في قلب صحراء شبه الجزيرة العربية، بدأ النبي محمد بنشر رسالة الإسلام وأسس أول دولة له. وبعد ذلك بقرون، سوف تتأسس المملكة العربية السعودية وتتراكم ثرواتها حتى تتطلع إلى الخارج. في ما يلي مقدمة لملف فنك عن تاريخ المملكة العربية السعودية.
شبه الجزيرة العربية
كانت شبه الجزيرة العربية في العصور القديمة محاطة ببعض أعظم الإمبراطوريات. إذ كانت الإمبراطورية البيزنطية، خليفة الإمبراطورية الرومانية، تحدّها من الشمال الغربي، والإمبراطورية الفارسية من الشمال الشرقي.
وارتبطت وديان بلاد ما بين النهرين الخصيبة بالممالك الجبلية في جنوب غرب شبه الجزيرة العربية، في ما يُعرف الآن باليمن، وبشواطئ المحيط الهندي.
كانت طرق التجارة الصحراوية عبر جبال الحجاز ومكة ويثرب (التي سُميت لاحقاً المدينة المنورة) على الساحل الغربي لشبه الجزيرة تربط بين هذه المناطق، مما سهل التجارة وكذلك نشر دعوة التوحيد. في هذه البيئة، بدأ النبي محمد الهاشمي دعوته عام 610 م، ناشراً رسالة التوحيد ومؤسساً أول دولة للدين الجديد.
صدر الإسلام
وبعد وفاة الرسول عام 632، توسعت الدولة الإسلامية في شبه الجزيرة العربية وسيطرت على بعض الأراضي البيزنطية والفارسية. وبعد ذلك، انتقل المركز السياسي للدولة الإسلامية أولاً إلى دمشق في عهد الأمويين، ثم إلى بغداد في عهد العباسيين. لكن الأهمية الدينية لمكة ظلت قائمة وظل الهاشميون مسيطرين على مكة التي ازدهرت مركزاً تجارياً ودينياً. وبحلول القرن السادس عشر الميلادي، سيطرت الإمبراطورية العثمانية على الحجاز من مقرها في إسطنبول، لكنه بقي تحت هيمنة بني هاشم محلياً.
صعود الوهابيين
في منتصف القرن الثامن عشر، بدأ عالم دين يُدعى محمد بن عبد الوهاب يدعو إلى إصلاح الإسلام في نجد في وسط شبه الجزيرة العربية. وأصبح وأتباعه معروفين بالوهابيين واشتهروا بتشدد مذهبهم.
شكّل الوهابيون تحالفاًَ محلياًَ مع آل سعود أمراء الدرعية في نجد. وقدّم الوهابيون أيديولوجية دينية أضفت الشرعية على حكم آل سعود الذين قدّموا بدورهم القوة التي ارتكز عليها التحالف الذي ما زال مستمراً حتى اليوم.
وسرعان ما دخلت الدولة السعودية الوهابية في صراع مع الإمبراطورية العثمانية. ورغم هزيمتها مراراً على يد العثمانيين، فقد نجا الفكر الوهابي. وخاض الوهابيون عدة معارك مع الهاشميين في مكة سعياً إلى السيطرة على وسط شبه الجزيرة العربية.
عبد العزيز آل سعود وتأسيس المملكة (1902 -1946)
في نهاية القرن التاسع عشر، عقدت الحكومة البريطانية تحالفات مع السعوديين والوهابيين في الحجاز. إذ رأى البريطانيون في كليهما أداة محتملة لخدمة مصالح الإمبراطورية البريطانية.
وفي الوقت نفسه، حاول العثمانيون تعزيز سيطرتهم على الحجاز عبر بناء خط سكة حديد يربط دمشق بالمدينة المنورة التي اكتسبت أهمية استراتيجية بمجرد اندلاع الحرب العالمية الأولى. وعندما حاول الأمراء الهاشميون الانفصال عن الإمبراطورية العثمانية في بداية الحرب، أمدّهم البريطانيون بمساعدات عسكرية. لكنهم ساعدوا السعوديين أيضاًَ، مما عزز من قوة الجانبين.
بعد الحرب، تقاتل الحسين الهاشمي شريف مكة، الذي يطلق على نفسه اسم ملك الحجاز، وعبد العزيز آل سعود، الذي يطلق على نفسه اسم سلطان نجد، للسيطرة على شبه الجزيرة. بحلول عام 1924، كان عبد العزيز آل سعود قد استولى على جزء كبير من شبه الجزيرة العربية باستثناء اليمن والسواحل الشرقية والجنوبية.
وبعد ذلك بعامين، انهارت الدولة الحجازية. وفي عام 1932، أسس عبد العزيز آل سعود المملكة العربية السعودية. كانت الدولة الوليدة فقيرة، لكن عبد العزيز آل سعود مهّد الطريق للازدهار المستقبلي من خلال توقيع اتفاقيات إنتاج النفط مع شركات النفط الأمريكية. ووضع خلال الحرب العالمية الثانية أساس التحالف السياسي والدبلوماسي المستقبلي مع الولايات المتحدة.
السعودية بعد عبد العزيز آل سعود
ساعدت العلاقات الوطيدة مع الولايات المتحدة في ضمان الدعم الاستراتيجي الأمريكي خلال الحرب الباردة، لكن الدعم الأمريكي لدولة إسرائيل تعارض مع المصالح السعودية. وبعد وفاة عبد العزيز آل سعود عام 1953، خلفه ابنه سعود ثم فيصل، وأدى هذا التناقض إلى صعوبات سياسية تزايدت نتيجة لتنامي أهمية عائدات النفط للاقتصاد.
كان الزعماء الدينيون في المملكة ساخطين على التحالف مع الأمريكيين وآثار الثروة النفطية على المجتمع. لذلك سعت الحكومة إلى إدارة هذه التوترات من خلال منح السلطة الاجتماعية والسياسية للقيادة الإسلامية مع زيادة عائدات النفط. ووصلت التوترات إلى العائلة المالكة نفسها.
النفط والدين وأزمة القيادة بين عامي 1964 و1979
تجلّت التناقضات بين الثروة النفطية وأخلاق النظام الحاكم من جهة، وبين الأيديولوجية الإسلامية للمملكة والتحالف مع الولايات المتحدة الداعمة لإسرائيل من جهة أخرى، عندما انتهت حربي 1967 و1973 بهزيمة الجيوش العربية. خلال هذه الفترة، ازدادت السعودية ثراءً لكونها أكبر أعضاء منظمة أوبك.
وبعد حرب 1973، حاول النظام السعودي استخدام “سلاح النفط” للضغط على القوى الغربية. صحيح أنّ هذا لم يغيّر السياسة الأمريكية والغربية، لكنه رفع أسعار النفط العالمية ارتفاع حاداً بعد 1973. على المدى البعيد، دفع هذا المستهلكين الغربيين إلى البحث عن مصادر جديدة للنفط خارج الشرق الأوسط. أما على المدى القصير، فقد صارت المملكة ثرية حتى إن اقتصادها كان يفتقر إلى الحوافز لإنتاج أي شيء آخر.
حاول الملك فيصل شراء الدعم الشعبي بضخ استثمارات هائلة في الصحة والتعليم. كما أكد على الجذور الإسلامية للمملكة في الداخل ودعم الحركات الدينية الإسلامية في أرجاء العالم. وفي الوقت نفسه، نما التطرف الإسلامي. وفي عام 1975، اُغتيل الملك فيصل على يد ابن أخيه، وتولى الملك خالد بن عبد العزيز عرش المملكة.
أشرف الملك خالد على خطة تطوير الاقتصاد والتحول الصناعي. وشارك في تأسيس مجلس التعاون الخليجي عام 1981. أما خارج المملكة، فقد انتشر التطرف الإسلامي أيضاً، لا سيما بعد الثورة الإيرانية عام 1979 التي أثارت الأقلية الشيعية الكبيرة في المحافظات الشرقية. وفي العام نفسه، أدى بدء مفاوضات السلام بين إسرائيل ومصر، والغزو السوفييتي لأفغانستان، إلى تأجيج المتطرفين الإسلاميين في المملكة، مما أدى إلى حركة تمرد في مكة احتلت المسجد الحرام.
الملك فهد: عقدان من الأزمات 1979 - 2001
تولى الملك فهد عرش المملكة خلفاً لأخيه الملك خالد بعد وفاته عام 1982. وخلال الأزمة الاقتصادية العالمية، أدى ارتفاع أسعار النفط في أواخر السبعينيات إلى تضخم كبير في البلدان المتقدمة.
لم تتمكن المملكة من تجنب التوترات الناتجة عن ذلك. ورفضت المملكة العربية السعودية اتفاقيات كامب ديفيد عام 1978 بين إسرائيل ومصر، لكنها اقترحت خطة سلام جديدة عام 1981. وقدّمت الحكومة السعودية قروضاً ضخمة للعراق خلال الحرب الإيرانية العراقية، لكنها رفضت تمديدها عندما انتهت الحرب. وأدى ذلك إلى الغزو العراقي للكويت،
الأمر الذي جعل الحكومة السعودية تعتمد على حماية الولايات المتحدة. وبينما دعمت السعودية الجهاديين الإسلاميين الذين قاتلوا ضد الغزو السوفييتي لأفغانستان، اتهم الإسلاميون في المملكة الحكومة بالتحالف مع الولايات المتحدة مع تجاهل القيم الإسلامية داخل البلاد.
أرست تلك الأزمات أسس أحداث 11 سبتمبر 2001 التي أربكت الشرق الأوسط كله، وكذلك المملكة.
السعودية منذ أحداث 11 سبتمبر حتى وفاة الملك عبد الله
ألحقت هجمات 11 سبتمبر ضرراً جسيماً بالعلاقات الأمريكية السعودية لأنَّ كثيراً من المشاركين كانوا من المملكة. كان كثير من السياسيين الأمريكيين حانقين على التحالف السعودي الأمريكي، وهو الشعور الذي شاركهم فيه عديد من الإسلاميين في المملكة. حاولت الحكومة السعودية قمعهم وإعادة بناء علاقاتها مع واشنطن من خلال رعاية خطة السلام في الشرق الأوسط.
تنامت معارضة انتهاك حقوق الإنسان ودور هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر داخل البلاد، وارتكب تنظيم القاعدة عدة حوادث إرهابية دامية. نجت المملكة العربية السعودية من الثورات العربية أو ما يُسمى “الربيع العربي”، وحاولت مواجهة التهديد الإيراني من خلال التدخل في الحرب الأهلية اليمنية عام 2015.
وفي يناير 2015، تُوفي الملك عبد الله عن عمر يناهز 91 عاماًَ، وخلفه أخوه غير الشقيق سلمان الذي كان يبلغ من العمر آنذاك 79 عاماًَ. سيكون عهده نهاية لجيل أبناء عبد العزيز آل سعود وافتتاح حقبة جديدة في التاريخ السعودي.
الملك سلمان وصعود جيل جديد
سرعان ما نصّب الملك سلمان ابنه محمد البالغ من العمر 35 عاماًَ وريثاًَ له وكلفه بالإشراف على خطة وطنية جديدة: رؤية 2030. تهدف الرؤية إلى تحويل المملكة من الاعتماد على النفط من خلال تنويع الاقتصاد، وتطوير الرعاية الصحية والتعليم و تحرير الحياة الاجتماعية.
اتبع محمد بن سلمان هذه الخطة بهمة كبيرة. ولكن، وفقاً لما وثقته المنظمات الحقوقية، فإن حملته للتحديث كانت مصحوبة بقمع شديد للإسلاميين و المعارضين الليبراليين على حد سواء. وفي الوقت نفسه، انفتحت المملكة على الاستثمارات الخارجية والسياحة.