وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

تحقيق المكاسب يجذب الأجانب إلى عالم الرقص الشرقي في مصر

belly dancing egypt
راقصة شرقية روسية في القاهرة. Photo: PATRICK BAZ / AFP

يحتل الرقص الشرقي مكانة بارزة بين الفنون، ليس في بلاد الشرق وحدها وإنما استطاع أن يغزو العالم بأكمله. وإلى جانب وجوده كمشارك في فنون أخرى كالسينما والمسرح، أصبح أيضاً يتم استخدامه كنوع من أنواع العلاج لبعض الحالات النفسية. وبفضل الشهرة الكبيرة التي احتلها الرقص الشرقي، أصبح سوقاً كبيراً تتنافس فيه الراقصات من حول العالم خاصة بعد أن أصبحت أرباحه أكبر بكثير من أرباح فنون ومهارات أخرى.

في مصر، حيث كان ولا يزال الرقص أحد أهم الفنون المصرية تاريخياً وحالياً، أصبح السوق يمتلئ بمختلف الجنسيات من الراقصات اللائي قدمن ليحققن الشهرة والثروة، إذ أصبحت المنافسة حامية الوطيس بين المصريات والأجنبيات. وخلال سنوات طويلة تربعت عطيات عبد الفتاح إبراهيم “الشهيرة بفيفي عبده” على قمة الرقص الشرقي بعد اعتزال النجمات التاريخيات أو رحيلهن أمثال سهير زكي وتحيا كاريوكا ونجوى فؤاد.

بزغ نجم فيفي عبده، المولودة عام 1953، منذ تسعينيات القرن الماضي حيث حققت شهرة مدوية بعد مسرحيتها الشهيرة “حزمني يا” عام 1994، لتتوالى بطولاتها المسرحية والسينمائية خلال العشرات من الأعمال، ورغم تقدم سنها حافظت على حضورها على أصعدة مختلفة كان آخرها وسائل التواصل الاجتماعي، حيث حققت انتشاراً واسعاً من خلال الفيديوهات التي تقدمها لجمهورها.

وبعد فترة غياب لأربع سنوات عادت فيفي هذا العام 2019، وبعمر الـ65، من جديد للرقص. وفي حوار لها علقت فيفي على ذلك قائلة “الرقص ليس له عمر طالما أن هناك لياقة، وقبل عودتي للرقص بشكل حاسم اختبرت الجمهور بفيديوهات الرقص التي ما زلت أنشر منها على وسائل التواصل الاجتماعي، ووجدت حينها ترحاباً كبيراً وردود فعل إيجابية من الناس، بل طالبني البعض في تعليقاته بالعودة لذلك تحمست وعدت بالفعل.”

وقد شاعت خلال السنوات الأخيرة الراقصة “إيمي سلطان،” التي أدهشت المجتمع المصري باحترافها الرقص في الحفلات والنوادي وتركها مهنة الهندسة. وقد أثار أجر إيمي الكثير من الجدل في المجتمع المصري بعد مقارنته بأجر المهندسين حيث أن أجرها في الليلة الواحدة تراوح ما بين 1500 -3000 دولار، في حين أن أجر المهندس الشهري في نفس سنها لا يتجاوز 200 دولار. تربعت إيمي على عرش الراقصات المصريات بأعلى أجر لراقصة مصرية في السوق منذ سنوات، متفوقة على دينا طلعت سيد محمد، التي أطلقت عليها مجلة نيوزويك الأمريكية لقب “آخر الراقصات المصريات،” التي بلغ أجرها في الليلة الواحدة 1200 دولار.

ورغم أن سوق الرقص الشرقي في مصر كان معروفاً عنه احتراف الراقصات الأجنبيات تاريخياً أمثال الراقصة اليونانية كيتي، إلا أن ذلك عاد مرة أخرى مؤخراً بقوة حيث وجدن في مصر فرصة عمرهن لتحقيق النجومية والثروة التي ربما لن يجدنها في مكان آخر.

اعتلت قمة هؤلاء الراقصة جوهرة، وهي راقصة روسية الجنسية اسمها الحقيقي “أيكاترينا أندريفا،” والتي اشتهرت بمقاطع رقص شرقي لها على موقع يوتيوب قبل أن تنتقل للعيش والعمل في مصر. وقد ذاع صيت جوهرة بعد أن القت السلطات المصرية القبض عليها بتهم التحريض على الفسق والفجور وإثارة الغرائز الجنسية للجمهور المصري، بعد انتشار فيديو لها على مواقع التواصل الاجتماعي والحكم عليها بالسجن لمدة سنة قبل أن يُفرج عنها وتنتقل إلى بيروت في لبنان. وقد بلغ أجر جوهرة في ليلة رأس السنة الماضية حوالي 30 ألف دولار، بإحياء عدة حفلات في نفس الليلة.

وبالعودة إلى خمسينيات القرن الماضي، كانت السلطات المصرية قد وضعت قواعد وقوانين تُنظم عمل الراقصات وتفاصيل بدلة الرقص القانونية، حيث تتولى شرطة الآداب مهمة الإشراف على قانونية ملابس الراقصة، وتتعرض للعقوبة إذا تجاوزت تلك القواعد، ومنها تغطية الثلث الأسفل من الصدر، وارتداء بنطال قصير يصل إلى منتصف الفخذ، وتغطية المسافة بين الصدر والبطن. وبالنسبة إلى الراقصات الأجنبيات، يشترط الحصول على تصريح عمل إضافة إلى حصولها على إقامة دائمة للرقص في مصر، كما تخضع للرقابة على المصنفات الفنية. كما يتوجب تقديمهنّ استمارات لجهات رسمية عدة منها شرطة الآداب والأمن الوطني.

ويُعلق الناقد الفني آدم مكيوي قائلاً “إن الرقص الشرقي كان ولا يزال سوقاً كبيراً وتجارة ضخمة في مصر والشرق الأوسط نظراً للمكانة الفنية لهذا الفن تاريخياً في منطقتنا، ومما جعل هذا السوق جاذباً للراقصات الأجنبيات كان انغلاق المجتمع وتدينه في عدة فترات زمنية ودخول موجة الدُعاة الدينيين الجُدد في نهاية التسعينات والعقد الأول من القرن الواحد والعشرين، وظهور ما يُسمى بالسينما النظيفة مما جعل سوق الراقصات المحليات ضعيف مع وصم المجتمع الراقصات بأوصاف مهينة وقلة حضور الراقصات في الأفراح والنوادي. وفي السابق، كان الرقص جزءاً أساسياً من برنامج السهر في الفنادق والنوادي وكان أشهرها على سبيل المثال استعراض مطار الحب للراقصة هندية في أحد الفنادق الشهيرة. بالإضافة إلى قلة الاهتمام بالرقص بعد وجود فرق كبيرة كانت تُخرج أجيال من الراقصات مثل فرقة عاكف وفرقة رضا والفرقة القومية للفنون الشعبية.”

كما صعد اسم آخر في سماء النجومية على صعيد الرقص الشرقي وهي الراقصة صافيناز، أو صوفينار جوريان، وهي الراقصة الأرمينية التي كانت رقصتها في فيلم عام 2013، “القشاش،” بداية لنجوميتها. صافيناز، التي اكتسب شهرة كبيرة بين الناس لحركاتها الجديدة والغريبة على إيقاع الرقص الشرقي المعروف، أصبحت أشهر راقصة في مصر حيث بلغ أجرها أرقاماً خيالية بلغ 1800 دولار في الرقصة الواحدة. وكحال الراقصة جوهرة، كانت صافيناز قضية مثيرة للجدل أيضاً بعد الحكم بسجنها لستة أشهر من إحدى المحاكم المصرية بتهمة إهانة العلم المصري بعد ارتدائها بدلة رقص بألوان العلم خلال حفل بأحد الفنادق ليلة الانتخابات الرئاسية عام 2014.

ومن بين الراقصات الأجنبيات اللواتي احترفن الرقص الشرقي في مصر الراقصة البرازيلية إزميرالدا، التي ذاع صيتها بعد رقصة لها بالحجاب تم تداولها خلال مقطع فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي. كما كان هناك بعض الرجال الذين احترفوا الرقص الشرقي في مصر وكان أشهرهم تاريخياً الراقص ومدرب الرقص الشرقي المصري حسن ظاظا واللبنانيين ميشو وأليكسندر بوليكيفيتش.

يُضيف آدم مكيوي قائلاً إن دخول الراقصات المحليات وشهرة بعضهن بدخولهن السينما جعل السوق يختل فأصبح هناك نوعين فقط من الراقصات: إما نجمات مشهورات يتقاضين أجوراً كبيرة وضخمة أو راقصات دون المستوى لا يتمتعن بأي مهارات ولكنهن يأخذن أجور بسيطة. ومن هنا دخل استقدام الراقصات من روسيا وأوكرانيا والبرازيل وغيرها للسوق لملء الفراغ. وغالباً ما تتمتع أولئك الأجنبيات بالتدريب واللياقة والاهتمام والجمال. وكان من أوائل من أدخل الراقصات الروسيات إلى المجال الفني في مصر الفنان والممثل سمير صبري خلال أحد العروض الاستعراضية المُسمى بـ”العرض الروسي.”

وتحت حكم الرئيس عبد الفتاح السيسي، عاد الناس من جديد لطلب الراقصات في الأفراح وغيرها من المناسبات، وعادت الموضة من جديد وظهرت الراقصات والمغنيات والممثلات للاستفادة من الفرص الجديدة التي يقدمها هذا العالم.

Advertisement
Fanack Water Palestine