الراي هو نوع موسيقي شعبي أوصل الموسيقى الجزائرية إلى الشهرة العالمية. نشأ هذا النوع في قرية صغيرة للرعاة في مدينة وهران في عشرينيات القرن العشرين. وفي ذلك الوقت، كانت البلاد مستعمرةً من قبل فرنسا وكان التمرد يتأجج في جميع أنحاء البلاد. ومع انضمام المزيد من الموسيقيين إلى مجموعات ثورية مناهضة للاستعمار والاشتراكية، أصبح الراي جزئاً من هتاف الثوّار.
تعني كلمة الراي باللغة العربية “الرأي،” إلا أن هذا النوع الموسيقي تأثر بشكلٍ كبير بالموسيقى الإسبانية والفرنسية والأفريقية. وكما يوحي الإسم، كان الراي وسيلةً للتعبير عن المعارضة للحكم الاستعماري الفرنسي والتقاليد الاجتماعية السائدة.
ما يميز الراي عن الأنواع الموسيقية الأخرى هو كونه مزيج من أنماط الموسيقى الريفية وموسيقى الملاهي الليلية. وعلاوةً على ذلك، تنسجم كلمات الأغاني مع جميع مناحي الحياة لدى الجزائريين، فقبل الحرب من أجل الاستقلال في الخمسينات، كانت تتمحور العديد من أغاني الراي بدايةً حول المستوطنين الفرنسيين الذين اقتلعوا المزارعين والفلاحين الجزائريين وسرقوا أراضيهم.
وعليه، كان معظم مغنيي الراي الأوائل من الرجال، لكن سرعان ما انضمت النساء إلى هذا الاتجاه، حيث كان أداءهن أمام جمهور مختلط الجنس يعدّ انتهاكاً للتقاليد الاجتماعية. ومع ذلك، كانت كلماتهم غالباً ما تنطوي على الشجاعة إلا أنها كانت في بعض الأحيان مبتذلة، مما أثار غضب المحافظين المسلمين في مجتمعهم.
فقد كانت الشيخه الريميتي واحدةً من الرواد في عالم الراي، حيث اشتهرت بأغنيتها “شاراك قاطع،” التي صدرت في عام 1954 وشجعت النساء الجزائريات الشابات على ممارسة الجنس. وكما هو متوقع، أغضبت الأغنية، المحافظين المسلمين. كما شوهتها أيضاً الحركة الاستقلالية، التي ادعت أن كلمات الأغنية تشوبها رذائل الإستعمار.
كما كانت الإشاعات أيضاً من المواضيع المشتركة لدى المغنيين، فقد غنت الريميتي ذات مرة: “كل الذين لا يثرثرون لن يجرحوني، إنها مثل الريح على الجبل.”
وعلى الرغم من شجاعتها، تم حظر موسيقى الرميتي من الإذاعة والتلفزيون بعد أن نالت الجزائر استقلالها في عام 1962. ومع ذلك، ظلت تتمتع بشعبية بين صفوف الطبقة العاملة من الجزائريين وكانت تُقدم عروضها في حفلاتٍ خاصة.
بشرت نهاية الاستعمار بعصرٍ جديد لمغني الراي، رغم أن البلاد أصبحت الآن خاضعةً لحكم الحزب الواحد. فقد كان الشاب مامي أول مغني راي يقدم عروضه خارج فرنسا أو الجزائر، أي في الولايات المتحدة الأمريكية. حتى أنه ظهر في أغنية ديزرت روز (Desert Rose’) للفنان ستينغ عام 1999.
ومع ذلك، كان الشاب خالد أبرز مغنّي الراي، الذي أصدر أول ألبوم له بعنوان الكوتشي خارج الجزائر وكان من أوائل الفنانين الجزائريين الذين كانوا يقدمون عروضاً بانتظام في فرنسا.
وكحال مامي وخالد، يستخدم فناني الراي الحديث لقب الشاب للذكر والشابة للأنثى، مما يعني الصغير في السن (الشباب). يُميز هذا اللقب المغنين المعاصرين عن الشيوخ مثل الريميتي، ممن سبقوهم.
وصلت أغاني الشاب خالد، مثل أغنية “ديدي” و”عايشة، إلى العالمية. وعلى الرغم من كونه أصبح نجماً، إلا أن الشاب خالد لم يتورع عن الغناء حول قضايا سياسية أو اجتماعية.
فخلال الاحتجاجات الطلابية بالجزائر في عام 1988، ردد المتظاهرون كلمات وين الهربة وين (أين المفر أين؟).
يقول الشاب خالد في الأغنية “الأغنياء يفرطون في تناول الطعام، والفقراء يعملون حتى الموت. يُظهر الدجالون المسلمون وجههم الحقيقي، يمكنك دوماً أن تشكي أو تبكي. أو تهرب… ولكن إلى أين؟”
دعم الشباب الجزائري داخل البلاد وفي الشتات موسيقى الراي. وكحال الشاب خالد، أرسل مغنو الراي الآخرون رسائل لا لبس فيها إلى النخبة الحاكمة والأصوليين الإسلاميين، الذين واصلوا خوض حرب أهلية دامت أكثر من عقدٍ من الزمان.
فقد اندلع الصراع في ديسمبر 1991، عندما ألغى الجيش الجزائري الانتخابات بعد فوز حزب الجبهة الإسلامية للإنقاذ في الجولة الأولى. قام الجيش بقمع الحزب واعتقال الآلاف من أعضائه، في حين استعدت الميليشيات الإسلامية لشن تمردٍ وحشي ضد الحكومة ومؤيديها.
فرّ العديد من مطربي الراي من البلاد واعتبروا أنه من الخطورة بمكان معارضةٌ أي من الجانبين. وفي نهاية المطاف، دفع أولئك الذين بقوا الثمن، ففي سبتمبر 1994، تم إطلاق النار على الشاب حسني، المعروف بملك الراي العاطفي، في حي قمبيطة في وهران، حيث ولد ونشأ.
وبعد أيامٍ من الحادثة، هرعت الشابة الزهوانية، التي تعاونت مع حسني في أول أغانية الضاربة في عام 1987، إلى المطار بعد حضور الجنازة. انضم فنانون آخرون، مثل الشابة فضيلة وزوجها الشاب صحراوي – المعروفون باسم سوني وشير الجزائر – إلى هجرة مغنيي الراي إلى باريس، حيث استمر معظمهم في تسجيل الأغاني.
وقالت الشابة فضيلة، وهي أم لثلاثة أطفال، لصحيفة الواشنطن بوست في عام 1995، “خفت أن يقتلوني.”
كان لديها سبب وجيه لتشعر بالخوف. فقد قُتل العديد من الفنانين الذين بقوا وراءهم بعد أشهرٍ من وفاة الشاب حسني. ففي مارس 1995، تم إطلاق النار على رشيد بابا أحمد، أحد أشهر منتجي الراي في ذلك الوقت، خارج استوديو التسجيل الخاص به.
إلا أن هذه الوفيات لم تقتل موسيقى الراي التي لا تزال تشكل عنصراً مركزياً ومهماً للثقافة الجزائرية، على الرغم من المنافسة القديمة مع المغرب حول من يملك هذا النوع. بدأ النزاع في أغسطس 2016، عندما تقدمت الجزائر بطلب إدراج الراي في قائمة اليونسكو للتراث غير المادي “كموسيقى شعبية جزائرية.”
وبعد فترةٍ وجيزة، أعلن المغرب أنه سيقدم طلباً لليونسكو لإدراج الراي كموسيقى شعبية مغربية، على الرغم من أن ذلك لم يتم قط. ويمكن للمملكة أن تدعي من الناحية الفنية أن موسيقى الراي ملكٌ لها ذلك أن أراضيها كانت تضم شمال غرب الجزائر قبل الاستعمار الفرنسي.
ورغم أن المغرب يقيم المهرجان الدولي السنوي لموسيقى الراي في مدينة وجدة، إلا أن معظم المعجبين يربطون هذا النوع الموسيقي بالجزائر. بغض النظر عن الجغرافيا، يتفق معظم الناس على أن الراي يتميز بسعيه لتجاوز حدودٍ جديدة. وهذا رأيٌ- أو راي- يتشارك به الشباب، والمحبون، والفقراء، وحتى مغنيو الراي أنفسهم.