وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

ليبيا: المجتمع المدني يُحيي الهوية الوطنية

ليبيا المجتمع المدني
نباشون يحملون المواد المعاد تدويرها من مكب نفايات لسد رمق عائلاتهم في طربلس، ليبيا، 10 سبتمبر 2020. تُنقل نفايات طرابلس إلى مكب يبعد عن المدينة 40 كيلومتراً نتيجة مشكلات في الأمن والبنية التحتية، إذ يعاني الناس للحصول على أبسط الخدمات العامة بسبب الحرب الأهلية المندلعة منذ عام 2011. Hazem Turkia / Anadolu Agency via AFP

فشل خطط الانتخابات

ليبيا المجتمع المدني
وزيرة الخارجية في حكومة الوحدة الوطنية الانتقالية الليبية نجلاء المنقوش تقف لالتقاط صورة في طرابلس، في 17 مارس 2021. الناشطة والمحامية البنغازية هي أول امرأة تتولى منصب وزيرة الخارجية ضمن تشكيلة الحكومة التي شملت خمس نساء منهن اثنتان في مناصب وزارية سيادية. ومع ذلك، أثارت هذه الخطوة الأولى في تاريخ البلاد انتقاد النشطاء لأنه أقل من المطلوب ولا يفي بالتزامات الأمم المتحدة. Mahmud TURKIA / AFP

تكرر خرق وقف إطلاق النار لعام 2020 عدة مرات، واقترحت الأمم المتحدة إرسال مراقبين والتعجيل بانتخاب رئيس وزراء جديد. وهو ما فعله مجلس النواب الليبي حين اجتمع في سرت في مارس 2021. إذ انتخب حكومة جديدة وصفها بحكومة الوحدة الوطنية برئاسة عبد الحميد الدبيبة وهو رجل أعمال من مصراتة، وعيّن في الحكومة المحامية والناشطة الحقوقية نجلاء المنقوش وزيرةً للخارجية وكانت أول امرأة تتولى هذا المنصب.

وفي 24 يونيو، أعلنت الحكومة المؤقتة عقد الانتخابات في 24 ديسمبر، وبداية الانسحاب التدريجي للقوات الاجنبية. وبدت نجلاء المنقوش متفائلة بإمكانية بناء الثقة وإطلاق زخم لمزيد من التغيير.

لكن الأجواء لم تكن صافية. فقد كان فتحي باشاغا وزير الداخلية السابق من أوائل من أعلنوا ترشحهم للانتخابات الرئاسية. واتهم الحكومة المؤقتة بالرغبة في تأجيل الانتخابات للحفاظ على مصالحها المالية. وقال إنه على وفاق وثيق مع تركيا، وأثنى على بعض ميليشيات مصراتة ووصف الجيش الوطني الليبي “بالمرتزقة”. كما قال أنصار سيف الإسلام القذافي إنه سيخوض الانتخابات.

وبدأت الآلية الانتخابية عملها. ففي الأسبوع الأخير من أكتوبر 2021، فُتح باب الترشح الرسمي لمنصب الرئيس وبدأ تسجيل الكشوف الانتخابية. وقد حصل 2.5 مليون ناخب ليبي على بطاقاتهم الانتخابية حسبما أوردت الأنباء.

سجّل 62 مرشحاً أوراقهم لانتخابات الرئاسة منهم امرأة واحدة. وكان من ضمنهم عبد الحميد الدبيبة وسيف الإسلام القذافي وخليفة حفتر الذين لا يخلو تاريخهم من الشوائب. فقد تعهد الدبيبة عندما وصل إلى رئاسة الحكومة المؤقتة بأنه لن يترشح. أما حفتر، فقد فتحت المحكمة الجنائية الدولية تحقيقاً في أغسطس في اتهامات له بارتكاب جرائم حرب. كما أكّد المدعى العام العسكري في طرابلس على بطلان ترشح سيف الإسلام القذافي لإدانته غيابياً في جرائم حرب عام 2015. وفي 24 نوفمبر، استُبعد الثلاثة ومعهم 21 آخرين، لكنهم استأنفوا في المحاكم فأُعيد تسجيل ترشيحهم.

وتأجلت الانتخابات في 23 ديسمبر لمدة شهر، لكن مجلس النواب الليبي اعتبر مدة ولاية الحكومة المؤقتة منتهية، وصرّح بتعيين حكومة جديدة.

وفي نهاية يناير 2022، حاولت الأمم المتحدة مرة أخرى إجراء الانتخابات، إذ دعت المستشارة الخاصة للأمين العام المعنية بالشأن الليبي، ستيفاني وليامز، مجلس النواب الليبي للتحضير للانتخابات من جديد.

وجاء رد مجلس النواب في بداية فبراير بتعيين فتحي باشاغا رئيساً للوزراء، لكن الدبيبة رفض الاستقالة بحجة أنه لن يسلّم السلطة إلا لحكومة منتخبة ورفض السماح لباشاغا بدخول طرابلس. فنقل مجلس النواب مقر الحكومة إلى سرت، حيث اجتمع فيها في يونيو ومرّر ميزانية الحكومة متحدياً المصرف المركزي لتعطيل تعهده بتمويل حكومة الدبيبة.

وعام 2022، عادت ليبيا مرة أخرى لتكون لها حكومتان ونظامان ماليان منفصلان.

المجتمع المدني: دروس جائحة كورونا

أظهرت الأحداث بين عامي 2018 و2021 ألّا غنى للحكومتين المنفصلتين إحداهما عن الأخرى. فلا إنتاج للنفط دون الهلال النفطي في الشرق، ولن يُباع من دون المؤسسة الوطنية للنفط والمصرف المركزي في الغرب. وقد توقف دخل البلاد تماماً عندما توقفت صادرات النفط. كما قدّرت المؤسسة الوطنية للنفط خسائر الإغلاق الذي استمر ستة أشهر بين عامي 2019 و2020 بستة مليارات دولار.

لكن بعض مؤسسات الدولة أظهرت مرونة ملفتة، فقد استمر عمل المصرف المركزي في طرابلس على المستوى الإداري وتنسيق أنشطته مع المصرف المركزي المنافس له في البيضاء. وكان المصرفان قد أصدرا في عام 2016 عملات ورقية جديدة لتعويض النقص في السيولة. وكانت لهما تصميمات متشابهة لكنهما اختلفا في بعض الخصائص الأمنية والعلامات المائية وتسلسل الأرقام. ومع ذلك، اتفقا على الإشراف المشترك على إصدار العملات الجديدة حتى يعمّ تداولها جميع أنحاء ليبيا.

وأعلنت حكومة طرابلس الإغلاق العام بعد أسبوعين من إعلان منظمة الصحة العالمية كورونا جائحة عالمية، وأغلقت الحدود وألغيت رحلات الطيران وأغلقت المدارس وأماكن العمل والمساجد.

وكان القطاع الصحي يعاني الإهمال ونقص التمويل والموارد البشرية لعقود، لكنه لم ينهر كما كان متوقعاً. وكان تطبيق الإغلاق العام سهلاً نظراً إلى تمركز الحياة في المدن في ليبيا. ورغم قلة اختبارات الإصابة بالوباء وصعوبة حصر أعداد المصابين، لم يحدث الضغط المتوقع على المستشفيات. ورُفعت القيود في نهاية شهر رمضان (مايو 2020) أعقبها ارتفاع كبير في الإصابات، وكانت عودة الليبيين العالقين في الخارج أحد أسباب هذا الارتفاع.

كانت منظمات المجتمع المدني هي من تقود الاستجابة لجائحة كورونا وليس الحكومة. وهو نمط عام في ليبيا مثلها مثل بقية دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. “المجتمعي يسبق الحكومي”، أي إن الاستجابات المجتمعية من المنظمات غير الحكومية والمجتمع المدني أنجح في حل المشكلات من الأجهزة الحكومية.

كما اضطُرت المنظمات الرسمية إلى الاعتماد على الدوافع الشخصية لكوادرها. وأوضح مثال على ذلك ما جاء في الفيلم الوثائقي الذي عرضته القناة الرابعة في التلفزيون البريطاني ويعود عام 2014. إذ يحكي الوثائقي عمل فرقة الإطفاء في طرابلس، وهي تتبع رسمياً هيئة السلامة الوطنية، لكنا التي تعمل دون معدات كافية كصافرات الإنذار على سيارات الإطفاء والخوذ وأنابيب الأكسجين. وكان المصرف المركزي يدفع رواتبهم، لكنها كانت عرضة لتقلب أهواء الميليشيات. وقد لخص أحد رجال الإطفاء ما يفعلونه في أثناء هذه الفترة المبكرة من الاضطرابات وهو يقوم بطلاء المحطة قائلا:
“هذه واجهة الدفاع المدني وعلينا الحفاظ عليها، هذه مهمتنا. فنحن نعمل ونبيت هنا، وإذا لم نقم بهذا الدور، فمن سيقوم به؟”.

ليبيا المجتمع المدني
عمال الهلال الأحمر في بنغازي والمنظمة الهجرة الدولية يقدّمون المساعدات للعائلات النازحة بسبب النزاع في غرب ليبيا. Photo Benghazi Red Crescent/Facebook

وفي طبرق، تعاون نشطاء محليون مع الحرس البلدي والغرفة التجارية لضبط أسعار الكمامات والمعقمات. وفي منطقة سوق الجمعة في طرابلس، وهي منطقة ميسورة الحال بالقرب من جامعة طرابلس، وفّرت أحد المساجد معلمين في المدارس لتدريب الطلاب على الاحتياطات الصحية عند إعادة فتح المدارس. وفي طرابلس أيضاً، طوّر متخصصون في تكنولوجيا المعلومات تطبيقاً يُدعى “Covidly” لتوفير المعلومات الدقيقة والحديثة عن معدلات الإصابة بالجائحة. وفي بنغازي، استطاعت شركة ناشئة تطوير ممرات آمنة للمصابين بالفيروس ليتنقلوا خلالها في أرجاء المستشفيات. كما قدّموا تدريبات في البرمجة ونظّموا بطولة روبوت وطنية وطوروا منهجاً عن تكنولوجيا المعلومات لتدريسه في المدارس.

كما ساعدت المنظمات التطوعية العريقة مثل الهلال الأحمر والحركة العامة للكشافة والمرشدات على العمل في المستشفيات والمكاتب العامة وتوصيل الإمدادات الطبية للاجئين نتيجة القتال في غرب ليبيا. كما دعمت الجمعيات الخيرية الأسر النازحة في مدينة بني وليد.

واستطاعت المنظمات التطوعية بهذه الطريقة ترميم الهوية القومية الليبية التي دمّرتها صراعات الحكومات المتنافسة. وقد أدت فاعلية الاستجابة غير الرسمية، وتقاعس مؤسسات الدولة إلى تقويض شرعية الحكومات الليبية في الداخل سواء حازت الاعتراف الدولي أم لا.

واستمرت الاضطرابات حتى الأن أكثر من عقد من الزمان، كما ارتفع الضغط السياسي خلال شهور الصيف الحارة بسبب نقص الوقود وانقطاع التيار الكهربائي لأكثر من 18 ساعة في اليوم.

وفي 1 يوليو 2022، اقتحم المتظاهرون مقر البرلمان في طبرق، واحتشدوا في طرابلس وبنغازي مرددين “نريد الكهرباء”،. ورفع بعضهم علم الجماهيرية الأخضر: رمز النظام السياسي الذي أسسه معمّر القذافي الذي أزاحه الليبيون عام 2011.

Advertisement
Fanack Water Palestine