وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

المغرب: دخول الإسلام

المغرب: دخول الإسلام
يزعم بعض القوميين المغاربة أن مولاي إدريس هو مؤسس دولة المغرب. Photo: C.R. Pennell

المقدمة

كان المغرب على هامش الإمبراطورية الرومانية سياسيًا واقتصاديًا وثقافيًا.

خرج الإسلام من شبه الجزيرة العربية حيث نمت الزراعة في الحجاز وسط منطقة قاحلة. وكان المجتمع العربي وثنيًا يعبد آلهة متعددة وتحكمه أسس قبليّة ويقوم على الأنساب، شأنه شأن مجتمعات شمال غرب إفريقيا. أمّا سكان بلاد شمال إفريقيا، فقد كانوا مثل أهل سوريا وفلسطين حيث الغلبة للمسيحية واليهودية. وكان يتحدث أهل بلدان شرق المتوسط من سكان الجبال والصحاري اللغات السامية، بينما كان لسان أهل المغرب خليطًا من اللغات الأمازيغية المختلفة. وظلّت منطقة شمال غرب إفريقيا مهمّشة في ظل حكم الإسلام، لكنها تأثرت بشتى الأحداث السياسية الكبرى في الشرق الإسلامي وتحديدًا الانقسامات الأيديولوجية والدينية.

كان النبي محمد رسولًا وزعيمًا سياسيًا وقاد حربًا ضد مشركي مكة، لكنه لم يجبر المسيحيين واليهود على اعتناق الإسلام، بل أحسن إليهم بشرط قبول حكم الإسلام ودفع الجزية. ولم يختر النبي محمد خليفة له، فانقسم المسلمون بعد وفاته في أمر اختيار الخليفة. وصار للانقسام بين السنة والشيعة أثر عميق في المغرب لقرون عديدة. ولم يبدأ فتح شمال غرب إفريقيا إلا بعدما أسس الأمويون خلافة سنيّة في دمشق عام 661.

دخول الإسلام

المغرب: دخول الإسلام
انتشار الإسلام في عهد الخلافة. المصدر: Fanack

وفي عام، 674 أسس القائد المسلم عقبة بن نافع قاعدة جديدة في القيروان جنوبي تونس حاليًا. وانطلق عقبة غربَا عام 682 وهاجم حاميات البيزنطيين على ساحل الأطلسي.

وتزعم بعض الروايات التاريخية أن عقبة رفع صوته حين وصل إلى ساحل الأطلسي وقال: “يا رب لولا هذا البحر لمضيت في البلاد مجاهدَا في سبيلك أقاتل من كفر بك حتى لا يُعبد أحد دونك”.

ولم يدم انتصار عقبة طويلًا، إذ تمردت قبائل عدة يقودها ملك مسيحي أمازيغي يُدعى كسيلة وخلفته ملكة عُرفت في الروايات التاريخية باسم الكاهنة. وقد رحل المسلمون عن القيروان سنوات عديدة ثم استعادوها عام 691 وطردوا آخر البيزنطيين عند الساحل.

وبعد ذلك جعل موسى بن نصير مدينة القيروان عاصمةً لولاية إفريقية، وهو اسمها الروماني القديم. وكانت القيروان في أول عهدها مع المسلمين مركزًا عسكريًا ثم صارت منارة علمية. وفي عام 710، استولى بن نصير على سبتة وطنجة وبسط نفوذ الإسلام داخل الليمس الروماني، وصار حاكمًا على ثلاث إمارات هي تلمسان (الجزائر اليوم) وطنجة وسوس في جنوب المغرب. وقد كانت جلّ جيوش العرب في هذه المنطقة من الأمازيغ مع وجود كتائب عسكرية قليلة من العرب.

أراد المسلمون أن يستوطنوا هذه المنطقة ليفيدوا من خيراتها وينعموا بتجارتها العامرة. ورغم انتشار الدين الجديد، لم يجبر المسلمون أهل تلك المنطقة من اليهود والمسيحيين على اعتناق الإسلام. وكانت بعض القبائل الأمازيغية تؤمن باليهودية وقلة منهم تبعت المسيحية. وحدهم من لم يكونوا من أهل الكتاب أُجبروا على الخضوع للإسلام. وكانت مقاومة الأمازيغ للمسلمين عصية منيعة، لكن العديد منهم اعتنقوا الإسلام طوعًا واختيارًا.

وأصبح القائد الأمازيغي طارق بن زياد في عام 715 حاكمًا على طنجة، وقاد جيشًا جُلّه من الأمازيغ إلى شبه الجزيرة الإيبيرية وسُميّ جبل طارق باسمه. ومع ذلك كانت النخبة من العرب تعامل الأمازيغ بدونية، وارتبط كثير من الأمازيغ حديثي العهد بالإسلام بالحركات المبتدعة.

كان الخوارج من بين تلك الحركات ونادوا بالمساواة وضرورة أن تتقدم مكانة الدين على المكانة الاجتماعية. ورفض الخوارج أفكار المذهبين السنّي والشيعي وطالبوا بإعلاء الإسلام على النسب والأصول العرقية والإثنية. وبعدما قمعهم الأمويون في الشرق الإسلامي، لجأ كثير من الخوارج إلى المغرب. وفي عام 739 أو 740 اندلعت انتفاضة في طنجة بسبب الضرائب، ثم تحول الأمر إلى تمرد يقوده الخوارج وسموا قائدهم الأمازيغي بالخليفة. ولم يلبث ذلك التمرد وقائده أن قُضي عليهما، لكن الخوارج واصلوا تمردهم في الجبال. وفي منتصف القرن الثامن الميلادي، أخذ الخوارج من سجلماسة الواقعة في واحة تافيلالت جنوب شرق المغرب قاعدةً لهم، واستغلوا تجارة الذهب والملح المزدهرة في الصحراء الكبرى. وقد ساهم ذلك في انتشار الإسلام في جنوب المغرب والصحراء الكبرى.

وكانت البرغواطية من تلك الحركات المبتدعة أيضًا ويرجع أصلها ونشأتها إلى هذه المنطقة نفسها. وقد استقرت في سهول الأطلسي وقد مزجت المسيحية واليهودية والعقيدة الأرواحية “Animism” بالمذهب الشيعي. ووضع اتباعها كتابًا مقدسًا لهم مستوحى من القرآن ولكنه كُتب باللغة الأمازيغية، وكانت لهم صلواتهم وشرعتهم في المأكل والمشرب. وقد استمرت هذه الحركة حتى منتصف القرن الحادي عشر.

التشيع والأدارسة وتأسيس فاس

المغرب: دخول الإسلام
دولتان الإدريسية و البورغواطية. المصدر: C.R. Pennell

كانت أبرز الحركات في بدايات تاريخ المغرب شيعية المذهب. وكان إدريس بن عبد الله، وهو من سلالة علي بن أبي طالب ابن عم النبي محمد وزوج ابنته فاطمة، قد خرج هاربًا من الشرق ولجأ إلى قبيلة أمازيغية بالقرب من وَلِيلي. وأسس عام 789 قاعدة على ضفتي نهر فاس وأقام دولة صغيرة. وقد سيطرت هذه الدولة على الطريق الرئيس إلى الشرق، فعمد الخليفة العباسي هارون الرشيد إلى قتل إدريس بالسُمّ. وبعد ذلك أنجبت زوجة إدريس ولدًا نصّبه أهل المنطقة من الأمازيغ زعيمًا عليهم عام 803. وأسس إدريس الثاني عاصمة بالقرب من دولة والده على نهر فاس. وحين تُوفي إدريس الثاني عام 828 كانت دولته قد بلغت معظم جبال الريف حتى سوس، وازدهرت الدولة بفضل التجارة. ويزعم بعض القوميين المغاربة اليوم أن هذه الأحداث السياسية هي أصل الدولة المغربية الحديثة.

وبحكم السياسة وأحوالها، صار الشيعة الأدَارِسَة أعداءً لولاة العباسيين في القيروان وبقايا الأمويين الذين استقروا في شبه الجزيرة الإيبيرية. ولذلك أصبحت فاس ملجأ الهاربين والفارين، مثل الفقهاء الذين فرّوا إليها بعد الاضطرابات التي حدثت في قرطبة عام 814، ثم وفد عليها اللاجئون من القيروان عام 824. وبقدوم كل هؤلاء، ازدهرت المدينة بالخبرات التجارية والمعرفة الدينية وتطورت ثقافيًا ونعمت بالرخاء والثروة.

ومن ذلك الازدهار أن نساء الأندلس والقيروان بدأن عامي 857 و859 تدشين أوقاف من كبرى المساجد وهي اليوم حاضنة الجامعة الرئيسة في مدينة فاس، وربما تكون أقدم جامعة قائمة في العالم. ولم يكن للمدينة دور سياسي يُذكر، لكنها ازدهرت بتجارتها الكبيرة عبر الصحراء الكبرى ومع بلاد الأندلس (إسبانيا الحديثة). وأخذ المسلمون واليهود يفدون إلى المدينة بأعداد كبيرة بعد ازدهارها في أمان ومنعة في أسوارها الجديدة.

المغرب: دخول الإسلام
أفراد من جماعة صوفية مجتمعين قرب قبر مولاي إدريس الأول، مؤسس السلالة الإدريسية في المغرب، أثناء ممارسة الشعائر الدينية في مدينة مولاي إدريس زرهون شمال البلاد في 26 يوليو 2018، يرتحل عشرات الآلاف من الناس كل صيف إلى بلدة صغيرة في شمال المغرب لزيارة ضريح وليّ صوفي دُفن هناك منذ 12 قرنًا في ما يُعرف باسم “حج المسكين”. كان إدريس الأول من نسل النبي محمد وأسس أول دولة إسلامية في المغرب، ودُفن في أواخر القرن الثامن في مدينة مولاي إدريس زرهون بين تلّتَيْن تكسوهما بساتين الزيتون. FADEL SENNA / AFP

حين تُوفي إدريس الثاني، قسّم أبناؤه الدولة التي اضمحلت تدريجيًا بعد ذلك. وفي أواخر القرن التاسع، فرّ أتباع حركة شيعية أخرى في الشرق العربي وهم الفاطميون إلى سجلماسة. وبعد ذلك انتقلوا إلى تونس حيث أسسوا في أوائل القرن العاشر عاصمة خلافتهم في مدينة المهدية. وفي نهاية ذلك القرن، فتحوا مصر ونقلوا مقر الخلافة إلى القاهرة. فكان نصيب المغرب من السلطنة الإسلامية الغالبة هو التهميش مرة أخرى. ويُبيّن تاريخ فاس أنها كانت ساحة نزاع بين ثلاث قوى هم “الفاطميون” و”العباسيون” في بغداد و”الأمويون” في الأندلس. وقد تتابعت الدول والحكام على فاس مرات عديدة، لكنها ازدهرت مع وفود التجار والحرفيين والعلماء، المسلمون منهم واليهود.

قراءة متعمقة

Advertisement
Fanack Water Palestine