الحج هو حجّ المسلمين السنوي إلى مدينة مكة المكرمة في المملكة العربية السعودية، كما أنه الركن الخامس من أركان الدين الإسلامي، وفُرض تأديته مرة واحدة في العمر لمن يستطيع من المسلمين. الحج له طقوس وشعائر تؤدى، وتبدأ مناسكه وشعائره في اليوم الثامن من شهر ذي الحجة الهجري، الشهر الثاني عشر من التقويم الهجري.
الحج في اللغة العربية تعني القصد، وقد عرف العرب الحج قبل الإسلام. وكان العرب قبل الإسلام يقصدون عدة أماكن للتبرك والدعاء والتقرب إلى الإله، كان منها “بيت الرب” لـ “ذي الشرى” إله الشمس، وبيت الربة “اللات”، ومناة والعزى.
ويعود تاريخ الحج إلى قصة النبي إبراهيم وزوجته هاجر وابنه إسماعيل، الذي ينحدر منه النبي محمد. تروي المصادر الإسلامية أن إبراهيم تلقى أمراً من الله بترك زوجته، هاجر، وابنه اسماعيل في مكان مقفر المعروف حالياً بمكة بقليلٍ من المؤن. ومع نفاذ الماء، قامت هاجر بالسعي بين جبلي الصفا والمروة سبع مرات بحثاً عن ماء لها ولطفلها. وبحسب الرواية، انفجر عين ماءٍ بأعجوبة منقذاً كليهما من الهلاك.
تعود بعض مناسك الحج إلى تلك القصة، فالسعي بين الصفا والمروة سبع مراتٍ من الطقوس التي يتم تأديتها تقليداً لهاجر. وبعد سنوات، تلقى إبراهيم أمراً ببناء الكعبة في ذلك المكان.
اعتاد العرب قبل الإسلام الحج إلى الكعبة من كل البقاع وعلى اختلاف دياناتهم ومعتقداتهم من حنفاء ونصارى ويهود وغيرهم، وكانوا يقدسون شهر ذي الحجة الذي تؤدى فيه طقوس الحج والشهر الذي يسبقه والذي يليه.
وبعد انتشار عبادة التماثيل والأصنام والأوثان في شبه الجزيرة العربية، أدخل عمرو بن لحي، أحد سادات مكة، بعضها إلى حرم الكعبة وتغيرت مناسك الحج بعد ذلك فكان البعض يطوف حول الكعبة (الطواف في بداية ونهاية الحج) عراة دون ملابس رجالاً ونساءً حيث كانوا يكرهون الطواف في ثياب عصوا فيها الله. بعد ذلك، صنعت قبيلة قريش ملابس مخصصة للحجاج، وكانوا يذبحون الذبائح ويلطخون الكعبة بدمائها تقرباً إلى الله.
الحج في الإسلام
فرض الحج على المسلمين في السنة التاسعة هجرياً (622 بعد الميلاد) بعد نزول الآية القرآنية “وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنْ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا” (الآية 97 من سورة آل عمران)، وللحج في الإسلام مواقيت زمنية ومكانية وأركان وواجبات ومحرمات.
أما عن الميقات الزمني أو أشهر الحج فهي شوال وذو القعدة والعشر الأوائل من ذي الحجة، والتي يصح فيها انعقاد الحج ويقع فيها التمتع بالعمرة إلى الحج.
والمواقيت المكانية هي الأماكن خارج مكة التي عُينت لكل جهة ليقوم الحجاج فيها بالاستعداد بدنياً وروحانياً للحج. ينبغي على الحجاج الدخول في هذه الحالة الروحانية، أو الإحرام، قبل عبور حدود الحج، المعروفة باسم الميقات (الجمع مواقيت)، وذلك من خلال طقوسٍ لتطهير أنفسهم وارتداء ملابس محددة. المواقيت خمسة أماكن، هي:
1-ذو الحليفة: وهو ميقات أهل المدينة ومن مر به من غيرهم، ويبعد عن مكة 450 كيلومتراً.
2-الجحفة: وهي ميقات أهل الشام ومن مر بها من غيرهم، ويبعد عن مكة 204 كيلومترات.
3-يلملم: وهو ميقات أهل اليمن ومن مر به من غيرهم، ويبعد عن مكة 54 كيلومتراً.
4-قرن المنازل: وهو ميقات أهل نجد ومن مر به من غيرهم، ويبعد عن مكة 94 كيلومتراً.
5-ذات عرق: وهي ميقات أهل العراق ومن مر بها من غيرهم، ويبعد عن مكة 94 كيلومتراً.
ومن كان أقرب إلى مكة المكرمة من هذه المواقيت فميقاته محل سكنه، وكذلك أهل مكة يحرمون بالحج من مكة، أما العمرة فيحرمون لها من أدنى منطقة الحل. ومن كان طريقه يميناً أو شمالاً من هذه المواقيت فإنه يحرم حين يحاذي أقربها إليه.
وعندما يصل من يريد الحج أو العمرة إلى الميقات المكاني المحدد لجهته فعليه أن يقوم بلبس الإحرام وهو للرجال إزار ورداء أبيضين طاهرين، وللمرأة أن تلبس ما تشاء من اللباس الساتر لجسدها دون أن تتقيد بلون محدد ودون تغطية وجهها ويديها. ويُستحب قبل الإحرام أن يقوم الشخص بالاغتسال وتنظيف شعره وأظافره والتطيب، ومن لحظتها يكون محظوراً على المحرم ما كان مباحاً له قبل الإحرام من محظورات الحج والعمرة.
ويمكن للشخص المحرم خلال الميقات الزمني أن يختار بين ثلاثة أنواع من النسك ليؤدي أحدها بعد إحرامه وهي:
حج التمتع: وهو أن يحرم الشخص بالعمرة وحدها فيقول عند إحرامه: لبيك عمرة، ويؤخر الإحرام بالحج إلى يوم التروية، اليوم الثامن من الحج، وحتى غروب الشمس يوم عرفة، اليوم التاسع من ذي الحجة. بعد ذلك يُصبح فرضاً على المتمتع (الحاج الذي يحرم للعمرة من الميقات المخصص لبلده ويُنهي مناسك العمرة ليحرم للحج من مكة) الهدي. يُسمى الحاج الذي يحرم للعمرة، الأشهر التي تسبق الحج، متمتعاً، وليس معتمراً.
حج الإفراد: وهو أن يحرم الشخص بالحج وحده فيقول: لبيك حجاً، فإذا وصل مكة طاف للقدوم ثم سعى للحج، ويبقى على إحرامه حتى يتحلل منه بعد رمي جمرة العقبة، أول الجمرات رمياً في وادي منى، والحلق يوم العيد، وليس عليه هدي.
حج القِران: وهو أن يحرم الشخص بالعمرة والحج جميعاً فيقول: لبيك عمرة وحجاً، أو يحرم بالعمرة أولاً ثم يدخل الحج عليها قبل الشروع في طوافها. وعمل القارن كعمل المفرد إلا أن القارن يلبي بالعمرة والحج معاً وعليه الهدي.
أركان الحج
وهي المناسك الواجب تأديتها والتي بترك أحدها تبطل الحجة:
1. الإحرام.
2. الوقوف على جبل عرفة: ويجب أن يحدث ذلك طلوع فجر يوم عرفة (التاسع من شهر ذي الحجة) إلى طلوع فجر اليوم التالي.
3. طواف الإفاضة: ويبدأ وقته من فجر يوم العيد (العاشر من ذي الحجة) والأفضل أن يعمل يوم العيد ومن لم يتمكن من ذلك ففي أيام التشريق (11-13 ذي الحجة).
4. السعي بين جبلي الصفا والمروة: ويكون ذلك بعد طواف الإفاضة أو أي طواف آخر.
واجبات الحج:
1. التلبية: وهو أن يقول “لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك، لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك،” ووقتها يبدأ من الإحرام بالحج للقارن والمفرد إلى أن يرمي جمرة العقبة.
2. طواف القدوم: وهو واجب عند بعض الفقهاء وسنة مستحبة عند آخرين.
3. طواف الوداع: وهو الطواف الأخير قبل مغادرة مكة، وهو أيضاً واجب عند غالبية الفقهاء وسنة عند الإمام مالك.
4. المبيت بمزدلفة/ وقد رُخِّص في التحرك بعد منتصف الليل لمن كان له عمل متعلق بالحج وللعجزة والضعفة.
5. رمي جمرة العقبة بسبع حصيات من شروق شمس يوم العيد إلى الزوال (منذ بداية الظهيرة إلى أن تمر الشمس عبر خط الزوال). من لم يتمكن من رميها قبله فله أن يرميها إلى ما قبل الغروب، ومن لم يتمكن من رميها قبل الغروب رماها في أول أيام التشريق.
6. المبيت في مِنى أيام التشريق فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخر فلا إثم عليه، والتأخير أفضل من التقديم لأهل مكة ولغيرهم، ومن تعجل فليخرج قبل الغروب وإلا وجب عليه التأخير.
7. رمي الجمرات مُرتَّبة الصغرى ثم الوسطى ثم الكبرى وهي العقبة، كل واحدة بسبع حصيات، يبدأ الرمي من الزوال إلى الغروب.
8. صلاة ركعتيْ الطواف خلف مقام إبراهيم (حجر أثري قام عليه النبي إبراهيم عند رفع قواعد الكعبة) أو في أي مكان من الحرم.
9. حلق الشعر أو تقصيره، ولا تحلق النساء.
ومن ترك أحد تلك الواجبات يجب عليه فدية (ذبح شاة ونحوها)، ولا يأكل منها ولا يهدي ولكن يتصدق بها.
المحظورات:
يُحظر على الحاج أو المعتمر، بمجرد عقده نية الإحرام أن يفعل أي من الممنوعات الآتية:
1. إزالة أي شعر من رأسه أو جسده، أو تقليم أظافره.
2. استعمال الطيب أو العطر.
3. الجماع وما يتعلق به من أفعال جسدية أو عقد الزواج أو الخطبة.
4. قتل الحيوانات أو الحشرات أو الصيد، وأما قطع الشجر فليس بحرام على المحرم إلا ما كان منه داخل حدود الحرم.
5. من المحظورات الخاصة بالرجال لبس الثياب المخيطة والمفصلة على هيئة الجسم أو جزء منه.
6. من المحظورات الخاصة بالرجال تغطية الرأس بملاصق له كالطاقية ونحوها.
7. ومن المحظورات الخاصة بالنساء: البرقع والنقاب الذي يغطي الوجه، ويباح لها من المخيط ما سوى ذلك.
الحاج الذي يفعل شيئاً من هذه المحظورات ناسياً أو جاهلاً أو مضطراً فلا شيء عليه، ومن فعلها لحاجة ماسة فلا إثم عليه وعليه الفدية، ومن ارتكبها متعمداً بلا عذر فعليه الإثم والفدية معاً، إلا الجماع فإن تعمده يفسد به الحج إذا كان قبل التحلل الأول (من الحج والعمرة).