وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

الشيعة في السعودية

saudi-arabia-past-to-present-saudis-carring-flags-blaming-wahhabi-for-the-suicide-attack-fanack-hh1024px
أفراد من الشيعة يسيرون في موكب جنازة بعد الهجمات المميتة لتنظيم الدولة الإسلامية على مساجد للشيعة، حاملين لافتات احتجاجٍ ضد الوهابية في جزيرة تاروت في المملكة العربية السعودية، 30 مارس 2015. Photo Hasam Jamali

أحيا الربيع العربي لعام 2011، من جديد، تحدياً قديماً واجهته الحكومات في دول الخليج. فخوفاً من الانقلابات وفي ظل الضغوطات الدولية لنشر الديمقراطية في الشرق الأوسط، وظفت النخب الحاكمة من مجلس التعاون الخليجي رجال أعمالٍ طائفيّ الهوية لإعادة تدوير خطرٍ قديم، المعروف بالعامية بـ”التهديد الشيعي.” يعود تاريخ الجانب الأسطوري لهذا الخطر القديم للاختلاف السُني- الشيعي عام 680 ميلادي، عندما قُتل الحسين بن علي، حفيد النبي محمد، والذي يُبجله الشيعة، في معركة كربلاء. وفي حين يعتبر الشيعة المسلمون أنّ نسل النبي محمد هم خلفاؤه الشرعيون، يعتبر السُنة أن أبا بكرٍ الصديق، صديق النبي محمد، هو الخليفة الحقيقي. فقد عزز قتل الحسين على يد جنودٍ سُنة في كربلاء هذا الانقسام، وأصبح رمزاً للشهادة التي شكلّت الهوية الشيعية. كما توجد اختلافاتٌ عقائدية بين التزام السُنة والشيعة بالشريعة الإسلامية، إلا أن كلا الطائفتين تتعايشان معاً سلمياً على مدى قرون.

يعتبر النفط جزءاً لا يتجزأ من قصة اضطهاد الشيعة في المملكة العربية السعودية، تماماً بأهمية مقوّمٍ من مقوّمات الزواج غير السعيد الذي يحكم علاقة الولايات المتحدة الأمريكية بالسعودية؛ تحالفٌ معقدٌ غالباً ما يشوبه التوتر. فالمملكة العربية السعودية ثاني أكبر منتجٍ للنفط في منظمة الدول المصدرة للبترول (أوبك)، وهي مجموعة من الدول تتحكم بنحو 80% من إمدادات العالم. يقع معظم النفط في المملكة العربية السعودية في المنطقة الشرقية، كما أن ثلث سكان المنطقة الشرقية في السعودية من الشيعة.

وفي المملكة بأكملها، تتراوح نسبة الشيعة ما بين 5% إلى 20% من إجمالي السكان. وهذا يعني أن جزءاً كبيراً من إمدادات النفط في العالم، حوالي الخُمس، تقع تحت أراضٍ يسكنها أغلبية شيعية، في بلدٍ ذو أغلبيةٍ سُنيّة. كما تعتبر الوهابية، وهي فرعٌ من الإسلام السُني المحافظ والمتشدد، بالتأكيد، عنصراً مرئياً في اضطهاد الأقليات الشيعية في المملكة. ومع ذلك، غالباً ما يتم إهمال الدور المعقد الذي يلعبه النفط في الصراع بين السُنة والشيعة.

إن تنامي مطالب الدمقرطة في المملكة العربية السعودية، مثل صون حقوق الإنسان وغيرها من الأهداف المشتركة للمجتمع الدولي، تشتمل على إصلاح السياسات المتعلقة بالأقليات الشيعية فيها. ومع ذلك، تتطلب التغييرات في السياسة تعديلاتٍ في البُنية الأساسية. ومن المنطقي خضوع المملكة لهذا التغيير، إذ سيبتر هذا شعور الشيعة في المملكة بالإنتماء إلى إيران، جارة السعودية ذات الأغلبية الشيعية. إلا أن الجهود الحقيقية لاستأصال مكانة الشيعة في المملكة العربية السعودية كمواطنين من الدرجة الثانية يتطلب أموالاً طائلة؛ أموالٌ تُمنح في الوقت الراهن للسُنة.

بعبارةٍ أخرى، إن تحسين وضع الأقلية الشيعية سيكون على حساب مستوى معيشة الأغلبية السُنية، الذين تم تلقينهم بشكلٍ منهجي على الكراهية والخوف من الشيعة. وهذا بدوره، يُهدد الاستقرار في منطقة الخليج، سيما أن إيران والمملكة العربية السعودية منخرطتان في مناوشاتٍ عسكرية ودبلوماسية في جميع أنحاء المنطقة، منها على سبيل المثال الحرب الأهلية السورية، حيث تدعم إيران حكومة الأسد بينما تدعم المملكة العربية السعودية المعارضة السُنية. ثانياً، تبرز مخاوف من تمكين الشيعة في المملكة العربية السعودية، مما يعني تزويدهم بالموارد اللازمة للانفصال عن البلاد، بينما في الوقت الراهن، الانفصال الشيعي مجرد شعارٍ عقيم يجري تداوله في المسيرات.

ومع وجود جزءٍ مهمٍ من احتياطي النفط في العالم أسفل المنطقة الشرقية، قد يقلب انفصال الشيعة عن المملكة العربية السعودية ديناميكيات السُلطة في الشرق الأوسط ويمنح السُلطة لجارتها الشيعية، إيران.

لم تكن المملكة العربية السعودية وإيران على خصامٍ دوماً. ففي ستينيات القرن الماضي، تعاونتا معاً للحدّ من فكرة القومية العربية للرئيس المصري جمال عبد الناصر والتوسع السوفياتي في المنطقة. وفي أوائل السبعينيات، لقيتا ترحيباً من قبل الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون باعتبارهما “ركيزتيّ” الخليج الفارسي، حيث لعب البلدان دوراً حيوياً في الحفاظ على السلام: إيران لحفظ أمن المنطقة والمملكة العربية السعودية- خادمة الحرمين الشريفين في الإسلام- لإضفاء الشرعية على التعاون مع الغرب. وفي عام 1979، قادت الثورة الإسلامية في إيران التغيير في المنطقة من خلال مركزَة سُلطة البلاد في أيدي رجال الدين الشيعة. فقد أقسم زعيمهم، آية الله روح الله الخميني، عام 1981 بتصدير الثورة الإيرانية إلى العالم أجمع. وفيما بعد، منح النظام الإيراني دعمه لأتباعه الشيعة في كلٍ من العراق ولبنان وسوريا.

وفي الأشهر التي تلت الثورة الإيرانية، بدأ رجال الدين الشيعة والسُنة في إيران انتقاد النظام الملكي في الخليج. عُززت معارضتهم بفضل الهجوم المتطرف على المسجد الحرام في مكة المكرمة. وفي 28 نوفمبر 1979، حاول الشيعة في أجزاء من المنطقة الشرقية الاحتفال بعاشوراء جهاراً. تتمثل احتفالات عاشوراء بإعادة تمثيل وفاة حفيد النبي، الحسين، في كربلاء، في أجواء تتسم بالعاطفة، وهي ذكرى يحتفل فيها الشيعة عادةً بأجواء سرية، إذ لا تمنح المملكة الحق في حرية الدين. (فمع بدايات عشرينيات القرن الماضي، طالب رجال الدين الوهابيون الذين يحملون مشاعر معادية للشيعة المحليين، بأن يتم تحويلهم قسراً إلى الإسلام السُنيّ).

وبعد أشهرٍ من تحريض آية الله الخميني الأقليات الشيعية في المنطقة على الإنتفاض ضد حكوماتها مثل الإيرانيين، اعتبر السعوديون الاحتفالات العلنية للشيعة بعاشوراء بمثابة تهديدٍ للأمن القومي. تم استدعاء الحرس الوطني السعودي لقمع احتفالات الحداد، مما تسبب في أحداث شغبٍ أسفرت عن وفاة عشرات المتظاهرين الشيعة. تحمل احتجاجات الناشطين الشيعة أوجه تشابهٍ مع الجماعة الأصولية السُنية التي اتبعت انتقادات جهيمان العتيبي للمملكة العربية السعودية خلال احتلاله للمسجد الحرام. فقد ندد المحتجون الشيعة بانتماء واعتماد المملكة على الغرب، والفساد الحكومي، والإنحراف عن الأعراف الإسلامية الصارمة.

ومن ناحيةٍ أخرى، اختلفوا مع المتظاهرين السُنة في مطلبٍ آخر. ففي عام 1979، دعوا على وجه الخصوص إلى وقف إنتاج النفط بشكلٍ تام وإعادة توزيع الثروة النفطية بتدابير أكثر إنصافاً بين المواطنين السُنة والشيعة. تصاعدت التوترات مع إيران في ثمانينات القرن الماضي، عندما دعم النظام السعودي صدام حسين في حربه ضد إيران. وفي عام 1987، علقت المملكة العربية السعودية علاقاتها الدبلوماسية مع إيران لمدة أربع سنوات في أعقاب وفاة مئات الحجاج الإيرانيين خلال موسم الحج في مكة المكرمة. نتيجةً لذلك، قاطعت إيران الحج من عام 1988 إلى عام 1990. وبعد استعادة النظام بعد الانتفاضة الشعبية، وعدت الحكومة السعودية بزيادة الإنفاق المحلي لتطوير البُنى التحتية في المنطقة الشرقية.

ومع تدفق الأموال إلى المنطقة لرفع المستوى المعيشي المادي لسكانها، تم أيضاً تعديل الحقوق تدريجياً منذ عام 1993. فعلى سبيل المثال، سُمح للقضاة الشيعة الذين يترأسون المحاكم في المنطقة الشرقية باستخدام المدرسة الجعفرية للفقه الإسلامي، وهي فرعٌ من الإسلام الشيعي، لحل القضايا في “قانون الأسرة، والميراث، وإدارة الوقف.” وفي حين شكّل هذا تحسناً، إلا أنه عنى أيضاً أن الشيعة الذين يعيشون في أجزاء أخرى من المنطقة الشرقية، مقاطعة نجران ومنطقة الحجاز الغربية، لن يتمكنوا من الوصول إلى هذه المحاكم الشيعية، سواء على الصعيد المحلي أو الإقليمي أو الوطني.

ويقول توبي ماثيسن في كتابه بعنوان “السعوديون الآخرون، الشيعة والانشقاق والطائفية،” أن الاتفاق الذي تم عام 1993 بين الدولة السعودية ومجموعة مختارة من ممثلي الشيعة نجح في “إسكات أكثر وسائل الإعلام صراحةً في الخارج، واستمال العديد من نشطاء المعارضة ووضعهم تحت مراقبة الأجهزة الأمنية.” كما وضّح بشكلٍ أوفى قائلاً “ومن خلال عدم تغيير وضع الشيعة بشكلٍ جذري، وضع هذا أيضاً قادة الحركة “الشيرازية” في موقفٍ حرج.” بعبارةٍ أخرى، ركزت التعديلات التي طرأت في أوائل تسعينيات القرن الماضي، بشكلٍ استراتيجي، على تقسيم المعارضة الشيعية واستمالة بعض قادتها. ونتيجةً لذلك، ساهمت في تفاوت مستوى المعيشة بين السكان الشيعة أنفسهم في المملكة العربية السعودية.

وعلاوة على ذلك، لم يُسمح سوى لستة قضاةٍ شيعة بترأس المحاكم السعودية، وكان يتوقع منهم تطبيق والالتزام بخطوط دقيقة. فعلى سبيل المثال، أقيل الشيخ حسن بوخمسين من منصبه عام 2010 لانتقاده أمراً قضائياً حكومياً. نقطة ضعفٍ أخرى في هذا الإطار الزمني للتقدم السُني- الشيعي هي شرعية أو قوة المحاكم الشيعية، إذ يشكوا الشيعة السعوديون من افتقار محاكمهم لسلطةٍ حقيقية، حيث يمكن للفرقاء في الدعاوى ممن يعارضون الأحكام الصادرة، إعادة فتح القضايا بسهولة في المحاكم السُنية- التي مُنحت الحق في إلغاء أحكام المحاكم الشيعية. كما أن الشيعة مجردون من أهلية الشهادة في المحاكم السُنية.

ثانياً، وفي حين لا يُحظر على الشيعة، حرفياً، بناء وإدارة المساجد، إلا أن عملية الحصول على ترخيصٍ حكومي تعسفيةٌ ومحفوفةٌ بالتعقيدات، بينما يمكن لرجال الدين السُنة تقديم التماسٍ لوزارة الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد للحصول على مساعداتٍ مالية، في حين يتوقع من نظرائهم الشيعة طلب المساعدة الاقتصادية من طائفتهم. وتشتمل التنازلات الأخرى التي يتوجب على رجال الدين وأتباع الطائفة الشيعية الالتزام بها رفع الآذان بصيغة أهل السُنة في حال تواجد المسجد في حي سكني مختلط (سنة وشيعة)، وإغلاق محالهم أو التوقف عن العمل لأداء الصلوات الخمس على وقتها، على الرغم من أن الشيعة يجمعون الصلوات الخمس في ثلاث صلوات، وهذا يعني أنهم ليسوا مجبرين، من ناحيةٍ عقائدية، على التوقف عن العمل في كل مرة يُنادى فيها للصلاة السُنية.

ولا تزال التجاوزات والقيود التعسفية قائمةً في قطاعاتٍ أخرى. فعلى سبيل المثال، في مجال التعليم العالي، يظهر التحيز الطائفي جلياً في عملية اختيار الطلاب للمنح الدراسية والجامعات الحكومية، وكذلك في اختيار الموظفين الأكاديميين والإداريين للمؤسسات التعليمية. كما يوجد أيضاً في فرص العمل والترقيات، في حال الحصول على هذه الفرص، إذ أن هناك القليل من الشيعة المعروفين صراحةً في مناصب رفيعة المستوى في الشركات والوكالات التي تملكها الحكومة.

وأخيراً، هناك تقدمٌ وإعاقة، على حد سواء، في التمثيل السياسي، حتى اليوم. فوفقاً لمنظمة Global Security “لم يكن هناك أي وزراء، أو نواب وزراء، أو محافظين، أو نواب محافظين، أو مدارء لفروع الوزارات شيعة في المنطقة الشرقية، كما أن ثلاثة فقط من أعضاء المجلس البلدي المعيّن من قِبل الحكومة، والبالغ عدد أعضائه 59 عضواً، كانوا من الشيعة. ومع ذلك، فإن الشيعة ممثلين تمثيلاً جيداً في المجالس البلدية المُنتخب أعضاؤها، حيث يحظون بـ10 مقاعد من أصل 11 في مجالس القطيف والإحساء. كما ترأس شيعيّ المجلس البلدي بمحافظة القطيف. وبوجود خمسة شيعة فحسب في مجلس الشورى، فهم ممثلين تمثيلاً ناقصاً إلى حدٍ كبير.”

باختصار، في حين أن الكراهية التاريخية والعقائدية لا تزال قائمةً، فبالأحرى أنّ الذريعة السياسية السعودية ما يمنع ويدفع، على حد سواء، المساواة بين السُنة والشيعة. كما أن تناقضات السياسة السعودية تتجلى في رد فعلها على هجمات تنظيم الدولة الإسلامية عام 2015 على المساجد الشيعية في المملكة. فعلى مدى العقود الماضية، سمحت السعودية لرجال الدين السُنة الذين ترعاهم الحكومة بتشويه صورة الشيعة، وربطهم بالشرك، وبالتالي تعزيز تاريخٍ من القمع والنبذ من الحقوق المدنية الأساسية. ومن جهةٍ أخرى، فإن استنكار البلاد للهجمات على مساجد الشيعة، قاد الحملة ضد تنظيم الدولة الإسلامية وشكل تحالفاً بين 34 دولةً إسلامية- باستثناء إيران.

هذه الإزدواجية بقيادة المعركة ضد الجماعة الإسلامية المتطرفة التي تُشيطن الشيعة وتعتبرهم فئةً ضالة، في حين ترعى وتصدّر الوهابية، وهي جماعةٌ أخرى من الإسلاميين المتشددين ممن يحملون ذات وجهات النظر حول الشيعة، يمكن مشاهدتها في قضية نمر باقر النمر، وهو شيخٌ شيعي انتقد الدولة السعودية، والذي أعدم مع 46 من النشطاء الآخرين في وقتٍ مبكر من عام 2016. جددت هذه الحادثة احتجاجات الشيعة السعوديين ضد الدولة. وقد أشير إلى أن الحُكم الصادر يعني التأكيد على رد فعل الدولة المتكافىء تجاه أعمال الإرهاب (أو التحريض على الثورات)، سواء كانت من نشطاء شيعة أو سُنة.

وللبدء في فهم الوضع الحساس للشيعة في المملكة العربية السعودية، فمن الأفضل أخذ كلمات توبي ماثيسن بعين الاعتبار، والذي يوّضح في كتابه “الخليج الطائفي: البحرين والسعودية والربيع العربي الذي لم يكن،” أن الاستراتيجيات الطائفية التي وظفتها المملكة العربية السعودية وغيرها من دول الخليج بداية الربيع العربي: “إذ لم تكن الطائفية مجرد تدخلٍ حكومي، بل نتاج مزيجٍ من النخب السياسية والدينية والاجتماعية والاقتصادية، التي استخدمت جميعها الطائفية لخدمة هدفها الخاص.”

Advertisement
Fanack Water Palestine