وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

إيران والأحجية الإقليمية

المقدمة

Shiite militiamen after helping free the town of Amirli in northern Iraq from an Islamic State siege.
وسعت إيران نفوذها في العراق من خلال دعمها للميليشيات الشيعة التي تقاتل تنظيم الدولة Photo Andrea Bruce/The New York Times

أثارت التطورات الإقليمية التي عصفت بالشرق الأوسط خلال عام 2014 موجة من التهديدات والفرص على حد سواء لإيران وطموحاتها الإقليمية. المشهد الذي لم يتخيله أحد مسبقاً، مع تنامي شوكة تنظيم “الدولة الإسلامية” في كلٍ من سوريا والعراق، التي تشكّل اليوم تهديداً واضحاً على حدود إيران الغربية، باتت تهدد أيضاً بإضعاف النفوذ الإقليمي للجمهورية الإسلامية. وفي الوقت نفسه، يُعتقد أن صعود جماعة الحوثي في اليمن عززت قبضة إيران الإقليمية. ومع مواصلة مجموعة “5+1” (الدول الخمس دائمة العضوية في الأمم المتحدة بالإضافة إلى ألمانيا) وإيران في فبراير 2015 المفاوضات حول الملف النووي، ربما لا تزال إيران الشريك الأكثر مصداقية بشأن هزيمة “الدولة الإسلامية”. وبالنظر إلى المستقبل، نجد أنّ عدم الإستقرار الإقليمي، واستمرار المفاوضات حول الملف النووي، والحبوط الحاد بأسعار النفط، ساهم في عدم وضوح صورة الفائز من الخاسر في المنطقة.

العراق وسوريا واليمن

تبقى إعادة السيطرة الإقليمية الكاملة من قِبل الحكومات التي تدعمها إيران في كل من سوريا والعراق الأولوية الإقليمية لإيران، حيث أكد الخطاب الرسمي في إيران على ضرورة الوحدة الإقليمية والدينية من خلال التقليل من قيمة الطائفية كظاهرة مُلفّقة أنشأها أولئك الذين يسعون إلى زعزعة استقرار المنطقة. ووصفت إيران التحالف الجوي الغربي ضد تنظيم “الدولة الإسلامية” بأنه غير فعّال فضلاً عن معارضتها عودة أي قوات برية غربية إلى المنطقة. هذا وأثبتت استراتيجية استخدام القوات العراقية المسلحة والميليشيات الشيعية، والبيشمركة الكردية كوسيلة لإبعاد تنظيم “الدولة الإسلامية” نجاحها، إلا أنّ الأمر يتطلب التنسيق المستمر لتتم هزيمة تنظيم “الدولة”.

وبينما لا تزال المحادثات بشأن برنامج إيران النووي قائمة، نفت كل من إيران والولايات المتحدة الأمريكية المزاعم المتعلقة بتعاونها ضد تنظيم “الدولة”. وبالرغم من ذلك، ربطت عناصر من حكومة روحاني نجاح المحادثات حول البرنامج النووي بالتعاون الأمني في العراق، ويمكن استخدام هذا كحافز ثانوي، في حال تراجع الوضع. وستقوم إيران، من خلال مزيج من الدعم المادي للمليشيات والحكومات وتوفير مستشارين على أرض الواقع، برصد الأحداث عن كثب. هل تتوجب هزيمة تنظيم “الدولة الإسلامية” خلال العام المقبل، إذ أنّ التوترات العرقية والدينية الكامنة في العراق وعدم الاستقرار الدائم في سوريا لا يزالان يهددان شرعية إيران كقوة إقليمية.

جماعة الحوثي

وفيما يتعلق باليمن، أشاد على أكبر ولايتي المستشار الخاص للمرشد الأعلى للثورة، بجماعة الحوثي في أكتوبر 2014 واصفاً إياه “بالنضال المشروع”. ويعكس صعود جماعة الحوثي في اليمن تمكّن إيران من إيجاد موضع قدم في بلاد تعدّ ذات مصلحة أمنية حيوية بالنسبة لمنافس إيران الأساسي في المنطقة، المملكة العربية السعودية. ولا يزال السعوديون يشعرون بالتهديد من إيران في المسارح العربية وخاصة في العراق وسوريا ولبنان والبحرين والآن اليمن. وعلاوة على ذلك، فإنّ إمكانية التوصل إلى اتفاق نووي شامل بين إيران والغرب قد يقوّض الطموحات الإقليمية السعودية. ومن جهةٍ أخرى، فإنّ علاقات إيران القوية مع حزب الله في لبنان والتقارب الأخير مع حركة حماس في الأراضي الفلسطينية يُشير إلى أنّ نفوذ إيران بات يتخطى الهلال الشيعي.

تطور القوة

من غير المرجح أن يحدث الاتفاق النووي الشامل تغييراً جذرياً في سياسية إيران الإقليمية خلال العام المقبل. ولا تزال الخلافات حادة بين ايران والقوى الغربية حول مستقبل سوريا والعراق ولبنان، والصراع الإسرائيلي الفلسطيني، ناهيك عن التدقيق الغربي في شؤون إيران الداخلية. ومع ذلك، ينبغي التوصل إلى إتفاق شامل بين إيران ومجموعة “5+1″، إذ أنّ مجرد إمكانية التنسيق في عمليات مكافحة الإرهاب قد تكون كافية لتعزيز مكانة إيران إقليمياً.

وقد شهد العام الماضي تطور العلاقات بين إيران وروسيا. ففي نوفمبر 2014، تم التوصل إلى اتفاقٍ مع روسيا لبناء ثمانية مفاعلات نووية جديدة في إيران، ولا تزال المحادثات قائمة بشأن صفقة بقيمة 20 مليار دولار لتبادل النفط مقابل السلع، ومؤخراً تم توقيع اتفاق لتعاون عسكري بين البلدين ليبدأ أخيراً نقل منظومة (إس 300) لصواريخ أرض- جو إلى إيران. وهذا من شأنه، إلى حد كبير، تعزيز قدرة إيران على الدفاع عن المنشآت النووية الحساسة من الهجوم. كما تم تعزيز العلاقات بين البلادين بعد فرض عقوبات دولية ضد روسيا بسبب الأزمة في أوكرانيا. وسواء كان هذا زواج مصلحة أم شراكة استراتيجية دائمة، يتوقف الأمر إلى حدٍ كبير على روسيا ونظرتها إلى الشرق الأوسط، ولكن لا بدّ من التذكير أنه لم يسبق لإيران قط أن وثقت بروسيا بشكلٍ تام.

وتعتمد كيفية تطور قوة إيران وما إذا كان هذا سيحصل فعلاً، على عوامل تتجاوز حدود سيطرتها. وقبل كل شيء، لا يزال حالياً الوصول إلى اتفاق نووي شامل بعيد المنال فضلاً عن تراجع أسعار النفط مما يسبب ضغوطاً كبيرة على الجمهورية الإسلامية. غير أنه في ظل هذه الظروف، حافظت إيران على شرعيتها الإقليمية، مبرهنةً قدراتها العسكرية وعلاقاتها الإقليمية من خلال استراتيجية فعّالة لمكافحة تنظيم “الدولة الإسلامية”. وفي الوقت نفسه، تعتبر التطورات في اليمن ميزة استراتيجية لإيران، إلا أنّ عودة حكومة ذات ثقل شيعي في كل من العراق وسوريا مع السيطرة الكاملة على أراضيها ما زال احتمالاً بعيداً.

وفي الوقت الراهن، ستواصل ايران اتباع استراتيجية إقليمية تستند أساساً على العراق وسوريا. ولا يزال ينظر إلى العراق باعتباره مفتاح المنطقة من وجهة نظر كل من إيران ومنافستها الإقليمية، المملكة العربية السعودية، وبالتالي لن تدعها إيران تفلت من بين أيديها بسهولة. ويُعتبر أيضاً كل من حزب الله في لبنان، وجماعة أنصار الله الحوثية في اليمن، ودعم حماس مجرّد قطع أخرى في أحجية إيران الإقليمية. وعلى الرغم من أن إيران قد تكون قادرة على إبعاد تنظيم “الدولة الإسلامية” عن طريقها، إلا أنّ التحدي الأكثر صعوبة يتمثل في إعادة بناء شراكات مستقرة في المنطقة بين عشية وضحاها. ويكمن التحدي الأكبر في تطوير قوة إيران بالطريقة التي ستستجيب فيها للمشهد الإقليمي المتغير باستمرار وما قد يكون مطلوباً منها لحماية مصالحها.

Advertisement
Fanack Water Palestine