وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

الموسيقى السعودية

saudi music
سعوديون يعزفون الموسيقى التقليدية في معرض سوق السفر والسياحة السعودي في العاصمة الرياض في 24 مارس 2008. Photo: HASSAN AMMAR / AFP

كانت الموسيقى جزءاً لا يتجزأ من تراث وحياة البشر في بلاد الحجاز –السعودية حالياً -وشبه الجزيرة العربية منذ قرون طويلة مروراً بالعصر الجاهلي، قبل الإسلام، وصدر الإسلام وحتى العصر الحديث، ذلك الجزء الذي عانى تضييقاً شديداً في عصر الصحوة الإسلامية في السعودية في القرن العشرين. جاء ذلك بعد الدعم الرسمي للتشدد الديني بعد حادثة الإستيلاء على المسجد الحرام في مكة من قبل مجموعة من المتطرفين عام 1979 واندلاع الحرب السوفيتية –الأفغانية في نفس العام. استمر هذا التشدد الديني حتى تولي الملك سلمان بن عبد العزيز العرش الملكي عام 2015 وتولي ابنه محمد بن سلمان منصب وليّ العهد لتعود الموسيقى من جديد لاجتياح المجتمع السعودي.

يُشير معظم المؤرخين إلى أن للموسيقى والغناء تاريخاً طويلاً قبل ظهور الإسلام، إذ يُشير المؤرخ الموسيقي الإنجليزي بيتر كروسلي هولاند إلى أن عصر ما قبل الميلاد قد شهد حضارة وتراث فني كبير أثّر على الشعوب المجاورة مُدللاً على ذلك بأسماء الكثير من الآلات الموسيقية القديمة التي تحمل أسماءً عربية اشتقتها بعد ذلك اللغات حول العالم مثل طبلة ودُف وزمر.

ويُشير قدامى المؤرخين إلى ان قبيلة “جرهم” كان لها دور كبير في نشوء وانتشار الحركة الفنية والثقافية في بلاد الحجاز نتيجة الاختلاط السلمي بالبلاد والشعوب المجاورة في اليمن والحيرة (العراق) وبلاد الغساسنة (الشام) وفارس (إيران) والروم من خلال التجارة والتبادل أو في حال نشوب حربٍ فيما بينهم. ويُشير المؤرخ والشاعر ابن عبد ربه الأندلسي إلى أن الغناء كان متفشياً في أمهات القرى العربية في المدينة والطائف وخيبر ووادي القرى ودومة الجندل واليمامة، حيث كانت تمارس معظم الطقوس الدينية مقترنة بالموسيقى والغناء.

تطورت الموسيقى بشكل كبير قُبيل الإسلام، ذلك التطور الذي صاحبه تطور في الآلات الموسيقية وتعددها فكانت هناك آلات وترية مثل البربط والمزهر والكيران والمعزفة والربابة والطنبور، وآلات نفخ هوائية مثل القصابة والشبابة والمزمار وزمارة القرب. كما كانت الأناشيد والأغاني جزء من طقوس الحج إلى الكعبة قبل الإسلام وكان أشهرها أغنية “نحن غُرابا عك” التي كانت تُغنيها وفود قبيلة عك من اليمن، والتي كانت تبدأ بترديد عبيد من القبيلة قائلين “نحن غرابا عك” حيث كانوا يُطلقون على العبد شديد السواد “غراب”، فيرد باقي أفراد الوفد قائلين “عك إليك عانية” أي أن قبيلة عك مستسلمة وخاضعة.

ومع دخول الإسلام استمرت بعض الطقوس الموسيقية والغنائية بعض الوقت إلى أن تغيرت بشكل كبير، حيث استمرت بعض القبائل في طقوس الموسيقى والغناء أثناء الحروب ضد المسلمين. بالإضافة إلى ذلك، استقبل أهل المدينة المنورة النبي محمد وأصحابه عند الهجرة من مكة بالموسيقى والغناء. وهناك أيضاً بعض الأحاديث المروية عن النبي محمد بخصوص الموسيقى والغناء، كالذي يورده بهاء الدين الأبشهي في كتابه “المستطرف في كل فن مستظرف،” عندما سأل النبي زوجته عائشة بعد أحد الأعراس قائلاً “أهديتم الفتاة إلى بعلها؟، فقالت: نعم، فقال: وبعثتم معها من يُغني؟، فقالت: لا، فقال: أو ما علمتم أن الأنصار يُعجبهم الغزل؟، ألا بعثتم معها من يقول: أتيناكم أتيناكم، نحييكم نحييكم، ولولا الحبة السمراء لم نحلل بواديكم.”

وقد كان هناك الكثير من المُغنيين والعازفين في بلاد الحجاز في القرون الأولى من الإسلام، كان أشهرهم عيسى بن عبد الله المدني، المعروف باسم طويس (632 ميلادياً) والذي يُعرف بأنه أول من غنى باللغة العربية في المدينة المنورة. بالإضافة إلى مُغنيات شهيرات أمثال جميلة، ومولاة بن سليم، وأخرى كان تُعرف باسم بصبص، وكانت جارية لرجل يُدعى يحيى بن نفيس.

في القرن العشرين، شهدت السعودية ازدهاراً موسيقياً كبيراً بلغ ذروته في الستينيات وكان لإنشاء التلفزيون السعودي عام 1965 دوراً كبيراً في هذه النهضة الموسيقية. إلا أن اللافت في تلك النهضة أنها بدأت على يد ضابط في سلاح المدفعية يُسمى طارق عبد الحكيم، الذي كان مُغرماً بالفن والموسيقى، ليقوم وزير الدفاع آنذاك، الأمير منصور بن عبد العزيز، بإرساله إلى مصر لتعلم الموسيقى قائلاً له ” اذهب واغتنم الفرصة وتعلم الموسيقى في مصر، فسيأتي يوم تحال فيه إلى التقاعد، ولن تتمكن من بيع المدافع.”

أمضى عبد الحكيم في مصر سنوات تعلم خلالها الموسيقى على يد كبار الموسيقيين أمثال أحمد الحفناوي، وعبدالفتاح منسي، وأحمد عطیة. وبعد عودته إلى الرياض في أربعينيات القرن الماضي، قام بإنشاء أول أوركسترا موسيقية عسكرية ثم لاحقاً معهد موسيقى الجيش، الذي استعان بموسيقيين عرب من سوريا ولبنان ومصر، لتظهر أسماء كبيرة في مجال الغناء والموسيقى السعودية أمثال المُغنيات توحة، وصالحة حمدية، وابتسام لطفي وصفية لبانة، وكرامة صالح سلطان، وأمينة عدنية وفوزي محسون، وعبدالله محمد، ومحمد علي سندي. بالإضافة إلى عازفات أمثال عائشة زايدية وفاطمة اللائي اشتهرن بالعزف على مختلف الآلات الموسيقية.

شهد عددٌ من التغييرات السياسية والاجتماعية عام 1979 بداية أفول تلك الحقبة الموسيقية في السعودية. ففي نوفمبر من ذلك العام، اقتحم مسلحون بقيادة جهيمان العُتيبي، الشرطي السابق بالحرس الوطني السعودي، الحرم المكي وأعلن أن زميله الذي يُدعى محمد عبد الله القحطاني هو المهدي المُنتظر، حيث طالبوا ببيعته خليفة للمسلمين وقام باحتجاز المعتمرين داخل الحرم لمدة أسبوعين ليُسفر عن ذلك مقتل المئات.

سبق ذلك الثورة الإيرانية وتبع التدخل الروسي في أفغانستان، وهما الحدثان اللذان تسببا في هيمنة التيار الديني المتشدد داخل المملكة السعودية وبزوغ ما وُصف لاحقاً بتيار “الصحوة” الذي حرم الموسيقى والغناء والترفيه وإغلاق دور السينما والمسارح.

ويقول الكاتب والأديب السعودي عبده خال في مقال له بجريدة عكاظ، “قبل جهيمان كانت الحياة تسير طبيعية وبعده جاء تاريخ حافل من التشدد؛ كسرت أدوات الغناء وتناقل الناس تكبير المحتسبين وصياحهم على تحطيم عود، كان جهيمان ينعم بانتشار رسائله، وعم الظلام في كل مكان… أفاق الناس على عاصفة من التحريم تضافرت حتى حولت المجتمع لبؤرة باحثة عن تحريم كل مناشط الحياة.”

وبداية من عام 2015 ومع صعود نفوذ الأمير محمد بن سلمان تزامناً مع تولى والده الملك سلمان بن عبد العزيز عرش المملكة وحملة التحديث التي قام بها ولي العهد، شهدت البلاد توجهاً أكثر انفتاحاً في مجال الموسيقى والفن. وفي عام 2016، تم إنشاء الهيئة العامة للترفيه، التي عملت على إعادة النهضة الموسيقية في المملكة باستضافة فاعليات موسيقية وغنائية وحفلات ضخمة بشكل دوري، لتعود الموسيقى إلى الحجاز من جديد بعد انقطاع دام قرابة 40 عاماً.

Advertisement
Fanack Water Palestine