وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

طوارق ليبيا: اللغة والتقسيم الطبقي والأساطير

تحظى طوارق ليبيا بحضورٍ قوي ومؤثّر في تركيبة ليبيا السكانية، ويطمح الطوارق للحصول على الجنسية الليبية لنيل حقوقهم السياسية والاجتماعية.

طوارق ليبيا
صورة تم التقاطها يوم 29 مارس 2019 لرجال قبائل الطوارق وهم يرقصون خلال احتفال تقليدي في الصحراء الليبية بمنطقة أوال الغربية المجاورة للحدود مع تونس والجزائر. المصدر: Imed LAMLOUM / AFP.

يوسف م. شرقاوي

تحظى قبائل الطوارق بحضورٍ قوي ومؤثّر في تركيبة ليبيا السكانية. ويعرف أبناء قبائل الطوارق بالرجال الزرق في الكتابات الأوروبية. كما تطلق العديد من المسميات الأخرى عليهم، فهم شعب اللثام، وشعب الأماهِغ المعروف بين الأحياء بلقب “طوارق”.

ويلعب العامل القبلي منذ زمنٍ بعيد دوراً بارزاً في النواحي المجتمعية والاقتصادية والثقافية وحتى السياسية في ليبيا. ومع الحضور المميز لقبائل الطوارق في التركيبة السكانية الليبية، فإنّ هذه التركيبة تزخر بالتنوّعات.

وتضم التركيبة السكانية لهذا البلد خليطاً متداخلاً من العرقيات يتضمن العرب، والأمازيغ والفينيقيين والتبو. وللأفارقة، والأتراك، واليونانيين، والشركس، والإيطاليين وغيرهم حضورٌ لافت في تلك التركيبة.

وتختلف تقديرات عدد طوارق ليبيا بشكل كبير، حيث تتراوح التقديرات بين 17.000 و560.000 نسمة. ويعيش الطوارق الليبيون بشكل أساسي في غرب وجنوب غرب البلاد، خاصة في مدن غات وأوباري وغدامس.

أما على صعيد انتشار وتوزّع عموم قبائل الطوارق في إفريقيا، فإن الإحصاءات غير الرسمية تشير إلى عددٍ يناهز 3.5 مليون شخص، 85% منهم في مالي والنيجر، في حين يتوزع 15% منهم في دول شمال إفريقيا لا سيما في الجزائر وليبيا.

اختلافٌ في الأصول

اختلف المؤرّخون قديماً وحديثاً في أصول قبائل الطوارق لتعقيدات عديدة. كما يوجد اختلافٌ بين المؤرخين العرب والمؤرخين الغربيين حول الطوارق وأصولهم.

ويتناول عددٌ كبير من الكتب والدراسات ورسائل الماجستير والدكتوراه عن الطوارق وتاريخهم باللغتين العربية والإنكليزية.

ومن الدراسات البارزة عن الطوارق، كتاب الباحث الليبي محمد سعيد القشاط “التوارق: عرب الصحراء الكبرى“، وكتاب المستكشف الفرنسي أونري دوفيرييهطوارق الشمال“، إضافة إلى الرواية الشهيرة للروائي الإسباني ألبرتو باثكيث فيكيروا بعنوان: “طوارق“.

ويصف المؤرخ ابن خلدون في مقدمته الطوارق بأنّهم “أوفر قبائل البربر ولا يكاد قطرٌ من الأقطار يخلو من بطن من بطونهم من جبل أو سهل”. وبصورةٍ مماثلة لابن خلدون، فقد أشارت دراساتٌ عدة إلى أنّ الطوارق من أبناء الشعوب الصحراوية والأمازيغية “البربرية” التي سكنت بلاد المغرب ودول جنوب الصحراء منذ غابر العصور.

بيد أن ابن خلدون الذي أشار إلى الأصول الأمازيغية للطوارق في كتابه، عاد ليؤكد أنّ الطوارق ينحدرون من أصولٍ عربية.

فهم، وفقاً له، من أبناء القبائل العربيّة التي نزحت من جنوب الجزيرة العربية قبل الفتح الإسلامي إلى البلاد المغاربية. وتموضعت هذه القبائل في جنوب بلاد المغرب فيما بعد، وصارت تسمى قبائل صنهاجة البربرية، التي اعتبرها ابن خلدون أجداد الطوارق.

ويعتبر الباحثون عثمان سعدي وعلي فهمي خشيم وخليفة التلّيسي أنّ الطوارق في الجزائر وليبيا ومالي وعموم جنوب الصحراء الكبرى “عرباً عاربة، عاشت وتعيش حياة بدوية حقيقية، لا تنفصل عن حيوات نظيراتها في صحارى عربية أخرى”.

اختلاف التسمية

طوارق ليبيا
صورة تم التقاطها في 2 يناير 2016 لأحد رجال قبيلة الطوارق وهو يقطع الخبز في وادي مقدات، شمال غرب منطقة جبل أكاكوس الليبية. المصدر: TAHA JAWASHI / AFP.

بطريقةٍ مماثلة للاختلاف في الأصول، فقد اختلف الباحثون حول الأسباب الكامنة وراء تسمية الطوارق بهذا الاسم. وبحسب بعض المؤرخين، فإن اسم “الطوارق” مشتقٌ من الكلمة الأمازيغية “تارجة” التي تعني الساقية أو منبع الماء.

وهناك من يقول إنّ الاسم “الطوارق” منسوبٌ إلى القائد الإسلامي طارق بن زياد. ويقول مؤرخون آخرون إنّ الاسم الحقيقي هو “التوارك” نسبة إلى بلدة تاركة في ليبيا التي يعيش فيها الآلاف من هذه المجموعة.

كما يرى مؤرخون آخرون أنّ الاسم تحريفٌ للكلمة البربرية “تماشق” والتي تعني “الرجال الأحرار”.

أما دراسة الباحث إبراهيم بتقه “لمحات من تاريخ قبائل الطوارق”، فتشير إلى أنّ الاسم الذي ينسب به الطوارق أنفسهم هو ايموهار، أو ايموشار وجمعه ايماجيرن. وتُعد مفردة ايموهار مشتقة من أحد الأفعال في لغة الطوارق وهو: “كن حراً”.

وبحسب الدراسة، فإنّ الطوارق يستعملون مصطلحي ايموهار وايماجيرن فيما بينهم منذ أمد بعيد، ولا يتعارفون إلا به. في المقابل، فإن مصطلحات تارقي وطارقي أو توارقي وطوارقي أطلقه عليهم العرب، وحتى هم لا يعرفون معناه الحقيقي.

وفي دراسة للباحث الجزائري حفناوي بعلي، فإن بعض المؤرخين يعيدون أصل التسمية يعود إلى كلمة “توارك” التي تشير إلى أنهم تركوا عبادة الله، في إشارةٍ إلى أن ديانتهم كانت المجوسية “الزرادشتية“.

اللغة

لغة الطوارق هي التماشاك وأبجديّتها مؤلفة من 24 حرفاً وتُسمّى التيفيناغ. وتؤكد هذه اللغة على أنّ الطوارق من الشعوب الإفريقية النادرة التي تمتلك أبجدية يرجع وجودها إلى حوالي 3000 سنة قبل الميلاد.

وتتكوّن التماشاك من ثلاث لهجات هي تماشق وتماجق وتماهق. كما أن طوارق شمالي مالي وشمال النيجر لهم لهجاتٌ أخرى.

وفي دراسة “قبائل الطوارق من خلال المستكشفين هنري دوفيري وشارل دوفوكو أنموذجاً”، يُشار إلى أنّ المستكشف الفرنسي دوفوكو جمع مادة غزيرة من الثقافة واللغة الطارقية، وجمع المفردات والأمثال والأشعار وتنوعت مؤلفاته عن الطوارق.

ومن هذه المقتنيات “نحو لغة التيفيناغ”، و”معجم طارقي – فرنسي و فرنسي – طارقي” نشر في مجلّدين، و”نصوص طارقية مترجمة إلى الفرنسية” تشكل مجلدين من النثر والشعر الطارقي.

وتعددت القواميس والكتب والدراسات في اللغة واللهجات الطارقية بعد ذلك، وما تزال تصدر حتى الآن، سواء في اللغات البربرية عموماً، أو اللغة الطارقية خصوصاً.

الطبقات الاجتماعية

يقسم الباحث الليبي محمد الشيخ الأنصاري المجتمع الطارقي إلى عدّة طبقات، وفقاً لعوامل مختلفة منها الثروة والمهنة.

وبحسب ما ورد في كتاب الأنصاري “الطوارق: الأصل والموطن”، فإن الطبقة الأولى هي طبقة النبلاء. وتُعرَف هذه الطبقة باسم “إيموهاغ” أو “إيماجغن”، وأيضاً تُعرَف باسم “إيلَلّان” ومفردها “إيلَل” التي تعني النقي أو الصافي أو النبيل.

أما الطبقة الثانية فتُعرَف باسم “إمغاد” أو “إرَجَناتن” أو الطوارق السّود.

وتتكون الطبقة الثالثة من الصنائعيّة (الحرفيين) وتُعرف باسم “إينهَضَن” وهم من أصول مجهولة.

أما الطبقة الرابعة، فتُعرَف باسم “إيكلان” وهي طبقة العبيد والرقيق. وتتفرع عن الطبقة الرابعة طبقة أخرى تحمل اسم “إيدرَفن” أو “إيزقاغن”، وهي طبقة “العتقاء من الرق”.

أما دراسة “العادات والتقاليد لدى مجتمع أبناء الطوارق في الصحراء الكبرى” فتشرح التقسيم المجتمعي بطريقة مختلفة، فالطّبقة الأولى هي طبقة النبلاء.

أما الثانية فهي “إمغاد” وتعني أصحاب الماعز، وهم تجار ومحاربون، وإن تزوج رجل من الإمغاد بامرأة من النبلاء، فإن أبناؤهم يصبحون من فئة مختلطة تُسمى بـ “ايساكيمارن”. وتعتبر هذه الطبقة طبقة متوسطة بين النبلاء والإمغاد.

هناك أيضاً طبقة الفقهاء “إينيسلمان” وهم المتدينون أو أصحاب الإسلام. ويصنّف البعض هؤلاء من النبلاء وتخصصهم الوحيد هو الدين. ولأنّ هؤلاء يسكنون بالقرب من المساجد، فقد أطلق عليهم أيضاً اسم “كل تيمسجيدا”، ويعني هذا الاسم “المرابطون”.

والطبقة الرابعة هي طبقة الحرفيون “الإينادن” ومهمتهم صناعة كلّ ما يحتاج إليه الطوارق.

أما الطبقة الخامسة فهي طبقة العبيد والموالي واسمها “إيكلان”.

مجتمعٌ أمومي

طوارق ليبيا
صورة تم التقاطها يوم 15 فبراير 2010 لفتيات من قبيلة الطوارق وهنّ يحضرن مهرجان غات الدولي السادس عشر بملابسهنّ التقليدية. المصدر: MAHMUD TURKIA / AFP.

يصنف بعض الباحثين مجتمع الطوارق كمجتمع أمومي. ويرجع ذلك إلى جذور قديمة منها أنّ “المجتمعات البربرية في تلك المنطقة كانت وثنية قبل الإسلام. وكان الأبناء فيها ينتسبون لأمهم وأخوالهم، والرجل يهاجر مع أهل زوجته ويقيم معهم”.

وبسبب ذلك، استمرّ الحضور البارز لنفوذ الأم. وتمتعت المرأة بمكانة كبيرة نظراً لطبيعة المجتمع الأمومي، وعُرِفَت أنها أكثر ثقافة وتعلماً من الرجل.

كذلك، كلّما كانت المرأة أكثر زواجاً وإنجاباً وطلاقاً عند الطوارق، كان ذلك مفخرة لها ولأسرتها، لأنّ مصدر فخر النساء هناك هو ما ينجبنه للقبيلة من رجال محاربين.

أسطورة اللثام

يقول الطوارق المعروفون بالرجال الزرق إنه إذا نزع الطوارقي لثامه فمن الصعب التعرّف عليه.

ويُرجِع الطوارق ارتداءهم اللثام إلى سرديّات أسطورية. وبحسب كتاب “التوارق عرب الصحراء الكبرى” فأنه “ذات يوم، هوجم الطوارق من قبل العدو، فارتدت النساء العمائم وضيّقن اللثام وخرجن يطاردن العدو فهزمنه وفرّ هارباً. ومنذ ذلك التاريخ، بدأ الرجال يتلثّمون لتغطية وجوههم من عار الهزيمة، والنساء يكشفن وجوههنّ احتفالاً بالنصر الذي حقّقنه”.

التراث الأدبي والغناء والموسيقى

يعتمد تراث الطوارق الأدبي على توريث القصص والأشعار وغيرها من فنون الآداب شفهياً من جيل إلى آخر. وللنساء إسهامهنّ في التراث من خلال ما يؤلفنه من قصائد.

ويشبه الشعر الطارقي الشعر العربي الصحراوي. أما الأدب النثري، فقوامه البطولات والقصص التأريخية والأساطير الشعبية عن العفاريت والجن وغيرها، يُضاف إليها الأمثال الشعبية والأحاجي الطارقية الكثيرة، وكلّ ذلك غير مُدوَّن، إنما ينتقل شفوياً.

ويُعرف الطارقيون بالغناء والموسيقى. ومن أشهر الآلات الموسيقية عندهم آلة “الإمزاد” التي يسميها العرب الليبيون “القمبري“. وهي تشبه الربابة أو الكمنجة. وهذه الآلة مُحرَّمة على الرجل بسبب أسطورة تقول إنّ الرجل إذا عزف بهذه الآلة، فإن الخراب سيأتي على العشائر والقبائل.

ومن الآلات أيضاً “تزامّت” التي تشبه الناي، والمزمار، والغيطة وغيرها.

أما عن الرقص، فتوجد مجموعةٌ من الرقصات عند الطوارق، بعضها يخصّ الرجال وبعضها يخصّ النساء. ومن الرقصات المعروفة رقصة السلاح ورقصة الرمح. أما رقصة “التام تام“، فيحيط فيها الرجال وهم على الجمال بالنساء أثناء دق الطبول والغناء. ومن الرقصات الأخرى رقصة “المهاري” التي تتم تأديتها على الجِمال.

وبرزت خلال السنوات الأخيرة فرقٌ موسيقية من الطوارق جابت العالم، منها “الرمال” و”تيناريوين” (مشتقة من اللغة الطوارقية وتعني صحارى).

وضع قانوني معقّد

إنّ الوضع القانوني للطوارق في ليبيا معقد، فالطوارق ليسوا من ضمن جماعات انعدام الجنسية بشكل مطلق، كما أنهم ليسوا ضمن جماعات المواطنة بشكل مطلق أيضاً.

وتعترف الدولة للفرد بنصف الشخصية القانونية من خلال تحميله واجبات المواطنة مع منحه بعض المستندات المحدودة، ولا تعترف بالشطر الآخر من الشخصية القانونية، ذلك من خلال حرمانه من التمتع بحقوق المواطنة التي تتطلب إصدار رقم وطني له، أو إصدار مستند الجنسية.

وفيما يتعلق بطوارق ليبيا، يقول الكاتب الليبي محمد الطيب أنهم “عديمو الجنسية، بسبب حرمانهم من الحصول على ثبوتيات الهوية وجوازات السفر والأرقام الوطنية، ومواجهتهم مشقة وصعوبة في الحصول على العلاج والتنقل داخلياً واستحالة السفر خارج البلاد”.

ويضيف الطيب أنهم يعانون من صعوبة الحصول على التعليم وعلى الخدمات العامة التي تكفلها الدولة للمواطن. وهم محرومون من الحصول على حق الضمان الاجتماعي، وكذلك حقّ العمل والتوظّف بالقطاعات المدنية للدولة أو حتى الشركات التابعة لها، إذ كل ذلك لا يتم إلا من خلال مستند الرقم الوطني الذي لا يملكه الطوارق في ليبيا.

ويطمح الطوارق للحصول على الجنسية الليبية لنيل حقوقهم السياسية والاجتماعية. وهم في ذلك لا يختلفون عن قبائل وجماعات أخرى تعيش نفس المعاناة في ليبيا ومنهم أبناء قبيلتي التبو والجرامنة.

Advertisement
Fanack Water Palestine