وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

سمر بدوي، رمزٌ للسعوديين الرافضين لوصاية ولي الأمر

في أواخر يوليو 2018، كانت سمر بدوي واحدة من مجموعة النساء اللاتي اعتقلتهن السلطات في المملكة العربية السعودية مؤخراً. فقد شنت المملكة حملة قمعٍ مكثفة على المدافعين عن حقوق الإنسان بشكلٍ عام، ونشطاء حقوق المرأة على وجه التحديد، ورجال الدين من بين فئاتٍ أخرى. تعتبر سمر بدوي، التي تنحدر من عائلةٍ بعلاقاتٍ أسرية سيئة، مدافعةً معروفة عن حقوق المرأة والتي كافحت ضد نظام وصاية ولي الأمر، وحظر القيادة والسلطة الذكورية بشكلٍ عام.

شجاعةٌ وجريئة، أفضل وصفٍ لسمر بدوي ونضالها المستمر من أجل العدالة وحقوق المرأة. فقد بدأ الأمر برمته من والدها الذي كان يُعنفها جسدياً، والذي قاضته في عام 2009 بتهمة العضل، وهو مصطلحٌ في الفقه الإسلامي يعني أنه جعل من الصعب عليها أو من المستحيل أن تحصل على ما تريد، وفي هذه الحالة، الزواج من الشخص الذي تريده. في حين اتهمها والدها بالعصيان تحت نظام ولي الأمر، الذي يمنح الرجال سلطة اتخاذ القرارات المرتبطة بحياة الفتيات والنساء في أسرهم. فقد كانت تخضع بالكامل لسلطة والدها، لا سيما بعد وفاة والدتها بمرض السرطان عندما كانت سمر تبلغ 13 ربيعاً فحسب.

ففي المملكة العربية السعودية، أثبتت منظمة هيومن رايتس ووتش وغيرها من المنظمات أن الآباء يلجأون إلى العدالة لإخضاع النساء لسيطرتهم. وفي العديد من الحالات، تجاهلت الأحكام القضائية الحقوق الفردية للمرأة مثل الخصوصية، والحق في اختيار زوجها بحرية، وحق الوالدين في محاكمةٍ عادلة للحصول على حضانة أطفالهم، وتعريض النساء للإساءة. وقال كريستوف ويلكى، وهو باحث أول في قسم الشرق الأوسط في هيومن رايتس ووتش، في تقريرٍ نُشر في أكتوبر 2018، “لقد رفع القضاة السعوديون سلطة الآباء إلى مرتبة كلمة القانون. النتيجة هي سلطة أبوية مطلقة تسببت في أحيان كثيرة في مشاكل عانت منها الأسر وتعرض بسببها الأبناء البالغون لمعاناة لا ضرورة لها.”

في قضية بدوي، انتهى بها المطاف بالسجن ستة أشهر في جدة في عام 2010، لعدم تمكنها من حضور بعض جلسات قضية العقوق. ولكن بفضل حملة دعمٍ محلية ودولية، تم إطلاق سراحها في نهاية الأمر ونقلت وصايتها إلى عمها الذي قبل زواجها. فقد سبق لها أن تزوجت من الناشط الحقوقي البارز وليد أبو الخير، ولديهما ابنة تدعى جود، قبل أن ينفصلا في عام 2015 لأسبابٍ شخصية. كما لديها أيضاً ابن يبلغ من العمر أربع سنوات من زواجٍ ثانٍ.

أصبحت بدوي، في ظل ظروفها الشخصية، رمزاً لتأييد رفض وصاية ولي الأمر في المملكة العربية السعودية، وتعتبر واحدةً من “أول النساء اللواتي قدمنّ عريضة للسلطات السعودية للسماح للنساء بقيادة السيارات، والتصويت والترشح في الانتخابات البلدية،” بحسب هيومن رايتس ووتش. وفي مارس 2008، وقبل انتهاء المحاكمات، تركت منزل أبيها لتقيم في ملجأ للنساء، ومن هناك، رفعت قضيةً ضده لسحب الوصاية منه. في الدعوى التي رفعتها، ادعت أن والدها عنفها جسدياً لأنها كانت في سن المراهقة وبأنه سلبها الحق في الزواج.

نمى هذا الإنخراط بالعدالة والحقوق في أسرتها، فشقيقها رائف بدوي كاتبٌ ومعارضٌ وناشط.

Saudi Arabia- Samar Badawi
Photo www.alchetron.com

وفي عام 2012، ألقت السلطات السعودية القبض على رائف بتهمة “إهانة الإسلام من خلال القنوات الإلكترونية” وتمت محاكمته بتهمٍ عدة منها الردة. فقد حُكم عليه، وهو لا يزال في السجن حتى يومنا هذا، في عام 2013 بالسجن لسبع سنوات و600 جلدة، وفي عام 2014 تم رفع الحُكم إلى 10 سنوات، و1000 جلدة وغرامة. وهو متزوج من إنصاف حيدر، وهي ناشطة في مجال حقوق الإنسان تحمل الجنسية السعودية والكندية، وتربطها علاقة قوية جداً بشقيقة زوجها، سمر.

ينظر أصدقاء سمر بدوي، ومعظمهم من النشطاء المحليين والدوليين، إليها باعتبارها امرأةً شجاعة. فقد أخبرنا آدم كوغل، الباحث البارز في شؤون المملكة العربية السعودية في هيومن رايتس ووتش، في فَنَك أن “سمر كانت صديقة رائعة لمنظمة هيومن رايتس ووتش على مر السنين.” وأضاف “لا نملك سوى الاحترام والإعجاب بعملها وشجاعتها على مر السنين.” وتابع القول “لم ترتكب أي جريمة واضحة، إلا أن حكومتها سجنتها بسبب عملها لتحسين حقوق الإنسان في بلدها فحسب.”

يصعب على المرء بدايةً تمييز جرأتها من النظرة الأولى، بسبب سلوكها المتواضع، بل وخجلها، بالرغم من أنها حازت على العديد من الجوائز الدولية مثل جائزة المرأة الشجاعة في عام 2012 التي منحتها إياها وزارة الخارجية الأمريكية، وجائزة مؤسسة هرانت دينك الدولية عام 2015.

فعندما التقى خالد إبراهيم، المدير التنفيذي والمؤسس المشارك للمركز الخليجي لحقوق الإنسان (GCHR) بدوي في منتدى الأمم المتحدة للمنظمات غير الحكومية لحقوق الإنسان، يتذكر أنها جاءت إليه وطلبت منه قراءة خطابها بدلاً منها، إذ قال لنا “كانت إحدى الجمل في خطابها قويةً جداً.” وأضاف “فقد كتبت، إذا ما وضعت جميع الأصوات المسالمة في السجن، فمن سيبقى؟ الإرهابيون فحسب. هذه هي بدوي، تُفكر بالناس، فهي شجاعة جداً وصادقة وتعمل بجد. فقد حاولت في بيئةٍ معادية جداً أن تدافع عن حقوق المرأة في المملكة العربية السعودية، للسماح للنساء بقيادة السيارات والتحرك بحرية.”

بالفعل، كانت سمر جزءاً من حملة قيادة المرأة للسيارة عام 2012 التي نظمها نشطاء حقوق المرأة في المملكة العربية السعودية مع الناشطة البارزة منال الشريف، التي سُجنت لـ10 أيام في عام 2011 بعد أن نشرت فيديو على موقع يوتيوب أثناء قيادتها سيارتها. آنذاك، لم يتم إلقاء القبض على بدوي، ولكن بعد أربع سنوات، في يناير 2016، تم احتجازها لدورها المزعوم في إدارة حسابٍ على تويتر يُطالب بإطلاق سراح زوجها السابق وليد أبو الخير. وقال فيليب لوثر، مدير برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في منظمة العفو الدولية على الموقع الإلكتروني للمنظمة وقت اعتقالها، “إن اعتقال سمر بدوي اليوم يمثل نكسة مزعجة أخرى بالنسبة لحقوق الإنسان في السعودية، ويُظهر إلى أي مدى يمكن أن تذهب السلطات في حملتها التي لا تلين لمضايقة وترهيب المدافعين عن حقوق الإنسان بغية إرغامهم على الصمت.” وفي عام 2014، مُنعت سمر من السفر وحضور المناسبات الدولية الأخرى.

وعلى الرغم من مرور عامين هادئين نسبياً، أعادتها السياسة اليوم خلف القضبان برفقة آخرين من نشطاء حقوق المرأة، كجزءٍ من حملة القمع التي تشنها السلطات السعودية على المعارضين والمدافعين عن حقوق الإنسان. وأضاف كوغل لفَنَك، ” إن اعتقال سمر هو الأحدث في سلسلة من الاعتقالات الأخيرة بحق مدافعين بارزين عن حقوق المرأة الذين وضعوا حريتهم على المحك للدعوة إلى وضع حدٍ للتمييز بين الجنسين في المملكة العربية السعودية.” وتابع “كما أن هذا دلالةٌ على حملةٍ أكبر على المعارضين والمدافعين السلميين عن الحقوق في المملكة العربية السعودية منذ أن أصبح محمد بن سلمان ولياً للعهد في منتصف عام 2017.” ومن الجدير بالذكر أنه يُنظر إلى نشطاء حقوق المرأة كأصوات معارضة تتحدى سلطة محمد بن سلمان ويصورون باعتبارهم “خونة” في حملاتٍ على وسائل الإعلام السعودية البارزة ووسائل التواصل الاجتماعي، على الرغم من كونهم لا يُشكلون أي خطرٍ مباشر على السلطات.

وقال إبراهمي بصوتٍ غاضبٍ لنا إنه شعر “بالحزن لأننا لا نعرف أين هي، والتهم الموجهة إليها، كما لا يمكنها التواصل مع ابنتها المراهقة أو مع محامٍ.” كما علِم إبراهيم، من أحد المصادر التي فضل عدم ذكرها، إنه “تم استجوابها بشكلٍ مطولٍ جداً إلى الحد الذي يمكن وصفه بالتعذيب ليحصلوا منها على أسماء المدافعين الشباب عن حقوق الإنسان من المجهولين، ولمعرفة سبب كونها تحظى بمثل هذا الاحترام في المجتمع الدولي.”

للأسف، لم يصدر سوى رد فعلٍ من كندا على سجنها. وكما أوضح كوغل، “منحت كندا اللجوء لزوجة شقيق سمر، إنصاف حيدر، قبل بضع سنوات، التي بذلت قصارى جهدها للتعريف بقضية زوجها، وبالتالي سمر.” ففي 3 أغسطس، دعت وزيرة خارجية كندا، كريستيا فريلاند، إلى الإفراج الفوري عن سجناء الرأي عبر تغريدةٍ لها على تويتر. وفي المقابل، منحت المملكة العربية السعودية السفير الكندي في الرياض 24 ساعة لمغادرة المملكة واستدعت مبعوثها الخاص إلى كندا.

في هذه الأثناء، لا تزال سمر بدوي في السجن، وكحال العديد من النشطاء والمعارضين السعوديين الآخرين، لا يزال مصيرها غير معروف.

Advertisement
Fanack Water Palestine