وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

ليبيا: حرب الاسترداد الإيطالية 1923-1932 وعمر المختار

ليبيا حرب الاسترداد الإيطالية
فيلق المشاة الإيطالي (برساليري) إبان الاحتلال الإيطالي لليبيا، 1934-1943، بريشة جوزيبي رافا. Giuseppe Rava ©Rava/Leemage via AFP

المقدمة

بعدما بدأ نظام موسوليني “التهدئة” مع ليبيا، تخلى عن التعاون الشكلي مع القادة الليبيين، فنقض المعاهدات معهم، ما أدى إلى ارتحال إدريس السنوسي أمير برقة عام 1922 إلى مصر.

وقررت الحكومة الإيطالية الفاشية احتلال ليبيا كاملة، فأرسلت جنودها إليها ليصلوا إلى قرابة 20 ألف جندي بحلول عام 1926. وقمعت السكان بالقنابل والغاز السام حتى استسلم ما بقي من قادة السنوسيين في برقة عام 1928. وفي العام التالي، توحد الإقليمين الشماليين تحت حكم المارشال الفاشي بييترو بادوليو وأصبحت طرابلس عاصمة البلاد. إلا إن ذلك لم يمنع استمرار السنوسيين في المقاومة تحت قيادة عمر المختار.

عمر المختار (1858-1931)

وُلد الشيخ السنوسي عمر المختار على الأرجح عام 1858 أو 1862 في منطقة الجبل الأخضر في إقليم برقة. وتلقّى تعليمه في الجغبوب ليصبح شيخاً ومعلماً. وعمِل محفّظاً للقرآن الكريم، ثم حارب الاستعمار الأوروبي. وبدأ مقاومته بمواجهة التوغل الفرنسي في الصحراء الكبرى صوب تشاد بين عامي 1900 و1902. ثم انضم إلى المقاومة السنوسية ضد الاحتلال الإيطالي لإقليم برقة عام 1911. كما ساند الإمبراطورية العثمانية إبان الحرب العالمية الأولى بمهاجمة القوات البريطانية في مصر.

رفض عمر المختار السيطرة الأوروبية على الأراضي الإسلامية رفضاً قاطعاً. فلما بدأت القوات الإيطالية تتوغل إلى عمق إقليم برقة، استغل معرفته بشعابها ووحّد قبائلها المختلفة وقاد حرب عصابات ناجحة استطاع فيها رجاله رغم قلة عتادهم أن يلحقوا الهزيمة بالإيطاليين عدة مرات. واستمرت مقاومته حتى عام 1931 حين أسره الجيش الإيطالي وقد بلغ 73 عاماً، وأعدمته شنقاً بعد محاكمة صورية بتهمة الخيانة في معسكر اعتقال أمام 20 ألف سجين. وأصبح بطلاً قومياً بعد الاستقلال، وآثر القذافي بعد انقلاب عام 1969 أن يضع صورته على العملة الورقية.

ليبيا حرب الاسترداد الإيطالية
ملصق دعائي إيطالي عام 1932 لشركة شمال إفريقيا للخطوط الجوية. Private collection ©Luisa Ricciarini/Leemage via AFP

الاستعمار الإيطالي في ليبيا

عقدت الحكومة الإيطالية بعد انتهاء “حرب الاسترداد” اتفاقاً لترسيم الحدود مع فرنسا في غرب إفريقيا وبريطانيا في مصر. لكن فرنسا وإيطاليا لم يصادقا على ترسيم حدود قطاع أوزو ما أدى إلى نشوب حرب بين تشاد وليبيا في ثمانينيات القرن العشرين.

ورغم أن الاستعمار الإيطالي وضع حجر الأساس الذي بُنيت عليه وحدة البلاد، فإن كلفته كانت باهظة على الشعب الليبي. فقد كان الغزو دموياً وإبادياً، إذ اعتقل الجيش الإيطالي ثلثي سكان شرق ليبيا في معسكرات الاعتقال وقتلوا ما لا يقل عن 40 ألفاً لهزيمة عمر المختار. كما قصف مدينة الكُفرة بالغاز السام، وبنى سياجاً من الأسلاك الشائكة امتد من الساحل حتى واحة الجغبوب لإيقاف الدعم والتعزيزات القادمة من مصر.

وفي غير مناطق الحرب، جعلت الإدارة الإيطالية كل الأراضي غير المزروعة مشاعاً عاماً متاحاً للاستيطان الأجنبي. وشمل ذلك الأراضي التي كان يرعى السكان فيها ماشيتهم، فمات معظمها. لكن أعداد المستوطنين لم تصل إلى ما كان متوقعاً حتى بداية الحرب العالمية الثانية. كما لم يوفر النظام الاستعماري الإيطالي التعليم لأهل ليبيا، ما عدا تعليماً ابتدائياً ضعيفاً ومحصوراً في طبقة معينة.

وتختلف المصادر في الإحصاءات التي توضح حجم الكارثة الديمغرافية التي حلّت بالليبيين: فقد قلّ عددهم من 1.4 مليون عام 1907 إلى 1.2 مليون عام 1912، ثم إلى 825 ألفاً عام 1933 وفقاً لأحد المصادر. ويذهب مصدر آخر إلى فقدان ثلث الذكور البالغين بين عامي 1922 و1931. ويقدّر مصدر ثالث أن ما يقرب من نصف سكان ليبيا قضوا نحبهم في الفترة بين عامي 1911 و1933.

ليبيا حرب الاسترداد الإيطالية
فقد محمد عبد السلام، 76 عاماً، ذراعيه بسبب قنبلة يدوية في أثناء الاحتلال الإيطالي. التُقطت له الصورة وهو يقف في محله في مدينة بنغازي معقل الثوار الليبين في 25 يوليو 2011. AFP PHOTO/GIANLUIGI GUERCIA

وكانت بعض الخسارة في السكان بسبب هروبهم من الاستعمار. فقد حدثت موجتان كبيرتان من الهجرة. وقعت الأولي بعد الغزو الإيطالي عام 1911، إذ هاجر الفقراء والبدو من أهل طرابلس إلى تونس الخاضعة للحكم الفرنسي، وهاجروا من إقليم برقة إلى مصر. أما الموجة الثانية، فحدثت في أثناء “حرب الاسترداد” الفاشية، إذ هاجر رجال القبائل الطرابلسية إلى تونس ومصر، فعملوا في التعدين في تونس وفي الزراعة في مصر. وسافر بعض أبناء العائلات الثرية إلى مصر للدراسة والعمل، وشكّلوا أول منظمة سياسية في المنفى. كما جمعوا الدعم المادي للمقاومة في إقليم برقة، ثم شكلوا رابطة تروّج للقومية العربية في إقليم طرابلس. كما اتخذت القيادة السنوسية التقليدية مصر قاعدة لها.

ولم تنجح محاولة الإيطاليين في إقامة استعمار استيطاني إلا في إزاحة الليبيين من مناصب السلطة. لكن الوقت لم يمهلهم لاستكمال خططهم، فقد عاجلهم البريطانيون بالهزيمة في معارك الحرب العالمية الثانية المحتدمة على رمال الصحراء الليبية.

Advertisement
Fanack Water Palestine