استقبل العالم بارتياح وإعجاب بالغين في أوائل سبتمبر 2019 تعيين السيدة أسماء محمد عبد الله كأول وزيرة خارجية في تاريخ السودان والثانية في تاريخ الدول العربية. غير أن هذا التقدم الواضح في المساواة بين الجنسين فتح جدلاً واسعاً في السودان حول دور وحجم ونوعية تمثيل النساء في حكومة السيد عبد الله حمدوك، الخبير الاقتصادي المخضرم الذي أدى اليمين الدستورية كرئيسٍ للوزراء في الحكومة الانتقالية في البلاد في 6 سبتمبر.
وكان رئيس الوزراء حمدوك قد قال في تصريحات سابقة له إنه يتطلع إلى مشاركة أكبر للنساء في الحكومة، تضاهي دورهن في الثورة السودانية التي شهدت الإطاحة بالديكتاتور السابق عمر البشير من السلطة في 11 أبريل.
تشكلت الحكومة الجديدة بموجب وثيقة دستورية تم التوقيع عليها بين قيادات الجيش وتحالف قوى الحرية والتغيير، التي نصت صراحة على ضرورة تمثيل النساء بنسبة أربعين في المائة في مختلف مستويات الحكم في مجلس السيادة والجهازين التنفيذي والتشريعي.
وعلى الرغم من الإتفاق، ضمت السلطة الانتقالية الجديدة أربع نساء في مجلس الوزراء الذي يتكون من 20 وزيراً، وامرأتان في المجلس السيادي، الهيئة المؤلفة من 11 عضواً التي ستعمل كرئاسة جماعية للبلاد حتى عام 2022 إلى حين التخطيط لإجراء انتخاباتٍ حرة. وهذا يشكل نفس النسبة تقريباً وتكاد تكون مساوية أن لم يكن اقل من عدد النساء في حكومات عمر البشير.
وقالت هالة الخير، المديرة الإقليمية للمبادرة الاستراتيجية للنساء في القرن الإفريقي: “إن فقر التنوع الجندري يجعل فريق التفاوض [الذي صاغ اتفاقية تقاسم السلطة مع الجيش] محدود الفكر وضيق الأفق.”
وأضافت أن “معظم الأحزاب السياسية التي تتفاوض حالياً نيابة عن الشعب السوداني لم تتناول التحديات التي تواجهها المرأة. نهدُف ونطمح للوصول لنسبة 50% [من تمثيل المرأة].”
وتتفق معها تهاني عباس، وهي محامية تعمل لدى منظمة «لا لقهر النساء» قائلة: “نريد مشاركةً عادلة ومتساوية الفُرَص بناءً على المؤهلات. ومع أنَّ النساء حاضراتٌ في كل مكانٍ بالاحتجاجات، فإنَّ اجتماعات قادة الاحتجاجات بالمجلس العسكري يحضرها في الغالب رجال ويُعلِنها رجال ولا تخاطب مطالب النساء صراحةً.”
وزيرات جدد وجدل مبكر
يمكن القول أن أسماء محمد عبد الله (73 سنة)، تشغل أكثر المناصب بروزاً من بين النساء الست المعينات. أكلمت أسماء المولودة في الخرطوم دراستها في جامعة الخرطوم حيث درست العلوم السياسية وكانت أول السيدتين اللتان التحقتا بالسلك الدبلوماسي في العام 1971. وبعد 20 عاماً من الخدمة وصلت إلى مرتبة وزير مفوض وعملت في عدد من البعثات الدبلوماسية منها المغرب والسويد والنرويج والأمم المتحدة وبعد ذلك نائب مدير إدارة الأمريكتين في وزارة الخارجية. وعملت أيضاً لفترة قصيرة في المنظمة الإسلامية للتربية والثقافة والعلوم.
كانت من أوائل ضحايا عمليات الإبعاد بعد أن استولى عمر البشير على السلطة عام 1989، حيث خسرت أسماء عبد الله وظيفتها وأبعدت مع عدد كبير من الدبلوماسيين من وزارة الخارجية عام 1991، بموجب قانون “الفصل للصالح العام،” وهو غطاء استخدمه الإسلاميون لإقصاء خصومهم السياسيين من الخدمة العامة.
وهكذا، فإن تعيينها مؤخراً كوزيرةٍ للخارجية يُنظر إليه على نطاق واسع ليس بكونه انتصاراً للمساواة بين الجنسين فحسب، ولكن أيضاً تقديراً رمزياً لعشرات الآلاف من الذين تم تشريدهم في بلادهم بفصلهم من الخدمة العامة باسم الصالح العام.
وبالرغم من عملها الدبلوماسي لسنواتٍ طويلة، بيد أنها لم تكن معروفةً لدى غالبية السودانيين حيث لم يسمع بها الكثيرون من قبل ولم يعرف عنها اهتمام بالشأن العام والسياسة خاصة. فقد جاء تعيينها مفاجأة لدى العديدين الذين توقعوا أن يحظى السيد عمر قمرالدين، الذي عرف بمعارضته الطويلة والنشطة لنظام الرئيس البشير، بالمنصب.
وفي الأسابيع الماضية، انتشرت على مواقع التواصل ملاحظات سلبية حول أدائها في المؤتمرات الصحفية والحوارات التلفزيونية وتعليقات لا تخلو من سماجة حول سنها وتمثيلها للشابات اللواتي تظاهرن لأشهر في شوارع الخرطوم.
من بين النساء الأخريات اللواتي تم تعينهنّ في الحكومة الجديدة لينا الشيخ عمر محجوب (33 سنة)، كوزيرة وزارة التنمية الاجتماعية. تخرجت من جامعة الأحفاد للبنات وحصلت على بكالوريوس إدارة الأعمال وواصلت دراساتها العليا ونالت درجة الماجستير في الدراسات التنموية من جامعة مانشستر بالمملكة المتحدة.
عملت لدى منظمة كير إنترناشونال التي تعني بالقضايا الإنسانية، حيثس اضطلعت فيها بمراقبة ورصد وتقييم الأنشطة التي يجري تنفيذها في مناطق النزاعات مثل كردفان ودارفور، ثم عملت بوحدة البرامج لدى المفوضية الأوربية في السودان وعملت كذلك استشارية لدى مكتب اتفاق الأمم المتحدة العالمي في نيويورك. وهي واحدة من مؤسسي مركز “إمباكت هب خرطوم،” الذي يعمل على تعزيز بيئة تعاونية لرواد الأعمال والمفكرين والمبدعين للمساعدة في تنفيذ أفكارهم ودعم نموهم المهني وعملهم.
شاركت في أنشطة الثورة بفعالية منذ بدايتها في ديسمبر 2018 وتعتبر ممثلة لبنات جيلها.
كما تم تعيين ولاء البوشي (33 سنة)، وزيرةً للشباب والرياضة. أصبحت ولاء البوشي معروفةً لدى الجماهير السودانية بعد أن انتشرت صورة لها مع الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما عام 2015 وهي تهمس في أذنه مطالبة برفع العقوبات الاقتصادية الأمريكية المفروضة على السودان في زيارة تدريبية لها لواشنطن. ومؤخراً، شاركت في الاعتصام الطويل أمام القيادة العامة للجيش السوداني من أبريل الي يونيو 2019.
نالت الوزيرة ولاء البوشي درجة البكالوريوس بمرتبة الشرف الأولى من كلية الهندسة والعمارة من جامعة الخرطوم، ثم حصلت على منحة الحكومة البريطانية للقادة الشباب من أنحاء العالم لدراسة الماجستير. تم انتخابها كرئيسة للمجلس الاستشاري لشرق ووسط أفريقيا لزمالة القادة الشباب الأفارقة، وفي العام 2018 تم اختيارها ضمن برنامج الاتحاد الأفريقي للشباب.
وهي ابنة أستاذ جامعي معروف وأحد قيادات الحزب الجمهوري السوداني الذي يتبنى موقفاً ليبرالياً متقدماً في قضايا مساواة المرأة.
فقد قالت البوشي في بيانٍ صحفي: “الطريق ليس بسهل، لكن معاً يمكن أن نصنع وننجز المستحيل كما فعلنا في الشهور الفائتة.” وأضافت “ستكون أول حكومة ديمقراطية منتخبة بعد الفترة الانتقالية غالبيتها للشباب.”
انتصار الزين صغيرون (61 سنة) هي وزيرة التعليم العالي والبحث العلمي. نالت شهادة الدكتوراة في الأثار من جامعة الخرطوم، حيث شغلت العديد من المناصب، بما في ذلك أستاذة في قسم الآثار بجامعة الخرطوم وهي أيضاً المدير الميداني المساعد لقسم الآثار، كما شغلت منصب عميد كلية الآداب ورئيس دائرة البحوث العلمية.
كان والدها وزيراً للري في ثمانينيات القرن الماضي وجدها لأمها أول وزير للتعليم في البلاد تحت الإدارة البريطانية عام 1948.
تعرضت لانتقادات على وسائل التواصل الاجتماعي من ناشطين اعتبروها عروبية التوجهات تحاول طمس التاريخ النوبي للبلاد ولكنها أنكرت هذه الاتهامات.
المجلس السيادي
عائشة موسى السعيد (78 سنة)، هي واحدة من النساء الاثنتين اللواتي عُيّن في المجلس السيادي، وهي أكاديمية وناشطة حقوقية واجتماعية ونسوية سودانية، فضلاً عن كونها قبطية مسيحية، التي تعتبر أقلية دينية في السودان.
تخرّجت من معهد المعلمات في الخرطوم وحصلت على الماجستير في اللغة الإنجليزية من جامعة مانشستر.
تناولتها أيضاً لسعات شباب منصات التواصل، كحال أسماء محمد عبد الله، بسبب سِنها، لا سيما العصا التي تتكئ عليها في المشي. وفي مقابلةٍ صحفية ردت السعيد على الإنتقادات بقولها، “أنا أحمل عصاتي لأني امرأة طاعنة في السن، بالرغم من ذلك تمكنت من الوصول لهذا المكان بفضل كفاح النساء والشباب وظهورهم المتميز القوي في هذه الثورة العظيمة التي ليس لها مثيل في العالم، كما أفخر بأني مثال لهذا النوع من النجاح”.
المرأة السادسة التي تم تعيينها هي رجاء عبد المسيح (62 سنة) وهي أيضاً من أقلية الأقباط المسيحيين، وعملت مستشارة قانونية بوزارة العدل السودانية لمدة تجاوزت الثلاثة عقود. جاءت السيدة رجاء من الظل أيضاً فلم يعرف عنها نشاط سياسي من قبل واختيرت بعد أن تعرض المرشح القبطي الأول للمنصب نصري مرقص يعقوب لحملةٍ نسوية على الأنترنت تتهمه بالتحرش الجنسي المتكرر.