وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

مجلس الشورى السعودي

مجلس الشورى السعودي
ولي العهد السعودي الأمير سلمان بن عبد العزيز آل سعود, يلتقط صورة مع أعضاء مجلس الشورى في الرياض, السعودية, 6 يناير 2015.Photo AP/Saudi Press Agency.

مجلس الشورى السعودي هو هيئة من أعضاء معينين تتمثل مهمتهم الأساسية في دراسة واقتراح القوانين، التي تُرفع فيما بعد إلى الملك الذي يقرر بدوره إحالتها إلى مجلس الوزراء السعودي.

هذا لا يعني أنّ مجلس الشورى مؤسسة غير فاعلة، بل في الواقع تطور المجلس وبات اليوم يمتلك السُلطة لتفسير التشريعات القائمة، فضلاً عن طلب ومراجعة تقارير الأداء السنوية المُحالة إليه من قِبل الوزارات وأجهزة الدولة. وعلاوة على ذلك، يُقدم المشورة للملك حول السياسات المقدمة للمجلس للمراجعة والتحليل، وتقديم مداخلاتٍ فيما يتعلق بالمعاهدات الدولية والخطط الاقتصادية التي تعتزم المملكة الشروع بها. كما يمتلك المجلس الحق في مراجعة الميزانية السنوية للبلاد، والمطالبة بحضور الوزراء لمساءلتهم حول القضايا التي تخص وزاراتهم.

خرج مجلس الشورى إلى حيز الوجود بشكله الحالي بعد توجيهاتٍ أصدرها الملك آنذاك، الراحل فهد بن عبدالعزيز آل سعود، الذي أعلن في 23 نوفمبر من العام 2000، تشكيل مجلس استشاري رسمي من أعضاء محددين سلفاً. كان القصد من هذه الخطوة مجاراة البلاد للعصر الحديث من خلال التطبيق التدريجي للمشاركة المدنية في شؤون الدولة. وعلى الرغم من أنّ المجلس كان مجرداً من أي سُلطة أو صلاحياتٍ تشريعية لسّن اللوائح، إلا أنّ الخطوة لاقت ترحيباً كبيراً باعتبارها مدخلاً إيجابياً في السياسة المعاصرة.

تكونت الدورة الأولى لمجلس الشورى من رئيس و60 عضواً الذين عينهم جميعاً الملك. وفي الدورة الثانية، ارتفع عدد الأعضاء إلى 90 عضواً، ومن ثم إلى 120 عضواً في الدورة التالية، وأخيراً وصل عدد الأعضاء إلى 150 عضواً اليوم. تمتد دورة كل مجلس أربع سنواتٍ هجرية.

تتمثل أهمية الدورة الرابعة للمجلس بوجود 30 إمرأة أو ما نسبته 20% من مجموع الأعضاء. أصبح هذا الحلم حقيقة من خلال جهود التحديث التي أدخلها المغفور له الملك عبد الله (2005-2015)، الذي أعلن لأول مرة عن نيته تعيين نساءٍ في مجلس الشورى عام 2011. كما صرّح الملك آنذاك، الذي عُرف بموقفه التقدمي فيما يخص تمكين المرأة السعودية، أنه سيسمح للرعايا الإناث بالتصويت والترشح للانتخابات البلدية التي ستعقد في عام 2015. وفي عام 2013، تجلّت كلماته على أرض الواقع عندما تم تعيين 30 إمرأة في مجلس الشورى وحلفنّ اليمين أمامه.

كان للملك عبد الله أيضاً دور فعّال في توسيع دور المجلس، حيث منحه المزيد من السُلطة وزاد مدة ولايته لخدمة الجمهور. وبتعيين 30 إمرأة في المجلس الاستشاري، بشّرهذا ببدء عهدٍ جديدٍ من الإصلاح الاجتماعي داخل مجلس الشورى. وقال الملك في خطابه في الدورة السنوية لمجلس الشورى “نرفض تهميش دور المرأة في المجتمع السعودي في كل مجال عمل وفق الضوابط الشرعية.” وقال أنه استند في قراره هذا على مشاوراته مع عدد من كبار رجال الدين الذين وافقوا على مشاركة المرأة وفقاً لأحكام الشريعة. وأضاف “ستتمتع المرأة بالحقوق الكاملة للعضوية، والالتزام بواجباتهنّ ومسؤولياتهنّ وتولي وظائفهنّ.”

لا يمكن التأكيد بما يكفي على مدى أهمية هذه الخطوة نحو تمكين المرأة السعودية، وكونها خطوة أساسية نحو كسر الأغلال التي كانت تُقيدهنّ لفترة طويلة.

فقد كان الملك يُدرك تماماً مخاطر التطرف والأصولية الدينية التي كانت تتم رعايتها في عهد الملك فهد بن عبد العزيز، والتي تجسدت في قمع الحقوق، والتهديدات الداخلية والإقليمية للسلام والأمن. في الواقع، أنشأ الملك عبد الله، بعد أنّ خلف الملك فهد بسبب المرض والعجز عام 2003، مركز الحوار الوطني، الذي تتمثل مهمته في “إنشاء قناة للتعبير المسؤول الذي سيكون له دور فعّال في محاربة عدم التسامح، والتعصب، والتطرف، وترسيخ مناخ ملائم لتنبثق من خلاله المواقف الحكيمة والآراء المستنيرة لرفض الإرهاب والإرهابيين.” فقد خاطب في احدى المرات حجاج بيت الله الحرام قائلاً “التطرف يبدأ من المنزل، ويستمر في المدرسة والمسجد، ويحتاج إلى دعم العلماء والدعاة والكتاب والمثقفين، وجميع قادة الرأي والمجتمع،” بما في ذلك مجلس الشورى.

في بداياته، غالباً ما اتهم العامة مجلس الشورى بعدم مبالاته الكبيرة باحتياجات وتطلعات الشعب. ودون أدنى شك، كانت هناك فكرة رئيسية مُسيطرة للعقيدة الدينية التي ظهرت لإحباط أي تحركات تقدمية حقيقية من قِبل المجلس. إحداها على سبيل المثال كان مُقترح تغيير عطلة نهاية الأسبوع من الخميس والجمعة، إلى الجمعة والسبت، الذي لاقى معارضة شديدة من قِبل الجماعات الدينية.

وبالمثل، عُرضت قضية حظر النساء من قيادة السيارات عدة مرات على جدول الأعمال ليتم انتقادها وإزالتها عن جدول أعمال المناقشة. وحتى مع إشراك المرأة في الهيئة، لا يزال يتضح توجيه العادات والتقاليد الدينية أو القبلية للمجلس، فضلاً عن كون المجلس لا يتمتع بالشجاعة الكافية إلى الآن لاتخاذ موقفٍ بشأن القضايا المتعلقة بنوع الجنس. وقد تجلى هذا بوضوح عندما أعرب مجموعة من أعضاء المجلس علناً عن شعورهم بالإحباط لتدخل المستشارين الدينيين و”المتطرفين لعرقلة قرارات المجلس حول القضايا الهامة مثل قيادة النساء للسيارات.”

واتهمت المجموعة أنّ مقترحات تعديل قوانين المرور التي تمنع النساء من قيادة السيارات وقانون آخر لمنع التحرش الجنسي لم ترى النور بعد، بسبب عرقلة المنظرين الذين كان من بينهم لجنة المستشارين ولجنة الشؤون الإسلامية والقضائية والأمانة العامة في المجلس. وذُكِر عن أحد الأعضاء قوله “تم تعيين أحد أعضاء مجلس الشورى، الذي يلتزم بموقف متشدد فيما يخص بعض القضايا، في لجنة الشؤون الإسلامية والقضائية،” وأضاف أنّ هذا العضو لعب “دوراً فعّالاً في منع بعض المقترحات من الوصول إلى المجلس التشريعي.”

أما بالنسبة للنساء في مجلس الشورى، الذي تقترب دورته الأولى بوجودهنّ على الانتهاء، قالت ثريا العريض، الشاعرة والعضو الفعّال في المجلس، أنه “عندما انضمت النساء لأول مرة للمجلس، كان هناك آراء مختلفة ليس داخل المجلس فحسب بل أيضاً بين الشعب السعودي. كان هناك أشخاص متشائمين، في حين قالت فئة أخرى لننتظر ونرى ما سيفعلنّ، بينما عارضت فئة ثالثة الأمر برمته.” ومع ذلك، كانت العريض عازمةً على تحقيق النجاح من خلال وجودها في المجلس “لم أفكر بالأمر باعتباره وظيفةً فقط، بل تقديم والقيام بما هو أفضل، وهنا يمكنني القول أنه لا مجال للفشل.”

بينما لا يزال سقف التوقعات لمجلس الشورى بتمثيل احتياجات الناس ورغباتهم مرتفعاً، فإنه يجدر الأخذ بعين الاعتبار أنه في الملكية المطلقة، يعتبر مجلس الشورى في الوقت الراهن أقرب ما وصلت إليه المملكة في تشكيل مجلسٍ ديمقراطي. إنّ تطور المجلس على مدى السنوات من كونه مجرد منظمة تقوم على ما يبدو، بأكثر بقليل، من المصادقة على قرارات الحكومة، إلى شكله الحالي الذي يمنحه الحق في استجواب والبحث عن إجاباتٍ فيما يتعلق بمجموعة واسعة من سياسات الدولة، خطوة في غاية الأهمية تجاه تمثيل الشعب بكامل أطيافه وعلى قدم المساواة.

Advertisement
Fanack Water Palestine