وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

الحشاشون: الطائفة الشيعية الغامضة

الحشاشون
قلعة مصياف، سوريا. Photo: kylepounds2001 / Flickr

الحشاشون هم طائفة دينية شيعية إسلامية منبثقة عن الطائفة الإسماعيلية. تبدأ حكاية الحشاشين الفعلية بوفاة الامام جعفر الصادق عام 765 ميلادي، حيث انقسم المذهب الشيعي بعد وفاة الإمام جعفر الصادق بين مجموعتين؛ من قالوا بأنه قد نص على إمامة إبنه الأكبر إسماعيل، الذي بحسب الروايات توفي قبل أبيه، للشيعة من بعده، ومن أنكروا ذلك وطالبوا بالإمامة لإبنه الثالث، موسى الكاظم. يُطلق على المجموعة الأولى الطائفة الإسماعيلية، بينما يطلق على المجموعة الثانية الطائفة الاثنا عشرية.

أسس الإسماعيليون عام 909 ميلادي أول خلافةٍ شيعية في التاريخ امتدت في شمال أفريقيا والشام وفارس وأسيا الوسطى، وسُميت بالخلافة الفاطمية نسبة إلى السيدة فاطمة بنت النبي مُحمد، وتمركزت في القاهرة في مصر.

وفي عام 1094 توفي الخليفة الفاطمي الثامن المُستنصر بالله بعد أن وصى بولاية العهد لابنه الأكبر نزار، إلا أن أخيه الأصغر، المُستعلي بالله، نجح في الاستيلاء على العرش بمساعدة الوزير الأول ووصي العرش وقائد الجيوش بدر الدين الجمالي. وبعد استيلاء المستعلي بالله على العرش، تم سجن نزار وثم قتله عام 1095، وفر ابنه الهادي إلى إيران ومدعوماً من حسن الصباح الذي رفع لواء الدعوة لولاية نزار ومنشأ الطائفة النزارية التي سيُطلق عليها طائفة “الحشاشين” فيما بعد.

بحثاً عن قاعدةٍ لنشر دعوته وكسب أنصارٍ له، اتخذ الصباح مقراً حصيناً له يُسمى قلعة الموت، وهي حصن جبلي يوجد بوسط جبال البرز عام 1088. وبقي في قلعته طوال 35 عام حتى وفاته عام 1124. استمرت قلعة الموت مقراً ومركزاً لطائفة الحشاشين حتى دخول جيوش المغول وهدمها عام 1256، وحرق مكتبته، مما تسبب في فقدان الكثير من التفاصيل عن الطائفة.

ولكن استمرت بلاد فارس (إيران) كمقرٍ للإمامة حتى وفاة الإمام النزاري الخامس والأربعين، الشاه خليل الله، سنة 1817، ليتولى ابنه الأكبر، حسن علي شاه، مقاليد الإمامة. وعليه، قام الملك القاجاري حاكم فارس بتعيين حسن علي شاه حاكماً على مدينة قم المقدسة لدى الشيعة، وزوّجه إحدى بناته ولقبه بلقب تشريفي وهو (الأغا خان) بمعنى المولى والسيد. ولكن عصفت التوترات بالعلاقات الأغاخانية والبلاط القجاري وصولاً إلى الصدام العسكري عام 1840؛ مما دفع في نهاية المطاف الأغا خان للهروب إلى أفغانستان، ثم إلى إقليم السند في باكستان قبل أن يستقر الأغا خان في مدينة بومباي سنة 1884 للميلاد.

يرجع تسمية طائفة الحشاشين إلى أكثر من رواية، على الرغم من عدم وجود أي دليل على تعاطيهم مخدر الحشيش، منها أن كلمة “حشاشين” ما هي إلا تحويرٌ لكلمة “حساسان،” نسبة إلى شيخهم حسن الصباح، أو تحوير لكلمة “عساسون” اشتقاقاً من كلمة “عسس،” أي الحراس الذين يحمون القلاع طوال الليل، أو من كلمة “Assassins” بمعنى القتلة.

أما التفسير الأخير، فقد استحقوه بجدارة، إذ اتبع الحشاشون بقيادة حسن الصباح استراتيجيةً عسكرية مختلفة تماماً عما عُرف في ذلك الزمان، فقد تجنب تماماً في صراعاته وحروبه المواجهات المباشرة والحروب الميدانية تفادياً لسقوط آلاف القتلى، واتبع بدلاً من ذلك طريقة الاغتيال للشخصيات والقيادات الهامة والبارزة في جيوش أعداءه من وزراء وملوك ورجال دين، وذلك عن طريق فدائيين مُدربين احترافياً على فنون التنكر والجاسوسية والفروسية وطرق القتل والاغتيال والأهم من ذلك استعدادهم للموت في سبيل تحقيق الأهداف المطلوبة منهم. وكان نادراً ما ينجو أحدٌ من الفدائيين من الموت بعد تنفيذ مهمته، بل لجأ كثيرٌ منهم إلى الانتحار لتفادي الوقوع في ايدي الأعداء. وكان هؤلاء الفدائيين يندمجون في صفوف جيوش الخصوم أو البلاط الملكي حتى اللحظة المواتية لتنفيذ عملياتهم، وهي الاستراتيجية التي أدخلت الرُعب في قلوب خصوم الحشاشين وجعلت منهم طائفة اسطورية على مر الزمان.

وبالرغم من اعتبار الكثير من المؤرخين انتهاء طائفة الحشاشين في بلاد فارس على يد الغزو المغولي في القرن الثالث عشر، إلا أن هالة الغموض المحيطة بهم ألهمت العديد من “أساطير الحشاشين” التي تطورت على مراحل وتميل إلى تنميقهم بشكلٍ جديد في كل مرحلة. فعلى سبيل المثال، قصة “أسطورة الفردوس” للرحالة الإيطالي ماركو بولو التي وصف فيها “حديقة سرية في الجنة،” تحتوي على جميع الملّذات المادية ليتم إيهام الفدائيين أنهم في الجنة وسيعودون إليها، كجزءٍ من تدريبهم.

وعلى مر القرون التالية، ظهر الحشاشون في مناطق أخرى حول العالم على الرغم من أن أتباعهم أصبحوا معروفين باسم النزاريين، الذين يشكلون غالبية المسلمين الإسماعيليين. واليوم، تمتلك الطائفة مجموعة من المؤسسات والهيئات الربحية وغير الربحية يصل عددها لأكثر من 140 هيئة تمتد إلى أكثر من 30 بلداً لخدمة الجماعات الإسماعلية، ويشتغل فيها قرابة 58 ألف عامل وحوالي 20 الف متطوع حول العالم.

وتكاد الطائفة النزارية تتطابق مع الجمهور العريض من الطائفة الإسماعيلية وكثير من التفاصيل بباقي الطوائف والمذاهب الشيعية، فهم يؤمنون بأركان سبعة للإيمان، هي الصلاة والصيام والزكاة والحج والطهارة والجهاد والشهادة، كما يؤمنون بأن هناك تفسير باطني للقرآن الكريم، يليه في القداسة كتاب آخر للتعاليم الدينية يُسمى “كتاب الجنان.”

إلا أنهم يختلفون عن الطوائف الشيعية الأخرى في عدم الإيمان بوجود إمامٍ غائب الذي سيعود باعتباره المهدي المنتظر في آخر الزمان. ووفقاً للتقاليد النزارية، فلا بد من أن هناك إمامٌ حاضر يعيش حتى نهاية الزمان، وأن علي بن أبي طالب ونسله هم الورثة الشرعيون فقط للنبي محمد.

وعلى الرغم من الانقسامات بين الشيعة، إلا أن الطائفة النزارية نجت منها. واليوم، الإمام التاسع والأربعون هو شاه كريم الحسيني أو آغا خان الرابع، الذي تولى الإمامة في عام 1957. ومثل سلفه، فإن الآغا خان الحالي، الذي يعيش في فرنسا، معروفٌ بأعماله الخيرية من خلال شبكة الآغا خان للتنمية.

Advertisement
Fanack Water Palestine