وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

الدين البهائي والأسباب الكامنة وراء اضطهاد أتباعه

Specials- bahai
خاتم الاسم الأعظم و هو من الرموز البهائية المقدسة لدى البهائيين. Photo Wikipedia

يعتبر الدين البهائي أحد الأديان الحديثة في العالم، فقد ظهر في عام 1844 في إيران، وفي غضون أقل من قرنٍ من الزمان أصبح ديناً عالمياً. تُشير غالبية المصادر إلى أن أتباع الدين البهائي يبلغ عددهم حوالي 5-6 ملايين فقط، إلا أنهم يتواجدون تقريباً في جميع بلدان العالم. وبالتالي، فإن البهائية هي ثاني أكثر الديانات إنتشاراً جغرافياً بعد المسيحية. وعلى الرغم من أن البهائية تشترك في أوجه تشابهٍ مع الديانات التوحيدية الأخرى، إلا أن البهائيين غالباً ما يتعرضون للإضطهاد في البلدان الإسلامية. ففي إيران، على سبيل المثال، ومنذ إنشاء الجمهورية الإسلامية في عام 1979، تتعرض الطائفة البهائية، وعلى نحوٍ مكثف، للمضايقة والتمميز على حد سواء. وفي هذا المقال، نتناول بإيجاز تعاليم هذا الدين ونناقش الأسباب الكامنة وراء اضطهاد أتباعه.

كان السيد علي محمد شيرازي، المُلقب بالباب (1819-1850)، تاجراً من مدينة شيراز في جنوب إيران. في عام 1844، عندما كان يبلغ 24 عاماً، ادعى أنه رسول الله. ألغى الشريعة الإسلامية وأصدر نظاماً أسماه القانون البابي، وبذلك أسس ديناً مختلفاً عن الإسلام. تضمنت بعض القوانين الجديدة تغيير التقويم القمري إلى تقويمٍ شمسي يتضمن 19 شهراً و19 يوماً، والذي أصبح فيما بعد أساس التقويم البهائي، وتغيير اتجاه قِبلة الصلاة من مكة إلى بيت الباب في شيراز. وسرعان ما جذب أتباعاً، مما جذب أيضاً أنظار الحكومة المركزية. وفي عام 1850، اتهم بالرِدة وتم إعدامه. وقبل موته، ادعى أن تعاليمه كانت إلهاماً من الله وتوقع أن تظهر شخصية نبوية جديدة قريباً. يعتبر البهائيون بهاء الله (1817-1892) ذلك الشخص.

وعلى الرغم من أن البابية والبهائية حركتين مستقلتين، إلا أنهما متشابكتان بشكلٍ كبير. واليوم، يحتفل البهائيون بميلاد الباب، ووفاته، ويعتبرونهم أياماً مقدسة. فهو يعتبر أحد الشخصيات المحورية للبهائية، إلى جانب كلٍ من بهاء الله وابنه البكر، عبد البهاء.

كان الميرزا حسين علي النوري (1817-1892)، المولود في طهران، أحد أوائل أتباع الباب، الذي حمل فيما بعد لقب بهاء الله. وعلى الرغم من أن العديد من أتباع البابية اتبعوا تلميذاً آخر للباب، الملقب بـصبح أزل، إلا أن بهاء الله اكتسب تدريجياً ولاءهم، وأصبحوا يعرفون بإسم البهائيين.

Specials- Bahai israel
حدائق البهائيين في حيفا. Photo Wikipedia

بعد فترة وجيزة من إعدام الباب، طُرد بهاء الله من طهران إلى بغداد، التي كانت جزءاً من الإمبراطورية العثمانية في ذلك الوقت، ليتم إرساله إلى اسطنبول وبعد ذلك إلى أدريانوبل (أدرنة). وأخيراً، في عام 1868، تم إرساله إلى السجن العثماني في مدينة عكا، أي اسرائيل في الوقت الحاضر. توفي ودفن هناك في عام 1892، حيث يتجه البهائيون في صلاتهم كل يوم نحو ضريحه.

بعد وفاة بهاء الله، أصبح عبد البهاء زعيم هذه الطائفة الدينية حديثة العهد. وبعد وفاته في عام 1921، خلفه حفيده الأكبر شوقي أفندي. وبعد وفاة أفندي في عام 1957، أصبحت قيادة الدين جماعية وتم نقلها إلى مجموعة من المؤمنين بالبهائية بدلاً من فردٍ واحد. واليوم، يتولى بيت العدل الأعظم شؤون البهائيين.

Bahais AR 3000
المصادر: Wikipedia, bahai-library.com and encyclopedia.com. إضغط للتكبير. @Fanack ©Fanack CC BY 4.0

من حيث العقيدة، يؤمن البهائيون أن الله متعالٍ ولا يمكن عرفان الله أو فهمه دون أنبياء، وآخرهم كان بهاء الله. كما يؤمنون بوجود إلهٍ واحد ينتمي له كل الكون والخلق. فهو القادر على كل شيء، والكامل، ويمتلك معرفةً شاملة بالحياة.

فقد جعل بهاء الله الصلاة الخاصة اليومية فريضةً دينية إلزامية على جميع البهائيين من سن الـ15 فما فوق. ولكن، يمكن لأتباع البهائية الاختيار ما بين الصلاة الصغرى، والوسطى، والصلاة الكبرى كل يوم.

يُركز البهائيون على نحوٍ كبير على السلام والوحدة بين الناس. بالنسبة لهم، تتألف البشرية من عرقٍ واحد، الذي ينبغي أن يتحدّ في في مجتمعٍ عالمي واحد. وبالتالي، يعتبرون أن أصل الأديان ومنبعها واحد، بالرغم من اختلافاتها، وأن جميع الأديان التي ظهرت قبل البهائي صحيحة ويجب احترامها. كما يؤمن البهائيون أيضاً أنه لم يكن هناك سوى إلهٌ واحد، الذي يُدعى بأسماء مختلفة في مختلف الأديان. وبالتالي، فهم لا يؤمنون بأن دينهم ينطوي على الحقيقة النهائية، بل إنه يمثل المجموعة الكاملة من الحقائق التي يمكن الوصول إليها في الوقت الحالي.

وبالإضافة إلى التأكيد على المساواة بين الأعراق، يدافع البهائيون عن المساواة بين الجنسين. كما تعدّ المشاركة في المجتمع البهائي جزءاً أساسياً من كون المرء بهائي. توجد محافل روحانية في جميع أنحاء العالم تتكون من تسعة أعضاء من الطائفة يتم انتخابهم من قِبل أبناء الطائفة لتولي مناصبهم لمدة عام. كما يوجد المركز البهائي العالمي في عكا، حيث يوجد أيضاً ضريح بهاء الله. بينما يقع بيت العدل الأعظم، الذي يُمثل أعلى هيئة إدارة لإدارة الدين البهائي، في مدينة حيفا، الواقعة على البحر المتوسط في اسرائيل. يحجّ غالبية البهائيين إلى هذه الأماكن.

Specials- Baha'i faith
كويتيون ومغتربون ملتزمون بالدين البهائي يجتمعون للعبادة وأداء الطقوس الدينية قبل بداية شهر الصوم في مدينة الكويت، 28 فبراير 2018. Photo AFP

وعلى الرغم من أن الطائفة البهائية كانت تتألف بدايةً من الإيرانيين بخلفيةٍ شيعية، إلا أن البهائيين المعاصرين يشكلون ما نسبته واحد فقط من بين كل عشرة إيرانيين. وعلى الرغم من قلة عددهم، ما زال الإيرانيون البهائيون يواجهون تمييزاً كبيراً. وفقا للدكتور أفشين شاه، المحاضر الأقدم في سياسات الشرق الأوسط في جامعة برادفورد في المملكة المتحدة، فإن سبب ذلك بسيط. “تاريخياً، كان رجال الدين الشيعة معادين للبهائيين لأن دينهم يشكك في “ختام” الإسلام. يؤمن البهائيون بأن جميع الأديان السابقة بما فيها الإسلام هي من نفس المصدر وهي في جوهرها فصولٌ متعاقبة لدينٍ واحد من الله. وبالتالي، فهم يعتقدون أن العقيدة البهائية، التي ظهرت في القرن التاسع عشر، هي “أحدث” مظاهر “الحقيقة.” وكما يدعي الإسلام أيضاً بأنه “الحقيقة النهائية،” لطالما كانت بعض السلطات الدينية، السُنية والشيعية، معاديةً بشدة للطائفة البهائية.”

يرتبط هذا التناقض بالروايات بشكلٍ وثيق بتوجسٍ متجذر ما بين رجال الدين الإيرانيين من القوى الخارجية. وحتى قبل ثورة 1979، كان العديد من رجال الدين يعظون من أن الدين البهائي ليس سوى صنيعة “ثعلب الإمبريالية الأكبر،” بريطانيا. فقد زعموا أنّ الإمبراطورية البريطانية، التي ازدهرت على فكرة فرّق تسد، أوجدت هذا الدين لإضعاف الشعور بالوحدة لدى الأمة الإسلامية. وبعد الثورة، أصبحت وجهة النظر العدائية هذه جزءاً لا يتجزأ من خطاب الدولة.

وفي ظل وجهة النظر التآمرية هذه، تعتقد الجمهورية الإسلامية بأن البهائيين يستخدمون وسائل الإعلام البريطانية لتقويض السلطة الإٍسلامية في إيران. فالنظام يُشكك بشدة بهيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) ويعتقد أنها لعبت دوراً حاسماً في حشد الاحتجاجات المناهضة للنظام في أوائل عام 2018 بعد الانتخابات الرئاسية في العام السابق. كما يعتقدون أن بي بي سي بالفارسية موجودة لخدمة الأجندة البهائية. فقد سبق ووصف حداد عادل، المتحدث السابق باسم البرلمان الإيراني والمقرّب من المرشد الأعلى علي خامنئي، البي بي سي بـ”بهيئة الإذاعة البهائية.” ولا تزال نظريات المؤامرة التاريخية هذه تلقي بظلالها على الطائفة البهائية، حيث تروج الدولة بنشاط لهذه الأفكار لتشويه صورة البهائيين وإضفاء الشرعية على اضطهادهم الجماعي.

وفي حال لم تكن نظريات المؤامرة البريطانية كافية، يربط النظام أيضاً الدين البهائي بالصهيونية. فالجمهورية الإسلامية تعتقد بأن السبب في ذلك يعود إلى أن مقر البهائيين والعديد من المواقع الدينية البهائية الهامة تقع في إسرائيل. عندما سجن بهاء الله، مؤسس الدين، في عكا، كانت المدينة تحت الحكم العثماني، بيد أنه بعد مايو 1948، عندما أنشئت دولة إسرائيل، أصبحت جميع تلك المواقع جزءاً من الأراضي الإسرائيلية. وبما أن العديد من البهائيين يحجّون إلى إسرائيل ويزورون مواقعهم الدينية هناك، اتهمت الجمهورية الإسلامية الإيرانية العديد من البهائيين “بالتجسس” لصالح الصهيونية.

Advertisement
Fanack Water Palestine