وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

المغرب: سلالات البربر: المرابطون (1040- 1147)

المغرب: سلالات البربر
الإمبراطوريتان المرابطية والموحدية. المصدر: C.R. Pennell

المقدمة

توحدت دويلات المغرب في مطلع القرن الحادي عشر وشكّلت أولى الإمبراطوريتين الإسلاميتين المغربيتين العظيمتين. فاتحدت مناطق شمال غرب إفريقيا على مدار قرنين من الزمان تحت إمرة حركة سياسية تعود أصولها إلى الصحاري والجبال وليس الساحل والسهول. وكانت الإمبراطوريتان من الأمازيغ لا العرب.

وكان الإسلام قد وحّد قبائل الصحراء من خلال التجارة والجهاد، لكنها لم تلتزم تعاليم الدين، وتصدعت التجارة بسبب خلافاتها. وفي منتصف القرن الحادي عشر، استعان يحيى بن إبراهيم زعيم قبيلة جدالة الصحراوية القوية بالفقيه عبد الله بن ياسين لتعليم أبناء قبيلته الإسلام السني. وكانت تعاليمه متزمتة، حتى إن القبيلة طردته. ثم وجد ابن ياسين وأتباعه نحو عام 1030 ملاذهم في رباط أو المواقع الدينية على حافة الصحراء حيث بنوا مجتمعًا شديد الانضباط.

وعُرفوا باسم المرابطين نسبةً إلى “المقيمين في الرُبَط” أو “من تربطهم التقوى”. وأرادوا بناء مجتمع عادل بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتنقية الروح وضبطها. لذلك استخدموا القوة ورفعوا راية الجهاد التي وحّدت الصحراء الكبرى وجعلتهم أثرياء.

توسّع المرابطين

نشر ابن ياسين دعوته بين قبائل الصحراء الكبرى بالتحالف معها. وبعد أن سيطروا على طرق التجارة في الصحراء الكبرى، وحد المرابطون سجلماسة التي استولوا عليها عام 1053 مع أودغست جنوبي الصحراء الكبرى التي غزوها عام 1054. وفي عام 1058، هزم قائد جيش ابن ياسين، أبو بكر بن عمر، مملكة أغمات الصغيرة بالقرب من مراكش الحالية. وفيها تزوج زينب، أرملة آخر حكامها الجميلة، التي تنبأت بأنها لن تتزوج إلا بالرجل الذي يغزو المغرب كلها. ثم أسس أبو بكر نحو عام 1070 قاعدة لجيشه أسماها مراكش، بالقرب من أغمات، لكنه ما لبث أن طلق زوجته وعاد إلى الجهاد في الصحراء.

تولى ابن عم أبي بكر، يوسف بن تاشفين، القيادة واستخدم جيشه الضخم عام 1075 للاستيلاء على فاس، وفيها بدأ بأعمال تشييد كبيرة، فبنى مطاحن وحمامات وفنادق للقوافل. ثم تزوج زينب وحقق نبوءتها مؤسّسًا إمبراطورية جديدة. وبحلول عام 1082، امتدت سلطته إلى غرب الجزائر، واستولى على سبتة عام 1083. وعندما كان أمراء الأندلس أضعف وأوهن من مواجهة تقدّم المسيحيين، استغاث ملك إشبيلية المعتمد بن عباد بالمرابطين لنجدته. ونجحوا في 23 أكتوبر 1086 في صدّ تقدم المسيحيين في موقعة الزلاقة، شمال شرق بطليوس.

ثقافة المرابطين

انتسب المرابطون إلى الإسلام السني وفسروا القرآن حرفيًا. وأدى التزامهم الأخلاقي الصارم المبني على الخضوع المطلق للتفسيرات الفقهية المفروضة من السلطة، إلى فرضهم الزكاة التي ينصّ عليها القرآن فقط، وكانت أقل من غيرها. فاستمالت هذه الضرائب المنخفضة الناس إليهم. وجذبت مراكش العلماء المسلمين من البقاع شتى ، لكن ضيق أفق المرابطين أدى إلى اصطدامهمم بالصوفية وكتاباتهم التي كانت تنمو نهاية القرن الحادي عشر. أما عمارة المرابطين فكانت رائعة. فقد أحاطوا مراكش بأسوار دفاعية عتيدة، ونظام متقن من قنوات ريّ جوفية اسمها الخطارة لري البساتين. وتُقدّر مساحة القصر الضخم بنحو 9,600 متر مربع، كما تواضع يوسف بن تاشفين وشارك بنفسه العمال في بناء المسجد الكبير (مسجد ابن يوسف). لكن الموحدين هدموا القصر والمساجد عندما هزموا المرابطين.

المغرب: السلالات البربرية
فوهة البئر في واحة مغربية. المصدر: C.R. Pennell

سقوط المرابطين

بدأ السقوط في عهد عليّ بن يوسف بن تاشفين (1106-1143)، فقد كان عالمًا أكثر منه محاربًا، وبدأت الخلافات تشق صف العائلة. وانقسمت الإمبراطورية بين جزئيها الصحراوي والمغاربي، ما أدى إلى حرمان مراكش من العمالة، رغم استمرار التجارة دون قيود. كما استنزفت الحرب في الأندلس المال والعمال. وعجز تاشفين بن علي (1143-1145) عن الوقوف أمام المسيحيين في إيبيريا. أما المغرب فكان على موعد مع “نبي” جديد من البربر.

قراءة متعمقة

Advertisement
Fanack Water Palestine