وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

احتجاجات البحرين: طريقٌ مسدود (2011- 2013)

قوات الشرطة البحرينية خلال احتجاجات شباط/فبراير في المنامة / Photo HH
قوات الشرطة البحرينية خلال احتجاجات شباط/فبراير في المنامة / Photo HH

وثق تقرير اللجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق (BICI)، الذي صدر في نوفمبر 2011، على نطاق واسع الانتهاكات الكبرى لحقوق الإنسان والاعتقالات والتعذيب لقادة المعارضة خلال حملة قمع المظاهرات السلمية في فبراير ومارس 2011. وحثت الحكومة البحرينية على إقرار إصلاحات بعيدة المدى ومحاسبة المسؤولين عن ارتكاب انتهاكات حقوق الإنسان. ووعد الملك حمد بتنفيذ التوصيات الواردة في التقرير وإنشاء لجنة وطنية في تشرين الثاني/نوفمبر 2011 لرصد تنفيذ التوصيات. في آذار/مارس 2012، ذكرت اللجنة الوطنية أن تنفيذ توصيات اللجنة المستقلة لتقصي الحقائق كانت “بعيدة المدى ومست كل جوانب الحياة البحرينية”. ومع ذلك، لم تتم معالجة القضايا الحاسمة على نحو كاف.

في أيار/مايو 2012، صادق الملك على بعض التعديلات على الدستور، والتي صيغت على شكل إصلاحات؛ إلا أن “الوفاق“، مجموعة المعارضة الشيعية الرئيسية، رفضتها معتبرة إياها حركة تجميلية تضع كل السلطة في يد العائلة المالكة. وفي الوقت ذاته، واصلت السلطات قمع المظاهرات واعتقال زعماء المعارضة، وذلك لمجرد الكلام العلني ضد الحكومة البحرينية. في 4 أيلول/سبتمبر 2012، أكدت محكمة الاستئناف البحرينية العليا أحكام ضد ثلاثة عشر من نشطاء المعارضة تتراوح من خمس سنوات إلى السجن مدى الحياة. وفي الجلسات التي سبقت ذلك، أفاد النشطاء عن التعذيب المزعوم وغيره من ضروب سوء المعاملة بحقهم أثناء الاحتجاز. وبالإضافة إلى ذلك، صدرت أحكام بالسجن بحق تسعة مسعفين لدورهم المزعوم في الاحتجاجات عام 2011، وذلك بتهمة إنشاء مجموعات إرهابية لقلب نظام الحكم وتغيير الدستور. ومع ذلك، أفادت مجموعات حقوق إنسان إن تهمتهم الفعلية كانت علاجهم المتظاهرين الجرحى والمشاركة في المظاهرات.

وفق منظمة العفو الدولية، في بيان صدر في 20 أيلول/سبتمبر 2012، لم تتخذ السلطات البحرينية خطوات كافية لمحاسبة المسؤولين عن انتهاكات حقوق الإنسان، رغم الحكم على ثلاثة ضباط أمن واتهام آخرين لسوء معاملة السجناء. وحتى الآن، لم يتم الإعلان عن نتائج التحقيقات في مزاعم التعذيب والقتل، وبقي عدد الضباط المشتبه بهم في سوء المعاملة والذين يتم محاكمتهم، منخفضاً للغاية. وووجه النشطاء الشباب، الذين استمروا بالاحتجاج في الضواحي الشيعية في المنامة، بقمع متواصل من قبل السلطات البحرينية.

يؤكد تقرير منظمة العفو الدولية “الحرية لها ثمن” أنه بعد عامين من بدء الانتفاضة لا يزال سجناء الرأي خلف القضبان واستمر قمع الحق في حرية التعبير والاجتماع والتجمع. وعلى الرغم من بعض الخطوات الإيجابية، مثل افتتاح مكتبي أمناء مظالم للتحقيق في انتهاكات حقوق الإنسان من قبل وزارة الداخلية وموظفي الأمن الوطني ومدونة سلوك لضباط الشرطة، لا يزال تحقيق العدالة الحقيقية لضحايا انتهاكات حقوق الإنسان بعيد المنال. وعلى الرغم من إنشاء وحدة تحقيق خاصة في مكتب المدعي العام عام 2012 للتحقيق في انتهاكات حقوق الإنسان، رفضت الوحدة 45 حالة من أصل 92 لعدم وجود دليل على وجود فعل إجرامي.

كما فشلت في نشر المعلومات حول كيفية تنفيذ التحقيقات.على الرغم من تصريح النظام بالالتزام بالإصلاح والحوار، تدهورت أوضاع حقوق الإنسان في البحرين. ففي 7 تشرين الثاني/نوفمبر 2012، أسقطت الحكومة جنسية 31 معارض، متهمة إياهم بالمس بأمن الدولة. وبعد إعلان نشطاء “حملة تمرّد” المستوحاة من مصر التخطيط لمظاهرات حاشدة في 14 آب/أغسطس عام 2013 (ذكرى انسحاب بريطانيا من البحرين عام 1971)، بدأت السلطات بحملة قمع جديدة. فصدرت سلسلة من المراسيم الملكية تفرض تدابير قمعية جديدة وعقوبات أكثر صرامة بموجب قانون مكافحة الإرهاب لعام 2006. وتم حظر المظاهرات في المنامة رسمياً، وإدخال عقوبة إسقاط الجنسية على مجموعة من الجرائم.

وحالما تم تنفيذ هذه التدابير الجديدة، جددت السلطات مداهمة المنازل والاعتقالات. بالإضافة إلى ذلك، شنّت الحكومة “حملة مكافحة الإرهاب”، داعية المواطنين إلى الإبلاغ عن أية مواقع أو حسابات تحرّض على الكراهية أو الإرهاب. والأكثر مدعاة للقلق هو التوجّه الرسمي نحو الحكم العسكري، حيث يشرف مجلس الدفاع الأعلى، المؤلف بالكامل من أفراد آل خليفة، على جميع تدابير أمن الدولة والحرس الوطني. وفي الوقت ذاته، استمرت الاحتجاجات ليلاً في القرى الشيعية. ووفق مركز البحرين لحقوق الإنسان، واصلت السلطات استخدام القوة المفرطة ضد المتظاهرين السلميين.

الحوار

كان الهدف من تقرير اللجنة المستقلة لتقصي الحقائق الوصول إلى توافق في الآراء حول أسباب وأحداث الانتفاضة والتوصية بالإصلاحات. أمل المتفائلون داخل الحكومة والمعارضة وحلفاء البحرين الغربيين أنها قد تكون فرصة للنظام لتلبية المطالب الشعبية والدخول في محادثات مع المعارضة. إلا أن الحوار السياسي بين المعارضة والحكومة وصل الى طريق مسدود. في حين بدأ “الحوار الوطني” بين المعارضة والحكومة عام 2011، إلا أنه توقف في العام ذاته بعد انسحاب “الوفاق” من المحادثات، تلاها جمعيات ليبرالية معارضة أخرى. من بين الأسباب: انخفاض تمثيل الجمعيات المعارضة في المحادثات؛ وعدم استعداد الحكومة إجراء انتخابات نزيهة وشفافة. واتفق المعتدلون من كلا الطرفين على مواصلة الحل الوحيد القابل للتطبيق للأزمة: نظام ملكي دستوري يتم اختيار وزراء الحكومة من قبل برلمان منتخب بدلاً من تعيينهم من قبل الملك.

مع ذلك، يستسلم كلا الطرفين للمنافسين الأكثر راديكالية الذين يقوضون فرص الإصلاح والحوار. وفي أجواء من القمع المستمر والإصلاحات الفاشلة، أصبحت الجماعات المعتدلة مثل “جمعية الوفاق” و “وعد” تحت ضغط من الناشطين الشباب الذين قادوا الاحتجاجات وشجبوا أي تعامل مع الحكومة. ومن بين هذه الجماعات غير المعترف بها: “الحق” و “وفاء”. ويتعرض المعسكر الحكومي المؤيد للإصلاح – بقيادة ولي العهد الذي أعطي فرصة للتفاوض – لضغوط من المتشددين في النظام، من بينهم رئيس الوزراء والنخبة السنيّة الذين كانوا يخشون وجود تمثيل عادل للشيعة في السياسة.

منذ أواخر عام 2011، عزز الفصيل الأكثر تحفظاً من آل خليفة، فرع الخوالد، وضعه على حساب ولي العهد الأكثر إصلاحاً. يتزعم هذا المعسكر وزير الديوان الملكي خالد بن أحمد آل خليفة وقائد قوة دفاع البحرين خليفة بن أحمد آل خليفة؛ يدعم هذا المعسكر التشدد ضد المعارضة ونزع الشرعية عن المعارضة المؤسساتية (من بينها جمعية الوفاق) والنظر إلى الأزمة بعدسات أمنية. وقد شهد ولي العهد انحدار نفوذه باستمرار، كما نفوذ الملك.

مع وقوع التيارات البراغماتية داخل المعسكرات الرئيسية – المعارضة الشيعية والسنّية (الإسلامية) وآل خليفة – تحت ضغوط من قبل المزيد من كوادر المواجهة الجديدة، كان الحوار الهادف إشكالياً وأعاق الجهود المتتالية المبذولة للخروج من المأزق. فشل الحوار لأن الأطراف لم توافق على نطاق وشروط التفاوض ومن سيشارك في الحوار. رفض النظام البحريني فكرة الوساطة الخارجية، معتبراً إياها تدخلاً ضاراً في الشؤون الداخلية للبحرين.

ومع ذلك، قالت شخصيات معارضة إن المساعدة الخارجية ستكون مفيدة. في كانون الثاني/يناير 2013، أعلن الملك حمد عن جولة جديدة من الحوار. انتقدت جمعية الوفاق الجولة الجديدة، لأن الحكومة ستكون مجرد وسيط في الحوار وليست مشاركة فيه. وبما أن الحكومة هي الوحيدة القادرة على تنفيذ المطالب الطائفية بالإصلاحات الاجتماعية والسياسية، طالبت الوفاق بتمثيل للعائلة المالكة. يعكس رفض الحكومة المشاركة في المحادثات أن الصراع هو بين السنّة والشيعة وليس دعوة طائفية إلى إجراء إصلاحات. لكن الناشطين السنّة والشيعة على حد سواء يشتركون في الشكاوى: مثل نقص المساكن والفساد وانعدام المساءلة وضعف البرلمان.

اعتباراً من شهر أيلول/سبتمبر عام 2013، لم تتجاوز الجولة الثانية من الحوار، الذي شارك فيه ممثلون عن الجمعيات الوطنية الموالية والبرلمان والأحزاب المعارضة ووزراء، آلية الحوار. وفي حين طالبت شخصيات معارضة بطرح أية مقترحات للاستفتاء الشعبي، أصرت الحكومة على التوصل إلى أية اتفاقات وفق الإجراءات المعمول بها، بما في ذلك تمريرها من قبل الجمعية الوطنية (ذات الصلاحيات المحدودة). ظهرت علامات الاعتدال في كانون الثاني/يناير عام 2013 عندما قدّم زعيم جمعية الوفاق علي سلمان تسوية مؤقتة ترمي إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية تحصل المعارضة بموجبها على نصف مقاعد مجلس الوزراء. لكن بعد اعتقال خليل مرزوق، نائب رئيس جمعية الوفاق، في 17 أيلول/سبتمبر، أعلنت جميع الجمعيات المعارضة تعليق المحادثات على الفور. فقد فقدوا الثقة تماماً في جدية الحكومة في الحوار والإصلاح.

يعكس اعتقال المرزوق محاولات السلطات تصوير جميع الناقدين كإرهابيين، الأمر الذي يتعارض مع التزاماتها المفترضة – إلى حد ما – بالإصلاح عن طريق الحوار. واتهم مرزوق بالانتماء إلى “منظمة إرهابية تعرف باسم 14 فبراير” والتحريض على الإرهاب والدعوة له. في 29 أيلول/سبتمبر، حكمت محكمة بحرينية على 50 ناشطاً من الشيعة بالسجن لفترات تصل إلى 15 عاماً بتهم مماثلة. ولم يتم التحقيق في مزاعم تقول إنه تم انتزاع الاعترافات تحت وطأة التعذيب، ولم تنظر المحكمة في ذلك. وفق منظمة العفو الدولية، كانت إجراءات المحاكمة أقل بكثير من المعايير الدولية. وتشير زيادة حالات العنف والتفجيرات، حيث ادعت قوى معارضة أكثر تطرفاً عن مسؤولية تنفيذها، إلى ازدياد العنف. مما دعم موقف الحكومة تجاه نزع الشرعية عن المعارضة.

منذ البداية، شدد النظام على الطبيعة الطائفية للصراع، مصوّرين الدعوات لمزيد من الديمقراطية على أنها لعبة سلطة من إيران. ساعد ذلك الحكومة على تأمين الدعم من دول الخليج السنيّة التي تخشى التدخل الإيراني في الشؤون الداخلية لبلدانهم. وأتى هذا الدعم من المملكة العربية السعودية، القوة الرئيسية في مجلس التعاون الخليجي، والتي أعلنت عن تحويل دول مجلس التعاون الخليجي إلى اتحاد خليجي أكثر تكاملاً، مع تنسيق اقتصادي وسياسي وعسكري وثيق، وسياسة خارجية ودفاع مشترك، وهيئة جديدة لصنع القرار مقرها الرياض. ومع ذلك، أعربت أنظمة ملكية سنّية أخرى، مثل عمان والإمارات العربية المتحدة، عن قلقها من هيمنة المملكة العربية السعودية على الاتحاد.

دعم فرع الخوالد المحافظ من آل خليفة الاتحاد، ولكن الملك حمد وولي العهد كانا أكثر تحفّظاً تجاه الفكرة: قد يعيق الاتحاد مع المملكة العربية السعودية أية فرصة للحوار والإصلاح. رحّب النظام البحريني بالمبادرة. إلا أن مصلحة المملكة العربية السعودية – مكافحة المعارضة الداخلية من خلال التعاون مع الأنظمة الملكية السنيّة الأخرى مثل آل خليفة – تتناقض مع الدعوة إلى الحقوق الأساسية للأغلبية الشيعية في البحرين.

تعرضت الولايات المتحدة الأمريكية للانتقاد لصمتها بشأن الصراع في البحرين – في تناقض صارخ مع موقفها القوي في حالة ليبيا وسوريا. فباعتبارها قاعدة تمركز الأسطول الأمريكي الخامس، تعتبر البحرين حيوية بالنسبة لمصالح الولايات المتحدة الأمريكية في منطقة الخليج. ومع ذلك، قام مسؤولون أمريكيون بجهود للتوسط في اتفاق بين المعارضة والحكومة، وساعدت على إقامة اللجنة المستقلة لتقصي الحقائق.

في أيلول/سبتمبر 2011، جمدت واشنطن صفقة أسلحة بقيمة 53 مليون دولار مع البحرين. ورغم استبعاد الأسلحة التي يمكن استخدامها ضد المتظاهرين، استأنفت شحنات الأسلحة في أيار/مايو 2012. واعتبر نشطاء المعارضة ذلك كنهاية للضغوط الأمريكية لإجراء الإصلاحات. حتى أيلول/سبتمبر عام 2013، لم تكن الحكومة الأمريكية قد فرضت أية عقوبات على البحرين أو المسؤولين البحرينيين بشأن انتهاكات حقوق الإنسان. وفق تقرير صادر عن الكونغرس الأمريكي، تم تأجيل جزء من مساعدات ومبيعات الولايات المتحدة الأمريكية. تم تقديم مبلغ 10 ملايين دولار فقط من أصل 25 مليون دولار من المساعدات العسكرية لعام 2012.

وبالفعل، في حين مرر مجلس حقوق الإنسان في الأمم المتحدة بياناً في تموز/يوليو 2012 يدعو فيه الملك حمد لتنفيذ التوصيات الواردة في تقرير اللجنة المستقلة لتقصي الحقائق وإطلاق سراح السجناء السياسيين، إلا أن الولايات المتحدة وبريطانيا ودول الاتحاد الأوروبي السبعة الأخرى لم تصادق عليه. في 9 أيلول/سبتمبر عام 2013، أعرب بيان مشترك لـ 47 دولة، بمن فيهم الولايات المتحدة الأمريكية، عن قلقه البالغ إزاء حالة حقوق الإنسان في البحرين، ودعا الحكومة لتنفيذ التوصيات الواردة في تقرير لجنة تقصي الحقائق.

رغم أجواء التطرف وغياب الأمل في الإصلاح والاحتجاجات المستمرة والقمع، حاول النظام إنقاذ سمعة البحرين الدولية. وفي محاولة لإظهار عودة البحرين إلى وضعها الطبيعي للعالم، انطلقت بطولة الفورمولا وان في نيسان/أبريل 2012 وسط تواصل الاحتجاجات. وشجع هذا المناخ من الدعم العسكري/المصالح الأمنية، وسط القمع المستمر للمطالب الشعبية في الإصلاح، المتشددين/المحافظين في النظام البحريني، في حين وضع القوى المعتدلة مثل “الوفاق” في موقف دفاعي وأثار المزيد من التطرف في حركة الاحتجاج.