية الطبية رغم معاناته من السكري والفشل الكلوي ومشاكل في القلب.
وطالبت منظمة العفو الدولية جماعة الحوثي بإلغاء أحكام الإعدام التي صدرت بحق أربعة صحفيين. وطالبت المنظمة الحوثيين بالإفراج فوراً عن الصحفيين الأربعة، واصفةً محاكماتهم بـ”فادحة الجور”.
ورغم الخطر المحدق بحيوات الصحفيين في مناطق سيطرة الحوثي، لم تلقى كلّ المناشدات والنداءات أي صدىً أو قبول لدى الجماعة التي لطالما تعاملت بعدائية مع الصحفيين.
ويقوم الحوثيون بتنفيذ توجيهات زعيم الجماعة عبدالملك الحوثي للتعامل بطريقة سيئة مع الصحفيين. واعتاد عبد الملك الحوثي مهاجمة الإعلاميين والصحفيين في خطاباته. كما أنه وصفهم بـ”المرتزقة والعملاء والخونة” وبأنهم “أكثر خطراً على هذا اليمن من الخونة الأمنيين والمقاتلين”.
وفي مقابلة مع موقع فنك، اعتبر الصحفي والقانوني جمال محسن أن انخفاض نسبة الانتهاكات في مناطق سيطرة الحوثي عن الفترات السابقة ليس بالمؤشر الإيجابي، لأنّه يدل على توقف المشهد الصحفي عن العمل.
الصحافة تخلت عن مهمتها
القيود المفروضة على الصحفيين اليمنيين حدّت من قدرة الصحافة والإعلام على ممارسة دورها الرقابي في اليمن. وفي هذا الصدد، يقول عضو نقابة الصحفيين اليمنيين أحمد الجبر “باتت جميع الأطراف تنظر إلى الصحافة والصحفيين بعدائية مفرطة باختلاف مستوى تلك الشدة”.
أحد الصحفيين المقيمين في مدينة صنعاء أكد لفنك أن المشهد الصحفي في المدينة التي يسيطر عليها الحوثيون لم يعد له وجود. الصحفي، الذي فضّل عدم ذكر اسمه لدواعٍ أمنية، وصف المشهد الصحفي في المدينة بـ “صورة واحدة بلون ومحتوى واحد هزيل من جميع النواحي”.
ويقول: “اختفت جميع الإصدارات الصحفية باستثناء التابعة لجماعة الحوثي. هذه الإصدارات تراجعت بشكل مخيف سواء على مستوى المحتوى أو الانتشار والجودة وجميعها تخدم جماعة الحوثي”.
ويضيف: “لقد تخلت الصحافة في اليمن بشكل شبه كلي عن مهمتها الأساسية، وشكلّت كتلاً مختلفة تعمل لصالح طرف من أطراف الصراع، إما بسبب التمويل أو الانتماء السياسي والعقائدي أو الهدف المشترك”.
الحكومة بلا سلطات
أدى ضعف مركزية الدولة في مناطق سيطرة الحكومة إلى تعريض الصحفيين لمخاطر جسيمة. وقامت السلطات الأمنية والعسكرية المختلفة على الأرض باستهداف الصحفيين وفق أجندات خاصة سياسية ومناطقية، ووصاية إقليمية.
وباتت أرواح مئات الصحفيين على المحك مع استمرار إفلات مرتكبي الجرائم بحق الصحفيين من العقاب. ويزداد الطين بلّة مع تخلّي السلطات المختلفة عن مسؤوليتها القانونية والأخلاقية تجاه هذه الجرائم.
ووصل عدد حالات الانتهاك والاعتداء التي تعرّض لها الصحفيون في المحافظات الخاضعة لسيطرة الحكومة الشرعية إلى 23 حالة خلال النصف الأول من عام 2022. وارتكبت معظم هذه الانتهاكات جهاتٌ لا تملك الحكومة السيطرة عليها كالمجلس الانتقالي الجنوبي أو الفصائل المنتمية إليه.
ولم يثبت على هذه الجهات أي حالات انتهاك أودت بحياة الصحفيين لأنها تنكر مسؤوليتها عن ارتكاب جرائم اغتيال وقتل الصحفيين. ولم تتمكن تحقيقات الجهات العدلية من إثبات التهم على أطراف محددة لعدم وجود آليات تنفيذية فاعلة على المستويين اللوجستي والمالي للتعامل مع حالات هذه القضايا.
أحد الأمثلة على حالات الانتهاك التي يتعرض لها الصحفيون اليمنيون في مناطق سيطرة الحكومة ما حصل مع الصحفي أحمد ماهر.
وفي أغسطس 2022، اختطف أحد الفصائل المحسوبة على المجلس الانتقالي الجنوبي ماهر في عدن. وأخضع الفصيل ماهر إلى جلسات تصوير قدّم فيها اعترافات قسرية كاذبة تحت التهديد والتعذيب.
ويؤكد الصحفي والقانوني جمال محسن أن أخذ الاعترافات قصراً يعد انتهاكاً لقانون الإجراءات الجزائية. وبحسب محسن، فإن الاعترافات القسرية لا يعتد بها قانوناً. وأضاف: “لا بدّ من سيادة القانون. وإذا ما اضطرت الدولة لمحاكمة الصحفيين، فإن ذلك يجب أن يتم أمام محاكم متخصصة”.
وبحسب محسن، فإن محاكمة الصحفيين وإخضاعهم للقوانين الجنائية مخالفةٌ دستورية وتناقض مع ما نصّ عليه الدستور وقانون الصحافة والمطبوعات النافذ.
وطالبت منظمة العفو الدولية الحكومة اليمنية بوضع حدٍّ لمضايقتها وملاحقتها القضائية للصحفيين في المناطق الخاضعة لسيطرتها. وفي منشور أصدرته في أغسطس 2022، قالت المنظمة: “ينبغي ألّا يُعامل الصحفيون كمجرمين لمجرد انتقادهم للمؤسسات الحكومية أو الموظفين العموميين”.
وبرز الدور السلبي العاجز للحكومة الشرعية بشكل جلي عندما تعرّض الصحفي صابر الحيدري لحادث اغتيال عبر تفجير سيارته الخاصة في مدينة عدن في يونيو 2022.
ولم يكن بإمكان الحكومة الشرعية سوى نشر بيان رسمي لرئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد العليمي يطالب ويوجه – دون تأثير أو سلطة – الجهات الأمنية والقضائية سرعة التحقيق في الحادث وتقديم الجناة للعدالة.
وفي نفس السياق، حذّرت نقابة الصحفيين اليمنيين من استمرار جرائم اغتيال الصحفيين عن طريق التفجيرات المفخخة بمدينة عدن. وجاء تحذير النقابة في الوقت الذي لم تظهر فيه نتائج التحقيقات الخاصة بما تمّ ارتكابه من جرائم سابقة بحق صحفيين استهدفوا بهذه الطريقة. ومن هؤلاء رشا الحرازي، ونبيل القعيطي، وأديب الجناني، وأحمد بوصالح.
هامش حريات
تشير دراساتٌ أكاديمية يمنية سابقة عن المشهد المدني والصحفي منذ ما قبل العام 2014 بأنه كان يعد مشهدا متقدماً بالقياس إلى دول الجوار أو دول العالم الثالث.
وشهد المشهد الإعلامي اليمني تصاعداً متبايناً منذ 1990 وهو العام الذي شهد وحدة شطري اليمن الجنوبي والشمالي. وصدر في ذلك العام أول قانون للصحافة والإعلام. وشكل هذا القانون تطوراً حقيقاً لأنه سمح بهامش مقنع ومقبول للعمل الصحفي وحريته.
وأتاح هذا القانون إنشاء الصحف والمؤسسات الإعلامية الحزبية والأهلية والخاصة. كما وفّر بيئة عمل جيدة لمراسلي الصحف ووكالات الأنباء والقنوات التلفزيونية العربية والدولية في اليمن.
وبحسب الإحصاء السنوي اليمني لعام 2013، فقد بلغ عدد الصحف الرسمية والأهلية والحزبية والخاصة 295 إصدار. وتتنوع هذه الإصدارات بين اليومية والأسبوعية والشهرية. وبحلول عام 2022، لم يعد في صنعاء سوى ست صحف. وكلّ هذه الصحف تابعة وموالية لجماعة الحوثي.
في المقابل، يعد المشهد الإعلامي في مناطق الحكومة الشرعية مقبولاً بالمقارنة بمناطق سيطرة جماعة الحوثي، خصوصا في محافظة عدن. وبحسب نقابة الصحفيين اليمنيين، فقد بلغ عدد الصحف الرسمية والأهلية والمواقع الصحفية الالكترونية العاملة في المحافظة 35 صحيفة وموقعاً إلكترونيا تأسس معظمها بعد عام 2015.
ولجأت بعض الصحف للاستعاضة عن الصحف الورقية بالمواقع الإلكترونية. وجاء ذلك كنتيجة للحالة الاقتصادية السلبية التي يعيشها اليمن. وأتاح التواجد في الفضاء الإلكتروني للصحف إمكانية الوصول للجمهور بشكلٍ أسرع وبطريقة أكثر تأثيراً وأقل تكلفة.
استقطاب إقليمي للصحفيين
في مشهد يسوده الفوضى والعنف، تحرص القوى المؤثرة من الدول الإقليمية والنافذين المحليين على استقطاب أكبر عدد من الصحفيين والمنصات والمؤسسات الإعلامية.
وتهدف هذه القوى من ذلك إلى تأكيد حضورها وضمان تأثيرها في الفضاءات المجتمعية والإلكترونية اليمنية. وتسعى تلك القوى إلى استخدام الإعلام لتوجيه الرأي العام باتجاهات تخدم أهدافها ومصالحها، فضلاً عن بناء إطار يحقق لها الحضور الدائم عبر المؤثرين في الإعلام والسياسة والمجتمع.
وأصبح هذا نهج لمسار المؤثرين. وسعى صحفيون كثر اضطرتهم ظروف الحياة إلى موالاة قوى محدّدة يعملون لصالحها وبطريقة تتعارض بشكل جلي مع المصالح الوطنية لليمن.
الصحفي أحمد الجبر يرى أن هذا الاستقطاب جاء كنتيجة طبيعية لوضع استثنائي أصبحت فيه الصحافة اليمنية مقسمة بين أطراف الحرب.
وبحسب الجبر، فإن حالة الاستقطاب قسمت الصحفيين لثلاث أقسام. ويتمثل القسم الأول في الصحفيين الموالين لجماعة الحوثي، وغالبيتهم ممن لم يتمكنوا من الفرار لأسباب مادية وعائلية وأمنية.
أما القسم الثاني فهم الصحفيون الذين يعملون لصالح الحكومة الشرعية. ويتركز تواجد هؤلاء في مناطق تواجد مؤسسات الشرعية. ويضم القسم الثالث صحفيين يعملون لصالح المجلس الانتقالي الجنوبي.
ويرى الجبر أن تأثر مختلف الصحفيين بالاستقطاب المدعوم إقليمياً – من السعودية وإيران والإمارات وقطر وسلطنة عمان – جاء نتيجة سعي هذه الدول للتأثير على مساحات مختلفة من المشهد السياسي والاجتماعي اليمني.
ويتجلى هذا التأثير فيما تم صرفه من تمويلٍ مباشر لشراء المنصات أو إنشائها بأسماء وهيئات جديدة محددة المواقف والسياسات والأهداف. وينسحب هذا التأثير على الصحف والقنوات التلفزيونية والمنصات الإعلامية الإلكترونية وصفحات التواصل الاجتماعي.
ويقدم الجبر مبرراً عاطفياً لزملاء المهنة، باعتبار حالة الاستقطاب الحاصلة هي نتيجة لسيطرة قوى محددة على الأرض. وفرضت هذه القوى حالة من الاستقطاب القسري للصحفيين للعمل معهم تحت ضغط القوة.
ويعتقد الجبر أن غالبية الزملاء ممّن يعملون مع تلك الأطراف التي استغلت قسوة الظروف المعيشة، إنما يمارسون الصحافة كوظيفة فرضت عليهم وتتعارض مع قناعاتهم وليس كمهنة.
وظهرت واحدة من أبرز حالات الاستقطاب في أبريل 2022 على هامش المشاورات اليمنية – اليمنية في الرياض. وتمخض عن تلك المشاورات تشكيل مجلس القيادة الرئاسي الجديد، وإقصاء الرئيس السابق عبدربه منصور هادي من المشهد.
ودعت الرياض عشرات الإعلاميين والصحفيين والناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي لتغطية المشاورات. وتمّ منح هؤلاء مزايا متعددة كحقّ الإقامة في السعودية ومكافآت مالية كبيرة. وجاء التحرّك السعودي لخلق رأي عام مؤيد لقرارات الرياض السياسية، واستيعاب أي صوت يمكن أن ينتقد بعض الإجراءات التي وصفت بغير الدستورية.
سلبية الأطراف الدولية
بات الصحفي اليمني الحلقة الأضعف في واقع اليمن المأساوي. ويرى كثيرون أنه تعرّض للخذلان من الجميع، بما في ذلك المجتمع الدولي والمنظمات الدولية.
ويطالب الصحفيون المنظمات الدولية والدول ذات التأثير باستغلال بعض علاقاتها للضغط على أطراف الحرب، وبما يؤدي إلى إطلاق سراح الصحفيين المعتقلين وتوفير الرعاية الطبية لهم ومنحهم حقهم الإنساني بلقاء أفراد أسرهم.
ويمكن لتلك القوى تحقيق هذه المطالب عبر ما يمتلكونه من تأثير على قوى إقليمية لها كلمة على القوى المحلية التي تقوم بانتهاك حرية الصحافة والصحفيين.
ومع ذلك، فإن جهود تلك الدول لا تنصب على حالات الصحفيين أو الناشطين، في حين أن تأثيرها يكون حاضراً بقوة في حالات تبادل أسرى الحرب وقيادات الجماعات المسلحة.
ولا تتجاوز مواقف الدول الكبرى المؤثرة في المشهد اليمني والمنظمات الدولية إصدار بيانات ومنشورات إدانة الانتهاكات التي يتعرض لها الصحفيون ونشرها على مواقع التواصل الاجتماعي. ويوصف هذا الحضور بالسلبي والعاجز لأنه لا يضع ضغوطاً حقيقية على أطراف الحرب تدفعها لتبني معالجات حقيقية لإنقاذ الصحفي اليمني.
وتبذل جهاتٌ مختلفة مثل نقابة الصحفيين اليمنيين والاتحاد العام للصحفيين العرب ومنظمة مراسلون بلا حدود بعض الجهود الرامية لتحسين ظروف عمل الصحفيين في اليمن. إلا أن هذه الجهود محدودة ولا تتجاوز مواقع التواصل الاجتماعي.
وحاول الاتحاد الدولي للصحفيين توثيق حالات الانتهاكات بحقّ الصحفيين اليمنيين بهدف تقديمها للجنة مناهضة التعذيب التابعة للأمم المتحدة. لكن هذه الجهود غير كافية لملاحقة الجناة قضائيا لضعف الإمكانيات ونقص والخبرات اللازمة.
أدوارٌ غير فاعلة للصحفيين
يفتقر الصحفيون لوجود آليات ووسائل تنفيذية تكفل التأثير على القوى المختلفة وتوفّر الحماية لهم وتكفل انتظام دفع رواتبهم الشهرية.
ومع ذلك، فقد تبنت مجموعات من الصحفيين من حين لآخر عدداً من المبادرات المهنية والإنسانية لتسليط الضوء على معاناتهم.
وفي إطار الجهود المبذولة للتأثير على المجتمع الدولي والمنظمات الدولية، وجه هؤلاء الصحفيين عشرات النداءات والمناشدات عبر وسائل الإعلام والمواقع ووسائل التواصل الاجتماعي.
بيد أن أثر هذه المناشدات سرعان ما ينتهي عقب انتهاء الحملة وخفوت انتشار “وسم” الحملة على مواقع التواصل الاجتماعي.