رغم ارتباط الاحتفال بعيد الأضحى بالموروث الثقافي والمجتمعي لكل دولة عربية، فإنه لا يمكن الاستهانة بالعوامل الاقتصادية والأمنية لهذه الدول.
علي العجيل
يعتبر عيد الأضحى – أو العيد الكبير – أحد أهم المناسبات التي تتشارك الدول العربية في طقوسها ومظاهر فرحها وتقاليدها.
وقد تكون بعض عادات وطقوس العيد واحدة في الكثير من الدول العربية. بيد أن مظاهر الاحتفال تأخذ طابعاً مختلفاً ومميزاً أحياناً بحسب ثقافة وعادات البلد. واستطاع كلّ بلد أن يضيف لمسته الخاصة المستوحاة من ثقافته المجتمعية والتاريخية على عيد الأضحى، ليتحول صباح العيد إلى حدثٍ شعبي هائل، تزينه الألوان المميزة والمختلفة للملابس الجديدة وابتسامات الكبار والصغار.
العراق
تعتبر الكليجة أهم ما يميز الضيافة المرافقة لزيارات عيد الأضحى في العراق. وتشمل الكليجة أنواعاً عديدة، أبرزها كليجة التمر وكليجة الجوز. وتجدر الإشارة إلى وجود تشابه بين الكليجة العراقية و”المعمول” الشامي الذي يُقدم بصورة تقليدية في أيام عيد الأضحى في سوريا والأردن ولبنان وفلسطين.
ليلى سالم، وهي من سكان العاصمة العراقية بغداد، تحدثت لفنك عن كيفية صناعة الكليجة. وتقول ليلى: “في ليلة العيد، يتبادل أفراد العائلة القيام بعجن الكليجة يدوياً. وتترك العجينة لقرابة ساعتين كاملتين حتى تتخمر. ويعتبر الاجتماع العائلي حول المائدة أثناء تقطيع العجينة على أشكال فنية صغيرة ومميزة من أهم طقوس تحضير الكليجة وأكثر اللحظات سعادة وفرحاً”.
وتضيف ليلى: “تطول التحضيرات لساعاتٍ كثيرة وصولاً إلى بزوغ فجر يوم العيد. ومع ذلك، ما من أحد منّا يشعر بالتعب أو الملل”.
وتتفنّن العائلات بتقديم الكليجة الخاصة بها للزائرين في العيد وتتسابق في طرق تزيينها وتصميم أشكالها.
ومن العادات العراقية المرافقة لأيام الأعياد، تناول الكاهي والقيمر على وجبة الفطور. ويعد الكاهي نوعٌ من أنواع الفطائر الهشّة التي تشبه الفطير المشلتت المصري. أما القيمر فهو نوع من أنواع القشطة العراقية ذات الدسم العالي.
مصر
تتميز مصر بالعديد من الطقوس المميزة التي يقوم بها المصريون بها احتفالاً وفرحاً بعيد الأضحى. ومن أبرز هذه الطقوس زيارة القبور، وهي عادةٌ توارثها المصريون عن آبائهم وأجدادهم القدماء.
وجرت عادة المصريين على زيارة الموتى وتهنئتهم بالعيد يوم عرفة أو بعد العيد بيوم. ويقول محمد منصور، وهو من سكان القاهرة، لفنك إن المصريين يتجنبون زيارة القبور صباح يوم العيد.
ومن العادات المميزة أيضاً، تلطيخ اليد بدم الأضحية وطباعتها على الجدران والسيارات المتواجدة في مكان الذبح. ويقول أحمد عز الدين، المقيم في دمياط: “يذبح المصريون أضحية العيد بأنفسهم أمام بيوتهم. وجرت العادة على أن يقوم المضحّي بتلطيخ يده بالدم وطباعتها على الجدران كحماية من الحسد”.
وتقوم بعض المناطق المصرية، خصوصاً الفقيرة منها، بتتبع دم الأضحية للحصول على نصيبهم منها. كما يقوم أبناء تلك المناطق بوضع الحناء على مقدمة الأضحية، وتعطيرها وتزيينها. وتنتشر هذه العادة في صعيد مصر. وللمعلومية، يحرص أهل الجزائر على القيام بنفس العادة لإظهار الأضحية في أبهى صورها.
وهناك الكثير من العادات الأخرى، التي تظهر بصورة لافتة، وخصوصاً في القرى. ومن تلك العادات تعطير المصلين قبل صلاة العيد، وتقسيم الأضحية كاملة وتوزيعها على الفقراء.
المغرب
يقول ياسين توفلة، وهو من سكان مكناس، لفنك إن العيد يبدأ عند المغاربة بالاتجاه إلى الصلاة. ويرتدي المغاربة زي العيد المزركش أو المنقوش بالنقوش المغربية المميزة، ليتشاركوا التكبيرات، ثم السلام السريع والتوجه بعد ذلك إلى الشوارع العامة والساحات، للاحتفال.
بيد أن أبرز ما يميز عيد الأضحى في المغرب هو طقس “البوجلود” أو “السبع بو البطاين” كما يطلقون عليه في مكناس.
وفي هذا الطقس، يقوم الشخص بلف نفسه بجلود الماعز أو الخراف، أو أي زيٍّ يشبه ذلك. ويغطي وجهه بقناعٍ ملون، ثم ينضم بعد ذلك إلى مجموعة ممّن يرتدون مثله. وتبدأ المجموعة الطواف في المدينة في خطوطٍ مستقيمة، تصاحبها إيقاعات الطبول والأغاني الخاصة بالمناسبة. ويلقى ذلك الطقس ترحاباً من قبل أهالي مكناس، وإن كان يبعث بعض الوهرة في النفوس. ويقوم الناس بتقديم الحلوى أو المال أو حتى الأجزاء من أضاحيهم كمكافأة على البهجة التي يلقيها هؤلاء الشباب في نفوسهم.
من جهتها، ترى مريم طاهر، وهي طالبةٌ جامعية من أكادير، أن الأطباق المتنوعة والفريدة من نوعها أهم ما يميز هذا اليوم والمغرب عن غيرها من الدول العربية. وأضافت: “أهم ما يميز هذه الأطباق هي شرائح اللحم المجففة تحت أشعة الشمس أو “القديد”، كما يطلق عليه عندنا، والذي نتناوله مع الشاي المغربي، الذي لا مثيل له في كل العالم”.
اليمن
رغم الظروف الاقتصادية والمعيشية الصعبة التي يعيشها اليمن، يحرص اليمنيون على تقديم “العسب” خلال أيام العيد. والعسب عبارة عن مال أو هدية ذات قيمة يقدمها رجال العائلة عادةً للنساء والأطفال من أرحامهم أثناء الزيارات المتبادلة لتقديم التهاني والتبريكات. كما يتم تقديم العسب لأطفال ونساء الجيران والأصدقاء.
ويقول خالد زياد، وهو من سكان مدينة صنعاء: “العسب عادةٌ تزرع الفرحة في قلوب الأطفال والنساء. وهي مقدمةٌ لتجديد العلاقات وتوطيدها بين نساء ورجال العائلة الواحدة. والأهم من العسب نفسه هو تجمع الأهل وتبادل الزيارات والمعايدات”.
وتنتظر كثيرٌ من نساء اليمن عيد الأضحى ليستفدن من المبالغ التي يحصلن عليها من الزوار طوال أيام العيد. وتذهب هذه الأموال في شراء الملابس أو الذهب وبقية الحاجيات. أما من يعشن ظروفاً صعبة، فيفضلن الاستعانة بما حصلن عليه من عسب لتوفير الاحتياجات المعيشية الضرورية.
وفي هذا الصدد، تقول سمية علي المقيمة في محافظة إب: “لدي ثلاثة أخوة، كانت ظروفهم المادية قديماً أفضل من الآن. ودائماً ما كانوا يقفون إلى جانبي عند الحاجة. وبسبب المبالغ التي كانوا يقدمونها لي في الأعياد وغيرها من الزيارات، تمكّنت من شراء الكثير من الحاجيات التي لم أكن قادرة على شرائها بسبب وضع زوجي المادي السيء. حينذاك كنت استخدم العسب لشراء قطاع الأثاث والحلي. أما الآن وبعد أن أغلقت بعض مشاريع إخوتي بسبب الأوضاع والمضايقات، وصارت المبالغ التي يقدمونها لي أقل، صرت أكتفي بشراء الاحتياجات الأساسية فقط”.
ويختلف اسم هذه العادة من مدينة إلى أخرى في اليمن. ففي بعض المحافظات تسمى “عوادة” أو “عيدية”. وأصبحت هذه العادة المتوارثة وجزءاً مهماً من الموروث الشعبي اليمني.
السودان
للسودانيين طقوسٌ فريدة ومميزة في عيد الأضحى الذي يطلقون عليه أيضاً اسم العيد الكبير. ويحرص أبناء كلّ عائلة على التجمع في منزل كبير العائلة، من جد أو جدة أو أب أو أم. ويرتدي الرجال السودانيون عند ذهابهم إلى صلاة العيد أثواباً بيضاء جديدة. ويضع كثيرون منهم العمامة على رؤوسهم. وعند عودتهم بصحبة أطفالهم، يقومون بمعايدة الجيران والأقارب الذين يسكنون في الحي ذاته.
ويقول محسن عبد الحي، وهو من سكان الخرطوم: “يبدأ الاحتفال بعيد الأضحى بخروج مئات الرجال والنساء والأطفال في يوم الوقوف على جبل عرفات إلى الشوارع. وتتقدمهم الفرق الشعبية برقصاتها وحركاتها المتعارف عليها منذ القدم. وبعد ذلك، يطوف الناس على معظم الشوارع الرئيسة ابتهاجاً بقدوم العيد. ويطلق على هذه العادة، زفة العيد”.
ومن العادات الجميلة أيضاً تناول شراب “الشربوت” الشعبي. والشربوت عبارة عن منقوع التمر مضافاً إليه بعض التوابل، ويتم إعداده قبل عدة أيام من العيد، ويساعد في الهضم بحسب ما هو معتقد هناك.
وتقول ابتهال شاويش، وهي من سكان القضارف، عن هذا الطقس: “يتناول معظم السودانيين في هذا العيد خصوصاً بعد وجبة الغداء التي تكون دسمة غالباً. ويرجع تاريخ الشربوت إلى مئات السنين، ويعود أصله لشمال السودان، حيث انتشر من هناك إلى بقية مناطق البلاد”.
السعودية
تتشابه الكثير من عادات السعوديين ما بين عيدي الفطر والأضحى. إلا أن عيد الأضحى يختص ببعض الأطباق الشعبية التي تزين المائدة في هذا اليوم. وتختلف الأطباق من مدينة إلى الأخرى بحسب ما ذكره عبد الرحمن علي لفنك، وهو من سكان مدينة جدّة.
وقال عبد الرحمن: “لعلّ أبرز ما يميز السعودية عن غيرها، هو فطور العيد الجماعي في قرى الجنوب. وفي هذا الطقس، يجتمع كل أفراد القرية أو الحارة أو الحي. ويحضر كلّ شخص طبقاً منزلياً تعدّه ربة المنزل قبل أو بعد ذبح الأضحية، ويسمى فطور العيد”.
وأضاف: “هناك أيضاً وصلات الرقص الفلكلوري الجماعي التي تقام في المدن والقرى الجازانية، إضافة إلى الفعاليات الشعبية والتراثية التي تقوم بترتيبها والإشراف عليها أمانات المناطق غالباً”.
فلسطين
تتشابه الكثير من العادات الفلسطينية مع غيرها من العادات العربية عندما يتعلق الأمر بعيد الأضحى. بيد أن الاحتلال الإسرائيلي ينغّص الفرحة على الفلسطينيين مع وضعه حواجز التفتيش على بوابات المسجد الأقصى وإغلاقه لمعبر رفح الحدودي أثناء هذه المناسبة. وقد تؤدي القيود الإسرائيلية إلى وقوع عدة إصابات في صفوف الفلسطينيين المتمسكين بالوصول إلى المسجد الأقصى والصلاة فيه.
ويقول محمد النجار، وهو من سكان مدينة غزة: “أقضي كلّ عيد منتظراً أمام معبر رفح، على أمل السماح لي بالعبور وزيارة أهلي المقيمين في مصر. وأعود كل عيد منكسراً”.
ورغم القيود الإسرائيلية، يأبى الكثير من الفلسطينيين إلّا الاحتفال بهذه المناسبة في فلسطين. ويقوم هؤلاء بزيارة المقابر وصنع كعك العيد وإضفاء أجواء من الفرح والبهجة. وجرت عادة الغزيّين على تحصير كعك الأساور المصنوع من الطحين وعجوة التمر. كما يصطف الأولاد للسلام على من يزور بيوتهم من الأعمام والأخوال والمعارف ليحصلوا على عيدياتهم.
طقوس عربية مشتركة
رغم اختصاص كل دولة عربية عن غيرها من بقية الدول بعادة ما أو طقس مختلف، إلّا أن هناك الكثير من الطقوس المشتركة التي تتشابه كل الدول العربية تقريباً بممارستها. وهذا أمرٌ طبيعي، بسبب التاريخ المشترك لهذه الدول، اللغة المشتركة والعادات المتشابهة إلى حد كبير.
وتأتي الأضحية في المرتبة الأولى، وهي عادة تشترك فيها الدول العربية مع الكثير من الدول الإسلامية الأخرى. ويضحي المسلمون في هذا اليوم بشاة أو ضأن أو بقرة، حسب شروط محددة يجب أن تتوفر بها، على أن يتم توزيع ثلثي الأضحية على الفقراء، في أول أيام العيد.
ويعد تنظيف المنزل خطوة أساسية ومهمة، إذ ترتبط بهجة العيد بهذه العادة. وتقوم بعض العائلات ببعض التغييرات في ترتيب الأثاث في غرفة الضيوف، الأمر الذي يضفي السعادة على أصحاب المنزل أنفسهم. ويحرص الأهالي أيضاً على استقبال العيد بشراء ملابس جديدة ومميزة، خصوصاً للأطفال الصغار.
ويعتبر كعك العيد أو شراء الضيافة المتنوعة من فواكه وشوكولا ومكسرات وقهوة، على اختلاف أشكالها ومسمياتها من دولة إلى أخرى، من أهم الأمور التي تدل على الكرم والجود العربي، ويحرص العرب على وجودها.