وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

المغرب: بنو مرين (1245 – 1358)

بنو مرين
ساحة مدرسة ألو العنانية في فاس. المصدر: HH

المقدمة

لمّا ضعفت دولة الموحدين، خرجت سلالة جديدة من بين أنصارهم في شمال إفريقيا (ستحكم لاحقًا). وتلك هي سلالة بني مرين، وهم من البدو الرحل الأمازيغ الذين استوطنوا شمال شرق المغرب والمناطق المحيطة بمدينتيّ فاس وتازة وكانوا جزءًا من جيش الموحدين، وقد احتلوا مدينة مكناس عام 1245. وبحلول عام 1269، كان بنو مرين قد بسطوا سيطرتهم على معظم أراضي المغرب الحالية. وأرسلوا الجيوش شرقًا إلى طرابلس ثمّ شمالًا إلى ما تبقى من الأندلس، لكنهم فشلوا في السيطرة عليها. ويمكن القول إن نظام حكمهم كان مغربيًا، وكانوا مقاتلين مسلمين أتقياء، وقد عبّر عبد الحق مؤسس دولة بني مرين غير ذي مرة عن التزامه بالشريعة والعلماء. وكان أبو يوسف يعقوب (1268-1286) من أعظم قادة المرينيين، ودعا إلى الجهاد في الأندلس، وتقرّب من العلماء، واهتم بتعليم المسلمين وتوطيد أركان الإسلام في المدن.

الصوفيون

وكان الريف والجبال والصحاري مواطن الطرق الصوفية التي تعاظمت قوتها بسرعة. وقد ادعى كثير من شيوخ تلك الطرق أنهم من الأشراف الذين يعود نسبهم إلى النبي محمد، وأن الشيخ الصوفي الكبير عبد السلام بن مشيش (المتوفي عام 1227) هو شيخهم. وقد كان ضريح ذلك الشيخ أحد مواقع الحج الجليلة في جبل العلم في جبالة. ولمّا كان للطرق الصوفية قوة نافذة، حاول المرينيون التقرب منهم والاندماج مع الأشراف والصوفيين من خلال مصاهرتهم.

مجد المرينيين

كان المرينيون أغنياء، وجعلوا فاس عاصمةً لهم بدلًا من مراكش لأنهم تعاطوا زاولوا التجارة، فتحوّلت طرق الذهب شرقًا، وازدهرت المصنوعات الجلدية والقماش الفاسي، وبنوا سوق توابل شهير عُرف باسم سوق العطارين. وبالإضافة إلى ذلك أسسوا مدينة جديدة إلى جانب المدينة القديمة في فاس لتكون مقرًّا للموظفين والجند. وكان لتلك المدينة حصن منيع ذو جدران سميكة وشرفات، بالإضافة إلى بضع بوابات قوية يحرسها الجند ليلًا. وقد استعملوا النمط ذاته في بناء قلعة شالة خارج الرباط والتي أصبحت لاحقًا مقبرة ملكية.

وكانت المدارس الدينية هي أجلّ المباني التي شيّدها المرينيون، كتلك التي بناها السلطان أبو عنان فارس (1348-1358) في مكناس وفاس. وقد كانت المدارس، التي نشأت في مصر في عهد صلاح الدين، كليات يسكنها الطلاب ويدرسون فيها النصوص الإسلامية بدعم من الأوقاف والصدقات.

انهيار دولة المرينيين

بلغت دولة المرينيين أوج قوتها في عهد السلطان أبي عنان فارس. لكن اقتصاد الدولة ضعف ووهنت قوتها السياسية. وقُتل أبو عنان خنقًا على يد وزيره الذي قُتل بعد ذلك. وأعقب موته انقلابات وصراع طويل بين السلاطين والوزراء وقبائل الجبال والصحاري دام أربعين عامًا، وقد أنهكت تلك الصراعات دولة المرينيين حتى إن حاكم غرناطة تحكّم بالدولة لتنقلب الآية ويتلاعب حكام الأندلس بالمغرب بعد أن كانوا يعتمدون عليه في الماضي.

وقد تعاظم الخطر بازدياد قوة المسيحيين في شبه الجزيرة الإيبيرية. وأغار القشتاليون على السواحل، واحتل البرتغاليون سبتة عند مضيق جبل طارق عام 1415، ثم احتلوا مناطق أخرى على طول ساحل المحيط الأطلسي؛ مثل القصر الصغير عام 1458، وأصيلة وطنجة عام 1471. ثم بدأت سلالة بني مرين تتفكك وتندثر.

الغزو الأوروبي

احتكرت قبيلة بني الوطاس الأمازيغية منصب الوزير. وفي عام 1472، أعلن فرد منهم نفسه سلطانًا. وبعد سقوط غرناطة عام 1492، فرّ المسلمون إلى المغرب، واستقر بعضهم في مدينة سلا أملًا بمواصلة القتال. وقاد الأشراف وشيوخ الطرق الصوفية المقاومة ضد البرتغاليين. واستولى الإسبان على مليلية في أقصى الشمال الشرقي عام 1497، وصخرة الحسيمة وجزيرتين صغيرتين قريبتين منها عام 1559، وجزيرة قميرة في الغرب 1564. في حين سيطر البرتغاليون على الساحل الأطلسي باحتلالهم أغادير عام 1505 وآسفي عام 1507 وأزمّور عام 1513 والجديدة عام 1515.

سقوط الأندلس

بدأ غزو مختلف مع نهاية ما تُسمى حروب الاسترداد المسيحية في شبه الجزيرة الإيبيرية. إذ لجأت موجات من اللاجئين من شبه جزيرة الإيبيرية إلى المغرب واستوطنت المدن الساحلية الشمالية. ولم يكن جميعهم من المسلمين، فقد كان بينهم 10 آلاف يهودي على الأقل. وقد أدت خسارة شبه الجزيرة الإيبيرية وغزو المسيحيين الساحل إلى انتشار الدعوة إلى الجهاد في المغرب، وتحديدًا في الجنوب قرب الجيوب البرتغالية الرئيسة. وقاد الأشراف وشيوخ الطرق الصوفية هذه الدعوة وشكّلوا تحالفًا بينهم مهّد لاحقًا لظهور سلالة جديدة.

قراءة متعمقة

Advertisement
Fanack Water Palestine