في يوليو2016، قامت محكمة بحرينية بحل الحزب الشيعي الرئيسي المعارض، حزب الوفاق، متهمةً إياه بتشجيع العنف والإرهاب في المملكة الجزيرة. لم يكن هذا حدثاً منفرداً، بل كان الإجراء الأخير ضمن سلسلة حملات القمع ضد المعارضة في المملكة الخليجية ذات القيادة السُنيّة والأغلبية الشيعية.
المشكلة واضحة: ترغب المعارضة بالمزيد من الديمقراطية وكل ما يرافقها، مثل الملكية الدستورية والشفافية والشمولية والمساواة والعدالة، بينما الحكومة على صعيدٍ آخر، والتي هي في جوهرها امتدادٌ للعائلة المالكة، ترفض الأمر. حامد خلف، عضو مجلس الشورى عن حزب الوفاق، أوضح الأمر كالآتي: “وصلت العائلة المالكة إلى طريق مسدود مع المعارضة، لأن “المعارضة” تصر على إجراء إصلاحات ديمقراطية حقيقية.”
ومنذ سحق حركة الاحتجاج المؤيدة للديمقراطية في عام 2011، حاولت الحكومة استرضاء المعارضة بمحادثات المصالحة، على أمل أنها ستؤدي الغرض المرجو؛ إلا أنها لم تفعل، ذلك أنّ الرئيس الأمريكي، باراك أوباما، أشار أثناء مؤتمرٍ صحفي في مايو من ذلك العام أنّ “السبيل الوحيد للمضي قدماً هو أن تنخرط الحكومة والمعارضة في حوار، ولا يمكن إجراء حوار حقيقي في ظل وجود عناصر من المعارضة السلمية في السجن.”
بل في واقع الأمر، ازدادت حدّة سجن قادة الوفاق ونشطاء حقوق الإنسان والصحفيين، فضلاً عن تجريد الجنسية من عشرات المواطنين، أبرزهم عيسى قاسم، الزعيم الروحي للوفاق. بل إن حل حزب الوفاق يعدّ أشد الصفعات التي تلقتها المعارضة السلمية عنفاً، حتى الآن.
ولكن لمَ هذا التوقيت بالذات، ولمَ لم يتم الأمر مسبقاً، أو لمَ لم يتم تجاهله بالمطلق؟ فمطالب المعارضة كانت واضحة المعالم منذ عام 2002 على الأقل، ومن الصعب التصديق أنّ الحكومة أساءت تفسير هذه المطالب، أو اعتقدت حقاً أنّ التغييرات التجميلية ستكون كافية لإرضاء الجماهير التي تمتاز بإطلاعها وثقافتها. فالأسر الحاكمة في الخليج غالباً ما تعرف رعاياها بما لا يترك مجالاً للشك، وبالتالي، لا بد أن عنصراً آخر يلعب دوراً ما هنا.
الجواب باختصار هو المال، فالوضع المالي للبحرين قاتم. فعلى أرض الواقع، جفت احتياطيات النفط بينما لا تزال المملكة تقف على قدميها من خلال الدعم المالي من دولة الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية، والدول السُنيّة الإقليمية الصديقة منذ زمنٍ طويل، مثل الكويت، إلى حدٍ أقل. ومن أجل الحفاظ على تدفق هذه الأموال، لا بد من الحفاظ على رضى الممولين، وسيشعرون بالرضى عندما يتم طرد إيران من المشهد.
هذا؛ فضلاً عن الارتباط القبلي والأيديولوجي الأوسع نطاقاً مع العائلة المالكة البحرينية، لطالما شكل قضيةً بالنسبة لجيران البحرين من السُنّة إلا أنه بات اليوم أكثر إلحاحاً من أي وقتٍ مضى. فالتطورات الإقليمية في كلٍ من لبنان (دور حزب الله المدعوم من إيران)، وفي سوريا (دعم إيران للرئيس الأسد)، واليمن (سيطرة المتمردين الحوثيين الشيعة)، أثارت القلق (بعبارة مُلطفة) في عواصم الممالك السُنيّة. فقد لا يرى البعض الأمور دوماً بهذا الوضوح، إلا أنّ الزعماء السُنّة يفعلون: سعي إيران للحصول على موطىء قدمٍ في شبه الجزيرة العربية يُشكّل أسوأ كوابيسهم.
بل إن تقاسم السُلطة الإقليمية مع إيران أمرٌ غير وارد، فالأمر يتطلب الحدّ الأدنى من الثقة، غير الموجودة إطلاقاً في الوقت الراهن. فالتقارب بين القوتين على قطبي الخليج- العربية أو الفارسية، بالاعتماد على الجانب الذي تنظر منه- من شأنه أن يُشكّل خطراً محلياً أيضاً. فمن جهة، يمكن اعتبارها علامة ضعفٍ من قِبل غالبية السكان السُنّة، وهو أمرٌ ترغب الأسر الحاكمة، التي أضعفها بالفعل انخفاض أسعار النفط والخوف من تبعات الاضطرابات الإجتماعية، تجنبه بأي ثمن.
التفكير السائد هو، من الأفضل أن نُظهر لطهران بعض القوة. ففيما يتعلق باليمن، عنى ذلك الدخول في حربٍ في مارس 2015 والاستمرار في القتال إلى حين الظفر بالنصر. أما بالنسبة للبنان (التي تُعتبر إلى حدٍ كبير خاضعةً لسيطرة حزب الله)، هذا يعني سحب الاستثمارات وتسريح اللبنانيين من الخليج. وفيما يتعلق بالبحرين، يعني ذلك القليل من المحادثات والمزيد من القمع، بما في ذلك قمع أولئك الذين يعترضون على مشاركة البلاد في الحرب اليمنية.
وفي الوقت نفسه، تخوض المعارضة البحرينية حربها وحيدة، فالتنديدات الدولية نادرة ما عدا تلك التي تصدر عن طهران. ففي مايو 2015، حذرت واشنطن البحرين مشددة على ضرورة التعامل بجدية فيما يتعلق بتنفيذ الإصلاحات السياسية إن لم ترغب في انتقال الاسطول الخامس الأمريكي، المتمركز في البحرين، إلى قاعدة جديدة. ومع ذلك، حتى اليوم، لم تتجاوز هذه التهديدات سوى كونها حبر على ورق. وفي غضون ذلك، لا يبدو أنّ لندن تحرك ساكناً، ويأتي هذا من منطلق قرارها الأخير بتمويل قاعدة بحرية جديدة في البحرين.
إجمالاً لا يمكن اعتبار نتائج هذا الصيف جيدة بالنسبة للبحرين، سواء كان ذلك بالنسبة للمعارضة- في نهاية المطاف- أو بالنسبة للحكومة في المنامة، إذ يصعب التنبؤ بالجانب الجيد للحملات الحالية.