تعدّ الملاكمة وسباقات الخيول وكرة القدم من بين الرياضات العديدة التي شاركت بها المملكة العربية السعودية في عامي 2018 و2019 من خلال استضافة الأحداث الكبرى والاستثمار في الفرق الرياضية، إذ يعتبر كل هذا جزءاً من رؤية 2030، وهي خطة طموحة لإبعاد البلاد عن اعتمادها شبه التام على النفط وإدخال محفظة اقتصادية أكثر تنوعاً.
زادت هذه الاستثمارات بشكلٍ كبير في السنوات الأخيرة، والتي تم توضيحها في رؤية 2030 ببناء “مجتمع حيوي وبيئة عامرة،” من خلال، “تعزيز الصحة البدنية والنفسية والاجتماعية،” من بين أمور أخرى. سيتم تحقيق ذلك من خلال تشجيع “المشاركة بالرياضات بأنواعها من أجل تحقيق تميزٍ رياضي على الصعيدين المحلّي والعالمي، والوصول إلى مراتب عالمية متقدمة في عدد منها. وسنقيم المزيد من المرافق والمنشآت الرياضية بالشراكة مع القطاع الخاص،” بالإضافة إلى بناء علاقات قوية مع الاتحادات الرياضية القارية والدولية.
في نوفمبر 2016، أمر ولي العهد الأمير محمد بن سلمان الهيئة العامة للرياضة، الهيئة الحكومية المسؤولة عن تطوير الرياضة في المملكة، بإنشاء صندوقٍ لتطوير الرياضة. تتمثل أهداف الصندوق في خصخصة أندية كرة القدم لزيادة المشاركة وتشجيع الأحداث الرياضية الجديدة وخلق 40 ألف وظيفة جديدة.
ويبدو أن الخطة تنجح، إذ تسرد صفحة “الرياضة” على موقع عيشها للفعاليات الترفيهية في المملكة العربية السعودية (Enjoy Saudi)، الموقع الإلكتروني الذي تم إطلاقه حديثاً والمخصص للترويج للمملكة العربية السعودية كوجهةٍ سياحية، قائمة مزدحمة من الأحداث القادمة مثل ماراثون جدة في 3 مارس 2020، ومسابقة الدراجات النارية لفئة الأسلوب الحر على مستوى إحترافي في 6 أبريل و وعرض لكرة السلة في 25 مايو.
ومن خلال نادي الفروسية السعودي، أعلنت البلاد في أغسطس 2019 استضافتها أغنى سباق على هذا الكوكب، كأس السعودية، الذي ستصل قيمة جوائزه إلى 20 مليون دولار، في مضمار سباق الملك عبد العزيز للفروسية بالعاصمة الرياض في فبراير 2020.
وبعد يوم، أعلنت المملكة العربية السعودية استضافتها مباراة ملاكمة للوزن الثقيل، والتي طال انتظارها، بين بطل العالم السابق أنتوني جوشوا والمكسيكي أندي رويز جونيور.
كما تتطلع المملكة للإنضمام إلى حلبة سباقات الفورمولا وان، بعد مشاركتها في منافسات الفورمولا إي العالمية وبطولة كأس محمد علي للوزن الخفيف – الثقيل (World Boxing Super Series) عام 2018.
بالإضافة إلى ذلك، أصبحت كرة القدم سمة من سمات الأجندة الرياضية، حيث وقعت البرازيل والأرجنتين صفقاتٍ للمشاركة في مبارياتٍ في الرياض، وكذلك هو حال الرياضات القتالية حيث باتت منافسات مؤسسة المصارعة العالمية الترفيهية (WWE) وبطولة كأس محمد علي للوزن الخفيف- الثقيل، تقام هناك أيضًا.
ومع ذلك، لم تخلو هذه الطموحات الرياضية من الانتقادات، فقد اتهم فيليكس جاكنز، رئيس حملات منظمة العفو الدولية في بريطانيا، المملكة العربية السعودية باستخدام الرياضة كوسيلة لتحسين سمعتها في أعقاب انتهاكات حقوق الإنسان، بما في ذلك القتل المزعوم للصحفي جمال خاشقجي والهجمات العسكرية التي تقودها السعودية على المدنيين والمنازل والمستشفيات في اليمن.
يعدّ هذا الاتجاه الذي بات معروفاً بـ”تبيض السمعة من خلال الرياضة” أو (sportswashing)، اتجاهٌ تنظم فيه الدول ذات السمعة المشكوك فيها في مجال حقوق الإنسان فعالياتٍ رياضية جماعية هرباً من الاحتقار الدولي. ومع ذلك، هذه الظاهرة ليست جديدة، لكن المصطلح نفسه يُنسب إلى حملة الرياضة أو الحقوق عام 2015 لوصف محاولة أذربيجان “صرف الانتباه عن سجلها في مجال حقوق الإنسان برعاية واستضافة فعاليات” مثل الألعاب الأوروبية التي عقدت في باكو.
كما نددت المنظمة الدولية لحقوق الإنسان هيومن رايتس ووتش بهذا الاتجاه، قائلةً في بيان نُشر في 6 ديسمبر 2019، “في ظل رؤية المملكة 2030، يعمل ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان على إطلاق المزيد من الفعاليات الترفيهية والرياضية، في محاولة واضحة لاستخدام الرياضة لغسل سمعة المملكة الحقوقية السيئة، وإظهار وجه تقدمي لها عبر تنظيم فعاليات مشهورة تحت قيود شديدة. بالكاد بعد مرور عام على اغتيال الصحفي جمال خاشقجي على يد عملاء للحكومة السعودية، يسعى مسؤولو المملكة إلى التعاقد مع اتحادات رياضية كبرى أخرى.”
وأضاف البيان، “أحد الجوانب الإيجابية لحماس السعودية الجديد تجاه الرياضة هو أن القواعد الرياضية تتطلب بشكل متزايد الالتزام بالمعايير الحقوقية الدولية.” بيد أن البيان أشار إلى أنه “بدلاً من توظيف الرياضة لتحسين صورتها ومكانتها في العالم، سيكون من الأرخص والأسهل للمملكة إجراء إصلاحات حقوقية واحترام الحقوق الأساسية لمواطنيها.”
ووفقاً لسيمون تشادويك، أستاذ العلوم الرياضية بجامعة سالفورد بالمملكة المتحدة، فإن تبيض السمعة من خلال الرياضة مصطلحٌ يجب استخدامه بحذر. وقال لفَنَك: “لا أعارض… الكلمة، لكن يتم استخدامها بشكلٍ متكرر وهي تسمية مضللة.” وأضاف “إذا نظرنا إلى المملكة العربية السعودية وأيضاً قطر وأبو ظبي وما إلى ذلك، من خلال الاستثمار في الرياضة، لا أعتقد أن العالم سيظن فجأة أنها دولٌ عظيمة. على العكس تماماً؛ تلقي استثماراتهم الضوء على ما يجري، وبالتالي بدلاً من تبيض السمعة من خلال الرياضة، فإنه يلفت الانتباه إلى إخفاقات هذه البلدان.”
كما قال إنه يفضل مصطلح “تكتيك التضليل.” وأضاف، “تحاول المملكة العربية السعودية، كحال جيرانها، الحصول على الشرعية وأن تكون جزءاً من المجتمع الدولي من خلال الرياضة. التزامهم تجاه المجتمع الرياضي الدولي يشبه مطالبة اللجان المتنوعة نسيان جريمتهم والتركيز أكثر على الأحداث والفرق والرعاية. إنها أداة دبلوماسية.”
ومن خلال الرياضة، حققت المملكة العربية السعودية بعض التقدم، مثل اتخاذ موقفٍ أكثر إيجابية حول كرة القدم النسائية والسماح للنساء بحضور الأحداث الرياضية.
وفي هذا الصدد، يعتقد تشادويك أن “الرياضة عامل تمكين للتغيير،” إذ قال، “إن استثمار المملكة العربية السعودية في الرياضة سيساعد على تحقيق التغييرات، لا سيما من خلال جذب المزيد من السياح إلى المملكة. يعدّ هذا غاية في الأهمية أيضاً في بلدٍ ينتشر فيه نمط الحياة قليل الحركة، فضلاً عن ارتفاع معدلات الإصابة بداء السكري الذي يعدّ مشكلة صحية عامة.”
ومن الجدير بالذكر أن المملكة العربية السعودية تحتل المرتبة الثانية في الشرق الأوسط والسابعة في العالم من حيث معدل الإصابة بمرض السكري. وتشير التقديرات إلى أن حوالي 7 ملايين سعودي يعانون من مرض السكري وحوالي 3 ملايين يعانون من مرحلة ما قبل السكري.
vc_row]