وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

شهود يهوه، الطائفة المسيحية المجهولة

نشأت طائفة شهود يهوه من حركة طلاب الإنجيل في أواخر سبعينيات القرن التاسع عشر (1870) على يد تشارلز راسل في ولاية بنسلفانيا بالولايات المتحدة الأمريكية.

عُرفت في بدايتها باسم الراسلية أو الدارسين الجدد للإنجيل، ثم عُرفت باسم شهود يهوه رسمياً عام 1931 نسبة إلى إله بني إسرائيل وفق ما ورد في سفر الخروج بالعهد القديم.

تُعرف الطائفة نفسها بأنهم مجموعة من المؤمنين بإله إبراهيم وموسى ويسوع، وأنهم قد أسسوا معتقدهم على الكتاب المقدس بعهديه القديم والجديد وكامل أسفاره البالغ عددها 66 سفر، ولكن له تفسيراً خاصاً وفق مفاهيم خاصة، كما أنهم يختلفون عن باقي الطوائف المسيحية في كثير من المظاهر والتفاصيل، فهم لا يستعملون الصليب في عباداتهم ولا رمزاً لهم، لقولهم بأن الكتاب المقدس يوصي بالهرب من الصنمية بعدم استعمال الصور أو التماثيل أو الرموز في عبادتهم بما فيها الصليب. وبالمثل، فإنهم لا يحتفلون بعيد الميلاد أو عيد الفصح أو أعياد الميلاد أو غيرها من الأعياد والعادات التي يعتبرونها ذات أصول وثنية.

كما أنهم يؤمنون بأن يسوع هو ابن الله ورئيس مملكته في السماء ولكنه ليس أقنوماً في الثالوث مثلما يعتقد غالبية الطوائف المسيحية، كما أنهم لا يؤمنون بخلود الروح ولا عذاب ما بعد الموت.

Photo: Boris23 / Wikimedia

لا يخدم شهود يهوه في الجيش حتى إذا استلزم الأمر سجنهم لسنوات وذلك لالتزامهم بالأمر الإلهي “لا تقتل،” كما أنهم لا يؤدون التحية للعلم حيث أنهم لا يعترفون بالحكومات ولا الرؤساء وأن الحكومة الحقيقية قائمة في السماء وليست حالة عاطفية في قلوب المسيحيين، وأن مملكة الله ستسيطر على الأرض وتُسقط كل الحكومات البشرية وأن يسوع هو من سيُقيم تلك المملكة ويسقط كل الحكومات.

ويُحرم على الطائفة التدخين ويُعد نقل الدم من المحرمات عند الطائفة ويُحظر نهائياً، إذ أنهم يُبررون ذلك بأن الكتاب المقدس هو من أوصى بالامتناع عن نقل الدم الذي يرونه ممثلاً للحياة في نظر الله ونقله يُعد عصيان لله وعدم احترام لكونه مُعطي الحياة الوحيد.

وفقاً للموقع الرسمي للطائفة فإن عدد أعضائها حول العالم يبلغ حوالي ‏8,5 مليون شخص، ينتشرون في 240 دولة، منها عدة دول عربية مثل مصر ولبنان والسودان وتونس والأردن. وقد بدأ ظهورهم في العالم العربي من خمسينيات القرن الماضي، إلا أنهم لاقوا اعتراضات كثيرة من الحكومات والقيادات الدينية والطائفية لاتهامهم بزعزعة الأديان وتحريف الحقائق الواردة في الإنجيل وتابعيتها للحركة الصهيونية.

ولربما هناك بعض الحقيقة تشوب الإتهام الأخير، إذ أن مجلتهم الرسمية كانت تحمل بدايةً اسم “برج مراقبة صهيون” ثم تم حذف اسم صهيون منها لاحقاً. بالإضافة إلى ذلك، فإن رمزهم المتمثل في الشمعدان السباعي هو نفسه رمز الإسرائيليين الوطني. كما أن هناك معتقد شائع بأن الطائفة تُبشر بحكم اليهود للأرض وعدائهم لكافة الأديان والطوائف باستثناء اليهودية رغم إعلانهم التسامح مع كل الأديان.

وبحسب تقرير نشرته مكتبة وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية فإن طائفة شهود يهوه تدعي المسيحية بينما هي واقعة تحت سيطرة اليهود وتعمل لحسابهم، وأن لهم علاقة وطيدة بإسرائيل وبالمنظمات اليهودية العالمية، ويقتطفون من الكتاب المقدس الأجزاء التي تقرب من إسرائيل واليهود ويقومون بنشرها.

وطبقاً لتلك المعطيات بارتباط الطائفة بالحركة الصهيونية وقربهم من المنظمات اليهودية أصدر مكتب مقاطعة اسرائيل في جامعة الدول العربية التوصية الرقم 570 في 12 مايو عام 1964 بمنع شهود يهوه في كل البلدان العربية، وهو ما كان له بالغ الأثر على وجودهم داخل الدول العربية.

وقد أشارت الرابطة الأوروبية لشهود يهوه، وهي منظمة غير حكومية مُسجلة في بريطانيا تعمل من أجل الدفاع عن أتباع شهود يهوه حول العالم وضمان ممارسة معتقداتهم الدينية بحرية، أنه في سبيل في مواجهة الاتهامات بالعمل والتقارب مع الحركة الصهيونية، والذي كان له بالغ الأثر على حرية أعضائها داخل الدول العربية، فقد راسلت مكتب مقاطعة إسرائيل، ومقره العاصمة السورية دمشق، مرات عديدة من أجل اثبات عدم ارتباط الطائفة بإسرائيل أو الصهيونية العالمية، إلا أنها لم تتلق أي رد ولا تزال مدرجة على لائحة المقاطعة.

ففي مصر دخلت الطائفة على يد نادل يوناني يُدعى بنايوتي قسطنطين أسبيروبولو، وتم تأسيس جمعية برج المراقبة التي رأسها مصرياً يُدعى أنيس فايق، وتم افتتاح عدد من المكاتب لها في المحافظات، إلا أن الحكومة أصدرت قراراً بحل الجمعية وإيقاف نشاطها. علاوةً على ذلك، لا تعترف الكنائس المصرية بشهود يهوه كطائفة مسيحية، وقد صدر قرار وزاري ينص على “لا يجوز توثيق عقود الزواج التي تكون ديانة أحد طرفيها المسيحية شهود يهوه. ولا يقبل إجراء التصديق أو إثبات تاريخ أي أوراق صادرة من جمعية برج المراقبة للكتاب المقدس التي هي نفسها جمعية شهود يهوه.” ورغم ذلك لا تزال الطائفة تمارس أنشطتها التبشيرية في مصر تحت غطاء العمل الخيري في بعض المحافظات مثل القاهرة والإسكندرية وأسيوط وطنطا.

أما في لبنان، فقد كان أول وجود للطائفة في عشرينيات القرن العشرين، وقد مُنعت مجلتهم برج المراقبة من عام 1956. كما أصدر مجلس الوزراء قراراً بحظر الجمعية الممثلة للطائفة طبقاً لتوصية جامعة الدول العربية. وكما ذكر تقرير الرابطة الأوروبية لشهود يهوه بأن السلطات اللبنانية تمنع إدخال المنشورات والأناجيل الصادرة عن الطائفة إلى لبنان وأن وزارة الداخلية ترفض تسجيل المنظمة كجمعية دينية، كما تمنع السلطات الجماعة من استئجار أو تملك مقرات لأتباعها لممارسة شعائرهم الدينية مما يجعلهم يكتفون بإقامة تلك الشعائر داخل المنازل الخاصة، كما أنهم يتزوجون مدنياً لعدم اعتراف الدولة بطائفتهم. بالإضافة إلى ذلك، هناك عداوة من قبل الكنائس تجاههم حيث أوصت تلك الكنائس أتباعها بكتابة عبارة “إذا كنت من أتباع شهود يهوه فلا تقرع الباب” على أبواب منازلهم.

وكذلك هو الحال في تونس والأردن، حيث رُفض الاعتراف بشهود يهوه كطائفة مسيحية وحُظرت أنشطتها ودخول منشوراتها، إلا أن ذلك لم يمنعهم من الانتشار وممارسة الدعوة والتبشير ووجود بعض المراكز غير الرسمية المعترف بها.

أما في السودان، فقد دخلت الطائفة على يد بعض المبشرين اليونانيين عام 1953، وقد تبنتهم أسرة أوفانيدوس بالخرطوم، وتولى رئاسة الجماعة جورج أوفانيدوس الذي عمل على إدخال بعض الأسر المسيحية فيها. وفي عام 1984 تقدمت الكنيسة الكاثوليكية بشكوى ضدها بأنها تبث الفكر الصهيوني اليهودي. يبلغ عدد أعضاء الطائفة في السودان حالياً 633 شخص، حيث أنه الدولة العربية الوحيدة التي نشر الموقع الرسمي للطائفة أعداد التابعين لها فيه، بالرغم من أن أعضائها يدعون تعرضهم للكثير من المضايقات.

أما خارج العالم العربي، فهناك تباين كبير بين دول العالم في الاعتراف بالطائفة وفتح المجال أمام أعضائها لإقامة شعائرهم وجولاتهم التبشيرية بحرية. فبينما تم الاعتراف بشهود يهوه في ألمانيا عام 2005 بحكم من المحكمة الإدارية العليا في برلين كطائفة دينية تخضع لقانون الحق العام وتتمتع بحرية جمع الأموال لصالح الطائفة وإقامة مقرات ودور عبادة ومقابر خاصة لدفن أعضائها رغم اعتراض الكنيسة البروتستانتية، فقد رفضت المحكمة العُليا في روسيا الاعتراف بها وأصدرت قراراً بحظرها واعتبارها منظمة متطرفة ووقف نشاط 395 مجموعة محلية كانت تعمل على الأراضي الروسية ومصادرة أملاكها. كما تم الحكم على أحد أعضائها في فبراير 2019 بالسجن 6 سنوات بتهمة التطرف. وتقول الطائفة بأن عدد أعضائها في ألمانيا يبلغ 165,870، بينما يبلغ عددهم في روسيا 175 ألف شخص.

Advertisement
Fanack Water Palestine