وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

مشهد موسيقى الأنجلويتي في الكويت

على الرغم من القيود المتفاوتة والرقابة الشديدة، تشهد الكويت تحولاً ثقافياً، إذ يستفيد الموسيقيون الذين يغنون باللغة الانجليزية على وجه الخصوص، من تطور البنية التحية الثقافية في الكويت. وبينما يحاول العديد من المغنون وكتّاب الأغاني وضع بصمتهم في هذه الصناعة، يُعطي أربعة فنانين مثالاً للطرق المختلفة التي يستخدمها الموسيقيون للتفاعل مع مشهد موسيقى الـ”أنجلويتي.”

ففي عام 2004، شددت الكويت قيودها المفروضة على العروض الموسيقية بجميع اللغات بعد أنّ اعترض 31 عضواً من المشرعين الـ50 في البرلمان على إقامة حفلٍ غنائي لمغنين من برنامج الواقع، ستار أكاديمي. وكان المغنون يروجون لبرنامجٍ تلفزيوني اكتسب شهرةً كبيرة في المنطقة آنذاك. وإدعى المشرعون أن الموسيقى والغناء والرقص، بشكلٍ عام، يتعارضون مع قيم الكويت المتأصلة. وفي أعقاب ذلك، تم إلغاء العديد من الحفلات لمطربين عرب، فقد منعت الفنانة اللبنانية نانسي عجرم في عام 2005، على سبيل المثال، من تقديم حفلها في البلاد، وعلى الرغم من أن الفنان المصري، تامر حسني، قد حصل على الضوء الأخضر، إلا أن حفلته أنهيت بعد أن قفزت إحدى المعجبات على المسرح وقبلته. وفي عام 2009، تجادل المشرعون ضد التعليم الموسيقي. وفي عام 2011، أوقفت إحدى شركات توزيع الموسيقى، ومقرها دبي، عملياتها في البلاد. وبعد عام من ذلك، انسحبت أيضاً سلسلة متاجر فيرجين ميجاستور من البلاد، مشيرةً إلى “الرقابة المفرطة،” على أغلفة الألبومات الغنائية وكلمات الأغاني. وتجدر الإشارة إلى أنه على الرغم من عدم فرض هذه القيود بالتساوي، مما أثر على بعض الفنانيين، إلا أنها أضرت بنمو صناعة الموسيقى، لتستهدف كل شيء من التعليم والعروض الجماهيرية، وصولاً إلى مبيعات الأقراص المدمجة.

وبالإضافة إلى الرقابة المفرطة، عانى مغنوا الأنجلويتي من توقعات المستهلكين. وبما أن جماهيرهم ممنعون حرفياً من الاستكشاف، والانخراط، وتنمية اهتماماتهم الخاصة في عالم الموسيقى، يشعر الفنانون أنهم مقيدون بأذواق محددة. وقد لخص المغني ومؤلف الأغاني الكويتي- البورتريكي أمين فاري (Mr. Fari) علاقة الجمهور مع موسيقى الأنجلويتي: “يمر الجمهور بالكويت بحالة مثيرة للاهتمام لأنهم لا يريدون أن يشعروا بأنهم يستمتعون بما يبدو وكأنه أعمال “للوافدين.” لذا، في كل مرة يحاول فيها الأشخاص التعاون، يُطلب مني تعريب عملي.” وإذا ما كان المغنون يغنون باللغة الانجليزية فقط، يتوقع الجمهور غناء أغانٍ غربية (موسيقى انجليزية “حقيقية”). يؤثر هذا على الجانب التقني للموسيقى وكذلك اللغة، إذ تريد الجماهير الكويتية المزج بين الموسيقى الحديثة (أو الغربية) مع الآلات الموسيقية التقليدية (أو العربية) والعبارات الجارية.

ومع ذلك، تشهد موسيقى الأنجلويتي صعوداً، يدعمها ثلاثة عوامل أساسية. الأول هو الطبيعة الديمقراطية لمنصات وسائل التواصل الاجتماعي التي تمّكن التعرف على المزيد من الفنانين واكتسابهم معجبين. وهذا على الرغم من الاضطرار إلى الاشتراك في قيود مماثلةٍ كتلك المفروضة على وسائل الإعلام التقليدية منذ إدخال قانون مكافحة الجرائم الالكترونية. والثاني هو مبادرة الكويت الأخيرة الرامية إلى تعزيز مجالٍ ثالث يتقاطع فيه القطاعان العام والخاص. ومن المتوقع أن يستوعب المجال الثالث، المسمى بالصناعة الإبداعية، أعداداً ضخمة من الشباب الكويتي. وهي تسعى، على وجه التحديد، إلى توفير فرص عملٍ تلبي متطلباتٍ جديدة في مجال الأعمال، والترفيه، والتعليم، والصحة، واللياقة البدنية وما إلى ذلك. وأخيراً، أصبح التعاون بين الفنانين، والأشكال الفنية والأماكن فضلاً عن الاختلاط بين الجماهير أكثر شيوعاً. وبالتالي، تغذي جميع هذه المجالات في هذه الصناعة الإبداعية بعضها البعض.

وفي حين أن الفنانين الناطقين بالانجليزية في أي مكانٍ آخر في الشرق الأوسط، يستخدمون موسيقاهم لـ”نقل حرية التعبير،” فإن موسيقى الأنجلويتي أكثر توجهاً نحو المجتمع وأكثر تجارية من النسخ المطابقة الإقليمية. كما أنها أكثر تركيزاً على تعزيز الموهبة وبناء العلاقات بين الموسيقيين، والمنتجين، والمروجين، وعملائهم وتثقيف الجمهور عن رؤاهم الموسيقية وسماتهم المحددة. وبعيداً عن تقديم عروضٍ إجتماعية- سياسية، فإن موسيقى الأنجلويتي تكريمٌ لثقافة الليبرالية الجديدة.

ففي كلمات أمين فاري من “فتاة كاميرا الويب،” وبتعديلٍ بسيطٍ على الكلمات، بالنسبة لفناني الأنجلويتي، فإن مستمعيهم هم معاملاتهم المحبة، رجالٌ ونساء ببطاقات ائتمان. الوقت وحده فحسب كفيلٌ بأن يخبرنا أي اتجاهٍ معارض (المحافظ أم الإبداعي التجاري) سيسود. وفي الوقت الحاضر، كلاهما موجودان في الكويت معاً.

فنانون رائدون

أبناء يوسف

مع ملايين المشاهدات لفيديوهاتهم على اليوتيوب، يتصدر أبناء يوسف قائمة الرواد. يعتبر الأخوين، مغنيا الراب، يعقوب وعبد الرحمن الرفاعي (Humble Abdul)، اللذان ولدا في الكويت وترعرعا في لوس أنجلوس في كاليفورنيا، صفوة الهيب هوب في الشرق الأوسط. ففي حين أن موسيقاهم لا تنتقد المجتمع بحد ذاته، إلا أنها تسعى إلى تسهيل التبادل الثقافي من خلال جذب الانتباه إلى الصورة النمطية للأغنياء العرب في الإدراك الغربي. فهم يدمجون دون خجل المواضيع الدينية، إلا أن أغانيهم وعروضهم مريحة، وتقدم إيقاعات راقصة ومبهجة والقليل جداً من النقد الاجتماعي. ونتيجةً لذلك، فهم محبوبون من قِبل المؤسسات وكذلك الجماهير في جميع أنحاء شبه الجزيرة العربية.

وفي عام 2017، بدأت الفرقة جولة عالمية، لتقديم عروضٍ في الكويت ودبي والقاهرة ومراكش ولندن ولوس أنجلوس ونيويورك. كما تعاونوا مع المنتج الموسيقي الحائز على جائزة الجرامي، شفيق حسين (الذي عمل مع كبار الفنانين مثل كاني ويست، وإريكا بادو، وروبرت غلاسبر، وأوندرسون باك وغيرهم الكثير)، وعملوا مع قنواتٍ مثل HBO، وCNN، وMBC، وقناة العربية الإخبارية. كما أسسوا شركة إنتاجٍ خاصة بهم، باسم The Base Productions.

أمين فاري

بالإضافة إلى تميزه بسمة خاصة في عالم موسيقى الجاز وغنائه مع فرقة روك آند رول (The Water Towers)، يكتب الفنان الكويتي- البورتريكي، أمين فاري، أيضاً عمود موسيقي في إحدى المدونات المحلية الشهيرة، ليثقف القراء ولمساعدتهم في مواكبة آخر التطورات والفرص في هذا النوع الأدبي. حتى أن فاري أختير من قِبل المجلس الوطني الكويتي للثقافة والفنون والآداب (NCCAL)، ليمثل المواهب الموسيقية المتنوعة في البلاد في تشيلي. درس الإنتاج في لوس انجلوس وتعلم كيفية إنشاء محتوى موسيقى وتسويق علامته التجارية. وبالتالي فهو أكثر ميلاً للأعمال التجارية من نظرائه. واليوم، يُدّرس الموسيقيين الأصغر سناً حول الجوانب التقنية لحرفتهم، ويتواصل مع المنتجين، ويعرض المواهب المحلية.

يمثل نموذجه المزج بين العمل والتعليم الأكاديمي. وفي نهاية المطاف، فإنه ينطوي على السمة السمعية والبصرية المبنية على الوعي، ونشر الأدوات الهامة حتى يتعلم الجمهور فهم هذه السمة والترويج الفعال لأجيال جديدة من الفنانين.

زاهد سلطان

قد لا يكون زاهد سلطان، رائد الأعمال والمنتج وصانع الأفلام والموسيقي المرخص من موقع فيفو، يحظى بذات المشاهدات على اليوتيوب مثل أبناء يوسف أو بالشهرة المحلية لأمين فاري، بل إن ما يفعله يتمتع بشهرةٍ دولية. فقد قدم منسق الأغاني الباريسي ستيفان بومبوناك، أغنية سلطان المنفردة الثانية ” I Want Her But I Don’t Want Her” في مقهى Hotel Costes المشهور دولياً. وفي عام 2004، دخل سلطان مسابقة ريمكس نظمها منسق الأغاني ساشا وشركة جلوبال أندرجراوند في لوس انجلوس وحصل على المركز الثالث. ونتيجةً لذلك، عرضت موسيقاه في برنامج الجريمة الأمريكي CSI. وقد تم ترخيص بعض أعماله الأخرى للفيلم (11.6، فرنسا) وظهر على منصات عالمية شهيرة مثل MTV Iggy وO2 Academy TV كفنان عربي ناشىء.

فاطمة القادري

ماذا تفعل إذا ما كنت من فناني الأنجلويتي ولا ترغب في التخفيف من حدة فنك لتخطي الرقابة المحلية؟ تتبع خطى فاطمة القادري، تصنع موسيقى موجهة بشكلٍ مباشر لجماهير عالمية. ففي عام 2014، خصصت صحيفة الجارديان مقالاً بأكمله “للموسيقى الإلكترونية الباردة كالجليد،” التي لا تزال “مكسونة بالقنابل وآبار النفط المحترقة.” وفي مقابلةٍ مع أكاديمية ريد بول للموسيقى، ناقشت القادري المشاكل التي تواجهها النساء الكويتيات في أن يصبحنّ منتجات أو مؤلفات في مجال الموسيقى، وأنهت حوارها بضحكة قائلةً “لا أعمل في مجال صناعة الموسيقى الكويتية، لذا أنا لست مضطرة للتعامل معها.”

Advertisement
Fanack Water Palestine