وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

مصارعة الزيت في تركيا: كل ما تحتاج إلى معرفته

Wrestling turkey
مصارعون يرتدون سراويل قصيرة من الجلد أثناء بطولة قيرق بينار الـ25 لمصارعة الزيت، التي نظمتها بلدية ألتنداغ في العاصمة أنقرة في 15 سبتمبر 2019. Photo: Adem ALTAN / AFP

يقع واحدٌ من أشهر كنوز تركيا داخل منطقة الأناضول؛ مصارعة الزيت ليست للجبناء: رجالٌ أٌقوياء البُنية يدهنون أجسادهم، من الرأس إلى أخمص القدمين، بزيت الزيتون ولا يرتدون سوى سراويل قصيرة ضيقة مصنوعة من جلد العجول أو الجواميس، يتصارعون ليظفروا بلقب البطل في واحدة من أكثر المنافسات شهرةً في تركيا.

ففي كل عامٍ من شهر يونيو بالقرب من أدرنة، التي كانت يوماً ما عاصمةً عثمانية والواقعة غرب تركيا، تُقام بطولة مصارعة زيت قيرق بينار – الأهم في البلاد. على العشب، يتنافس المصارعان المغطان بالزيت، وعلى عكس أشكال المصارعة الأكثر شيوعاً، ليرفع أحدهما الآخر في الهواء إلى أن “يصبح بطنه في مواجهة السماء.” وبصرف النظر عن الزيت وعدم وجود حلبة مصارعة تقليدية ينبغي على المصارعين البقاء داخلها، ميزة بارزة أخرى لمصارعة الزيت هي طول المُنازلة، إذ أنه مع عدم وجود حد زمني محدد في الأصل، كانت بعض النزالات تستمر لساعات؛ وفي السنوات الأخيرة، تم تحديد الوقت بـ40 دقيقة. تم تقديم حوالي ثلاثة أطنان من زيت الزيتون لمسابقة قيرق بينار لعام 2019؛ ومن الواضح أن هذه الرياضة لا تضر بالاقتصاد الوطني المنتج للزيت.

من الواضح أن الزيت يعمل كمادة مزلّقة أثناء القتال، مما يمنع أي من المصارعين من تأمين قبضة سهلة على خصمهم. وبالمثل، مع عقد جميع المنازلات في نفس الملعب العشبي، سرعان ما تصبح التربة متشبعة بالزيت، مما يزيد من صعوبة ثبات أقدام المصارعين ويسفر عن مشاهد كوميدية في بعض الأحيان. “الكيسبيت،” أو السراويل الجلدية، هي الفرصة الوحيدة للمصارعين ليتمكنوا من الإمساك ببعضهم البعض. تلتصق هذه السراويل الجلدية بإحكامٍ على الجلد، لكن يمكن ليد الخصم المليئة بالزيت الانزلاق داخل السروال بسهولة (وهي حركة مسموحة) ليحصل على سحبٍ إضافي. هنا تبرز بعض القوانين القليلة لهذه الرياضة، حيث يُحظر على المقاتلين لمس الأعضاء التناسلية لخصومهم. كما أن سروال الكيسبيت تشبه قمصان لاعبي كرة القدم، حيث غالباً ما يزين اسم المصارع وبلدته السروال من الخلف بقطعٍ معدنية.

جذورٌ أسطورية

في عام 2001، تم الاعتراف ببطولة المصارعة في قيرق بينار من قبل موسوعة غينيس للأرقام القياسية كأقدم مسابقةٍ رياضية في العالم. يقال إن بطولة قيرق بينار تقام سنوياً منذ منتصف القرن الرابع عشر، مما يجعلها أكبر بعدة قرون من الألعاب الأولمبية الحديثة، حيث يجتمع الآلاف من المصارعين كل عام للتنافس على اللقب.

جذور المنافسة منغمسة بالأساطير، إذ يُقال أن تاريخها يعود إلى الحملة العثمانية عام 1346 في تراقيا، عندما تصارع جنديان حتى الموت في نزالٍ في أدرنة. وبينما يتوج أبطال العصر الحديث بجوائز نقدية وحزامٍ ذهبي، كان يتم إهداء الفائزين في العهد العثماني خيولاً أصيلة أو إبلاً أو ثيراناً.

ومع ذلك، على الرغم من الجاذبية المالية للجائزة، يمكن القول إن المكافأة الكبرى هي المكانة التي تصاحب تتويج الفائز.

ثقافة أكثر من كونها رياضة؟

تكمن الأهمية الثقافية لهذه الرياضة في إدراج بطولة قيرق بينار في قائمة اليونسكو ضمن “التراث الثقافي غير المادي” للإنسانية.

يتم الإشادة بالمصارعة، التي تعدّ الرياضة الوطنية غير الرسمية لتركيا، إلى جانب كونها “رياضةً متوارثةً من الأسلاف،” باعتبارها مصارعة أناضولية خالصة، والتي تميز تركيا في المنطقة (اليونان هي الدولة الوحيدة التي تواصل ممارسة مصارعة الزيت بطريقةٍ مماثلة). علاوةً على ذلك، وبما أنه لم تطرأ عليها أي تغييراتٍ منذ عدة قرون، تمثل الرياضة رابطاً مهماً بالماضي في فترة تحولت فيها السياسة التركية إلى تمجيد تاريخ تركيا العظيم، بدلاً من وعدها الجمهوري.

بصرف النظر عن وضعها الرسمي، فإن ظهور مصارعة الزيت في الثقافة التركية ليس مفاجئاً نظراً للقيم التي تمثلها. ففي المقام الأول، تعتبر الرياضة عرضاً علنياً للقوة الذكورية والبراعة الجسدية، والتي، بالنظر إلى هوس تركيا بالرجولة (حتى في الأوساط القضائية)، بات من السهل معرفة سبب استمرار الإشادة بها. ومع ذلك، في الوقت الذي يعود فيه زعيم البلاد إلى الرسوم الكاريكاتورية التاريخية العنيفة مثل “الصفعة العثمانية،” تقدم مصارعة الزيت أيضاً نظرة تكميلية للمروءة العثمانية، حيث يتوقع من المتسابق الفائز رفع خصمه عن الأرض بعد انتهاء النزال.

تقليدٌ قديم تمت إعادة إحيائه اليوم

على الرغم من كونها رياضةً قديمة، إلا أن مصارعة الزيت أوجدت لنفسها مكانةً ثقافية مهمة في تركيا الحديثة ولا زالت تحمل ثقلاً بالنسبة لأولئك الذين يحلمون بأن يصبحوا أبطال قيرق بينار، كما أرست مصارعة الزيت جذور الحركات الرياضية الأخرى. ولا شك أن ارتباط الرياضيين الأولمبيين المعاصرين في تركيا يميل بقوة نحو المصارعة، ويرتبط بلا شك بمكانة المصارعة في الألعاب الرياضية التركية التقليدية. ففي الألعاب الأولمبية لعام 2016 في ريو، حصل المصارعون الأتراك على خمس ميداليات (بما في ذلك ميدالية ذهبية)، وهو ما يمثل حصة الأسد من إجمالي سبع ميداليات تركية في المنافسات.

وكما هو الحال في الألعاب الأولمبية، فإن قلة قليلة من مصارعي الزيت يكسبون عيشهم من هذه الرياضة – ففي عام 2019، حصل الفائز على جائزةٍ قدرها 51000 ليرة (أي أقل بقليل من 9000 دولار) – لكن بالنسبة إلى أكثرهم نجاحاً، فإن الشهرة والاحترام والمكانة الأسطورية ما يعادل فعلياً جائزةً طوال الحياة.

وللأسف، مصارعة الزيت ليست محصنةً ضد ويلات الرياضة الحديثة، ففي عام 2013، تم استبعاد العديد من الرياضيين بسبب تعاطي المنشطات. ومع ذلك، فإن سحابة صيف مثل هذه الفضيحة لم تفعل ما يُذكر لكبح جماح حماس العديد من الأتراك تجاه هذه الرياضة القتالية القديمة. فمن خلال تجسيدها للأساطير والتقاليد والسمة المعروفة على الفور للثقافة التركية، من المؤكد أن مصارعة الزيت ستظل ثابتةً في التقويم الرياضي التركي للأجيال القادمة.

Advertisement
Fanack Water Palestine