وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

شهر رمضان، الشهل الفضيل عند المسلمين

Ramadan sudan
رجال سودانيون يجلسون معاً أثناء تناولهم الإفطار عند غروب الشمس خلال شهر رمضان، أثناء احتجاجهم خارج مقر الجيش في العاصمة الخرطوم في 10 مايو 2019. Photo: MOHAMED EL-SHAHED / AFP

يعد شهر رمضان تاسع شهور السنة الهجرية أحب الشهور عند المسلمين، وله فضل ومكانة كبيرة عندهم روحانياً وتاريخياً وثقافيا، وفيه يقيم المسلمون حول العالم طقوساً وشعائر واحتفالات لا تُقام في غيره من الشهور وتتميز بعض الدول في الاحتفال به وفي بعض الطقوس عن البعض الأخر.

سُمي شهر رمضان من الرمضاء وتعني في اللغة العربية الحجارة المحماة، حيث كان يأتي الشهر في الحر الشديد. يحمل شهر رمضان قدسية كبيرة عند المسلمين كونه الشهر الذي تنزّل فيه القرآن على النبي محمد في غار حراء بينما كان يتعبد وعن ذلك يقول القرآن الكريم {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ} (سورة البقرة- آية 158).

تصادف ليلة القدر اللية التي أنُزلت فيها أولى آيات القرآن الكريم على النبي محمد، وهي مباركة عند المسلمين حيث تُستجاب الدعوات فيها، وهي ليلة مُختلف على تحديدها في شهر رمضان.

وقد فُرض على المسلمين صيام شهر رمضان، وهو الركن الرابع من أركان الإسلام، وذلك بالتوقف عن الأكل والشراب وممارسة الجنس والشهوات من الشروق وحتى غروب الشمس، أي بين صلاتي الفجر والمغرب، إلا بعض الاستثناءات مثل المرض والسفر وفترة الحيض عند النساء، ومن كان عنده أحد تلك الأعذار فعليه تعويض ذلك بالصيام في وقت آخر أو فدية عن إفطاره، وذلك وفق ما جاء في القرآن الكريم { فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ۖ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ۗ }، وفي موضع آخر {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ، أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ ۚ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ۚ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ ۖ فَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ ۚ وَأَن تَصُومُوا خَيْرٌ لَّكُمْ ۖ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ}.

كما أن لبعض أيام شهر رمضان منزلة خاصة عند المسلمين نظراً لارتباطها ببعض الأحداث التاريخية مثل غزوة بدر، وهي أول حرب بين النبي محمد والذين آمنوا به من المسلمين ضد قبيلة قريش وحلفاءها بقيادة عمرو بن هشام، في السنة الثانية هجرياً (624 ميلادياً)، وقد سُميت بهذا الاسم نسبة للمكان الذي وقعت فيه، وقد انتهت تلك الحرب بانتصار جيش المسلمين.

كما شهد شهر رمضان معركة دخول مدينة مكة أو ما يُعرف عند المسلمين بـ “فتح مكة” أي عودة المسلمين الذين طردتهم قبيلة قريش إلى مكة وذلك في العام الثامن هجري (630 ميلادياً)، وأيضاً هناك معركة عين جالوت التي انتصرت فيها قوات مصرية بقيادة سيف الدين قطز على جيش المغول عام 658 هجرياً (1260 ميلادياً)

وقد ورد في الأحاديث النبوية والقرآن الكريم الكثير من أفضال شهر رمضان وفضل الأعمال الطيبة فيه، لذلك تنتشر خلاله قراءة القرآن والأعمال الخيرية الفردية والجماعية في الدول الإسلامية، كما أن هناك الكثير من الطقوس والعبادات التي يقوم بها المسلمين فيه دون غيره من الشهور مثل صلاة التراويح (ويقال لها أيضاً صلاة القيام)، وتُصلى في الفترة بين صلاة العشاء وصلاة الفجر، وهي موجودة فقط عند المذهب السني بينما لا يُصليها أتباع المذهب الشيعي ويرونها بدعة.

كما تنتشر سُنة الاعتكاف في رمضان، ويُقصد به المكوث في المساجد لفترات معينة يكرس فيها المرء وقته للتعبد. وقد اشتهر الاعتكاف خلال العشر أيام الأخيرة من شهر رمضان حيث يكون زيادة في الفضل والأجر، ويظل المسلم الذي أراد الاعتكاف داخل المسجد ولا يخرج منه إلا بانتهاء فترة الاعتكاف، حيث يشغل وقته خلال تلك الأيام بالصلاة وقراءة القرآن وترديد الأذكار والأدعية.

يبدأ شهر رمضان بتحري هلال القمر في أخر أيام شهر شعبان، وكثيراً ما يختلف بداية رمضان من دولة إلى أخرى نظراً لاختلاف مواعيد ظهور القمر، وعادة ما تحتفل بعض الدول به بطرقٍ مختلفة أيضاً، ففي السودان هناك احتفال في اليوم الأول يُسمى “الزفة،” وفيه تُقام مسيرة مكونة من رجال الشرطة والفرق الموسيقية احتفالاً بقدومه.

بينما في مصر فيقوم الناس بتعليق الزينة في الشوارع وشراء الفوانيس الصغيرة للأطفال والكبيرة لتعليقها في الشوارع، وقد عُرف أن انتشار الفوانيس وبعض المأكولات هي عادة منذ العهد الفاطمي. وهناك أيضاً مدفع رمضان الذي يكون إطلاقه بمثابة إشارة لبدء الإفطار، كما تنتشر في شوارع وطرق مصر خلاله ما يُسمى بـ “موائد الرحمن” حيث يقوم الناس بعمل موائد مجانية للعابرين أو المحتاجين، بعضها يكون على الطرقات لإطعام المسافرين وبعضها في الأحياء والشوارع. وعُرف في مصر عن رمضان بأنه موسم الأعمال الدرامية حيث يكثُر إنتاج المسلسلات والأعمال التلفزيونية المسماة بـ “الفوازير،” كما تعرف مصر وبعض الدول غيرها خلال الشهر وظيفة “المسحراتي” وهو شخص يقوم بالنداء على الناس قبل الفجر لإيقاظهم كي يتناولوا وجبة السحور، وهو طقس يتميز ببهجة كبيرة حيث يلتف الأطفال حول ذلك المسحراتي الذي يوقظ الناس على أنغام طبلته الصغير وبكلمات غنائية طريفة.

كما أن هناك تميزاً للاحتفال برمضان في المملكة المغربية وطقوساً مبهجة، حيث يتم الاحتفال بالأطفال الذين يصومون لأول مرة في حياتهم، وأيضاً يتم الاحتفال بليلة القدر مساء اليوم السادس والعشرين من شهر رمضان حيث تنتشر الزينات والموسيقى وتذهب البنات والنساء لوضع الحناء على أيديهم في نقوش ورسومات مختلفة. ويتم الاحتفال بالبنات الصغيرات اللائي بدأن صومهن بوضعهن داخل هودج صغير يُسمى “العمارية”، والذكور فوق الأحصنة، وكلهم يلبسون الثياب المغربية التقليدية وهو “القفطان” للبنات، والجلابة للذكور.

وقد اشتهرت الدول العربية بتخصيص أكلات ومشروبات معينة أثناء شهر رمضان، ففي مصر ينتشر مشروب التمر الهندي والعرق سوس، بينما في بلاد الشام هناك “الجلاب،” أما في المغرب فهناك حساء الحريرة، وكذلك ينتشر تناول المكسرات والفواكه المجففة وغيرها. وهناك حلويات مثل الكنافة في مصر، والشبكية في المغرب، كما تتشر عادة التجمع خلال الوجبات، حيث تجتمع الاسر مع بعضها لتناول الإفطار.

زكاة الفطر وهي أحد الفروض الواجبة على كل المسلمين كبيراً وصغيراً، وهي عبارة عن مبلغ من المال أو بعض السلع والمأكولات يتبرع بها المسلمون قبل انتهاء شهر رمضان، ويتم تحديد قيمة تلك الزكاة سنوياً في كل دولة حسب مستوى معيشتها.

أما عيد الفطر فهو احتفال المسلمين بانتهاء شهر رمضان ويكون في الأيام الثلاثة الأولى من شهر شوال، الشهر التالي لرمضان. ويشتهر عيد الفطر باتساع مظاهر البهجة والفرح، حيث يحتفل المسلمون بقضاء فريضتهم الرابعة، وفيه يلبسون ثياباً جديدة ويقومون بزيارة بعضهم من الأهل والجيران والأقارب والأصدقاء. كما تنتشر عادة “العيدية” خلال العيد في بعض الدول مثل مصر، حيث يقوم الناس بإعطاء نقود للأطفال الصغار كهدية لإسعادهم بقدوم العيد.

ويسبق يوم العيد ما يُعرف بـ “ليلة الوقفة” وفيها يتم تحري قمر شهر شوال، وهي ليلة عُرفت باحتفالاتها أيضاً وقد كان لها أثر في التراث الفني والثقافي واشتهرت بها أغنية للمطربة المصرية أم كلثوم وهي أغنية “يا ليلة العيد،” التي تركز على مشاعر التكاتف والفرح التي تعم خلال هذا الوقت.

Advertisement
Fanack Water Palestine