وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

الموسيقى الكويتية: إيقاعات الصحراء والبحر

Kuwaiti music
فرقة كويتية تعزف الموسيقى التقليدية خلال إحدى المناسبات في مركز اليرموك الثقافي في مدينة الكويت في 1 نوفمبر 2017. Photo: Yasser Al-Zayyat / AFP

الإبل التي تشق طريقها ببطء عبر الصحراء، وبُناة السفن الذين يطرقون بإيقاعٍ بينما تمضي الأيام، وغواصي اللؤلؤ الذين يرفعون أشرعة سفنهم. في أيام حياة الصحراء والبحر التي سبقت اكتشاف النفط، يمكن تقسيم المجتمع الكويتي إلى قسمين (وإلى حدٍ ما حتى الآن): القسم البدوي والحضري، ولكلٍ منهما أنماطه الموسيقية المميزة.

غالباً ما كانت الأغاني البدوية مرتبطة بقبيلةٍ معينة ورافقتها آلات مثل الربابة ذات الوتر الواحد. تم ابتكار الأغاني لتحفيز الإبل على الاستمرار في المشي. وبحسب الروايات، ستصل الإبل إلى وجهتها مفعمةً بالحيوية والقوة، لتسقط تعباً بعد توقف الغناء والطبول.

بينما كانت الموسيقى الحضرية أكثر تنوعاً وغالباً ما ترتبط بأنواع مختلفة من العمل أو الأحداث أو الأصول أو الترفيه. ومن أشهر الأمثلة على الموسيقى المرتبطة بالعمل هي الأغاني البحرية التقليدية.

كان للغوض بحثاً عن اللؤلؤ وبناء السُفن أغانٍ خاصة، إذ كانت تلك الأغاني تشبه “ليالي السمر” بالنسبة للعمال، إلا أنها أيضاً كانت ضرورية لاستمرار تحفيز الإبل للسير بتناغم.

حتى أن غواصي اللؤلؤ كان يصطحبون برفقتهم مغنٍ أثناء تجوالهم في البحر. وخلال الأشهر الطويلة في عرض البحر، كان النهام يقف على سطح السفينة ويقود البحارة أثناء قيامهم بأعمالهم اليومية مثل رفع الأشرعة. كما كان يتم الإحتفال بعودة الغواصين، في حال عادوا، بأغانٍ خاصة أيضاً، لتروي كلمات الأغاني قصص وحكايا عن العذاب والمصائب والشجاعة.

وحتى يومنا هذا، لا تزال الأغاني البدوية والبحرية معروفةً على نطاقٍ واسع، ولا زال يُعتّز بها ويؤديها الموسيقيون الكويتيون. وعلى الرغم من أن معظم العروض تُقام في أماكن خاصة مثل الديوانيات (مجالس الاستقبال التقليدية) أو في المناسبات الخاصة مثل حفلات الأعراس، إلا أنها عادةً ما تُنظم باستمرار في المراكز الثقافية أيضاً.

لم تكن الأغانية الفلكلورية ما جعلت الكويت تبرز موسيقياً في المنطقة فحسب، بل إن دول الخليج الأخرى تمتلك تقاليد مماثلة. فعلى سبيل المثال، لدى كلٍ من البحرين والمملكة العربية السعودية نسخٌ خاصة بهم من أغاني غواصي اللؤلؤ والأغاني القبلية. كان للإنفتاح الثقافي الكويتي واستيعابها للتأثيرات الأجنبية ما صنع ذلك الفرق، لتطور ما يمكن تسميته بالمشهد الموسيقي الحديث. أصبحت البلاد معروفةً بدورها الرائد في الموسيقى الخليجية المعاصرة، وهو أسلوبٌ ينطوي على عناصر من الموسيقى الإفريقية والهندية والإيرانية المدمجة مع الأصوات العربية الأصلية.

كان الكويتيون أوائل فناني التسجيلات التجارية في الخليج، حيث سُجلت أولى التسجيلات المعروفة بين عامي 1912 و1915. فالبلاد مهد فن الصوت، وهو نوعٌ من موسيقى البلوز أصبح شائعاً في السبعينيات.

كما شاعت الموسيقى العدنية في السبعينيات، من ميناء عدن الجنوبي اليمني. وبحسب ما قالته إمرأة كويتية في الستينيات من عمرها عن سبب حب الناس لهذا النوع الموسيقي، “كانت كلمات الأغاني العدنية تتحدث عن الجنس والمرأة، على عكس الموسيقى الأخرى التي اعتدنا عليها. حتى أن الأغاني المصرية واللبنانية في تلك الأيام لم تتحدث عن تلك المواضيع بمثل هذه الصراحة.”

تأثرت الموسيقى العدنية بإيقاعات وآلات شرق إفريقيا، مثل الليوا والطنبوري. وإلى الشرق، كان للكويت روابط تجارية قوية مع الهند، حيث استقرت العائلات الكويتية في الهند، واستقرت العائلات الهندية في الكويت، حاملين معهم موسيقاهم.

أصبحت الموسيقى الكويتية بوتقة غنية من الأساليب والأصول وأنتجت العديد من المطربين المشهورين على المستوى الإقليمي مثل الأخوين صالح وداود الكويتي وشادي الخليج وعائشة المرطة ومؤخراً نوال الكويتية التي يعتبرها الكثيرون أيقونة موسيقية للعالم العربي.

وإلى جانب انفتاحها التاريخي على الثقافات الأخرى، ازدهر المشهد الموسيقي في الكويت بسبب موقفها المتحرر نسبياً من الموسيقى. رغم أن معظم رجال الدين الإسلاميين في المنطقة كان لهم نظرة قاتمة تجاه الموسيقى، إلا أن النشاط الموسيقي قوبل بالتسامح النسبي في الكويت.

لم ينطبق هذا على الفنانيين من الذكور فحسب، بل أن الفنانات أيضاً- قبل مغنيات العصر الحديث مثل عائشة المرطة ونوال الكويتية- كانوا جزءاً من المشهد الموسيقي أيضاً، اللواتي غالباً من كنّ يرتدين ملابس لا تكشف وجوههن أو يتنكرن كرجال في بعض المناسبات الخاصة مثل حفلات الأعراس والمناسبات الدينية.

استمر هذا المشهد الموسيقي المتنوع والحيوي، على الرغم من تغيره على مدى السنوات. فلم يعد الفنانون الكويتيون الشباب يحصرون أنفسهم بموسيقى الشرق الأوسط، إذ بفضل الإنترنت والسفر امتزجت أعمالهم بموسيقى الهيب هوب والآر أند بي والإيقاعات اللاتينية والبوب وغيرها من الأنواع والأساليب الموسيقية. نتج عن ذلك مزيجٌ موسيقي جديد ومثير للاهتمام، ليجمع بين الجاز وصوت العود، والهيب هوب والإيقاعات الخليجية والكلمات الإنجليزية مع العربية.

بيد أن الكويت لم تعد الدولة الخليجية الوحيدة الرائدة في المجال الموسيقي على مستوى المنطقة، إذ بدأت أيضاً دول خليجية أخرى تنفتح على الخارج، ولا سيما دولة الإمارات العربية المتحدة. بل إن المملكة العربية السعودية، المعروفة بتحفظها، باتت أيضاً تلحق بالركب. وعلى النقيض من ذلك، أصبحت الكويت اليوم أكثر تحفظاً، فعلى الرغم من تشييدها مؤخراً أكبر مسرح موسيقي في دول مجلس التعاون الخليجي، إلا أنه لا يسمح للجمهور بالرقص.

تسبب تغلغل المبادىء المحافظة، وتقدم جيرانها والحكومة غير المهتمة على ما يبدو في تحفيز المواهب الفنية في تراجع تطور الكويت، وربما لا يجدر بنا وصفها بالتراجع، ذلك أن عام 1919 شهد ظهور مواهب فنية أكثر بكثير من عام 2019. ربما يكون هذا عصراً جديداً، إلا أنها ليس بالضرورة عصرٌ أفضل.

Advertisement
Fanack Water Palestine