وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

الموسيقى الخليجية: تمازجٌ فريد بمؤثراتٍ هندية وإفريقية

الموسيقى الخليجية، الفريدة من نوعها في منطقة الخليج، تجمع بين التقاليد والحداثة، وتتميز بالآلات المستخدمة والإيقاعات وأسلوب التأليف الموسيقي واللهجة.

الموسيقى الخليجية
راقصون إماراتيون يرقصون على أنغام الموسيقى الخليجية في مهرجان بابل الثقافي بالعراق يوم 27 سبتمبر 1998. المصدر: KARIM SAHIB / AFP.

يوسف شرقاوي

تمتاز منطقة الخليج بغنىً موسيقي واسع نتج تاريخياً عن التواصل الثقافي والتجاري والسياسي والاقتصادي مع إفريقيا والهند وبلاد الفرس والمناطق الداخلية من شبه الجزيرة العربية. ومنذ أربعينيات القرن العشرين، استطاعت منطقة الخليج إظهار تراثٍ موسيقي فريد وخصوصية غنائية باتت تعرف باللون الخليجي.

وتتشابه موسيقى قطر والسعودية والإمارات وعمان والبحرين والكويت إلى حد صعوبة فصل موسيقى بلدٍ عن آخر. وبطبيعة الحال، فإن هذا التقارب الموسيقي يعود إلى التداخل الثقافي والتاريخي الوثيق بين هذه الدول.

التعريف بالموسيقى الخليجية

تجمع الموسيقى الخليجية أصداء الماضي وحركة التجديد. وعلى امتداد ما يزيد عن خمسة عقود من الزمن، أنتجت الموسيقى الخليجية مقطوعاتٍ وأغاني وأعمالاً هامة حظيت بقبولٍ واسع في عموم العالم العربي.

وتتفق المراجع على اعتبار الموسيقى المُنتجة في منطقة الخليج وبلهجتها كنوع من أنواع الموسيقى العربية. ووفقاً لموقع صوت الخليج، فقد أصبحت الموسيقى الخليجية على نحو متزايد مزيجاً متماثلاً يستحق تمييزه عن موسيقى العالم العربي المختلفة. وتتميز الموسيقى الخليجية عن موسيقى العالم العربي بجوانب متعددة، لا سيّما الآلات المستخدمة والإيقاعات وأسلوب التأليف الموسيقي واللهجة.

أنواع الموسيقى الخليجية وفنونها

يصنّف رولف كيليوس، أخصائي موسيقى الشعوب واستشاري المتاحف في مكتبة قطر الوطنية، أنواع الفنون الموسيقية الرئيسية وفقاً للبيئة الطبيعية. ويعني كيليوس بالبيئة الطبيعية الأرض والساحل على وجه التحديد، حيث يعيش الناس، إضافة إلى الأماكن التي يعود الموسيقيون بأصولهم إليها. ورغم اختلاف البيئات والمؤثرات، يرى كيليوس أنّ ثمة حلقة وصل تكمن بشكل رئيسي في أهمية الصوت، والنمط المتشابك اللافت للنظر، والاستخدام المكثف والمبدع للشعر.

ويقسّم كيليوس أنواع الموسيقى الخليجية إلى ثلاثة، هي: الفن الموسيقي المستمد من البحر، والفن الموسيقي المستمد من البر، والفن الموسيقي الإقليمي الذي تمتد جذوره إلى خارج منطقة الخليج.

الفن البحري

يضم الفن البحري أهم مجموعة من الأنواع الموسيقية. واتفق باحثا الفن البحري بول روفسينغ أولسن وأولريش فاجنر على أن موسيقى صيادي اللؤلؤ كانت “أكثر الإبداعات الموسيقية تطوراً في المنطقة”.

ويقسم معظم العلماء، وفقاً لكيليوس، أنواع الفن البحري إلى أغاني العمل (والتي كانت في السابق أهم مجموعة وكانت تمارس على ظهر المركب) وموسيقى أوقات الفراغ التي تسمى “الفجري”. وتتكون موسيقى العمل والفجري من أنواع فرعية وأغانٍ عديدة ومختلفة.

ويتم تقديم فن الفجري في بداية موسم صيد اللؤلؤ وختامه وعلى السفن التجارية الكبيرة. وما يزال تداول هذا الفن مستمراً بين أحفاد البحارة، وهم يقومون بذلك في غرف مخصصة في بيوتٍ خاصة.

ويرتبط فن الفجري بفنون السَمَر الجماعية التي اعتاد عمال البحر القيام بها. ويطلق البعض على هذا الطابع الموسيقي اسم موسيقى الغوص. وبحسب صحيفة الاتحاد الإماراتية، فإننا عندما نستمع إلى التسجيلات العشوائية التي احتفظت بها الإذاعات الخليجية، فإنه يمكننا أن نسمع فيها “صوت النهام وتلون إيقاع حنجرته، وهدير البحر وأهواله، ومعاناة الغواصين وحنينهم للأهل. ونسمع أيضاً صرير الصواري وضربات المجاديف ورفع الأشرعة وجر المراسي”. وتجدر الإشارة إلى أن اعتماد فن الفجري على ثمانية عشر مقاماً موسيقياً. كما أن إيقاعات هذا الفن تتميز بطابعها التعبيري.

وإلى جانب فن الفجري البحري، يضيف كيليوس فناً موسيقياً ثانياً يُسمّى بـ “الصوت”، وهو “فنٌّ موسيقي حضري يجمع بين مؤثرات مجتمعات البدو والصيد من ناحية، والموسيقى الواردة من اليمن والسعودية ومصر من ناحية أخرى”.

ويتكون هذا الفن من عنصرين كما يجيء في الدراسة، هما نغمات وأسلوب عزف الآلة الوترية “العود”. ويستمد أسلوب العزف من الموسيقى العربية التقليدية، مصحوباً بتراكيب متعددة الإيقاعات وكلمات مأخوذة عن التقاليد الموسيقية للمجتمعات الخليجية.

الفن البري

تفرّق ليزا أوركيفيتش، وهي دكتورةٌ متخصصة تراث وموسيقى شبه الجزيرة العربية، بين مؤثرات مجتمعات البدو والحضر في هذا الفن.

ومن أنواع الفن البري نذكر “العرضة“، وهي نوع الغناء الراقص السائد عند القبائل في المنطقة. من آلاته الموسيقية الطبل البحري والطار.

وتُعد العرضة من أشهر الفنون الشعبية في المجتمع السعودي. وقد نالت اهتماماً في الحفل السنوي للتراث العالمي في جامعة أنديانا التابعة لمدينة ساوث بند، حين أدّاها طلابٌ خليجيون.

كما ظهرت العرضة كإحدى فقرات حفل افتتاح مونديال قطر.

الفن الإقليمي

تمتد جذور هذا الفن إلى خارج منطقة الخليج. وتمتد جذور مَن يقدّمون الأنواع الفنية فيه مثل الليوة والهبان والطنبورة، إلى ثقافات شرق إفريقيا وبلاد فارس. إلا أنّ هؤلاء انصهروا بمرور الزمن في الثقافة الإقليمية لمنطقة الخليج.

ويحتفظ فن “الليوة” بسمتين بارزتين من أصله الإفريقي، هما الإيقاع الأساس العام واستمرارية بعض العبارات السواحلية في نصوصه الغنائية. والليوة رقصةٌ جماعية تصاحبها آلات إيقاعية وآلة نفخ رئيسية يطلق عليها في منطقة الخليج اسم “صرناي” أو “زمر”.

ويُرجع كيليوس أصل الليوة إلى ساحل شرق أفريقيا، لاسيّما تنزانيا وكينيا. أما الطنبورة فيرد أصولها إلى جنوب مصر والسودان. ويعزو كيليوس أصول “الهبان” إلى الساحل الإيراني. والهبان آلةٌ موسيقية تُصنع من جلد الماعز، يُرقص على أنغامها رقصة تحمل اسمها.

أما الطنبورة فهي عبارة عن قيثارة مثلثة. ويشير اسم الطنبورة إلى نوع الفن الموسيقي الراقص، وهو من فنون الزار وله طقوسٌ خاصة تزاول في بيوت خاصة تسمى “المكيد” يديره رجل يسمى “راعي المكيد”. ويزاول هذا النوع من الفنون في جميع بلدان الخليج. كما يزاول في النوبة في مصر وليبيا وتونس والجزائر والمغرب، بطقوسٍ مختلفة عن طقوس الخليج.

جديرٌ بالذكر أنّ الموسيقار والباحث البحريني الراحل مجيد مرهون وضع كتاباً بعنوان “الموسيقى الشعبية في الخليج العربي” يشرح فيه الأنواع الفنية السالفة الذكر إلى جانب أنواع أخرى عديدة.

الأثر الهندي

الموسيقى الخليجية
صورة تم التقاطها يوم 1 نوفمبر 2017 لفرقة موسيقية كويتية أثناء تأدية إحدى الرقصات على الموسيقى التقليدية، وذلك على هامش فعالية تم تنظيمها في مركز اليرموك الثقافي بالعاصمة الكويتية الكويت. المصدر: Yasser Al-Zayyat / AFP.

ترجع العلاقات بين الهند ومنطقة الخليج إلى حضارة وادي السند. وتعتبر الهند أقرب الجيران المباشرين لمنطقة الخليج، إذ لا يستغرق زمن الرحلات بين المنطقتين ما يتراوح بين ثلاث وأربع ساعات. ويفترض البعض أنه كان هناك تبادلٌ تجاري بين منطقتي الخليج ووادي السند قبل 2500 سنة. ولا بد أنّ تأثراً ثقافياً وموسيقياً كان موجوداً كذلك.

ثمة حضورٌ للعود الهندي في منطقة الخليج، لاسيما في الكويت. ولهذا العود أثرٌ كبير في الموسيقى الكويتية.

ومع أنّ وجود العود الهندي اندثر في المنطقة، إلا أنّ روايات بعض المطربين القدماء تشير إلى ممارستهم للعزف على هذه الآلة.

وأشار المؤرخ أحمد البشر الرومي إلى أنّ عبد الله الفرج هو أول من جاء بالعود إلى الكويت من الهند، وكان عوده هندياً. وعاد الفرج، الذي تعلّم الموسيقى صغيراً في الهند، إلى الكويت بعد وفاة والده عام 1854 بسنوات قليلة.

ويذكر المطرب البحريني محمد زويد أنّ للعود اسماً ثانياً هو العود البمباوي “نسبة إلى مدينة مومباي الهندية”. وبحسب زويد، فقد عزف العديد من المطربين المشهورين على العود الهندي. كما أن لهذه الآلة أثراً ثقافياً وتاريخياً عميقاً في منطقة الخليج.

وإلى جانب العود، ثمة حضورٌ للطبل الهندي في الموسيقى الخليجية، وهو الطبل البحري الأسطواني. ويشير رولف كيليوس إلى أنّ طريقة العزف وأسلوبه يشبه العزف الهندي على مجموعة من الطبول تسمى دهولاً. وتذكّر الطبلة المسماة “الجهلة” أيضاً بإناء الطبل الجاثام الذي يستخدم في عزف موسيقى كارناتيك في جنوب الهند. ويقارن كيليوس أيضاً بين إيقاعات وأسلوب العزف على الطبل الخليجي الصغير ذي الرأسين المسمى “المرواس” وتلك الخاصة بطبل أودوكو المعروف في ولاية كيرالا الهندية.

الأثر الإفريقي

علاقة منطقة الخليج بالقارة الإفريقية في غاية القدم. وذكر المؤرخ ماثيو هوبر في كتابهعبيد سيد واحد: العولمة والرقيق في جزيرة العرب في عصر الإمبراطورية” أنه “مع ارتفاع الطلب العالمي على شراء التمور واللآلئ، ارتفع الطلب على الرق، وأتى غالبيتهم من شرق إفريقيا. ونتيجة لذلك، زاد انتقال الأفارقة إلى الخليج إلى حد كبير في تلك الفترة حتى مثلوا خُمس تعداد سكان شبه الجزيرة العربية في مطلع القرن العشرين”.

ويمكن تمييز الأثر الإفريقي في الموسيقى الخليجية، لا سيما البحرينية، من الاستخدام النموذجي للسلم الموسيقي الخماسي وإيقاعات 6/8 و 12/8.

وبحثت الدكتورة الإماراتية عائشة بالخير، الحاصلة على درجة الدكتوراه في التاريخ الاجتماعي لمدينة دبي، في ما أسمته التجربة الإفريقية – الإماراتية. وقالت إنّ الأفارقة ظلوا متمسكين رغم اندماجهم في المجتمع بأهم عنصر يميزهم عن غيرهم، بخلاف لون البشرة وهو: الموسيقى. وحسب بالخير، فإنّ رقصة الليوة ما زالت “تؤدّى بنفس طريقة البلدان الإفريقية، مثل تنزانيا وكينيا”.

وخدمت الموسيقى أهداف الخليجيين من أصول إفريقية، إذ أبقت على اتصالهم بأسلافهم. كما كانت الأغاني تؤدى غالباً باللغات الإفريقية (اللغة السواحيلية في المقام الأول)، مما جعل بعضها غير مفهومة للمتحدثين باللغة العربية.

إلى جانب ذلك، تشير بالخير إلى اعتياد بعض الغواصين الأفارقة الذهاب لمقر تواجد المجموعات الموسيقية مباشرة بعد عودتهم من رحلاتهم التي تستغرق شهوراً. وكان هؤلاء يقومون بذلك حتى قبل عودتهم إلى زوجاتهم وأبنائهم، وذلك لإشباع حنينهم إلى الموسيقى.

وختمت عائشة بالخير حديثها بالقول: “كثيرٌ من المطربين الخليجيين من أصول إفريقية، وخصوصاً النساء في القرن العشرين مثل: عايشة المرطة في الكويت، وموزة سعيد في الإمارات، وموزة خميس في عُمان، وعتاب في المملكة العربية السعودية. قد تحدّين الزمن؛ إذ كان من غير المقبول أن تغني النساء أو يظهرن أمام الرجال والعالم. أما الآن، فقد فتح هؤلاء الرواد الباب للمطربين الآخرين ليحذوا حذوهم”.

كلّ ذلك لم يساهم في أن تثبت الموسيقى الخليجية وجودها وحسب، بل زاد أيضاً من بريقها وسيرها بخطواتٍ ثابتة لتحظى بحضورٍ وقبولٍ واسع لدى أبناء منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.

Advertisement
Fanack Water Palestine