وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

مصر: أوبرا القاهرة يملؤها الأمل بعد سنوات الثورة المتزعزعة

Specials- Cairo Opera House
Photo: Flickr

استضافت دار أوبرا القاهرة أربعة عروضٍ لرائعة الموسيقار الإيطالي العالمي جوزيبي فيردي (1813- 1901)، “أوبرا الحفل التنكري” (Un Ballo in Maschera) في فبراير 2019، في إنتاجٍ مشترك قدمته فرقة أوبرا القاهرة وأوركسترا أوبرا القاهرة وباليه أوبرا القاهرة وجوقة أوبرا القاهرة.

لعبت السوبرانو المسرحية، إيمان مصطفى، المدير الفني لفرقة أوبرا القاهرة وأبرز مغني الأوبرا في مصر، أحد الأدوار الرئيسية. كما لعب أعضاء نفس الفرقة أدوار شخصياتٍ رئيسية أخرى بمن فيهم رضا الوكيل وعمرو مدحت ورشا طلعت، في حين ظهر كل من أنطونيو كوريانو وماسيميليانو فيشيرا من إيطاليا وإيلينا باراموفا من بلغاريا في أدوار ضيوف الشرف.

وكتبت مصطفى في برنامج الأوبرا “الأوبرا أغنى فن يمزج بين الموسيقى والغناء والرقص والدراما.”

حضرنا في فَنَك أحد العروض. وعلى الرغم من أن وجود بعض المقاعد الفارغة، إلا أن القاعة الرئيسية التي تتسع لـ1200 مقعد كانت ممتلئة بشكلٍ جيد، وبدا الجمهور، الذي كان يرتدي البزات الرسمية وفساتين السهرة، مستمتعون بالأداء للغاية.

كل بضعة أشهر، تقدم الفرقة أحد عروض الأوبرا الكلاسيكية الأوروبية أو العربية. ففي ديسمبر 2018، تم تقديم أوبرا عايدة للموسيقار فيردي، بينما ستعرض في يونيو 2019 أوبرا أكسير الحب للموسيقار الإيطالي جايتانو دونيزيتي. كما كان عرض توراندوت للموسيقي جياكومو بوتشيني على قائمة العروض، وهو إنتاجٌ ضخم من المقرر أن يتم بالتعاون مع الصين، إلا أنه تم تأجيله.

عايدة والأيام الأولى للأوبرا في مصر

تحتل دار أوبرا القاهرة موقعاً متميزاً في العاصمة وفي مصر ككل لأكثر من قرن. ففي عام 1869، أمر الخديوي إسماعيل ببناء أول دار أوبرا في وسط القاهرة، احتفالاً بافتتاح قناة السويس.

كُلف فيردي بتأليف موسيقى أول عرض أوبرا يتم تقديمها هناك، والتي كانت عايدة. ومع ذلك، تأخر إنجاز العرض وتم تقديم عمل فيردي السابق، ريجوليتو، بدلاً من ذلك. عرضت عايدة لأول مرة في القاهرة عام 1871.

تعرضت دار الأوبرا للدمار بسبب حريقٍ إشتعل فيها في نفس العام. واليوم، يوجد مكانها موقف سياراتٍ متعدد الطوابق، على الرغم من أن الساحة المجاورة لا تزال تُسمى ساحة الأوبرا. بدأ بناء دار الأوبرا الحالية في الطرف الجنوبي من الجزيرة في النيل في عام 1985 واكتمل في عام 1988.

وعلى الرغم من وجود فرق أوبرا مصرية ودولية مختلطة تُقدم عروضها منذ فترةٍ طويلة في القاهرة، إلا أن أول فرقة أوبرا مصرية حصرية تأسست عام 1964، بعد تأسيس كونسرفتوار القاهرة في الخمسينيات. وبعد إحتراق دار الأوبرا القديمة، واصلت الفرقة تقديم عروضها في مسارح أخرى في القاهرة والإسكندرية.

النجاح في عالم الغناء

تعتبر إيمان مصطفى جزءٌ من جيلٍ ناجح من مغني الأوبرا الذين تخرجوا في الثمانينيات من المعهد وبدأوا بحصد ثمار الشهرة في السنوات الأولى لدار الأوبرا الجديدة.

كما ينتمي الباص باريتون عبد الوهاب السيد إلى هذا الجيل، وبحسب ما قاله لنا في فَنَك “في ذلك الوقت كان لدينا الكثير من الطلاب الجيدين، إلا أننا لم نمتلك مكاناً [مناسباً] للغناء، حيث أن دار الأوبرا القديمة احترقت.”

أرادت إحدى أساتذته تعزيز غناء الأوبرا في مصر وشكلت مجموعة من الشباب، حيث أعطتهم مرتباً شهرياً بسيطاً لتشجيعهم على متابعة الأوبرا كمهنة. وأضاف السيد: “طريقة غناء الأوبرا مختلفة تماماً عن الموسيقى الشرقية.”

وفيما بعد، حصل هو وإيمان مصطفى ورضا الوكيل وغيرهم على عقودٍ مع فرقة أوبرا القاهرة، إذ قال “بدأت بأدوار صغيرة وواصلت التطور تدريجياً، إلى أن تم افتتاح دار الأوبرا الجديدة وبدأنا في الاحتراف وبناء ذخيرة مجموعة من المسرحيات، بما في ذلك أول أوبرا عربية كاملة بعنوان أنس الوجود.”

تمتلك الفرقة حالياً مجموعة مسرحية مكونة من 32 إنتاجاً ومجموعة مغنيين دائمين يبلغ عدهم 32 فناناً، وذلك وفقاً للموقع الإلكتروني الرسمي. وقال السيد في هذا الصدد، “نشاط الأوبرا يسير على ما يرام، هناك تنوع في الأصوات.”

الاضطرابات بسبب الثورة

قاد المايسترو الإيطالي أندريا ألبرتيني أوركسترا أوبرا القاهرة في أوبرا الحفل التنكري. وفي مقابلةٍ مع صحفيةٍ محلية في مسقط رأسه، بادوفا، قال ألبرتيني أن الأمر استغرق الأوبرا المصرية خمس سنواتٍ لتتعافى في أعقاب ثورة عام 2011.

إذ قال “تتكون الأوركسترا من العديد من الشباب الذين يتمتعون بالقليل من الخبرة في الأوبرا إلا أنهم يتبعون جميع تعليماتي وهم متعاونون للغاية. أنا مندهش بشكل خاص من استعدادهم للتعلم.”

كما شهدت عازفة البيانو الفرنسية والمدربة الصوتية باسكال روزيه، التي عملت في مصر لمدة 24 عاماً وعُينت مديراً لجوقة أوبرا القاهرة في أغسطس 2018، فترةً “مليئة بالتحديات” للأوبرا أثناء الثورة وبعدها. تقع دار الأوبرا على بعد أقل من عشر دقائق سيراً على الأقدام من ميدان التحرير، النقطة المحورية في الاحتجاجات الجماهيرية والذي غالباً ما كان مسرحاً للاشتباكات العنيفة، حيث تجنب العديد من الجمهور الذهاب إلى الأوبرا لعدة سنوات.

كان حكم الإخوان المسلمين (2012-2013)، الذي شعر الفنانون أنه يشكل تهديداً للمشهد الثقافي في مصر، صعباً للغاية. في 30 مايو 2013، أي قبل شهرٍ من المظاهرات الحاشدة ضد الرئيس محمد مرسي، نظم الفنانون إضراباً احتجاجاً على طرد رئيسة دار الأوبرا إيناس عبد الدايم (وزيرة الثقافة الحالية). فقد قال وزير الثقافة في ذلك الوقت إنه يريد ضخ “دماء جديدة” في المشهد الثقافي. ومع ذلك، جاء الطرد وسط دعواتٍ في البرلمان لتخفيض ميزانية الأوبرا وحظر الباليه بسبب “عُريها،” إذ تم اعتبار ذلك على نطاقٍ واسع محاولةً من جانب الحكومة الإسلامية لممارسة المزيد من السيطرة الثقافية.

ومع ذلك، في السنوات القليلة الأخيرة، ارتفعت أعداد الجماهير مجدداً، كما قالت روزيه لنا في فَنَك، كما ازداد عدد الأشخاص الذين خضعوا لاختباراتٍ للإنضمام للجوقة.

تحدياتٍ مالية

على الرغم من هذا الإنتعاش، لا يزال التمويل يُشكل تحدياً. فأسعار التذاكر رخيصة الثمن مقارنةً بأوروبا، إذ بلغ سعر تذكرة أوبرا الحفلة التنكرية على سبيل المثال 250 جنيهاً (15 دولار)، أي ما لا يكفي تقريباً لتغطية الإنتاج، وبالتالي، تعتمد الأوبرا بدرجة كبيرة على التمويل الحكومي. وبالنظر إلى الأزمة الاقتصادية التي واجهتها مصر في السنوات الأخيرة، فإن الحكومة تعاني من نقصٍ في الميزانية بشكلٍ عام، وهذا يؤثر على الأوبرا أيضاً. فعلى سبيل المثال، لا توجد ميزانية لجوقة أكبر من 80 إلى 85 مغني كما هو الحال الآن، وفقاً لروزيه.

وأضافت روزيه، “يقبل المغنون من الخارج رسوماً أقل بكثير لتقديم عروضهم هنا من أوروبا، لأنهم يرغبون في تقديم العروض في مصر.” وغالباً ما يكون لدى العازفين الفرديين المحليين وظائف تعليمية إضافية للحصول على رواتب إضافية بجانب العمل في الأوبرا.

يتلقى المغنون في الجوقة مرتباً شهرياً أيضاً، إلا أنه لا يكفي للعيش، لذا دائماً ما تتم البروفات في المساء بعد أن ينهي الأشخاص وظائفهم اليومية.

اكتشاف مواهب جديدة

السيد، الذي لم يقدم عروضاً لمدة سبعة أشهر بسبب مشاكل في الصوت، هو أيضاً المسؤول عن مركز الأوبرا لتطوير المواهب، الذي افتتح في أوائل التسعينيات، إذ قال “كانوا يستكشفون المواهب من سن ست سنوات وما فوق وبدأوا بحصص في الكمان والبيانو والباليه.”

من هناك، توسّع المركز ويقدم الآن دروساً في مجموعة واسعة من الفنون، من غناء الأوبرا والموسيقى العربية إلى الآلات المختلفة والباليه والرسم، كما أن لديه فروعٌ في القاهرة والإسكندرية ودمنهور و طنطا وأكثر من 3200 طالب. يتم تمويله جزئياً من قبل الدولة وجزئياً عن طريق رسوم القبول.

وقال السيد، “أحب هذا المكان. تمنحني جميع هذه المواهب الأمل والطاقة.”

مادونا (21 عاماً)، أحد مواهب الجيل الصاعد، والتي شاركت في أوبرا الحفلة التنكرية كأحد أفراد الجوقة. وهي طالبة موسيقى عربية في أكاديمية القاهرة للفنون وانضمت إلى الجوقة بعد إجراء تجربة أداء عامة قبل عامين.

“أنا أحب الأوبرا، وإلى جانب ذلك، [الغناء في الجوقة] هي فرصة جيدة،” قالت لفَنَك. كما تأمل في أن تصبح، في غضون عام، مغنية منفردة في فرقة أوبرا القاهرة، إذ قالت: “الكثير من الناس يريدون هذا، لكني أشعر أني أمتلك فرصةً جيدة.”

كما أن روزيه معجبة أيضاً بالمواهب في الجوقة وبمصر بشكلٍ عام، إذ تقول: “يمتلك المصريون أصواتاً جميلة.” وأضافت “لدى رضا الوكيل صوتٌ ذو جودة عالمية، وصوت إيمان مصطفى جميلٌ جداً لا يوجد له مثيلٌ في العالم.”

كما تؤمن أنه يمكن التسويق للأوبرا على نحوٍ أفضل باعتبارها نقطة جذبٍ للسياحة، “ينبغي إدراجها في الكتيبات السياحية، يمكن لمصر أن تفخر بها.”

أحد الأسباب التي تجعل روزيه تحب العمل هي “الحماس والطاقة” التي تمنحها مصر للمطربين، وتأمل في أن تتمكن الأوبرا في المستقبل من إضافة إنتاجاتٍ جديدة إلى ذخيرتها من المسرحيات الموسيقية، إذ تقول، “يريد الجمهور أن يرى شيئاً جديداً.”

على الرغم من أن التمويل جزءٌ أساسي لتحقيق هذا، إلا أن هناك أمرٌ واحدٌ واضح: لا نقص في الحماس والمواهب في البلاد.

Advertisement
Fanack Water Palestine