وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

المذاهب الشيعية الثلاثة

 الشيعية
Photo: Wikipedia

يتشارك جميع المسلمين في المبادىء الأساسية للعقيدة، التي أدخلت خلال حياة النبي محمد، ويتفق المسلمون في جميع أنحاء على العالم، بغض النظر عن طوائفهم، على هذه المبادىء، ألا وهي الإيمان بالقرآن، والاعتراف بأن محمد آخر الأنبياء المرسلين، ووحدانية الله. وعادةً، يتمحور الخلاف بين الطوائف حول مسألة ما حدث بعد وفاة النبي محمد، وليس حول ما حصل أثناء حياته. وبالتالي، منذ وفاة النبي عام 632، كان هناك خلافاتٌ مستمرة بين المسلمين حول قضايا مختلفة تتعلق بالدين الإسلامي والمجتمعات الإسلامية، إذ يعتبر الإنقسام ما بين الشيعة والسُنة واحداً من أهم الانقسامات في الإسلام. باختصار، يؤمن الشيعة بأن آل البيت كانوا أحق في قيادة الأمة الإسلامية بعد وفاة النبي، في حين يؤمن السُنة بأحقية صحابة النبي الآخرين. في البداية، لم يكن هذا الإنقسام عميقاً، ولكن تدريجياً تعمقت هذه الانقسامات خلال الخلافة الأموية (661-750) وأسرة بنو عبّاد (750-1258). فقد تسببت سلسلة من الأحداث والصراعات حول القيادة والمواقف السياسية بتعزيز هذه المنافسة الطائفية تدريجياً. ومن هنا، ما بدأ في المقام الأول كجهدٍ سياسي حول القيادة، اكتسب خصائص دينية وفتح الساحة لمعركة “الصواب” مقابل “الخطأ” في الإسلام لقرونٍ تالية.

في الواقع، لا يوجد اختلافٌ واضح بين السُنة والشيعة، إذ اشتعلت الخلافات والجدال أيضاً داخل كل مجتمع من هذه المجتمعات. فجميع الشيعة يؤمنون بالإمامة لعلي، الذي كان صهر النبي، إلا أنه لا تزال هناك اختلافاتٌ بين الطوائف الشيعية المتعددة. وكما سنرى في هذا المقال، كان هناك خلافاتٌ حول القيادة والخلافة بين الشيعة والتي أدت إلى ظهور فروعٍ مختلفة من الإسلام الشيعي.

الشيعة الإثني عشرية

يعتبر الشيعة الإثني عشرية الطائفة الشيعية الأكبر، فضلاً عن كونهم أغلبية في كلٍ من إيران (حيث هي دين الدولة)، وأذربيجان، والعراق، والبحرين. كما تعيش مجتمعات كبيرة من الشيعة الإثني عشرية في لبنان والهند والسعودية وباكستان، بينما يتواجد بعضهم في أفغانستان واليمن والكويت وعُمان والإمارات العربية المتحدة وقطر وبنغلاديش ونيجيريا وتنزانيا وتشاد.

يُشير مصطلح الإثني عشرية إلى الإيمان بوجود إثني عشر إماماً: أي إثني عشر خليفة ذكراً للرسول محمد. وبالنسبة لهم، الإئمة الإثني عشر هم رجالٌ معصومون، لا يحكمون الأمة بالعدل فقط، بل هم مؤهلون أيضاً بشكلٍ أفضل لتفسير المعنى المُبطن للقرآن. وكحال الجماعات الإسلامية الأخرى، يؤمن الشيعة الإثني عشر بوحدانية الله، وبأن القرآن الكريم هو كلام الله، وبأن محمد هو خاتم الأنبياء المرسلين. ولكن بالإضافة إلى كل ما صدر عن النبي من قولٍ أو فعل، يؤمن الشيعة الإثني عشرية بكل قولٍ أو فعلٍ صدر عن الأئمة المعصومين من آل البيت، وهي نقطة مرجعية مقدسة لمجتمع المؤمنين.

بالنسبة للمسلمين الشيعة، فإن الإمام علي، وهو الخليفة الرابع للمسلمين السُنة، هو أول إمامٍ وخليفة لمحمد. فجميع الأئمة الآخرين من نسل علي قتلوا، وبالتالي اعتبروا جميعهم شهداء. كما تتمتع معركة كربلاء (680) بدلالةٍ رمزية ذات أهمية كبيرة لأتباع هذه الطائفة. ففي معركة كربلاء، قُتل الإمام الحسين بن علي، ابن علي وحفيد محمد، على يد رجال من الأمويين. يُحيي الشيعة الإثنا عشرية ذكرى هذه المعركة كل عام في يوم عاشوراء.

كما أن هناك عنصرٌ مسيحي قوي لدى الشيعة الإثني عشرية، حيث يؤمن الشيعة أن الإمام الأخير، محمد المهدي، لم يمت قط وأنه لا يزال على قيد الحياة ويعيش في الغيبة الكبرى. وبالتالي، وفقاً لمعتقداتهم سيخرج المهدي يوماً ما ليعيد إحياء العدالة الإجتماعية. لذا فهم يؤمنون أيضاً، أن عودة المهدي، الذي يُسمى أيضاً بالإمام الغائب، ستحدث بالتزامن مع عودة ظهور المسيح، الذي سيساعد المهدي لمواجهة المسيح الدجال، الذي يعتبر شخصيةً شريرة في الإسلام.

كما أن هناك بعض الإنقسامات اللاهوتية بين الشيعة الإثني عشرية، ولعل أهمها الانقسام ما بين المدرسة الإخبارية والمدرسة الأصولية. فعلى عكس الأصولية، لا تعتمد الإخبارية على مراجع التقليد (أو العلماء) الذين يمارسون شكلاً معاصراً من الاجتهاد (التفكير القانوني المستقل). بالنسبة لهم، التقليد مسموحٌ به فقط عندما يقوم به إمامٌ معصوم.

ومن الجدير بالذكر أن إيران كانت دولة ذات أغلبية سُنية حتى أوائل القرن السادس عشر، عندما ظهرت سلالة من الثقافة التركية، أي الدولة الصفوية، وجعلت الشيعة الإثني عشرية الدين الرسمي للبلاد. واليوم، تعتبر إيران الدولة الوحيدة التي تبنت الشيعة الإثني عشرية كدينٍ للدولة.

الزيدية

تُنسب الطائفة الزيدية من الإسلام الشيعي إلى زيد بن علي، حفيد الحسين بن علي. وهم يؤمنون أن زيد كان الإمام الشرعي ذلك أنه قاد تمرداً غير ناجح ضد الخليفة الأموي، هشام، في عام 740.

فهم لا يعترفون بشرعية الإمام إلى أن يحارب ضد الطغاة. ولذلك، على عكس الشيعة الإثني عشرية، يعترف الزيديون بأن زيد بن علي هو الإمام الخامس الشرعي، بسبب حملته العسكرية ضد الخلافة الأموية، التي يعتقدون أنها كانت غير شرعية. ويعتقد معظم الشيعة الإثنا عشريون أن شقيق زيد، محمد الباقر هو الإمام الخامس الشرعي، في حين لا يعترف به الزيديون لأنه لم يحارب السلالة الأموية.

أسس الزيديون أول دولةٍ لهم في طبرستان في شمال إيران على طول بحر قزوين عام 864، واستمرت حتى وفاة زعيمها على يد السامانيين في عام 928. وبعد أربعين عاماً، أعيد تأسيس الدولة في منطقة جيلان المجاورة، التي تقع في شمال غرب إيران، واستمرت تحت قيادة بنو الحسن حتى القرن الثاني عشر. وفي اليمن، تأسست دولة زيدية في عام 893 ونجت حتى وفاة إمامها الأخير في عام 1962. ويعتبر الحوثيون جزءٌ من الشيعة الزيدية في اليمن.

من الناحية الدينية، نجد أن الزيدية أقرب إلى الأغلبية السُنية من الطوائف الشيعية الأخرى. فهم يختلفون على بعض المبادىء الأساسية مع الشيعة الإثني عشرية. فعلى سبيل المثال، هم لا يؤمنون بالفكرة االمسيحية للإمام الغائب، المهدي المنتظر. كما لا يؤمنون بأن الأئمة يتلقون الإرشاد الإلهي، وبالتالي لا يعتبرونهم معصومين عن الخطأ. كما لا يعتقدون بضرورة إنتقال الإمامة من الأب إلى الإبن، طالما أن من شغلها أي من أحفاد الإمام علي.

الإسماعيلية

تركز الطائفة الإسماعيلية، التي تشكلت خلال أواخر القرن الثامن وأوائل القرن التاسع الميلادي، على الطبيعة المزدوجة للتفسير القرآني، أي أنه يحمل تفسيراً ظاهراً وآخر باطناً. ينظر الإسماعيليون إلى أسرة النبي محمد باعتبار أن الله اصطفاهم، وبأنهم معصومون، وبأن الله يرشدهم ليقودوا المجتمع الإسلامي. كما يؤمن الإسماعيليون أن لكل إمام نور، أو نور الله، بداخله، الذي ينتقل لهم من النبي.

ومجدداً، يبرز الإختلاف الإسماعيلي عن الشيعة الإثني عشرية حول القيادة والخلافة، إذ يعتقد الشيعة الإثنا عشريون أنه بعد وفاة الإمام جعفر (765)، تولى الإمام موسى الكاظم منصب الإمامة، أو القيادة، إلا أن الإسماعليين اختاروا اتباع ابن آخر للإمام جعفر، ألا وهو إسماعيل. وبالتالي، يُعرف هذا الفرع من الشيعة بالإسماعيليين. يعتقد البعض منهم أن إسماعيل كان الإمام السابع والأخير، وبالتالي، فإنهم معروفون باسم السبعية، الذين زعموا فيما بعد أن ابن إسماعيل، محمد بن اسماعيل، الملقب بالمكتوم، سيعود في نهاية العالم كونه المهدي لإعادة نشر العدالة.

ومع ذلك، يعتقد غالبية الإسماعيليين أن الإمامة مستمرة. وعلى الرغم من صغر حجمها، تحولت الطائفة إلى طائفةٍ إسلامية ذات تأثير كبير حيث تمكنوا في نهاية المطاف من تأسيس الدولة الفاطمية (909-1171 في شمال افريقيا، والتي انتشرت فيما بعد إلى مصر واستولت لفترةٍ وجيزة على السلطة في بلاد الشام. كما قام الحشاشون أو النزاريون، وهي حركة دينية واجتماعية مستمدة من الإسماعيليين، بنشر معتقداتهم في أماكن أخرى مثل العراق. كما أن إيران مرتبطة بهم أيضاً.

هناك فرقٌ بين الإسماعلية النزارية والمستعلية- والتي تتعلق مجدداً بالقيادة والخلافة. فقد قبل النزاريون بنزار الأول باعتباره الإمام التاسع عشر، بينما اختار المستعليون شقيق نزار الأصغر، المستعلي بالله، إماماً لهم. إمام النزاريين الحالي هو آغاخان الرابع، الذي يُعرف بالإمام شاه كريم الحسيني. وهو الإمام الوريث الـ49 للشيعة الإسماعيليين، كما أنه الإمام الحاضر منذ عام 1957، عندما كان بعمر الـ20. يعتبر الإمام أغاخان الرابع زعيماً روحاني مسلم غير اعتيادي: فهو يحمل الجنسية البريطانية ويعيش في فرنسا وحاصل على شهادة البكالوريوس من جامعة هارفارد. وقبل حوالي عشر سنوات، كان ضمن قائمة أغنى 15 من ملوك العالم، وفقاً لمجلة فوربس بثروةٍ تقدر بمليار دولار (770 مليون جنيه إسترليني). وفي عام 2013، وصفت صحيفة ذا مسلم تايمز آغاخان الرابع بـ”الظاهرة المتناقضة،” إذ كتبت”فضلاً عن كونه إمام رعيته، يمتلك ثروةً أسطورية ويسكن عالماً من القصور الرائعة، ويمتلك اليخوت، والطائرات، والخيول الأصيلة. من المؤكد أن عدداً قليلاً من الأشخاص يسدون هذا العدد الكبير من الفجوات- ما بين الروحانية والمادية، والشرق والغرب، والإسلام والمسيحية- كما يفعل هو بلباقة.”

Advertisement
Fanack Water Palestine