وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

عرب إيران: عالقون ما بين القومية العربية والتناحر الطائفي الإقليمي

المرشد الأعلى الإيراني، آية الله علي خامنئي، يتحدث إلى مجموعة من العرب الإيرانيين
المرشد الأعلى الإيراني، آية الله علي خامنئي، يتحدث إلى مجموعة من العرب الإيرانيين خلال زيارته إلى دهلاوية في إقليم خوزستان النفطي، جنوب البلاد، في 25 مارس 2006. Photo AFP

بالرغم من أنّ أكثر من 50% من الإيرانيين يعرفون بالفارسيين، إلا أن العديد من الجماعات العرقية الأخرى تشكل نسبة كبيرة من السكان. وحتى أولئك الذين يُعرفون بالفارسيين، فمن المحتمل أنهم يتمتعون بجذور وعلاقات عرقية أخرى. في الواقع، ولعدة قرون، تمازجت وتزاوجت العديد من الجماعات العرقية والمجتمعات، مما منح إيران تركيبة اجتماعية- ثقافية معقدة.

وبالإضافة إلى الجاليات الأذربيجانية والتركمانية والبلوش والكردية، يعيش عددٌ كبيرٌ من العرب في إيران. وهناك اعتقاد خاطىء على نطاقٍ واسع بأن الوجود العربي في إيران لم يبدأ إلا مع الفتح الإسلامي عام 633 ميلادي. في الواقع، قبل هزيمة الإمبراطورية الساسانية بقرون، والتي أدت إلى تحول الإيرانيين التدريجي إلى الإسلام، كان للعرب صلاتٌ ببلاد فارس. فقد تعامل الحكام الإيرانيون مع الدول العربية الخاضعة والتابعة على حد سواء، بما في ذلك اليمن والعراق، وفي بعض الأحيان استقرت القبائل العربية في أجزاء مختلفة من الهضبة الإيرانية لأسباب سياسية.

وعلى الرغم من استقرار العديد من القبائل العربية، بعد القرن السابع، في أجزاء مختلفة من إيران بما في ذلك في فارس وخراسان، إلا أن القبائل العربية لخوزستان حافظت على هياكلها الاجتماعية ولغتها. وتتحدث هذه القبائل لهجاتٍ عربية مختلفة، على الرغم من تشابهها إلى حد كبير مع العربية العراقية، وتلتزم في الغالب بالإسلام الشيعي. ومع ذلك، فإن بعض المجتمعات العربية الصغيرة في المناطق الساحلية مثل بوشهر وهرمزغان هم من السُنّة (الشافعية).

وكحال معظم بلدان الشرق الأوسط، يعد الإحصاء السكاني في إيران شديد الحساسية وقد يكون له تداعيات أمنية وسياسية على الدولة. وعليه، لا يمكن التحقق من الحجم الصحيح للجماعات العرقية والدينية في البلاد. ووفقاً لبعض المصادر، يشكل العرب ما نسبته 2% من سكان إيران، مما يعني أن هناك حوالي 1,6 مليون إيراني عربي في البلاد، في حين يُشير الناشطون الإيرانيون العرب إلى أن الرقم يتجاوز المذكور آنفاً بكثير.

وخلال القرن التاسع عشر، كان مفهوم “الدولة” مفهوماً فضفاضاً في إيران، وكثيراً ما كانت الأقاليم الثانوية تتحدى السلطة المركزية. فقد كان إقليم خوزستان مشيخة تتمتع بحكم شبه ذاتي حتى عام 1925، إلى أن تم إخضاعها لسيطرة الحكومة المركزية. وكحال العديد من الجماعات العرقية الأخرى، تأثرت القبائل العربية في إقليم خوزستان بالسياسات المرتكزة على الفارسية للشاهين بهلوي (الدولة البهلوية) خلال القرن العشرين، والتي شملت فرض حظرٍ على استخدام لغات الأقليات في المدارس والصحف.

كما مهد اكتشاف النفط في خوزستان في عام 1908 الطريق أمام وصول الجاليات الإيرانية الأخرى، الفارسية وغير الفارسية، التي غيرت التركيبة السكانية في المنطقة. ومنذ ذلك الحين، اشتكى العديد من النشطاء العرب من “فرض الفارسية” على خوزستان، الذي كما يقولون كان ذو غرضٍ سياسي واضح. وعلاوة على ذلك، وبالرغم من أن الجزء الأكبر من احتياطي إيران من النفط البالغ 137 مليار برميل يقع في خوزستان، إلا أن المنطقة تعاني من نقصٍ شديد في التطور. وفي الآونة الأخيرة، ووفقاً لمنظمة الصحة العالمية تعدّ الأهواز (الأحواز)، عاصمة الإقليم، أكثر مدن العالم تلوثاً.

ففي ثمانينات القرن الماضي، كان للأهواز والسكان العرب في إيران أهمية رمزية كبيرة لدى القادة القوميين العرب مثل صدام حسين. وعندما غزا العراق إيران في عام 1980، حاول صدام ضم خوزستان إلى بلاده، على أمل أن تنضم الغالبية العربية هناك إلى الجيش الغازي. بيد أن الغالبية منهم لم يفعلوا ذلك، وانضموا عوضاً عن ذلك إلى القوات الوطنية لمقاومة الغزو، بالرغم من عبور عدة آلاف منهم إلى العراق أثناء الحرب ومنح البعض منهم أراضٍ هناك. وأيضاً في عام 1980، احتجز انفصاليون من العرب الإيرانيين، وبدعمٍ من العراق، رهائن في السفارة الإيرانية في المملكة المتحدة، وبعد حصارٍ استمر 6 أيام، قُتل رهينتين وخمسة من الخاطفين.

ومع سقوط النظام البعثي في بغداد، سقطت القضية العربية من دائرة الضوء في إيران. ومع ذلك، ومنذ اندلاع الحرب الأهلية في سوريا عام 2011 وتزايد التوترات الطائفية بين إيران وجيرانها العرب، عادت قضية الأقليات العربية في إيران إلى جدول الأعمال.

وعلى الرغم من أن غالبية العرب الإيرانيين من الشيعة، إلا أن السُنّة في جميع أنحاء العالم العربي تناولوا قضية الأهواز بشغفٍ كبير. فعلى سبيل المثال، في البحرين، تم تغيير اسم أحد شوارع العاصمة المنامة إلى شارع الأحواز العرب. وفي سوريا، أطلق الجيش السوري الحر اسم لواء الأحواز على أحد كتائبه. وفي السنوات الأخيرة، كان هناك العديد التقارير عن تحوّل بعض العرب الإيرانيين من الشيعة إلى الإسلام السُنّي، مما زاد من المخاوف الأمنية في خوزستان. وبحسب ما ورد، كان هذا التحول للإسلام السُنّي بمثابة تحدٍ للدولة التي نصبت نفسها حامية حمى الإسلام الشيعي. ومع ذلك، فإن الغالبية العظمى من العرب في خوزستان لا يزالون ملتزمون بالإسلام الشيعي.

ويدعي النشطاء أنه منذ عام 2005 قام النظام باعتقال حوالي 25 ألفاً من العرب في خوزستان. ولا يزال العديد من النشطاء خلف القضبان فضلاً عن إعدام العديد منهم. وفي ظل هذه التوترات، اتهمت إيران كلاً من بريطانيا وإسرائيل والمملكة العربية السعودية بإثارة القلاقل بين الإيرانيين العرب لتقويض النظام. وترفض إيران المظالم العربية وتقول إن التقارير عن سوء معاملتها مجرد دعاية محضة، وكثيراً ما تشير إلى أن عدداً من النخب السياسية والأمنية في الدائرة الداخلية في الجمهورية الإسلامية هم من أصولٍ عرقية عربية.

وعلى الرغم من وجود عنصرٍ من الحقيقة لهذا الادعاء، إلا أن إقليم خوزستان لا يزال متخلفًا ومهملاً، فبالكاد هناك تأثيرٌ يُذكر للكم الهائل من الثروة النفطية المنتجة في الإقليم على الحياة الاقتصادية لسكانها العرب. فقد جعلت المشاكل الإقتصادية المُلحة، وتلوث الهواء الذي يشل المنطقة، وسياسات الهوية التي تتخطى حدود الدولة، من خوزستان تحدياً غاية في الأهمية للجمهورية الإسلامية.

وعلى الرغم من أن الحركات الإنفصالية العربية لا تزال ضعيفة، إلا أن الوضع الراهن سيوفر، في حال تُرك من دون أي تغيير، أرضيةً خصبة للمزيد من تسييس الهوية العرقية العربية في إيران. وستؤدي المظالم العربية الداخلية إلى المزيد من “العرقَنَة،” التي يمكن استغلالها من قبل منافسي إيران الإقليميين، لا سيما المملكة العربية السعودية.

Advertisement
Fanack Water Palestine