في أوائل ديسمبر 2018، توّج لاعب الإسكواش المصري كريم عبد الجواد بلقب بطولة بلاك بول للإسكواش المفتوحة في القاهرة، وهي بطولة دولية كبرى تتبع للاتحاد الدولي لمحترفي الإسكواش. كما كان الوصيف مصرياً أيضاً: علي فرج. وفي ربع النهائي ونصف النهائي، هزم عبد الجواد اللاعبين المصريين محمد الشوربجي وطارق مؤمن على التوالي.
إن هيمنة مصر على بطولةٍ دولية للاسكواش ليس بالأمر الفريد من نوعه، إذ يحتل الشوربجي صدارة الترتيب العالمي للإتحاد الدولي لمحترفي الإسكواش عن فئة الرجال، والفرج هو الثاني. وجاء مؤمن وعبد الجواد في المركز الرابع والتاسع على التوالي، بينما يُكمل مصري آخر، محمد أبو الغار، قائمة العشرة الأوائل.
كما أن تصنيف النساء مشابه، إذ تحتل مصرياتٌ المراكز الثلاثة الأولى، مع ما مجموعه أربعة مصريات في المراكز العشرة الأولى. ففي بطولة هونج كونج المفتوحة في ديسمبر، فازت رنيم الوليلي على مواطنتها نور الشربيني لتحتل المركز الأول.
إذاً، ما الذي يُغذي نجاح الإسكواش في مصر؟ إن كرة القدم هي الرياضة الأكثر شعبية على مستوى البلاد، ومع ذلك، فإن البلاد بعيدة كل البعد عن المسرح العالمي لكرة القدم، باستثناء نجاح نجم ليفربول، محمد صلاح. فلا توجد أي رياضة أخرى تجاري في نجاحها إنجازات الإسكواش.
نشأت رياضة الإسكواش في إنجلترا في القرن التاسع عشر، حيث انتشرت من هناك إلى دول الكومنولث وخارجها تحت تأثير بريطانيا، التي شيدت ملاعب الإسكواش لدبلوماسييها وضباطها. وبالتالي، جاء معظم لاعبي الإسكواش المحترفين من بلدانٍ ذات وجود بريطاني قوي مثل باكستان وماليزيا وأستراليا ونيوزيلندا ومصر. بدأت البطولات الدولية في الثلاثينات، وحتى آنذاك لعبت مصر دوراً قيادياً. فقد كان عبد الفتاح عمرو بك أحد أوائل الأبطال، وهو دبلوماسي مصري الذي بدأ اللعب خلال تقلده أحد المناصب في لندن، وأتى من بعده اللاعب محمود كريم.
وبعد عدة عقودٍ من تصدّر اللاعبين الباكستانيين للترتيب العالمي، صعد المصريون للهيمنة على اللعبة مرةً أخرى في التسعينيات. ويقول البعض أن حسني مبارك، الرئيس السابق ولاعب الاسكواش المتحمّس، كان له دورٌ أساسي في تعزيز الرياضة في مصر. فقد أحضر بطولةً دولية، بطولة الأهرام، إلى مصر في عام 1996 لأول مرة، إذ كان يمتلك ملعباً زجاجياً بُنيّ بالقرب من الأهرامات في الجيزة، وبثت البطولة على الهواء مباشرة على شاشة التلفزيون. كما هنأ مبارك شخصياً الفائز بالبطولة آنذاك، أحمد برادة.
وقال أشرف منير، المدير الإداري لأكاديمية الإسكواش في نادي الجزيرة الرياضي لفَنَك، “مع برادة أصبحت رياضة الإسكواش أكثر معرفةّ، وأصبحت أكثر شعبيةً منذ ذلك الحين.”
وتضمنت قائمة النجوم الجدد عمرو شبانة، الذي تدرب في الجزيرة، وفي وقتٍ لاحق رامي عاشور (الملقب بالفنان)، والذي يعتبر واحداً من أكثر اللاعبين موهبةً على الإطلاق. إذ قال عاشور ذات مرةٍ لصحيفة نيويورك تايمز “في مصر، لا نلتزم بالقواعد مثل الإنجليز أو الألمان أو [الأمريكيين]. يساعدنا هذا في الإسكواش.” وعادةً ما يُعرف اللاعبون المصريون بأسلوبهم الهجومي، “المصريون يهاجمون كل الوقت، بالضربات اللولبية ورد الكرات؛ بينما يلتزم البريطانيون بالأساسيات،” بحسب ما قاله منير، وهو لاعب سابق وصل إلى المركز السادس في التصنيف المصري.
وفي الآونة الأخيرة، برزت المرأة المصرية أيضاً في التصنيف العالمي. ووفقاً لمنير، “استلهموا النجاح من اللاعبين الرجال.”
يكمن جزءٌ من نجاح مصر في حقيقة أن اللاعبين الكبار يتركزون في القاهرة والإسكندرية وبالتالي يعيشون بالقرب من بعضهم البعض. فهم جميعاً جزءٌ من مجتمعٍ متماسك في النوادي الرياضية ويمكنهم التدرب بشكلٍ أفضل على أساسٍ منتظم.
وبهذا الصدد، قال منير “البُنية التحتية للنادي غاية في الأهمية. لديهم العديد من الملاعب وينظمون البطولات كل أسبوعين إلى ثلاثة أسابيع.” وأضاف “هذا يعني الكثير من المنافسة والممارسة.” وعلاوةً على ذلك، يُقال أن مصر تمتلك ثالث أكبر عددٍ من ملاعب الإسكواش في العالم.
كما يخلق وجود الأبطال في الأندية المصرية أيضاً زخماً هاماً للاعبين الشباب، إذ أن هناك دائماً نموذجاً يحتذى به من حولهم. وقال منير: “يشاهد اليافعون الأبطال من مصر في أنديتهم ويريدون أن يكونوا مثلهم،” وتابع القول “أصبحت اللعبة أكثر شعبيةً كل يوم. يشارك في البطولة الوطنية حوالي 1000 لاعب، إذ يعتبر هذا عدداً كبيراً.”
ويمكن للإسكواش أن تكون وسيلةً لتحقيق طموحات أخرى، فعلى سبيل المثال، ساهمت إنجازات علي فرج في الإسكواش في دراسته في جامعة هارفارد، كما حصل لاعبون آخرون على منحٍ دراسية في الخارج. ففي ظل الظروف الاقتصادية الصعبة والتعليم باهظ التكاليف في الديار، يحلم العديد من المصريين الشباب بالحصول على فرصٍ في الخارج.
وقال محفوظ ظاظا، وهو مدّرب في نادي الجزيرة منذ 30 عاماً، أن لعب الإسكواش في سنٍ صغيرة مفتاحٌ آخر للنجاح، إذ يقول “يمكن للأطفال البدء في اللعب في سن الخامسة. عليك أن تبدأ مبكراً في التدريب المحترف لتصل إلى القمة. ففي أوروبا، غالباً ما يبدأون اللعب في سن المراهقة، أي بعد فوات الأوان.”
ماريا، البالغة من العمر سبع سنوات، واحدةٌ من اللاعبات اللواتي يتدربن مع ظاظا. فقد قالت “رأيت أصدقائي يلعبون الإسكواش ويحبون اللعبة. كما رأيتها أيضاً على شاشة التلفزيون.” وأضافت “لذلك، انتقلت من الجمباز إلى الاسكواش. أنا أحبها، إذ يمكنني أن أتعلم الكثير من الأشياء الجديدة.” تلعب ماريا أربع مراتٍ في الأسبوع لمدة ساعة تقريباً، حيث تأتي من الجانب الآخر من المدينة للوصول إلى النادي.
وعلى الرغم من النجاح المستمر للاعبين المصريين، إلا أن الاستثمارات الحكومية ليست عاملاً مساهماً، بحسب قول منير، “بالكاد تذكر مقارنةً بالاستثمارات في كرة القدم.” وبدلاً من ذلك، تأتي التدفقات المالية من النوادي والرعاة، منها على سبيل المثال البنك التجاري الدولي وشركة حديد عز.
يجني كبار اللاعبين أرباحاً جيدة، “ليس كحال لاعبي التنس، إلا أنها لا تزال جيدة،” بحسب منير. يمكن أن يتجاوز مبلغ الجائزة في البطولات الدولية الكبرى 100 ألف دولار. بالإضافة إلى ذلك، يحصل لاعبو الإسكواش على رواتب من التدريب في الأندية ومن خلال الرعاية. غالباً ما تشتري النوادي الثلاثة الرئيسية – الأهلي ووادي دجلة (القاهرة) وسموحة (الإسكندرية) – لاعبين جيدين من النوادي الأخرى. فعلى سبيل المثال، كان عبد الجواد يلعب في الجزيرة لكنه انتقل إلى الأهلي. بينما يلعب كل من أبطال العالم، الشوربجي والشربيني في نادي سموحة.
ومع ذلك، يتمثل التهديد المحتمل لهيمنة مصر في حصرية هذه الرياضة. إن لعب الإسكواش يعني، إلى حدٍ كبير، القدرة على أن تصبح عضواً في أحد الأندية الخاصة. يتم نقل العضوية من جيلٍ إلى آخر، إذ يُكلّف شراء العضوية دون وجود صلاتٍ عائلية ثروة. وبالتالي، فإن وجود مجموعة من اللاعبين المحتملين للإسكواش تبقى محدودةً إلى حدٍ ما. لكن أولئك داخل هذه المجموعة يمكنهم الوصول إلى مرافق وفرص تدريب ذات مستوى عالمي.
وقال منير، “بعض الأندية تسمح بدخول غير الأعضاء وتختار لاعبيها منهم.” وأضاف “المزيد من اللاعبين يعني المزيد من الفرص.”
يعتقد منير أن مصر ستواصل هيمنتها على اللعبة في المستقبل القريب، “لا يزال عدد اللاعبين الصغار آخذٌ في التوسع.” وما دام هناك فتياتٌ أمثال ماريا يخترنّ لعب الإسكواش ويحصلنّ على تدريبٍ جيد، يبدو مستقبل مصر في الإسكواش مشرقاً.