وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

المجتمع في ليبيا

احد الليبيات تهتف ضد القذافي في مظاهرة نسائية
احد الليبيات تهتف ضد القذافي في مظاهرة نسائية

المقدمة

تعتبر ليبيا بعدد سكانها الستة ملايين نسمة من أقل الدول العربية كثافةً سكانية، وهم يتوزعون بأعداد قليلة في إحدى أكبر الدول مساحةً.

معظم سكان ليبيا هم من المسلمين السنّة، غير أن الأمر لم يكن كذلك دائماً. اليوم، تقتصر المسيحية على المغتربين. تاريخياً، كان هناك طائفة يهودية كبيرة، إلا انها اختفت تماماً. وليس هناك تمييز بين العرب والبربر كما في المغرب والجزائر؛ وفقط بعد سقوط القذافي بدأت الأعداد القليلة من البربر تشعر بهويتها.

اتصف حكم القذافي بالدكتاتورية والقمع الشديدين. جاءت ثورة عام 2011 بانفتاح سياسي. يصف عدد كبير من الليبيين مجتمعهم بأنه “محافظ”؛ الصفة التي عززها حكم القذافي بجعل العائلات تركز على المقربين من أجل الثقة والوفاء. كان القذافي يعتمد على العدائية والوفاء على مبدأ فرّق تسُد. عززت ثورة عام 2011 الوعي بالهوية القبلية والشعور بالوحدة بين السكان.

هيمن القذافي على المجتمع الليبي لأكثر من أربعين عاماً. وكان لحكمه الدكتاتوري تأثير على العقلية الجماعية للسكان والثقافة والإعلام. وكانت كتاباته وخطاباته تحدد سلوك وتفكير الليبيين في كل مجالات الحياة: التعبير والتعليم والترفيه والرياضة والفنون والثقافة.

كان من الصعب تعليم طلاب المدارس والجامعات التفكير المستقل في ظل هذه الظروف. وكان انعدام الثقة يعني أن الحياة اليومية كان يحكمها الخوف من وجود “هوائي إرسال” يحدد إذا كان شخص ما “خائن لثورة القذافي”. وصف بعض الليبيين الشعب الليبي على أن جميعهم “سجناء القذافي”.

كان هذا على خلفية نمو اقتصادي استثنائي. فمع بدء استغلال النفط في الستينيات، تغيرت خصائص المجتمع الليبي بشكل جذري. فقد تحولت من دولة فقيرة إلى مجتمع أكثر ازدهاراً، كما شهدت تغيرات سكانية. تأثرت العلاقات في المجتمع الليبي بوصول أعداد كبيرة من العمال المهاجرين من العالم العربي وإفريقيا وآسيا. وتُعتبر ليبيا حالياً البلد الأكثر ازدهاراً في القارة الإفريقية.

بعد رفع الحظر، شهدت البلاد انتعاشاً اقتصادياً وزيادة في الاستهلاك. بعد ثورة عام 2011، ظهرت المبادرات خاصة وازداد عدد الشركات الصغيرة والمتوسطة.

مؤشر التنمية البشرية

تحتل ليبيا المرتبة 64 (من أصل 186) في مؤشر التنمية البشرية لعام 2012. وهذا يضعها في فئة الدول ذات “التنمية البشرية المرتفعة”. وبذلك تتقدم على البلدان المجاورة، مثل تونس (94) والجزائر (94) والمغرب (130) ومصر (112)؛ فيما تسبقها في الترتيب البلدان الكبرى المصدرة للغاز والنفط، مثل الإمارات العربية المتحدة (41) وقطر (36) والبحرين (48) والمملكة العربية السعودية (57) والكويت (54).

تسجل ليبيا معدلات مرتفعة في بعض المجالات: الإلمام بالقراءة والكتابة 89,2%؛ التحاق الطلاب بالمدارس الابتدائية والثانوية والتعليم العالي 83%. وهناك تحسن ملحوظ في عوامل كثيرة خلال السنوات الثلاثين الماضية: متوسط العمر المتوقع من 46,6 سنة عام 1960 إلى 60 عام 1980 و 74,9 عام 2011 (البنك الدولي).

على الصعيد الدولي، تسجل ليبيا نقاطاً منخفضة (0,216) في مؤشر عدم المساواة بين الجنسين: المرتبة 64، بعد المملكة العربية السعودية وقبل لبنان والجزائر وتونس والمغرب.

مؤشر التنمية البشرية في ليبيا

العشائر والمجتمعات

القيائل و الاقليات العرقية في ليبيا
القيائل و الاقليات العرقية في ليبيا

تاريخياً، كانت ليبيا مجتمعاً قبلياً. وعلى خلاف بلدان شمال إفريقيا الأخرى، لا يزال للقبائل دور أساسي في الهيكل السياسي. غير أن هذه ليست مسألة عرقية أصلاً: فعدد متحدثي اللغة البربرية قليل نسبياً. بعد انقلاب عام 1969 بشكل خاص، قمع القذافي كل تعبير عن الهوية البربرية. ولكن منذ ثورة عام 2011 التي لعبت فيها المجتمعات البربرية دوراً أساسياً، تزايد استعمال اللغة البربرية والتعبير الثقافي البربري. وحتى الاستقلال عام 1951، بل حتى منذ وصول القذافي إلى السلطة، تقلصت أعداد الطائفة اليهودية الكبيرة تاريخياً إلى حد كبير؛ هاجروا إلى إسرائيل وأمريكا الشمالية وأوروبا.

المرأة

مظاهرة نسائية عام 2011 لم ينص دستور عام 1951 الملكي على حماية المرأة. فقد نصت المادّة 11 ببساطة على أنّ “جميع الليبيين متساوون أمام القانون ويتمتعون بحقوق مدنية وسياسية متساوية ويملكون الفرص ذاتها ويخضعون للالتزامات والواجبات العامة ذاتها بدون أي تمييز فيما يتعلق بالدين أو العقيدة أو العرق أو اللغة أو الثروة أو النسب أو الآراء الاجتماعية أو السياسية”.

تم إلغاء هذا الدستور بعد انقلاب عام 1969 ولم يتم استبداله. فالجزء الثالث من الكتاب الأخضر يتضمن فصلاً مطولاً بشأن المرأة، مقدمته: “المرأة والرجل متساويان إنسانياً بداهة” – الأمر الذي يشدد على الفروقات بين الرجال والنساء. ونصّ على أنّ “هناك فرق طبيعي بين الرجل والمرأة ، والدليل عليه وجود رجل وامرأة بالخليقة..وهذا يعني طبعاً وجود دور لكل واحد منهما يختلف وفقاً لاختلاف كل واحد منهما عن الآخر”. وقد خلص إلى القول “ليس هناك فرق في الحقوق الإنسانية بين الرجل والمرأة، والكبير والصغير. ولكن ليست ثمة مساواة تامة بينهم فيما يجب أن يقوموا به من واجبات”.

على خلفية هذه البيانات المحافظة، كانت ليبيا البلد العربي الأوّل الذي وقّع اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، على الرغم من تحفظاتها حول أجزاء منها تشير إلى المساواة أمام القانون (الميراث) والزواج والعلاقات العائلية. كانت ليبيا واحدة من بين عدة دول عربية وقّعت اتفاقية منظمة العمل الدولية بشأن المساواة في الأجور.

سجّلت ليبيا رقماً عالياً في مؤشر عدم المساواة بين الجنسين المتعلق بمؤشر التنمية البشرية، وهو مقياس مركّب يمثّل عدم المساواة في الإنجازات بين الرجل والمرأة في الصحة الإنجابية والتمكين وسوق العمل. عام 2005 أحرزت ليبيا 0,375 مقارنة مع تونس 0,335 والكويت 0,359.

حرّر نظام القذافي وضع المرأة القانوني على وجه التحديد. العمر الأدنى للزواج 20 سنة. ويحظّر الزواج بالوكالة أو بالإكراه، ومُنحت المرأة حقّ الطلاق تماماً مثل الرجل. وتمّ إلغاء تعدّد الزوجات بفعالية: يجوز للرجل أن يتزوج بثانية فقط لأسباب محدّدة شرط موافقة الزوجة الأولى. كما صدر أمر قانوني بالمساواة في الرواتب بين الجنسين. والمرأة ملزمة بتأدية الخدمة العسكرية لمدّة سنة عند بلوغ سنّ 18 من عمرها. وفُتح الباب للمرأة رسمياً بممارسة مهن الرجل التقليدية، مثل الجيش والطيران والهندسة.

أفاد تقرير التنمية البشرية العربية لعام 2005 أنّ ليبيا حقّقت المساواة بين الجنسين في التعليم العالي؛ التحاق المرأة العربية في التعليم العالي مختلف: الأعلى في ليبيا والإمارات العربية المتحدة. كما أشار إلى حظر المهن التي لا تناسب النظرة الليبية التقليدية تجاه المرأة. في الواقع، قلة من النساء يدخلن إلى القوة العاملة بعد التخرج. ويظهر بيانات مؤشر Mundi أنّ 28,2% من النساء في ليبيا يشاركن في القوى العاملة.

من جهة أخرى، واعتباراً من عام 2005، أفادت منظمات حقوق الإنسان عن سجن عدد غير معروف من النساء والفتيات للاشتباه بأنهنّ انتهكن قواعد السلوك الأخلاقي. تم احتجازهن فيما يُسمّى مرافق “إعادة التأهيل الاجتماعي” بسبب رفض الأهل لهن. ووقع بعضهنّ ضحية الاغتصاب وسجنّ لأنّ أهلهن يشعرون بالعار من فعلتهنّ.

حتى الدستور المؤقت الصادر عن المجلس الوطني الانتقالي عام 2011 لم يخصّ النساء بالذكر. تنص المادة 6 على أنّ “الليبيين متساوون أمام القانون. فهم يتمتعون بحقوق مدنية وسياسية متساوية ويملكون الفرص ذاتها ويخضعون للواجبات والالتزامات ذاتها بدون أي تمييز بسبب الدين أو العقيدة أو اللغة أو الثروة أو العرق أو النسب أو الآراء السياسية أو القبيلة أو الأمانة العائلية”. ولكنها التزمت بحزم بالرأي التقليدي بشأن العلاقات بين الجنسين. وتنص المادة 5 على ما يلي: “إنّ العائلة هي أساس المجتمع ويحقّ لها أن تتمتّع بحماية الدولة. وعلى الدولة أيضاً أن تحمي الزواج وتشجّعه. عليها أن تضمن حماية الأمومة والطفولة والشيخوخة. كما عليها أن تهتمّ بالأولاد والشباب والمعوّقين”.

انعكست هذه النظرة المحافظة في قرار المجلس الوطني الانتقالي الصادر في كانون الثاني/يناير 2012 الذي يدعو إلى إسقاط اقتراح تخصيص 10% كحدّ أدنى من الحصص للنساء في المجلس النيابي. وفي انتخابات تموز/يوليو 2012 اقترعت 1,3 مليون امرأة وترشحت 540 امرأة على لوائح الأحزاب وخاضت 85 امرأة الانتخابات كمرشحات مستقلات (2415 رجل خاضوا الانتخابات كمرشحين مستقلين). حققت المرشحات نتيجة جيّدة في لوائح الأحزاب وفزن بـ 32 مقعداً من أصل 80، وفازت مرشحة مستقلة واحدة بمقعد (من أصل 120 مقعداً) (ليبيا هيرالد، 20 تشرين الأول/أكتوبر 2012).

التعليم والشباب

كان التعليم إحدى نجاحات نظام القذّافي. في ليبيا أقلّ معدّل أمية أساسية في شمال أفريقيا، ولكن قبل انقلاب 1969، كان أكثر من 80% من السكان أمّيين عام 2009، كان 89,2% من الشعب فوق سنّ 15 يجيد القراءة والكتابة. وبلغت نسبة الإنفاق على التعليم العام 3,4% من الناتج المحلّي الإجمالي.

التعليم إلزامي بين 6-15 سنة. وتبدأ المرحلة الثانوية في سن 12. بشكل عام، تذهب الفتيات إلى المدرسة لفترة أطول من الذكور (10 سنوات للفتيات و 8 سنوات للذكور)، الأمر الذي يعتبر غير اعتيادي بالنسبة لبلد عربي. فمعدّل عدد سنوات الدراسة للأشخاص الذين بلغوا 25 أو أكثر هو 7,3. وعندما يذهب الطفل إلى المدرسة، من المتوقّع أن تكون فترة دراسته 16,6 سنة كمعدل متوسط (UNDP). ويبلغ المعدّل الإجمالي للالتحاق بالمدارس لكلا الجنسين 57,1%.

عام 2002 كان هناك أكثر من مليون صبي وفتاة في المدارس الرسمية. رسمياً، ليس هناك نظام روضة أطفال، على الرغم من وجود مبادرات خاصة. التحق أكثر من 300 ألف طالب بالجامعات، من بينها 9 في ليبيا:

  • جامعة عمر المختار (البيضاء وطبرق)
  • جامعة بنغازي (جامعة قاريونس سابقاً)

وهناك أربعة معاهد عليا للتعليم التقني:

  • معهد النفط للتدريب والتأهيل (طرابلس)
  • أكاديمية الدراسات العليا (طرابلس)
نسب محو الأمية في ليبيا
نسب محو الأمية في ليبيا

المعايير ليست عالية: في الترتيب العالمي للجامعات، احتلت أفضل الجامعات الليبية المركز 12081.
يأتي معظم أساتذة الجامعات من مصر والأردن والهند والفلبين. وكانت سياسة اللبينة عقيمة لعدم وجود عدد كافٍ من الليبيين الذين يحملون شهادات عالية. والمشكلة الأخرى، لاعتبارات قومية أيضاً، هي اللغة: فقط اللغة العربية هي المستخدمة في إشارات المرور؛ وردّاً على الغارات الجوية الأمريكية على بنغازي وطرابلس عام 1986، تم حظر تعليم اللغة الإنجليزية. خلق ذلك هوّة كبيرة في تطوير التعليم لجيل كامل تقريباً. عام 2005، تم رفع الحظر المفروض على تعليم اللغة الإنجليزية، مما أدّى إلى ازدهار معاهد اللغة. وفضّل الأشخاص الذين لديهم الإمكانيات المالية تعلّمها في مالطا.

يتألّف التعليم في المدارس الرسمية في ليبيا من 6 سنوات مرحلة ابتدائية (ابتداءً من سن السادسة) و 3 سنوات مرحلة متوسّطة، وهي إلزامية ومجانية. يشمل برنامج التعليم الأساسي: اللغة العربية والرياضيات والعلوم الطبيعية والتاريخ والجغرافيا والآداب والموسيقى والتربية البدنية والمهنية. وما إن يحصل الطلاب على شهادة التعليم الأساسي، يمكنهم أن يختاروا بين العمل ومتابعة الدراسة الثانوية ثلاث سنوات. كما تتألّف مرحلة التعليم الثانوي من ثلاث سنوات في مدرسة ثانوية عامّة، بفرعيها العلمي والأدبي، وهي أيضاً مرحلة تحضيرية للتعليم الجامعي. والبديل هو مدرسة ثانوية مهنية لمدّة أربع سنوات.

ليبيا تعليم
مؤشر التعليم في ليبيا

الشباب

على الرغم من تراجع معدل الولادات خلال الأربعين سنة الأخيرة (انظر بنية الأسرة)، فإنّ نصف الشعب الليبي تقريباً هو دون 30 عاماً. شجّعت قلة الفرص وارتفاع معدلات البطالة والفنوات الفضائية حول الحياة اليومية في البلدان الأخرى الشباب على المشاركة في ثورة عام 2011.

البطالة بين الشباب مشكلة. عام 2011، بلغت البطالة 46,4% للرجال والنساء الذين فوق سنّ 15 و 24,2% فقط بين 15-24 (البنك الدولي).

الصحة

جلبت أموال النفط تحسناً سريعاً على الصحة العامة. عام 1960، كان متوسط العمر المتوقع عند الولادة 46,7 سنوات (47,9 للنساء و 45,5 للرجال)؛ عام 1970 أصبح 51,4 (53 للنساء و 50 للرجال)؛ عام 1990 بلغ 68 (70,4 للنساء و 65,8 للرجال) ليرتفع إلى 75 عام 2011 (77,6 للنساء و 72,4 للرجال. عام 2010 تمّ تلقيح 98% من الأولاد باللقاح الثلاثي وضدّ الحصبة، وحصل 97% من السكان على خدمات الصرف الصحي المحسّنة وأصبح معدّل الإصابة بمرض السلّ 40 من كلّ 100 ألف شخص.

لكن النظام الصحي يفتقر إلى الاستثمار. فقد انخفض الإنفاق الحكومي على الصحة العامة من 5,5% عام 1995 إلى 4% عام 2010، ومن 3,5% من الناتج المحلّي الإجمالي إلى 4,4% خلال الفترة ذاتها. كما ساهم الحظر إلى حدٍّ كبير في إهمال المستشفيات والعيادات. عام 1997، بلغ عدد الأطباء الممارسين 1,29 لكلّ ألف شخص، وبحلول عام 2009 ارتفع هذا العدد إلى 1,9 لكلّ ألف شخص.

متوسط الاعمار في ليبيا
متوسط الاعمار في ليبيا

وكان يتم استخدام كوادر طبية من البلاد العربية وأوروبا الشرقية. ولكن فضّل الليبيون تلقي العلاج الطبي في تونس وتركيا. عام 2010، بلغ إجمالي الإنفاق الصحي للفرد الواحد 713، أي 3,9 من الناتج المحلي الإجمالي.

وفق منظّمة الصحة العالمية (2013)، متوسط العمر المتوقع عند الولادة هو 70 و 75 للرجال والنساء على التوالي. وترتبط بعض عوامل المخاطر بثروة ليبيا النسبية: عام 2008 أصيب 14,5% من الذكور و 14,4% من الإناث البالغين بداء السكري؛ كما أصيب 45,2% من الذكور و 38,9% من الإناث بارتفاع ضغط الدم؛ ويعاني 21,5% من الذكور و 41,3% من الإناث من البدانة، 47% من الذكور البالغين (وعدد لا يُذكر من الإناث) كانوا يدخّنون (11% من المراهقين الذكور و 5% من الإناث). وكان تناول المشروبات الكحولية ضئيلاً جداً. وهذه الأرقام أكثر ارتفاعاً من بلدان أخرى في المنطقة؛ في المغرب مثلاً كان داء السكري 10,6% للذكور و 10,9% للإناث، وارتفاع ضغط الدم 34% للذكور و 37,6% للإناث، والبدانة 11,1% للذكور و 23,1% للإناث، وكان 2% من الإناث و 33% من الذكور البالغين يدخنون.

معدّل الوفيات عند الأطفال دون الخامسة من العمر هو 17 لكلّ ألف ولادة حية من الجنسين، وهي نسبة منخفضة مقارنة مع المتوسّط الإقليمي الذي يبلغ 68 والمتوسّط العالمي البالغ 57. وفق بيانات البنك الدولي لعام 2012 أنّ متوسّط معدّل الوفيات عند الرضّع يبلغ 13.

يشكّل نقص المناعة المكتسبة مشكلة متفاقمة، خصوصاً بين المهاجرين من بلدان شبه الصحراء الإفريقية حيث يشكّل أحد أسباب الوفاة الرئيسية. وبحلول عام 2006، أشارت منظّمة الصحة العالمية أنّ 10,450 شخص يحملون فيروس نقص المناعة المكتسبة، ولكن يقدّر الخبراء أنّ العدد الفعلي لمرضى نقص المناعة المكتسبة هو أعلى بكثير.

اختلالات التوازن

شهدت ليبيا نمواً سريعاً فائق الوصف منذ اكتشاف النفط. وهذا جلب معه تطوراً سريعاً، لكن لا يزال هناك اختلالات اجتماعية واقتصادية كبيرة. فعلى سبيل المثال، كانت نسبة التعليم 82,69% للإناث و 95,61% للرجال (البنك الدولي)، مع أن الهوة تقلصت بشكل كبير في عهد القذافي (كانت 42,3%، مقارنة بـ 77% عام 1984) ونسبة الفتيات المتعلمات في الفئة العمرية 15-24، 99,9% عام 2010). الذكور أكثر من الإناث في القوة العاملة الليبية: عام 2011 كان معدل مشاركة الإناث 30% والرجال 76,8%. يصعب إحصاء الاختلالات الإقليمية وتوزيع الثروة: لم توفر حكومة القذافي الإحصاءات الضرورية.

تسببت الطفرة النفطية في الستينيات بالهجرة إلى طرابلس وبنغازي. عام 1964، 27% من الأراضي كانت حضرية، وارتفعت هذه النسبة إلى 40% بعد 20 عاماً. أثر هذا التغير السكاني على التماسك الاجتماعي التقليدي في بعض الأحياء المدنية التي فاضت بالمهاجرين، ونضبت المناطق الريفية من السكان. ورغم محاولات الحكومة عكس هذه العملية من خلال منح الأراضي لعشرات آلاف عائلات الفلاحين، فضّل الناس الانتقال إلى المناطق التي تقطن فيها قبائلهم. يبدو أن رفع الحظر عام 2003 لم يأت إلا بالمزيد من التفاوت الاجتماعي، ولم يستفد من فوائده سوى أفراد النخبة التجارية الذين لهم ارتباطات مع عائلة القذافي. وهي المشاكل التي تواجهها حكومة ما بعد الثورة. عام 2003، بلغ متوسط الرواتب في القطاع العام 250 دينار ليبي (196 دولار)، وكان للكثير من الليبيين وظائف ثانية.

زادت ثورة عام 2011 من انهيار التماسك الاجتماعي. ورغم التركيز على “تماسك” ليبيا إيديولوجياً، إلا أن انعدام الأمن وانتشار الميليشيات والافتقار إلى الوكالات الحكومية الناشطة وشبكات الضمان الاجتماعي وضع ضغطاً على التماسك الاجتماعي. وفي ظل هذه الظروف، يوفر الانتماء القبلي والإسلام شعوراً قوياً بالأمن والهوية. وفق تقرير التنمية البشرية العربية لعام 2005، بلغت تغطية المعاشات التقاعدية في ليبيا، حيث يعمل غالبية المواطنين في القطاع العام، 70%.

الجريمة

في عهد القذافي، كانت الأجهزة الأمنية تقمع الجريمة. عام 2008، بلغ معدل جرائم القتل 2,9 لكل 100,000 شخص، وهي نسبة غير منخفضة (مقارنة مع مصر 1,0 والمغرب 1,4 وتونس 1,1)، مع أنها كانت أدنى بكثير من لبنان (6,1). كان هناك 9 حالات إعدام في ليبيا عام 2007 (مقارنة بـ 42 في الولايات المتحدة الأمريكية و 48 في مصر وصفر في المغرب وتونس). عام 2013 احتلت ليبيا المركز 47 (من أصل 173) من حيث عدد السجناء لكل 100,000 شخص.

ازدادت الجريمة بشكل كبير في طرابلس بعد ثورة عام 2011. أفادت التقارير عن سطو مسلح وخطف كتصفية حسابات وسرقة سيارات وسرقة بيوت وجرائم مع استخدام السلاح. وهناك تقارير عن سرقة أجور العمال الأجانب وهواتفهم النقالة. وقبيل سقوط طرابلس في أيدي قوات المجلس الوطني الانتقالي، أفرج نظام القذافي عن 15,000 إلى 16,000 مجرم، بقي معظمهم أحراراً عام 2013. ومن غير الواضح درجة تورطهم الفعلي في الأعمال الإجرامية لأنهم لم يحصلوا على محاكمات عادلة، كما تفتقر ليبيا إلى جهاز قضائي مستقل وموثوق. تم نهب مئات آلاف الأسلحة الخفيفة من المنشآت الحكومية وهي الآن في يد السكان المحليين، مما ساهم في ارتفاع معدل جرائم العنف. أطلقت الحكومة حملات لتسليم الأسلحة، ولكن نتائجها لم تكن مقنعة. غالباً ما كان السجناء المدانون يفرون من السجن. ففي تموز/يوليو عام 2013، نظم حوالي 1200 سجين عملية فرار جماعي من سجن كويفية في بنغازي، أعيد القبض على قلة منهم.

إحصاءات الجريمة ليست موثوقة، ولكن وزارة الداخلية أعلنت في كانون الأول/يناير عام 2013 أن عدد جرائم القتل ارتفع بين العامين 2010 و 2012 من 87 إلى 525 (503%)، كما ازدادت السرقات من المحال والمكاتب من 143 إلى 783 (448%) وسرقة البيوت الخاصة من 1,842 إلى 2,387 (30%) (ليبيا هيرالد، 9 كانون الثاني/يناير 2013).

بعد ثورة عام 2011، حلت ميليشيات متنوعة محل الشرطة في الحفاظ على الأمن الداخلي. ويقيم أعضاء هذه المليشيات حواجز داخل المدن الرئيسية وبينها. أفراد الميليشيات الليبية غير مدربين وغير تابعين للحكومة. كما تحدث اشتباكات بين هذه الميليشيات ترافقها عمليات قتل بدافع الانتقام.

تشكل حوادث السير التهديد الأكثر شيوعاً للزوار، وحوادث السطو المسلح في المناطق المدنية والريفية في ازدياد.

أحدث المقالات

فيما يلي أحدث المقالات التي كتبها صحفيون وأكاديميون مرموقون بشأن موضوع “المجتمع” و “ليبيا”. تم نشر هذه المقالات في ملف البلد هذا أو في أي مكان آخر على موقعنا على الإنترنت:

Advertisement
Fanack Water Palestine