وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

البحرين: العصور القديمة منذ عام 323 قبل الميلاد

حصن البحرين
حصن البحرين

المقدمة

شجرة الحياة Photo Shutterstock / اضغط للتكبير
شجرة الحياة Photo Shutterstock /

منذ فترة طويلة حدد علماء الآثار البحرين كدولة جزيرة دلمون القديمة، حيث اكتشف ملك أوروك، جلجامش، “زهرة الخلود (الشباب الدائم)”، وفق الملحمة السومرية الشهيرة في الألفية الثانية قبل الميلاد. تصف ملحمة جلجامش، أسطورة بلاد ما بين النهرين القديمة، دلمون كمكان نقي ومقدّس. وقيل إن آبار مياهها العذبة ونباتاتها المورقة كانت جنّة على الأرض، مكان سعادة حيث يمكن للبشر الهالكين النجاة من الموت والمرض. ووفق إحدى أساطير الخلق السومرية، في حديقة هذه الجزيرة أخصب إنكي، الإله العظيم للحكمة والمياه العذبة الجوفية، الإلهة نينخورساج.

في الماضي، حدد بعض العلماء الغربيين البحرين/دلمون على أنها جنة عدن التوراتية. وكان برهانهم الشجرة الوحيدة القديمة التي بقيت بشكل من الأشكال على قيد الحياة في السهل الصحراوي في وسط الجزيرة الرئيسية. وقد ساعد اسمها المحلي “شجرة الحياة” على دعم تخمين النصوص المقدسة.

أما العلماء المعاصرون فيرفضون هذه التكهنات. في الأزمنة القديمة، من المحتمل أن اسم “ديلمون” كان يعني مجرد “الأراضي البعيدة نحو الجنوب”. وربما في وقت لاحق استخدمت هذه اللفظة للتسمية التي أطلقها سكان بلاد ما بين النهرين على “الإحساء”، في المملكة العربية السعودية في الوقت الحاضر. كانت هذه المجموعة من الواحات على الدوام أقرب إلى البحرين ثقافياً وجيولوجياً، وكان يفترض أنها كانت يوماً ما جزءً من “إمبراطورية دلمون التجارية الكبرى”. وبالمثل، يكاد يكون من المؤكد أن جزيرة فيلكا، قبالة ساحل الكويت، وقعت تحت تأثير جزيرة دلمون خلال جزء من الألف الثاني قبل الميلاد، ومن المحتمل حينها أنها اقتبست اسم جزيرة دلمون اللامع لفترة ما.

صعود وهبوط دلمون

كان الأرخبيل الحالي مأهولاً بالسكان منذ الألفية السابعة قبل الميلاد على الأقل، على الأرجح عندما كانت معظم جزره لا تزال متصلة بالجزيرة العربية. وفي أواخر الألفية الخامسة وأوائل الألفية الرابعة قبل الميلاد – بعد انفصال البحرين عن شبه الجزيرة العربية – كانت الجزر الرئيسية مأهولة من قبل مجتمعات صغيرة كانت تعمل في التجارة، ربما عن طريق وسطاء، مع مستوطنات في جنوب بلاد ما بين النهرين. خلال تلك الحقبة، تحوّل مناخ منطقة الخليج تدريجياً إلى مناخ أكثر جفافاَ، مما جعل جزر البحرين، ذات ينابيع المياه العذبة وبساتين النخيل واسعة النطاق، تتميز عن المنطقة المحيطة بها. لذا يمكن إيجاد أصل أسطورة جنة دلمون في القصص الأقدم بكثير والتي تذكر خضرة هذه الجزر. ويمكن أن تكون هذه الروايات قد انتقلت عن طريق التجار الذين استخدموا الطرق الساحلية بين مستوطنات بلاد ما بين النهرين الجنوبية وأرخبيل البحرين.

يبدو أن تجارة سكان الجزر مع بلاد ما بين النهرين الجنوبية قد توقفت في نهاية الألف الرابع قبل الميلاد. حدث هذا عندما ذكرت “دلمون” الغامضة لأول مرة في سجلات بلاد ما بين النهرين كمصدر للنحاس. إلا أن الأدلة الأثرية تشير إلى أن البحرين كانت مأهولة منذ حوالي 3200 عام قبل الميلاد من قبل مجتمعات صغيرة تعتمد على الزراعة والصيد. بدأت المزيد من المستوطنات الكبيرة بالظهور فقط منذ عام 2500 قبل الميلاد على الساحل الشمالي الغربي للجزيرة الرئيسية. ومنذ ذلك الحين، يبدو أن البحرين كانت قد أسست نفسها كمخزن إقليمي لبضائع مثل الأخشاب والتمور واللؤلؤ. وبسبب موقعها الملائم وينابيع مياهها العذبة، ربما أصبحت المركز التجاري لما دعاه علماء الآثار بـ “إمبراطورية دلمون التجارية الكبرى”.

الحضارة الهلنستية والساسانيون

البحرين الاسكندر المقدوني

امبراطورية الاسكندر المقدوني حوالي العام 330 قبل الميلادالملك المقدوني الاسكندر الأكبر (356- 323 قبل الميلاد) كان أول الغزاة الأوروبيين الذين وصلوا إلى مياه الخليج الفارسي. بعد أن هزم الاسكندر الأخمينيين عام 331 قبل الميلاد، أرسل عدة بعثات لاستكشاف منطقة الخليج. عام 323 قبل الميلاد، العام الذي توفي فيه الاسكندر، وصلت اثنتان من سفنه إلى ساحل جزيرة البحرين. أطلق الإغريق على الأرخبيل اسم “تايلوس”. ولا يزال هناك بعض الآثار الهلنستية في الجزء الشمالي الغربي من الجزيرة، مشيرة إلى إضافة طبقة أخرى من الثقافة الإغريقية إلى المزيج المعقد لثقافات الحضارات السومرية والعربية والفارسية وغيرها الموجودة في الجزيرة. استمرت عملية تهلين البحرين (جعلها هلنستية) في عهد خلفاء الاسكندر والملوك السلوقيين وخلفائهم البارثيين الفرس. سحق البارثيون جيوش السلوقيين في النصف الثاني من القرن الثاني قبل الميلاد، وقدموا أنفسهم على أنهم الورثة الشرعيين للاسكندر، ناقلين شعلة الثقافة الهلنستية الشرقية.

الساسانيون
احتفظ أرخبيل تايلوس باسمه الإغريقي في عهد البارثيين، والذي كان يستخدم إلى جانب التسمية الفارسية “مشماهيج”. يبدو أن تايلوس/مشماهيج كان مزدهراً.
أشار المؤرخ الروماني بلينيوس الأكبر، من القرن الأول الميلادي، إلى أن هذه الجزر اشتهرت بجودة لآلئها. وفي القرن الرابع، تم سحق البارثيين من قبل سلالة إيرانية أخرى، الساسانيين. كان الساسانيون مهتمين في التجارة بالمقام الأول، فسيطروا على الساحل الجنوبي للخليج عن طريق وكلاء لهم بين القبائل العربية المحلية. يفسر صمت الساسانيين الزرادشتيين عن الممارسة المباشرة للسلطة المحلية سبب ازدهار المجتمعات المسيحية النسطورية في شرق الجزيرة العربية، في حين تعرض إخوتهم في الدين للاضطهاد في بلاد فارس.

البحرين الساسانيون
الامبراطورية الساسانية في القرن الرابع الميلادي

يبدو أن معظم سكان تايلوس كانوا من المسيحيين في أوائل القرن الخامس الميلادي، بينما من المحتمل أن الآخرين استمروا في عبادة الآلهة المحلية القديمة. كانت المحرق والمنامة الحاليتان، المعروفتان سابقاً بسماهيج وتلوون على التوالي، كراسي الأساقفة النساطرة حتى عام 835 م على الأقل. وكان هناك دير للنساطرة في سماهيج، ويبدو أن الحاكم العربي لتايلوس كان مسيحياً. وأحد حكام تايلوس المسيحيين اعتنق الإسلام، وفق التقليد الإسلامي، بعد أن دعاه النبي محمد للانضمام إلى أمة الإسلام في أوائل القرن السابع. وانغمرت المسيحية في تايلوس بالإسلام بشكل تدريجي. من المحتمل أن المسيحية النسطورية بقيت الديانة السائدة في الجزر لمدة قرن أو أكثر. واليوم هناك مجموعة صغيرة من السكان الأصليين المسيحيين في البحرين.