وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

جمودٌ يُسيطر على البحرين في عام 2015

محتجون بحرينيون مناهضون للحكومة في مظاهرة.
محتجون بحرينيون مناهضون للحكومة في مظاهرة دعما لقائد المعارضة الشيعيّة، الشيخ علي سلمان، في ضاحية البلاد القديمة في العاصمة المنامة، البحرين, 6 يناير 2015. Photo Hasan Jamali

بعد ما يقارب الخمس سنوات من الاحتجاجات في البحرين، لا يزال التوتر سيد الموقف في البلاد في ديسمبر 2015، حيث أنّ الوقت والأسماء هي المتغيرات الوحيدة في هذه الجزيرة الصغيرة. الاحتجاجات والاعتقالات والضحايا والمطالب وعدم الثقة بين الحكومة ذات الأغلبية السُنية والمعارضة الشيعية تبدو ثابتة. في الحقيقة، تجعل الأحداث السياسية التي شهدها العام الماضي احتمالات التوصل إلى حل سياسي قاتمة على نحو متزايد.

تتمتع السجون في البحرين بسمعة سيئة ولا تزال الشرارة الرئيسية للاضطرابات المتواصلة. ففي يوليو 2014، أضرب حوالي 600 سجين في سجن الحوض الجاف احتجاجاً على تدهور أوضاعهم. وبحسب ما ورد، يتعرض السجناء في سجن الحوض الجاف للتعذيب الوحشي وغيرها من الانتهاكات، حيث أكدت التقارير ومقاطع الفيديو المسربة أن حراس السجن وقوات الأمن استخدموا الغاز المسيل للدموع وقنابل الصوت داخل الزنازين المغلقة، مما أدى إلى إصابة 40 سجين على الأقل بجروح. كان هذا أسوء الإضطرابات التي حدثت في السجون البحرينة حتى مارس 2015، عندما احتج السجناء بعد أن حرمتهم السُلطات من التواصل مع أسرهم لمدة تصل إلى 13 يوماً. وتطورت الاحتجاجات إلى اضطرابات خطيرة، بعد أن تم تعذيب السجناء وضربهم وتعرضوا للاختناق بالغاز المسيل للدموع المستخدم في الزنازين المغلقة.

وفي أكتوبر 2014، أصرت الحكومة البحرينية على التحضير للانتخابات البرلمانية المزمع عقدها في 22 نوفمبر، وذكرت المعارضة أن أي انتخابات لا تتضمن انتقال سلمي إلى نظام ملكي دستوري ستكون غير عادلة. وبالإضافة إلى ذلك، كانت المعارضة تخشى تزوير الانتخابات. أعلنت المعارضة مقاطعة الانتخابات، مما أسفر عن مجلس برلماني موالٍ للنظام، الذي على أساسه تم تشكيل حكومة جديدة. وعلى صعيدٍ آخر، أيّدت كل من الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة نتائج الانتخابات. شجع هذا الثناء الدولي بالإنجاز الحكومي السُلطات البحرينية على مواصلة حملتها ضد المعارضة. وكانت انتخابات نوفمبر أول انتخابات برلمانية كاملة منذ استقالة نواب المعارضة في فبراير 2011، بعد بداية الانتفاضة في البحرين.

بدأت البحرين عاماً آخر من عدم الاستقرار السياسي في 2015، مع احتجاجات ضخمة بعد اعتقال الشيخ علي سلمان، الأمين العام لجمعية الوفاق الوطني الاسلامية، جماعة المعارضة الرئيسية في 28 ديسمبر. كما مددت الحكومة احتجازه دون مبررٍ قانوني. ومن ثم حكمت السُلطات على جميل كاظم، رئيس مجلس شورى الوفاق، بالسجن لمدة ستة أشهر بسبب تغريده له على حسابه الخاص على موقع تويتر، اتهم فيه الحكومة برشوة بعض المرشحين للمشاركة في الانتخابات التشريعية في نوفمبر. وفي الوقت نفسه

، كان هناك اعتقالات ومداهمات شبه يومية في أعقاب الاحتجاجات. وأدين الشيخ سلمان بالتحريض على العصيان والكراهية وإهانة هيئة رسمية، وحكم عليه بالسجن لمدة أربع سنوات، ولكن برأته المحكمة من تهمة أخطر بالسعي لقلب نظام الحكم، والتي كان من الممكن أن يحكم عليه بالسجن المؤبد. استقطب اعتقال سلمان إدانة من المجتمع الدولي، بما في ذلك الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، حيث اعتبرته منظمات حقوق الإنسان “سجين الضمير” الذي حوكم في محاكمة غير عادلة. كما اعتبرت منظمة العفو الدولية إدانة سلمان انتهاكاً للعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، الذي صادقت عليه البحرين.

في غضون ذلك، صعدّت الحكومة من التوترات بسحب الجنسية من أكثر من 70 ناشط في المنفى. وينضم هؤلاء إلى الـ31 ناشط في حقوق الإنسان ومؤيدي الديمقراطية الذين تم تجريدهم من الجنسية البحرينية عام 2011 بجحة “الإضرار بأمن الدولة.” وادعت الحكومة أن التدابير الجديدة طُبقت لـ” الحفاظ على الاستقرار والأمن ومحاربة خطر التهديدات الإرهابية.” هذا وتسمح التعديلات على قانون الجنسية للدولة بإلغاء جنسية أولئك الذين تتم إدانتهم بالإرهاب، ولا يملك سوى الملك فقط السُلطة لسحب الجنسية. وكانت وزارة الداخلية قد أعدّت قائمة بأسماء أولئك الذين ستسحب منهم جنسياتهم والتي شملت نشطاء حقوق الإنسان والصحفيين والأطباء وعلماء الدين، إلى جانب 20 من السُنة المتطرفين الذين انضموا إلى صفوف تنظيم الدولة الإسلامية “داعش.”

وقد امتازت الذكرى الرابعة لإنتفاضة فبراير بالاحتجاجات. فقد خرج مئات الأشخاص إلى شوارع العاصمة، المنامة، يدعون إلى الإصلاحات التي يطالبون بها على مدى الأعوام الأربع الماضية: ملكية دستورية، وتشكيل جمعية تأسيسية لكتابة دستور جديد للبلاد يلبي طموحات وآمال جميع الفصائل في البحرين، وتشكيل مجلس تشريعي منتخب من خلال انتخابات نزيهة، وإطلاق سراح جميع المعتقلين السياسيين، وبخاصة الشيخ علي سلمان. وقد قوبلت الاحتجاجات بقنابل الغاز المسيل للدموع والرصاص المطاطي، تبعها مداهمات للمنازل.

ومن جانبٍ آخر، اتخذت الحكومة البحرينية قراراً مصيرياً في مارس 2015 بالمشاركة في الحرب على اليمن بالانضمام إلى التحالف الذي تقوده السعودية ضد المتمردين الحوثيين الشيعة في اليمن. هذا وجرمت البحرين انتقاد المشاركة في الحرب على اليمن، حيث تم اعتقال سياسيين بعد أن انتقد حزبهم، التجمع الوطني الديمقراطي (الوحدة)، الحرب بأنها غير دستورية. وتقتضي “المادة 36” من الدستور البحريني موافقة البرلمان على الحروب الدفاعية، الأمر الذي لم يتم.

ومرة أخرى، تفجر الغضب في الجزيرة عندما ألقي القبض على ناشط بارز في مجال حقوق الإنسان، نبيل رجب في 2 أبريل لاستنكاره اندلاع أعمال عنف في سجن الحوض الجاف. أثار اعتقال رجب إدانةً دولية، ليأمر الملك بالإفراج عنه لأسبابٍ صحية، بعد أن قضى ثلاثة أشهر من عقوبة الستة أشهر.

حدث سياسي آخر كان الأفراج عن إبراهيم شريف، الأمين العام السابق لجمعية وعد العلمانية. أطلق سراح شريف، وهو سُني، في 19 يونيو، بعد أن قضى 4 سنواتٍ في السجن لتورطه في احتجاجات عام 2011 المناهضة للحكومة، إلا أنه تم اعتقاله مجدداً بعد ثلاثة أسابيع فقط من إخلاء سبيله لانتقاده الحكومة في حفل أقيم لأحد ضحايا الاضطرابات.

وفي الأول من نوفمبر 2015، زار وزير خارجية المملكة المتحدة البحرين، يرافقه أفراد من قوات البحرية، ليفتتح رسمياً أعمال بناء منشأة جديدة تابعة للبحرية الملكية في البحرين. وبالتالي، تُصبح هذه المنشأة أول قاعدة عسكرية بريطانية دائمة في الشرق الأوسط، وتهدف إلى محاربة المتطرفين في المنطقة- “التحدي الكبير في عصرنا”- كما يُطلق عليها هاموند. أما التحدي الحقيقي فكان في أيدي المعارضة البحرينية، التي شهدت سعي بريطانيا لاستعادة مجدها القديم في البحرين؛ واعتبر هذا تحولاً استراتيجياً رئيسياً، مما خذل النشطاء في مجال حقوق الإنسان.

وخلال الأشهر الأخيرة من عام 2015، تمت السيطرة على الأوضاع في البحرين بحس من اليقظة، إذ بات هناك بعض الدلائل على وجود حوار بين الحكومة والمعارضة. وما بين اتهام الحكومة للمعارضة بالانسحاب من أي حوار، ويقين المعارضة بفشل الحكومة تنفيذ أيٍ من الإصلاحات، لا يزال مستقبل البلاد مظلماً.