وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

نواف الأحمد الجابر الصباح (2020-2023): أمير العفو في زمن الأزمات

بينما ركّز الأمير الشيخ صباح الأحمد على المستوى الدولي، اهتم خَلَفه الأمير نواف الأحمد الجابر الصباح، الذي لُقّب بأمير العفو، بحل الأزمة السياسية في الكويت. ورغم ما بذله الأمير من مصالحات في عهده، ما تزال الكويت في حاجة إلى مزيد من الإصلاحات في كثير من المجالات. وتشير التوقعات إلى أنّ خليفته الأمير مشعل الأحمد الجابر الصباح سيقود البلاد في اتجاه جديد.

نواف الأحمد الصباح
صورة لأمير الكويت الراحل نواف الأحمد الجابر الصباح رسمتها الطائرات المسيّرة فوق الجزيرة الخضراء قبالة سواحل مدينة الكويت في 16 فبراير 2023، وذلك ضمن احتفالات البلاد بالذكرى الثانية والستين لعيد الاستقلال والذكرى الثانية والثلاثين لنهاية حرب الخليج وتحرير الكويت. Yasser Al-Zayyat / AFP

“هادئ وورع ومتواضع وقليل الظهور”، هكذا وصف بدر السيف أستاذ التاريخ المساعد بجامعة الكويت أمير الكويت الراحل الشيخ نواف الأحمد الجابر الصباح، وهو وصف يتفق عليه كثير من الكويتيين بحق الحاكم السادس عشر للبلاد.

أما إنجازاته، فليس من السهل أن نجد شهادات عليها. وربما يرجع ذلك إلى فترة حكمه الوجيزة. وربما يتعلق الأمر أيضاً بحالته الصحية الضعيفة التي دفعته إلى تفويض معظم سلطاته إلى ولي عهده وأخيه غير الشقيق مشعل الأحمد الجابر الصباح الذي خَلَفه أميراً للكويت في ديسمبر 2023. ولكن المؤكد في ذلك أنّه ورث بلداً يعاني شللاً سياسياً صار التغيير فيه أصعب من أي وقت مضى.

خلفية

وُلد الشيخ نواف عام 1937، وهو الابن السادس لحاكم الكويت العاشر أحمد الجابر الصباح وزوجته اليمامة. وقد أكمل نواف دراسته الثانوية، لكنه لم يتم مرحلة التعليم العالي.
بدأ الشيخ نواف مسيرته السياسية عام 1962 محافظاً لمحافظة حَوَلِّي، ثم عُيّن وزيراً للداخلية عام 1978 ثم وزيراً للدفاع عام 1988.

تعرّض الأمير لانتقادات شديدة في منصب وزير الدفاع بسبب أدائه الضعيف في أثناء الغزو العراقي. ورغم إحاطة هذه الحادثة بالسرية، كما هو الحال مع كل القضايا الحساسة التي تمسّ أفراد العائلة الحاكمة، فإنّه يُزعم أنّه أمر الدبابات الكويتية بالانسحاب من الحدود أمام توغل قوات صدام، وأنّه أمر الجيش الكويتي كذلك بالامتناع عن إطلاق النار. وقد أجرت الكويت تحقيقاً في تلك الواقعة، ولكن نتائجه لم تُنشر.

وبعد الحرب، تولى الشيخ نواف وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، وهو ما يُعد منصباً أقل منزلةً من سابقيه. وفي عام 1994، عُيّن نائباً لرئيس الحرس الوطني، ثم عاد للحكومة مرة أخرى عام 2003 وزيراً للداخلية. وفي عام 2006، عُيّن ولياً للعهد في عهد الأمير صباح الأحمد الجابر الصباح، ثم تولى الحكم أخيراً عام 2020 في وقت كانت تعاني البلاد فيه بيئة سياسية هشة.

البيئة السياسية الكويتية في عهد الأمير نواف

نواف الأحمد الصباح
أمير الكويت آنذاك الشيخ نواف الأحمد الجابر الصباح قبل خطابه في افتتاح دور الانعقاد العادي الخامس في مجلس الأمة، 20 أكتوير 2020.
YASSER AL-ZAYYAT / AFP

تولى الشيخ نواف منصبه خلفاً للشيخ صباح في خضم جائحة كورونا، والأهم من ذلك أنّه تولى الحكم في ظل أزمة سياسية واقتصادية واجتماعية مزمنة. وتتمثل هذه الأزمة في الإنفاق الضخم وغير الفعال على الإعانات والخدمات المدنية، وضغط نواب مجلس الأمة على الدولة من أجل شراء ديون المواطنين الكويتيين.

وفوق ذلك، كانت بعض الخدمات العامة مثل البنية التحتية والرعاية الصحية والتعليم في حالة متدهورة. كما انتشر الفساد في جوانب مختلفة بحسب ما تبيّن من عدة حالات كبرى تمس مسؤولين كبار في الدولة. وتُعد الكويت الأسوأ بين دول الخليج على صعيد مكافحة الفساد وفقاً لمؤشر مدركات الفساد لعام 2022 الصادر عن منظمة الشفافية الدولية.

وعلاوة على ذلك، فإنّ الكويت تجد صعوبة في تنويع اقتصادها بدل الاعتماد على النفط، ما يجعلها متأخرة عن دول الخليج الأخرى التي بدأت بالفعل في تطبيق رؤاها المستقبلية. فقد شرعت دول مجلس التعاون الخليجي الأخرى في تطبيق إصلاحات هيكلية لتعزيز القطاعات غير النفطية مثل قطاع الصناعات المحلية والسياحة لجذب الاستثمارات الأجنبية، لكن الكويت لم تحزر سوى “تقدم محدود” في مثل هذه الإصلاحات. ويُرجع البنك الدولي ذلك إلى الأزمة بين الحكومة ومجلس الأمة. كما تحتل الكويت أيضاً المرتبة الأخيرة بين دول مجلس التعاون الخليجي في مؤشر التنويع الاقتصادي العالمي لعام 2023.

يثير كل ذلك تساؤلات عديدة عن تأخر الكويت عن بقية دول الخليج، على الأقل من الناحية الاقتصادية. وعادةً ما يُنتقد النظام الديمقراطي في الكويت باعتباره السبب في ذلك التأخر. فقد تحوّل مجلس الأمة المنتخب والقوي منذ التسعينيات إلى وسيلة يستخدمها بعض أعضاءه من أجل تحقيق مصالحهم، ومن بينهم أفراد من العائلة الحاكمة.

فلم تعد خلافات العائلة الحاكمة مجرد دسائس تُحاك خلف الأبواب المغلقة، بل تحوّلت إلى حرب بالوكالة بين مجلس الأمة والحكومة. إذ تشير دراسات إلى أنّ أفراداً من العائلة الحاكمة يستخدمون مجلس الأمة لتحقيق أجنداتهم التي تتلخص في الوصول العرش. وقد أصبحت هذه الأجندة أكثر إلحاحاً في عهد الأمير نواف وولي عهده، وكلاهما قد بلغ الثمانينيات من عمره، وهما بذلك آخر من يتولى العرش من جيلهما.

ومع اقتراب تسليم قيادة الكويت إلى جيل جديد، حاول نواف الحفاظ على الاستقرار في وقت صار فيه أفراد العائلة الحاكمة أكثر حرصاً من ذي قبل على الجائزة الكبرى: عرش الإمارة.

فقد أخذ الجيل الأصغر يطرق أبواب السلطة على مدار سنوات، ومنه على الأقل خصمان معروفان. ويُزعم أنّهما قد حاولا في سعيهما إلى ذلك تسوية خلافاتهما عبر الحكومة ومجلس الأمة.

فمن ناحية، نجد بعض أفراد العائلة الحاكمة يدعمون الحكومة أو يشغلون مناصب فيها، ومن ثمّ يدعمون أعضاء مجلس الأمة الداعمين للحكومة. وفي المقابل، نجد فريقاً يناهض الحكومة ويدعم أعضاء مجلس الأمة المعارضين لها. وهذا الدعم لا يعني بالضرورة أنَهم يؤيدون أفكار أولئك النواب، ولكن الهدف منه عرقلة عمل الدولة.

ويتهم كل فريق الآخر بسوء الإدارة والفساد. ويبدو أنّ الغرض الرئيسي من ذلك هو “إقصاء وإضعاف كل أفراد العائلة الحاكمة حتى يكون الطريق ممهداً لفرد بعينه ليكون حاكم الكويت المقبل”، بحسب ما قاله طالب كويتي يدرس العلوم السياسية وفضّل عدم الكشف عن هويته.

وهذا يعني أنّ ما يُعد صراعاً بين الحكومة ومجلس الأمة المعارض في أغلبيته ليس نتيجة اختلاف في الأيديولوجيات فحسب، بل هو صراع خفي على السلطة بين أفراد العائلة الحاكمة.

وإلى جانب كون مجلس الأمة ساحة للصراعات بين أفراد العائلة الحاكمة، فإنّ أعضاءه يركّزون فقط على مصالحهم (ومصالح من يصوتون لهم)، وهو ما يؤدي إلى مطالب غير واقعية وسياسات هامشية. وحين تخرج الأمور عن السيطرة، تستقيل الحكومة ويُحلّ مجلس الأمة ثم تُعاد الكرّة من جديد.

وشهد عهد الأمير نواف ثلاث برلمانات وثماني حكومات، كما شمل أحداثاً سيئة في تاريخ مجلس الأمة الكويتي مثل: إبطال انتخابات عام 2022، وإعادة برلمان 2021، والانتخابات الجديدة في عام 2023، والتي شهدت فوز “المعارضة” التي تضم الإسلاميين، وكذلك النائب المحنك أحمد السعدون.

وفي خطابه بعد انتخابات أكتوبر 2023، دعا ولي العهد الشيخ مشعل مجلس الأمة الجديد إلى وقف المشاحنات والكفّ عن توجيه مطالب غير واقعية ومضرة مالياً.

ويبدو حتى الآن أنّ تلك الكلمة لم تجد من يصغي لها. فلم يتفق نواب مجلس الأمة على ائتلاف ناجع، وما زال أعضاؤه يصرّون على تقديم مطالب غير واقعية مثل زيادة المعاشات أو شراء ديون المواطنين المصرفية. ويؤدي كل ذلك إلى مزيد من النقاشات والغضب بين الحكومة والمجلس ومن ثمّ يعطّل عمل الدولة.

وقد حذّر الخبراء من الموافقة على مثل تلك المطالب لأنّها غير مستدامة لمستقبل الكويت وتضرّ بالمالية العامة للبلاد. كما أنّ هذه الشعبوية تمنع الدولة عن المضيّ قدماً في إصلاحات هي في أمسّ الحاجة إليها، إذ أدركت حتى الدول النفطية مثل الكويت أنّها بحاجة إلى الابتعاد عن النفط.

أمير العفو

أجرى الأمير نواف مصالحات عديدة سعياً إلى حل الأزمة السياسية في الكويت. فطرد العناصر الفاسدة من الحكومة والمناصب الوزارية العليا وغيرها من المؤسسات الحكومية. ووُجّهت الاتهامات إلى وزراء سابقين وضباط رفيعي المستوى. وبعد ضغوط من مجلس الأمة، عيّن الأمير نواف ابنه أحمد النواف في منصب رئيس الوزراء خلفاً لصباح الخالد الصباح.

ولكن لم تفلح أي من هذه الإجراءات في حل الأزمة العميقة. بل اتُهم رئيس الوزراء أحمد النواف بالضعف وظلّ عُرضةً للانتقادات منذ تولى مهام منصبه.

وفي محاولة لاسترضاء قوى المعارضة في مجلس الأمة وحل أزمة حكومية كبرى أخرى، أصدر الأمير نواف عام 2021 مرسوماً بالعفو عن أكثر من ثلاثين معارضاً سياسياً وتخفيف الأحكام الصادرة بحق بعضهم، ومن بينهم أفراد من العائلة الحاكمة كانوا قد أُدينوا بإهانة الأمير السابق.

وقبل تدهور صحة الأمير بفترة وجيزة، أصدر مرسوماً آخر بالعفو عن السجناء السياسيين.

وقال بدر السيف عبر حسابه على موقع إكس: “يُلقّب في الكويت بأمير العفو. فلم يذهب أحد في تاريخ الكويت الحديث إلى هذا الحد من أجل التقارب مع الجانب الآخر والانفتاح عليه”.

ومع ذلك، فقد أثارت سياسة العفو بعض التساؤلات الحساسة. إذ يرى طالب العلوم السياسية أنّ العفو كان “عن متهمين بدعم المنظمات الإرهابية… الذين كانوا يخططون لانقلاب عسكري مسلح”. وكما هو الحال في أمور كثيرة، تختلف الآراء ووجهات النظر في الكويت بحسب اختلاف التحيزات.

لاعبو نادي العربي يرفعون لافتة كبيرة تكريماً لأمير الكويت الراحل الشيخ نواف الأحمد الجابر الصباح قبل مباراة في دوري نجوم قطر موسم 23/24 بين السد والعربي على ملعب جاسم بن حمد في العاصمة القطرية الدوحة في 17 ديسمبر 2023. Noushad Thekkayil / NurPhoto / NurPhoto via AFP

الساحة الدولية

وعلى المستوى الدولي سار الشيخ نواف على درب سلفه صباح الأحمد الجابر الصباح الذي كان دبلوماسياً له مكانة مرموقة وسعى إلى تحقيق الاستقرار في المنطقة وحافظ على علاقات جيدة مع إيران والسعودية. ولكن ولي العهد الأمير مشعل هو الذي تولى رسم خطوط العلاقات الدولية وتحديد مصالح الكويت الخارجية. وقد سافر ولي العهد إلى السعودية عدة مرات وزار الصين في سبتمبر 2023. ومن المتوقع أن تتعزز العلاقات مع البلدين في المستقبل.

أما عن موقف الكويت من الحرب على غزة التي اندلعت قبل أسابيع قليلة من دخول الشيخ نواف إلى المستشفى، فقد صرّح وزير الخارجية الكويتي بأنّ بلاده ترفض “بشكل قاطع” دعوات إسرائيل لتهجير الفلسطينيين من قطاع غزة، كما ندد بالتصعيد المستمر والقصف العشوائي. ومن الجدير بالذكر أنّ الكويت لطالما كانت تعارض بشدة تطبيع العلاقات مع إسرائيل، بخلاف بعض دول الخليج مثل الإمارات والبحرين، وصار موقفها الآن أشد من أي وقت مضى.

Advertisement
Fanack Water Palestine