المقدمة
يعتبر طلب العلاج أحد الأسباب الرئيسية لسفر الناس إلى الخارج منذ قرون. ولكن في العقود الأخيرة فقط باتت “السياحة العلاجية” أحد أكثر المجالات المربحة في العالم، وأصبحت تجذب ملايين السياح سنوياً إلى البلدان التي تقدم خدمات علاجية ذات جودة عالية وبأسعال معقولة. ووفقاً لمنظمة الصحة العالمية، بلغ إجمالي التداول للسياحة العلاجية 100 مليار دولار في نهاية عام 2012. وعلى الرغم من أنّ “السياحة العلاجية” تعدّ من المجالات الجديدة للعديد من الدول النامية، إلا أنها سرعان ما أصبحت من المجالات المربحة في دولٍ مثل إيران.
تمتلك إيران القدرة لتصبح من الوجهات الرائدة في مجال السياحة العلاجية لعدة أسباب. ووفقاً لمنظمة التراث الثقافي الإيراني والحرف اليدوية والسياحة (ICHTO)، منذ عام 2004 ازداد معدل النمو في قطاع السياحة العلاجية في إيران بمعدل سنوي يصل من 20% إلى 25%. وتعتبر هذه الأرقام غاية في الأهمية، لا سيما في ضوء حقيقة أن وزارة الصحة الإيرانية خططت في عام 2003 فقط تطوير السياحة العلاجية، وبعد عامٍ من ذلك أصبح هذا التطور أولوية مع إنشاء منظمة التراث الثقافي الإيراني والحرف اليدوية والسياحة كهيئة مستقلة.
كما أنّ الأرقام جديرة بالملاحظة أيضاً بالمقارنة مع معدل النمو السنوي للسياحة العلاجية، والتي وصلت وفقاً لمنظمة الصحة العالمية إلى حوالي 10% إلى 20% عام 2012. واستناداً إلى هذه الإحصاءات، تؤمن منظمة التراث الثقافي الإيراني والحرف واليدوية والسياحة بتقدم إيران النسبي في المجال مقارنةً بمنافسيها في الشرق الأوسط. ومع ذلك، هناك أسباب أخرى لدعم هذا الاعتقاد في ضوء هذا التقدم النسبي.
ويعتبر موقع إيران الجغرافي عاملاً أساسياً. وتمنح النوعية الرديئة، بشكلٍ عام، للخدمات الطبية التي تقدمها الدول المجاورة لإيران سوقاً مستهدفاً بحوالي 200 مليون فرد. إلا أن الجغرافيا وحدها لا تفسر معدل النمو المذكور، إذ أن هناك ثلاثة أسباب أخرى تدعم نجاح البلاد.
هناك أولاً الأسعار التنافسية التي يقدمها القطاع الصحي في إيران، التي تجذب السياح طالبي العلاج من الدول النامية والمتطورة طبياً على حد سواء ممن يسعون للحصول على خدماتٍ طبية بأسعار معقولة. وتعدّ الأسعار أقل من ذلك نسبياً بسبب تقلبات أسعار الصرف: حيث فقد الريال الايراني ثلثي قيمته منذ عام 2011. ونتيجة لذلك، تُقدّم الخدمات الطبية الإيرانية بثلث سعرها السابق. أدى هذا إلى تدفق السياح طالبي العلاج بشكلٍ أساسي من البلدان المجاورة وخصوصا أذربيجان والعراق ودول الخليج العربي.
ويتمثل السبب الثاني في مستويات التدريب والمهارة العالية للعاملين في القطاع الطبي والرعاية الصحية في إيران مقارنةً بغيرها من الوجهات الطبية السياحية الرئيسية في الشرق الأوسط. وعلاوة على ذلك، تعتبر إيران رائدة على المستوى المحلي في مجال البحث العلمي وتطوير الرعاية الصحية.
والسبب الثالث هو الإصلاحات التنظيمية. ففي محاولة لتعزيز قطاع السياحة، خففت إيران من القوانين، التي شكلت عائقاً أمام النمو منذ فترة طويلة، فيما يتعلق بمنح التأشيرات لدخول طالبي السياحة العلاجية ومرافقيهم.
العلاج الطبي
مهدت هذه الأسباب الطريق أمام المزيد من التطور في قطاع السياحة العلاجية، والتي استقطبت حوالي 200,000 سائح عام 2012 وولدت دخلاً قيمته بليون دولار. ومن بين الخدمات الطبية المطلوبة الأكثر شيوعا من قبل السياح في إيران هي علاج العقم، وطب الأسنان، وجراحة التجميل، وجراحة القلب، والعلاجات المرتبطة بالسرطان، وطب العيون والعلاجات الصحية مثل المياه الشافية. وتعتبر الأسواق الرئيسية للسياحة العلاجية الإيرانية في السنوات الأخيرة كل من أذربيجان والعراق وتركمانستان وأفغانستان والكويت وسوريا ولبنان والمملكة العربية السعودية وتركيا.
ومن الجدير بالذكر أنه خلال نفس الفترة، كانت تركيا الوجهة السياحة الطبية الثانية الأكثر زيارة بين الدول الإسلامية. وباعتبارها سوق مستهدفة للسياحة العلاجية الإيرانية، تُشير تركيا إلى تقدم إيران النسبي سواء من حيث الأسعار المعقولة، والخدمات ذات الجودة العالية والتقنيات المتقدمة في مجالات معينة.
وحتى عام 2015، كانت كل من المحافظات الإيرانية طهران، وخراسان رضوي، وأذربيجان الشرقية، وجيلان، وأردبيل، وفارس الوجهات الرئيسية للسياحة العلاجية. وكجزء من خطط تطوير البنية التحتية ونوعية الخدمات الصحية المقدمة لهؤولاء السياح، حددت منظمة التراث الثقافي الإيراني والحرف اليدوية والسياحة (ICHTO) بالتعاون مع وزارة الصحة الإيرانية المحافظات التالية للسياحة العلاجية: طهران للسل واضطرابات الرئة؛ وخراسان رضوي لجراحة العيون والعناية بالبشرة وجراحة القلب وجراحة العظام؛ ومدينة فارس لأمراض الكبد والكلى وزراعة النخاع؛ ومدينة يزد للعقم؛ وقُم لأجوائها المشمسة والصحراوية؛ وأخيراً همدان وايلام وزنجان للتدواي بالأعشاب.
ولا تتوفر تفاصيل حول عدد السياح طالبي العلاج والدخل الذي تم توليده على مدى السنوات منذ عام 2012، ولكن بما أنّ الأسباب وراء تطوير هذا القطاع خلال هذا العقد وصولاً إلى عام 2012 لا تزال سارية المفعول، وبما أنّ منظمة التراث الثقافي الإيراني والحرف اليدوية والسياحة (ICHTO) ووزارة الصحة الإيرانية سعت إلى توقيع اتفاقيات مع حكومات الأسواق المستهدفة السياحة الطبية الرئيسية لإيران، يمكن للمرء أن يفترض أن النمو السريع للقطاع مستمر.
وكما تُشير الأرقام غير الرسمية، وصلت أعداد سياح السياحة العلاجية في إيران عام 2014 إلى 300,000 فرد. وبما أنّ التوقعات باعتبار إيران محوراً للسياحة العلاجية في العالم الإسلامي مشرقة، يبقى أن نرى إلى أي حدٍ ستتحقق إمكاناتها.